توجيهات صارمة في الجزائر لتجنب انفلات الأوضاع عقب فترة العطلات

وزير الداخلية يعبّئ الولاة لـ«محاربة الشائعات» وتلبية الحاجيات الملحّة

وزير الداخلية الجزائري سعيد سعيود (الوزارة)
وزير الداخلية الجزائري سعيد سعيود (الوزارة)
TT

توجيهات صارمة في الجزائر لتجنب انفلات الأوضاع عقب فترة العطلات

وزير الداخلية الجزائري سعيد سعيود (الوزارة)
وزير الداخلية الجزائري سعيد سعيود (الوزارة)

في سياق يتسم بتنامي المخاوف من اضطرابات اجتماعية واحتجاجات شعبية مع اقتراب «الدخول الاجتماعي»، جمع وزير الداخلية الجزائري الجديد سعيد سعيود الولاة الـ58 في البلاد، مشدداً على ضرورة التحرك ميدانياً بسرعة لاحتواء الوضع وتفادي أي احتقان محتمل.

ويستخدم مصطلح «الدخول الاجتماعي» في الخطاب الجزائري للدلالة على فترة استئناف النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عقب عطلة الصيف، التي تبدأ عادة في نهاية شهر أغسطس (آب) أو بداية سبتمبر (أيلول).

وبدأ الولاة، الأحد، تنفيذ خريطة طريق رسمها سعيود في أثناء اجتماعه بهم، الخميس الماضي، بطريقة المحادثة بالفيديو، وذلك بمناسبة موعد التحاق تلاميذ المدارس بمؤسساتهم التعليمية.

وفي أول نشاط له بعد تعيينه وزيراً للداخلية خلفاً لإبراهيم مراد، في تعديل حكومي أجراه الرئيس عبد المجيد تبون في 14 من الشهر الحالي، زار سعيود مدينة البليدة جنوب العاصمة في 17 من الشهر، حيث تفقد الوضع في المنطقة، ومدى استجابة المرفق العمومي لحاجيات المواطنين، وعمل الوحدات الإدارية اللامركزية التي تُسيّر الشؤون المحلية للسكان.

وزير الداخلية الجزائري خلال زيارته البليدة يوم 18 سبتمبر الحالي (الوزارة)

وكان سعيود وزيراً للنقل في الحكومة السابقة، واحتفظ بهذا القطاع إلى جانب وزارة الداخلية في الحكومة الجديدة، وهو ما يعكس بروزه بوصفه أحد أبرز الفاعلين في السلطة التنفيذية.

وأصدر الوزير توجيهات للولاة ورؤساء الدوائر الإدارية، في خطوة تعكس قلق السلطات من احتمال خروج الوضع عن السيطرة وما قد يترتب عليه من انفلات أمني، حيث شدّد على ضرورة التحضير الجيد للدخول المدرسي والجامعي والاجتماعي، وضمان التكفل الفوري بانشغالات المواطنين، حسبما جاء في تسجيل مصور يظهر فيه سعيود متحدثاً للولاة، نشرته وزارة الداخلية بموقعها الإلكتروني الأحد.

التعليم والمياه ومستوى المعيشة

وأظهر الوزير حرصاً على «توفير نقل مدرسي موثوق، وإطعام جيد في كل بلدية، مع إيلاء اهتمام خاص بالمناطق النائية، وضمان احترام معايير السلامة والنظافة في المؤسسات التعليمية»، مؤكداً أن «سلامة التلاميذ تبدأ من لحظة صعودهم إلى الحافلة».

كما أعلن عن تشكيل «لجان محلية» مهمتها «رصد أي خلل ومعالجته فوراً، لأن المواطن لا ينتظر وعوداً بل يريد حلولاً فعلية».

وطالب الوزير بالاستعداد المسبق لمواجهة التقلبات المناخية المرتقبة مع اقتراب فصلي الخريف والشتاء، حيث يُعرّي تهاطل الأمطار الغزيرة في العادة مواطن الخلل في البنية التحتية. وفي هذا السياق، دعا إلى تعزيز أنظمة الوقاية من الفيضانات والانزلاقات الأرضية، واعتماد برامج محلية فعالة لحماية السكان والمنشآت، مؤكداً أن «الوقاية أقل تكلفة من الإصلاح».

كوادر من وزارة الداخلية خلال اجتماع الوزير بالولاة (الوزارة)

وتناول الاجتماع أيضاً ندرة المياه الصالحة للشرب في مناطق كثيرة، التي كثيراً ما دفعت السكان إلى الاحتجاج في الشارع في فصل الحرارة، إذ طالب سعيود بـ«الانطلاق الفوري في إعادة تأهيل شبكات توزيع المياه، وضمان صيانتها بشكل منتظم، مع الحرص على التوزيع العادل بين مختلف المناطق، والتأكيد على ضرورة إبلاغ المواطنين مسبقاً بأي تغييرات قد تطرأ على برامج التوزيع، تفادياً لانتشار الشائعات وحفاظاً على منسوب الثقة».

كما شدّد على تحسين الإطار المعيشي في المدن والقرى «من خلال إطلاق برامج حكومية دائمة تهدف إلى تهيئة الفضاءات العمومية وتحسين البيئة الحضرية بشكل مستدام»؛ مؤكداً على «أهمية الاستماع لانشغالات السكان وتكريس الشفافية في التواصل ليكون نهجاً دائماً داخل الإدارة».

وفي ظل تنامي المخاوف من تصاعد الاعتداءات والسرقات وجرائم السطو على المنازل في عدد من الأحياء، شدّد سعيود على ضرورة تكثيف الجهود لمحاربة الجريمة بمختلف أشكالها، مع التركيز على حماية المواطنين وممتلكاتهم، وزيادة الانتشار الأمني.

الشائعات وإثارة الفوضى

وصدرت أيضاً تحذيرات من الشائعات و«التضليل» و«المعلومات المغلوطة».

وترى السلطات دوماً أن وراء نشر الشائعات المضللة عبر وسائط التواصل الاجتماعي «مؤامرة من تدبير جهات مشبوهة بهدف تقويض السلم المدني وإثارة الفوضى والاضطرابات في البلاد». ويأتي هذا التحذير في الغالب من رئيس أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة، ورئيس البلاد تبون.

وكان وزير الاتصال محمد مزيان، المُقال في التعديل الحكومي الأخير، قد قال في فبراير (شباط) الماضي إن «تسعة آلاف صحافي حول العالم يشتغلون على تشويه صورة الجزائر»، وجاء كلامه في سياق تصاعد التوترات بين الجزائر وفرنسا وتفاعل وسائل الإعلام مع الأزمة.

تشدد مع النقابات «المتذمرة»

وتنتهج الحكومة سياسة غليظة مع النقابات في القطاعات التي تعرف تذمراً، خصوصاً التعليم وسكة الحديد والبريد، حيث يتكرر التذمر من تدني الأجور.

وفي خضم التوترات الاجتماعية الزائدة، شهدت الجزائر خلال عام 2025 توقيف عدد من النقابيين البارزين، ما أثار موجة من القلق والجدل داخل الأوساط العمالية والحقوقية.

ففي 24 فبراير 2025، تم توقيف مسعود بوديبة، رئيس «المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني»، رفقة أبو بكر هابط، الأمين الوطني المكلف بالإدارة داخل النقابة نفسها، وذلك خلال مشاركتهما في احتجاج نقابي بولاية المسيلة جنوب شرقي البلاد. وقد تم وضعهما لاحقاً تحت الرقابة القضائية، بتهم تتعلق بـ«المشاركة في تجمع غير مرخص».

رئيس نقابة عمال السكك الحديدية المسجون بسبب إشعار بالإضراب (متداولة)

أما في قطاع النقل، ففي 5 يوليو (تموز) الماضي، أودع الأمين العام لنقابة السكك الحديدية، لونيس سعيدي، الحبس الاحتياطي بعد توقيعه على إشعار بالإضراب موجه لوزير النقل، حيث كان مقرراً أن يبدأ الإضراب يوم 7 يوليو. وقد عدّ هذا التوقيف خطوة تصعيدية ضد العمل النقابي، مما أدى إلى موجة تضامن واسعة من قبل النقابات والمنظمات الحقوقية.


مقالات ذات صلة

مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

إعلام مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

لم يكن الذكاء الاصطناعي مجرّد أداة تقنية مساعدة في الإعلام، بل بات اليوم شريكاً فعلياً في صياغة الخبر، وتحرير المحتوى، بل تشكيل الانطباعات عن الأشخاص والشركات.

إيلي يوسف (واشنطن)
الخليج من اجتماع اللجنة الإعلامية المنبثقة عن «مجلس التنسيق السعودي - القطري» في الدوحة الخميس (واس)

مباحثات سعودية - قطرية لتعزيز التعاون الإعلامي

بحث سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي مع الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس المؤسسة القطرية للإعلام، سبل تعزيز وتطوير آليات التعاون والشراكة الإعلامية بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
يوميات الشرق وزير الإعلام السعودي يلتقي رئيس صحيفة الشعب الصينية بالتزامن مع افتتاح مكتبها الإقليمي في الرياض (الوزارة)

صحيفة الشعب الصينية تفتتح مكتبها الإقليمي في الرياض

افتتحت صحيفة الشعب الصينية مكتبها الإقليمي في الرياض، ليُمثِّل جسراً للتواصل الثقافي والتبادل الإعلامي والمعرفي بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون تُوِّجت «مانجا العربية» بجائزة التميز لتطويرها محتوى رقمياً يعزّز تجربة القراءة بأساليب عصرية (واس)

«معرض الرياض للكتاب 2025» يختتم فعالياته بتوزيع «جوائز التميز»

توَّج معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 شركة «مانجا العربية»، التابعة لـ«المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)»، بجائزة التميز في النشر عن فئة المنصات الرقمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق لمى الصبّاح تعد بسنّ قوانين للحدّ من ظاهرة التنمّر (الصبّاح للإنتاج)

«الصبّاح للإنتاج» تُطلق «بودكاست من أجل قضية» لمكافحة التنمّر

«بودكاست من أجل قضية» سيُصوَّر في أكثر من بلد عربي، فيُسلّط الضوء على معاناة شخصيات معروفة في السعودية، والإمارات، وبلاد المغرب.

فيفيان حداد (بيروت)

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».


عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
TT

عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

تلاحق عشرات الطعون القضائية نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، لتضاف إلى سلسلة الطعون التي رافقت المرحلة الأولى، وأدت إلى إعادة الانتخابات في عدة دوائر، وسط جدل سياسي حول إجراءات الاستحقاق البرلماني.

وصوت المصريون، الخميس، في اليوم الثاني (الأخير) للانتخابات في الدوائر الـ19 الملغاة، بالإضافة إلى دائرة إعادة بالفيوم، ضمن المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب.

وجرت عمليات التصويت في 1775 لجنة فرعية على مستوى الـ20 دائرة في 7 محافظات، والتي يتنافس فيها 455 مرشحاً على 43 مقعداً.

وتوالت الطعون على المحكمة الإدارية العليا ضد قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات بإعلان نتائج الجولة الأولى للمرحلة الثانية، حيث بلغ عددها حتى منتصف اليوم 200 طعن من مختلف المحافظات المشمولة بالمرحلة، وفق وسائل إعلام محلية.

وتحفظت الهيئة الوطنية للانتخابات عن التعليق على هذا العدد من الطعون، فيما قال المستشار أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي بالهيئة الوطنية للانتخابات، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهيئة ما زالت تنتظر نهاية يوم الخميس، وهو آخر موعد قانوني لتقديم الطعون، وفق الجدول الزمني المعتمد».

وأوضح مصدر قضائي مصري أن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا ستبدأ فحص ملفات الطعون، وحددت الجلسة الأولى لنظرها في 7 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. كما يحق للمرشحين غير الفائزين التقدم بطعونهم خلال 48 ساعة من إعلان النتيجة.

لقطة من أمام إحدى اللجان الانتخابية بمحافظة الجيزة (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

ونظراً لتزايُد الطعون المرتبطة بالمرحلة الثانية للانتخابات، يرجح أستاذ القانون الدستوري عبد الله المغازي احتمال إعادة الانتخابات في عدد من دوائر المرحلة الثانية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الاحتمال «يتوقف على طبيعة الأسباب التي يستند إليها المرشحون في طعونهم، ومدى اقتناع المحكمة بصلابة الحجج القانونية المقدَّمة».

وشدّد المغازي على أن المحكمة تعتمد معياراً رئيسياً يتمثل في التحقق من سلامة العملية الانتخابية، وضمان الالتزام الصارم بالأطر القانونية المنظمة لها قبل إصدار أي قرار بإعادة الاقتراع.

وتوزعت الطعون على المرحلة الثانية للانتخابات على 10 محافظات هي: القاهرة، والدقهلية، والقليوبية، والشرقية، وكفر الشيخ، والغربية، وشمال سيناء، والمنوفية، والإسماعيلية، ودمياط، بحسب وسائل إعلام محلية.

يأتي هذا وسط حالة من الجدل السياسي والقانوني، عقب سلسلة المخالفات التي رافقت التصويت في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، ودفعت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات بمراجعة التجاوزات.

وبعد إلغاء نتائج 19 دائرة في سبع محافظات دفعة واحدة، أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارات أبطلت فيها نتائج 30 دائرة أخرى؛ لتقفز نسبة الدوائر الملغاة في النظام الفردي إلى ما يتجاوز 60 في المائة.

وتؤكد الهيئة الوطنية للانتخابات أن الإجراءات المتخذة لتصحيح المسار «تعكس قوة مجلس النواب المقبل»، وفقاً للمستشار بنداري الذي قال في تصريحات متلفزة إن كل الإجراءات القانونية والرقابة القضائية اتُّخذت لضمان أن يكون المجلس منتخباً بإرادة الناخبين.

لكن الكاتب الصحافي عبد الله السناوي يرى أن حجم الدوائر الملغاة والأحكام القضائية التي انتقدت امتناع الجهة المشرفة عن تقديم محاضر الفرز في المرحلة الأولى، «لا يمكن اعتبارهما مجرد خلل إجرائي عابر».

وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الطعون المتزايدة وإعادة الانتخابات في هذا العدد الكبير من الدوائر «ليستا دليلاً على تصحيح المسار، بل هما مؤشر على اضطراب أعمق في البيئة القانونية والتنظيمية»، مشدداً على أن أنصاف الحلول «لا تبني شرعية مستقرة للبرلمان»، ودعا إلى «إصلاح عميق للبنية القانونية للانتخابات، وفتح المجال العام، وإطلاق الحريات السياسية؛ كخطوة أولى لإصلاح هذا المشهد».

ومن المقرر إعادة التصويت في الدوائر الثلاثين الملغاة بحكم «الإدارية العليا» للمرحلة الأولى، بحيث تُجرى الجولة الأولى يومي 8 و9 ديسمبر الحالي للمصريين بالخارج، ويومي 10 و11 ديسمبر للداخل، على أن تعلن النتيجة يوم 18 من الشهر.

وفي حالة الإعادة، تُجرى الانتخابات في الخارج يومي 31 ديسمبر و1 يناير (كانون الثاني)، وفي الداخل يومي 3 و4 يناير، وتُعلن النتيجة النهائية يوم 10 يناير.


تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
TT

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة»، متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «الحقبة الاستعمارية»، وعرقلة المفاوضات بين البلدين، وهو ما عدَّه خبراء ومحللون «لغة تصعيدية» قد تضاعف الخلافات القائمة.

وفي بيان صدر، الأربعاء، قالت الخارجية الإثيوبية إن المسؤولين المصريين «يدَّعون احتكار مياه النيل تحت ذريعة معاهدات تم إبرامها خلال الحقبة الاستعمارية». وأثار البيان حفيظة المصريين.

ورغم استمرار المفاوضات بين البلدين بمشاركة السودان لأكثر من 12 عاماً بحثاً عن التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن بناء «سد النهضة» وتشغيله، اتهم البيان الإثيوبي مصر بـ«عرقلة المفاوضات»، ودعت أديس أبابا الجهات المعنية إلى إدانة ما وصفته بـ«السلوك غير المسؤول من جانب مصر بالتظاهر بالانخراط في التفاوض والحوار دون جدوى».

وصدر البيان بعد ساعات من تحذير وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي من «الممارسات الإثيوبية غير المسؤولة» على حوض نهر النيل الشرقي، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي في برلين مع وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، الثلاثاء، أنها «تُشكل خطراً داهماً على مصالح مصر المائية وأمنها القومي».

مؤتمر صحافي بين وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي والألماني يوهان فاديفول الثلاثاء تحدث فيه عن موقف مصر من سد النهضة (الخارجية المصرية)

وكانت إثيوبيا قد افتتحت سد النهضة رسمياً في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد 14 عاماً من بدء أعمال البناء، وهو أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

واتفق خبراء مصريون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن بيان إثيوبيا «حمل لغة تصعيدية» قد تضاعف من خلافات البلدين فيما يتعلق بالتعامل مع الملف المائي، ويفتح الباب أمام إقدام القاهرة على اتخاذ إجراءات قانونية إزاء ما تراه عدم التزام بالقوانين المنظمة لاستخدامات المياه في الأنهار الدولية، دون استبعاد أي حلول حال تعرض مصالحها للضرر.

وأبدت إثيوبيا من خلال البيان تمسكها بما تعده حقها في «استخدام مواردها المائية»، مؤكدة أنها «غير ملتزمة مطلقاً بأن تطلب الإذن من أي جهة لاستخدام الموارد الطبيعية الموجودة داخل حدودها».

والنيل الأزرق الذي بنت عليه إثيوبيا «سد النهضة» هو المنبع الرئيسي لنهر النيل في مصر.

القانون الدولي

وقال رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب المصري، شريف الجبلي، إن البيان «تجاوز الأعراف الدبلوماسية، ويزيد صعوبة العودة إلى الحوار البناء بين إثيوبيا ومصر والسودان».

وأضاف: «البيان لا يعترف بالاتفاقيات المعمول بها سابقاً بشأن الحقوق المائية التاريخية لدولتي المصب، ويتجاوز قوانين إدارة الأنهار الدولية التي تنص على الاستخدام العادل والمعقول للمياه».

وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن البيان «يتجاهل مسألة عدم الإضرار بالدول الأخرى، وهو ما يشير إلى إصرار إثيوبيا على اتخاذ موقف أحادي بشأن استخدامات مياه النهر، ما يفتح الباب أمام إقدام مصر على اتخاذ إجراءات قانونية لمواجهة انتهاكات القانون الدولي».

وتابع قائلاً: «لدى مصر حقوق تاريخية وقانونية لا يمكن تجاهلها»، مشيراً إلى أن البيان الإثيوبي «يهدد الأمن المائي، ويتطلب خططاً استراتيجية تعمل على مواجهة أي تصعيد غير محسوب في قضية المياه قد يضر بالأمن في منطقة القرن الأفريقي».

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لدى افتتاحه سد النهضة (الخارجية الإثيوبية)

وتتمسَّك القاهرة بما تعده «الحق التاريخي» لها في مياه النيل وفقاً لاتفاقيات دولية تضمن لها حصة تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه.

وأكد الجبلي أهمية استمرار المطالبات المصرية بتطبيق القانون الدولي والتوصل إلى اتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» بإشراف جميع الأطراف الدولية بما فيها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، «لضمان إدارة الموارد المائية بشفافية واستحداث آلية مراقبة مشتركة تتضمن الرقابة التقنية الدقيقة لتتبع تدفقات مياه النيل ومنع الإجراءات الأحادية».

الخيارات المتاحة

مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان السابق، حسام عيسى، قال إن البيان الإثيوبي جاء رداً على النشاط الدبلوماسي المصري الرافض لتصرفات أديس أبابا «الأحادية» بشأن تشغيل السد، «التي أدت إلى فيضانات في السودان وصلت تأثيراتها إلى مصر».

وقبل أيام فندت وزارة الري المصرية إجراءات إثيوبيا التي أدت إلى «عدم انتظام تصريف المياه»، ما دفعها إلى إعلان إجراءات حمائية لاستيعاب المياه الزائدة.

وقال عيسى لـ«الشرق الأوسط»: «مصر تضع الآن جميع أوراقها على الطاولة، ولديها الوسائل المتاحة كافة لحماية مصالحها وأمنها المائي، ولن تقبل بنقص قطرة مياه واحدة، وسعيها إلى تجنب المشاكل والصراعات لا يعني عدم سلكها الطرق كافة التي تضمن أمنها».

وأضاف: «الخلاف المصري مع إثيوبيا يتركز في نهجها القائم على عدم وضع اعتبار للأضرار التي قد يتعرض لها جيرانها، سواء كان ذلك بشأن سد النهضة أو سعيها إلى الوصول لمنفذ بحري على البحر الأحمر».

ويرى الخبير في الشأن الأفريقي، رامي زهدي، أن مصر يمكنها التحرك لحفظ الحقوق المائية عبر استخدام «الوسائل الدبلوماسية، أو اللجوء إلى المحاكم الدولية، أو استخدام وسائل خشنة حالة الضرورة».

وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن حالات الضرورة تتمثل في «وجود مهددات لاستقرار الدولة المصرية، أو التأثير سلباً على الأمن في منطقة البحر الأحمر، أو الاستمرار في إجراءات تهديد الأمن المائي عبر تصريف كميات هائلة من المياه بما يشكل خطراً داهماً أو شح المياه».

وسبق أن أعلنت مصر انتهاء مسار التفاوض بشأن السد، متهمة إثيوبيا بالتعنت وإفشال المفاوضات، مؤكدة أنها تحتفظ بحقها في الحفاظ على مصالحها الوجودية وفقاً للقانون الدولي، على أساس أن نهر النيل شريان الحياة في البلاد ومصدرها الوحيد للمياه.