الجزائر تهدد لأول مرة باللجوء إلى الأمم المتحدة في خلافها الحاد مع فرنسا

في ظل تواصل انحدار العلاقات بين البلدين

وزيرا خارجية الجزائر وفرنسا في 6 أبريل 2025 (الخارجية الجزائرية)
وزيرا خارجية الجزائر وفرنسا في 6 أبريل 2025 (الخارجية الجزائرية)
TT

الجزائر تهدد لأول مرة باللجوء إلى الأمم المتحدة في خلافها الحاد مع فرنسا

وزيرا خارجية الجزائر وفرنسا في 6 أبريل 2025 (الخارجية الجزائرية)
وزيرا خارجية الجزائر وفرنسا في 6 أبريل 2025 (الخارجية الجزائرية)

بين 14 و24 يوليو (تموز) 2025، تحوّلت الأزمة السياسية الحادّة بين الجزائر وباريس، في غضون عشرة أيام فقط، من مؤشرات تهدئة خجولة إلى موجة تصعيد جديدة تنذر بإحالتها إلى الأمم المتحدة، وهو ما دفع مراقبين إلى التساؤل: كيف وصلت العلاقات بين فرنسا ومستعمرتها السابقة إلى هذا المستوى من التدهور، الذي اقترب في أكثر من مناسبة من حافة القطيعة؟

تفاقم التوترات

في 14 يوليو الحالي، احتفلت سفارة فرنسا في الجزائر بالعيد الوطني، في مقر إقامة السفير بأعالي العاصمة، وجرى ذلك في أجواء مشحونة، وأعصاب مشدودة نتيجة التوتر القائم بين البلدين وأمام جمهور غفير حضر المناسبة، من بينهم كاتب الدولة المكلّف الجالية الجزائرية في الخارج، سفيان شايب، وصحافيون وقادة أحزاب وناشطون سياسيون ومن المجتمع المدني، ألقى جيل بورباو، القائم بالأعمال في السفارة، كلمة نيابةً عن السفير ستيفان روماتيه، الذي سُحب إلى باريس قبل شهرين في سياق الأزمة.

القائم بالأعمال في سفارة فرنسا بالجزائر (السفارة)

ودعا بورباو إلى «تشارك الاقتناع بوجود طريق بديل عن الخلاف، وإلى الإيمان بأن هناك سبيلاً آخر غير المواجهة، ليس ممكناً فقط، بل ضروري». مؤكداً أن «إرادتنا في تجاوز الصعوبات لا تزال ثابتة، وحرصنا على استعادة مسار التهدئة ما زال كاملاً. نحن نُدرك أن هذا الطريق يتطلب الكثير، لكن ثقوا، أصدقائي الأعزاء، أننا عازمون على المضي فيه، لأن الروابط الإنسانية التي تجمعنا تفرض ذلك، ولأن اضطرابات العالم تُملي علينا أن نعمل معاً مجدداً لمواجهة تحديات الحاضر بشكل أفضل».

مسافرون جزائريون في «مطار شارل ديغول» أكدوا أنهم باتوا يتعرضون أكثر لمضايقات كثيرة (الوطن الجزائرية)

بعدها بعشرة أيام فقط، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية القائم بالأعمال الفرنسي، جيل بورباو، لإبلاغه احتجاجها على قرار اتخذه وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، يقضي بمنع دخول الموظفين المعتمدين في سفارة الجزائر بفرنسا إلى المناطق المخصصة في مطارات باريس لتسلم الحقائب الدبلوماسية، بحسب ما ورد في بيان للوزارة.

وأعربت الخارجية الجزائرية عن «دهشتها» مما حدث، وطالبت الدبلوماسي الفرنسي بتقديم توضيحات في هذا الشأن. وأوضح البيان أن القائم بالأعمال في سفارة الجزائر بفرنسا تواصل مع وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية للحصول على تفسيرات.

يُشار إلى أن الجزائر كانت قد سحبت سفيرها من باريس منذ نهاية يوليو 2024، احتجاجاً على اعتراف الإليزيه بخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء. وكان هذا الحدث نقطة بداية التوتر.

وأوضح بيان الخارجية الجزائرية أن «الإجراءات المتخذة، سواء في الجزائر أو في باريس، بيّنت أن هذا القرار تم اتخاذه من قبل وزارة الداخلية الفرنسية، دون علم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية، وفي ظل غياب تام للشفافية، ومن دون أي إشعار رسمي، كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية الأساسية».

وعدّت الجزائر هذا الإجراء الجديد «مساساً خطيراً بحسن سير عمل البعثة الدبلوماسية الجزائرية في فرنسا، وانتهاكاً صريحاً لأحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، لا سيما المادة 27، والفقرة 7، التي تنص صراحةً على حق أي بعثة دبلوماسية في إرسال أحد أعضائها المعتمدين لتسلم الحقيبة الدبلوماسية مباشرة، وبحرية من قائد الطائرة».

وأضاف البيان بنبرة تحذير: «أمام هذا الوضع، قررت الجزائر تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بصرامة، ودون تأخير. كما تحتفظ لنفسها بالحق في اللجوء إلى جميع الوسائل القانونية المناسبة، بما في ذلك التوجه إلى الأمم المتحدة، من أجل الدفاع عن حقوقها، وضمان حماية بعثتها الدبلوماسية في فرنسا».

تحذير حاد اللهجة

لأول مرَة منذ اندلاع التوترات بين البلدين، قبل عام، يتم الحديث في الجزائر عن اللجوء إلى الأمم المتحدة في مؤشر لافت على بلوغ التوتر مداه.

وقد حرص كبار المسؤولين في الجزائر، في أثناء تعاملهم مع «الفعل ورد الفعل» خلال أطوار الأزمة الدبلوماسية الخطيرة الراهنة مع فرنسا، على التمييز بين وزير الداخلية برونو روتايو، الذي يُنظر إليه كرمز لـ«صقور» اليمين المعادي للجزائر، والرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يسعى إلى تهدئة التوترات بين البلدين، لا سيما بعد اتخاذه خطوات إيجابية في «ملف الذاكرة» خلال السنوات الأخيرة.

وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو (رويترز)

واشتدت الخصومة بين الحكومة الجزائرية وبرونو روتايو منذ نهاية عام 2024، بعد ثلاثة أشهر من توليه منصبه، عندما قرر ترحيل عشرات الجزائريين غير النظاميين المصنفين «خطراً على الأمن في فرنسا». لكن الجزائر رفضت استقبالهم في مرات عديدة، وأعادتهم على الطائرات نفسها التي قدموا بها من المطارات الفرنسية.

وتصاعدت الخلافات في مارس (آذار) 2025 إثر رفض شرطة الحدود بمطار شارل ديغول بباريس دخول زوجة سفير الجزائر بمالي، بأمر من روتايو، وهي خطوة اتخذت ضمن قرار الحكومة الفرنسية فرض تأشيرات على حاملي الجوازات الدبلوماسية والخدمية الجزائرية، مما يُعدّ خرقاً لاتفاق بين البلدين، أبرم عام 2013 يسمح لهؤلاء بالدخول دون تأشيرة.

وامتدت تداعيات الإخلال بهذا الاتفاق إلى تهديد الجانب الفرنسي بإلغاء «اتفاقية 1968»، التي تحدد الإطار العام لهجرة الجزائريين وإقامتهم في فرنسا، سواء للدراسة أو للعمل. وقد تصدّر برونو روتايو مرة أخرى خطاب اليمين الفرنسي، الداعي إلى فسخ هذا الرابط الإنساني المهم بين ضفتي المتوسط. وتعمّد المس بـ«العصب الحساس»، الذي يؤلم الجزائريين أكثر، في تقديره، والمتمثل في حرمانهم من السفر إلى فرنسا، من دون الحاجة إلى طلب تأشيرة. وطال هذا الإجراء أيضاً زوجاتهم وأبناءهم.

ومنذ أن أصبح رئيساً لحزب «الجمهوريون» (اليمين التقليدي) في الانتخابات، التي جرت في مايو (أيار) الماضي، تزايدت التوقعات بشأن احتمال ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2027، وحينها سيكون احتمال القطيعة مع الجزائر أقوى من أي وقت مضى.

اليوتيوبر المعارض أمير بوخرص (متداولة)

غير أن الحلقة الأكثر تأجيجاً للأزمة، التي صبّت مزيداً من الزيت على نار الخلاف، وأبعدت الحل إلى أجل غير معلوم، تمثّلت في سجن موظف واثنين من أعوان سفارة الجزائر، بتهمة اختطاف واحتجاز اليوتيوبر المعارض، أمير بوخرص. وقد أعقبت هذه الحادثة موجة من تبادل طرد الدبلوماسيين بين البلدين، في مشهد تصعيدي خطير وغير مسبوق.


مقالات ذات صلة

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

شمال افريقيا الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

فرضت محكمة جزائرية، مساء الخميس، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا مخدرات صادرها الجيش الجزائري بالحدود (وزارة الدفاع)

الجزائر: ارتفاع مقلق للوفيات نتيجة الجرعات الزائدة من المخدرات

أكدت بيانات معهد الأدلة الجنائية للدرك الوطني الجزائري حدوث تحول كبير في نمط تعاطي المخدرات، والمؤثرات العقلية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي كريستوف غليز (أ.ف.ب)

ماكرون يبدي «قلقاً بالغاً» لإدانة صحافي فرنسي في الجزائر

أعلن قصر الإليزيه، الخميس، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «تلقى بقلق بالغ نبأ الحكم بالسجن على الصحافي الفرنسي كريستوف غليز في الجزائر».

«الشرق الأوسط» (باربس)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي المسجون في الجزائر (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

محاكمة صحافي تضع التقارب الجزائري - الفرنسي تحت «اختبار عسير»

شهد محيط محكمة مدينة تيزي وزو شرق العاصمة الجزائرية، الأربعاء، أجواء غير عادية بسبب محاكمة صحافي فرنسي تطالب بلاده بالإفراج عنه.

العالم العربي صورة مركبة بمناسبة تهنئة رئيس الحكومة الإسبانية الرئيس الجزائري بإعادة انتخابه في 2024 (الرئاسة الجزائرية)

حكومة إسبانيا تسعى لإعادة التوازن في علاقاتها بالجزائر

تحضّر إسبانيا لاستقبال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في أول زيارة له منذ توليه الحكم عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.