أثيرت تساؤلات في ليبيا حول إمكانية فرض «عقوبات» دولية على شخصيات سياسية وميليشياوية في البلاد، وذلك على خلفية تلويح «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا خلال اجتماع احتضنته برلين، الجمعة، «بمحاسبة معرقلي العملية السياسية».
الحديث عن خيار العقوبات ضد شخصيات ليبية، هو من منظور عدد من الدبلوماسيين الليبيين «رسالة تخويف وترهيب» من جانب المشاركين في «اجتماع برلين»، وهذا اعتقاد تبناه أيضاً وكيل وزارة الخارجية الليبية السابق، حسن الصغير، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «التوافق على العقوبات من حيث المبدأ يتيح للدول والمنظمات فرض عقوبات بصورة فردية ومنفصلة على شخصيات ليبية». لكنه أشار إلى أن خيار فرض عقوبات من جانب مجلس الأمن يبدو «بالغ الصعوبة في ملف لم يخضع لعقوبات أممية منذ عام 2011، إلى جانب اختلاف الظروف السياسية والأمنية منذ رحيل نظام القذافي».
وتتكرر على نحو دوري تهديدات مجلس الأمن، ودول غربية، بفرض عقوبات على «معرقلي العملية السياسية» في ليبيا. لكن التحرك الوحيد على هذا المسار كان قرار الاتحاد الأوروبي في 2016 بفرض عقوبات على رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، ورئيس المؤتمر العام السابق نوري بوسهمين، شملت «حظر السفر وتجميد الأصول»، قبل أن يتم رفعها عام 2021، عقب «اتفاق جنيف» الذي أنهى حرب العاصمة طرابلس.
ورغم أن العقوبات لم تكن رادعة في السابق، من منظور عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي، بلقاسم قزيط، خصوصاً على من أسماهم بـ«الكبار»، فإنه يشير في المقابل إلى أن «التخويف من العقوبة هو قوة رادعة أحياناً أكثر من العقوبة نفسها».
وتوقع قزيط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يؤتي أسلوب التلويح بالعقوبات أكله مع قادة الميليشيات أكثر من القادة السياسيين، «لأن ملفاتهم مثقلة بانتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي وغيرها»، وفق تعبيره.
أما الأكاديمي ونائب رئيس حزب «الشعب الحر»، محمد حسن مخلوف، فيرى أن الحديث عن «عقوبات ضد شخصيات ليبية هو محاولة لاحتواء الضعف، وغياب اللغة الحازمة في مخرجات اجتماع برلين». وقال مخلوف لـ«الشرق الأوسط» إن «مسار التهديد بالعقوبات والمحاسبة قد يدفع المتشبثين بالسلطة في ليبيا إلى التفكير في الخروج الآمن مع ضمانات».
وخلال اجتماع «عملية برلين»، الذي شهد مشاركة 18 دولة، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، أقر المشاركون بالعمل المهم الذي قامت به «اللجنة الاستشارية» للبعثة الأممية، في إشارة إلى خريطة طريق وضعها الخبراء الليبيون.
من جانبه، يستبعد الباحث المتخصص في الشأن الليبي، جلال حرشاوي، فرض أي عقوبات على شخصيات سياسية ليبية راهناً، مبرزاً أن المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، «تتبع نهجاً يركّز على مخرجات اللجنة الاستشارية، التي تتكوّن من خبراء ليبيين».
وعد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الأسلوب الحالي الذي تنتهجه تيتيه «يختلف عن النهج المتبع في عامي 2020 أو 2021، عندما كانت الأمم المتحدة تحدّد خطوات حل الأزمة الليبية بشكل صريح».
وبمنأى عن أي تدابير عقابية، توقع حرشاوي أن تكرر تيتيه في مداخلتها أمام مجلس الأمن موقف «اللجنة الاستشارية»، وتحديداً دعوتها إلى تشكيل حكومة موحدة جديدة، والأهم من ذلك ردود فعل رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة.
ومع ذلك هناك فريق من الساسة الليبيين يرى أن العقوبات مقبلة لا محالة، وذلك في ظل تمسك الأطراف السياسية بالسلطة، ومن بين هؤلاء رئيس «حزب الكرامة»، يوسف الفارس، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأمر محسوم نحو مسار العقوبات». مستنداً في ذلك إلى «تعقيدات في المشهد السياسي، ووجود دول صاحبة مصالح ومتداخلة في الشأن الليبي».
ومنذ عام 2014 تعاني ليبيا من فراغ وانقسام سياسيين بين شرق البلاد وغربها، قادا نحو الإخفاق في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) 2021، هذا بالإضافة إلى معاناة البلاد من أزمات أمنية.
يشار إلى أن اجتماع لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا، هو الثاني منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021، علماً أنها تشكلت بوصفها أحد مخرجات مؤتمري برلين حول ليبيا المنعقدين في يناير (كانون الثاني) 2020 ويونيو (حزيران) 2021.
وقد دعا المجتمعون في برلين جميع الأطراف إلى «الامتناع عن اتخاذ إجراءات أحادية الجانب، من شأنها تعميق الانقسامات»، مذكّرين بأنه «ستتم محاسبة مَن يعرقل العملية السياسية، بما في ذلك بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة».