لماذا باغتت «عاصفة الإسكندرية» المواطنين و«الأرصاد الجوية»؟

مطالبات برلمانية بشأن غياب التحذيرات المسبقة من موجة الطقس العنيفة

جانب من عمليات رفع مياه الأمطار في الإسكندرية (محافظة الإسكندرية)
جانب من عمليات رفع مياه الأمطار في الإسكندرية (محافظة الإسكندرية)
TT

لماذا باغتت «عاصفة الإسكندرية» المواطنين و«الأرصاد الجوية»؟

جانب من عمليات رفع مياه الأمطار في الإسكندرية (محافظة الإسكندرية)
جانب من عمليات رفع مياه الأمطار في الإسكندرية (محافظة الإسكندرية)

بينما تفاجأ المصريون بما شهدته محافظة الإسكندرية (شمال البلاد) من هطول أمطار وثلوج بشكل كثيف وهبوب رياح قوية في الساعات الأولى من صباح السبت، تسببت في أضرار بالغة بالمركبات وبعض المنشآت، ما دفع إلى تقديم تساؤلات برلمانية للحكومة عن سبب غياب التحذير المسبق من تلك الأحوال الجوية، فإن مسؤولاً بالهيئة المصرية للأرصاد الجوية أكّد لـ«الشرق الأوسط» أنه «تم التحذير قبل الأمطار بوقت كافٍ، وجميع الجهات التنفيذية لديها علم بذلك».

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر تداول العديد من الصور ومقاطع الفيديو التي توضح كثرة المياه بشوارع الإسكندرية، فضلاً عن الأضرار التي لحقت بسيارات، وسقوط أبنية وأشجار ولوحات إعلانية، وقد أطلق بعض المصريين على ما حدث وصف «عاصفة» مبدين تعجبهم لأنها جاءت في وقت، نادراً ما تحدث به مثل تلك الظواهر الجوية بمصر، التي تستعد لدخول فصل الصيف في مثل هذا التوقيت من كل عام.

وأعلنت محافظة الإسكندرية، في بيان، «حالة الاستعداد القصوى في جميع الأجهزة التنفيذية بالمحافظة للتعامل مع تلك الحالة، التي تشير إلى تعرض المحافظة لأمطار ورياح متفاوتة الشدة، تكون رعدية».

وكلّف محافظ الإسكندرية، أحمد خالد سعيد، جميع الأجهزة التنفيذية بتكثيف الوجود الميداني على مدار الساعة لمتابعة أعمال تصريف تجمعات مياه الأمطار، والتأكد من تحقيق السيولة المرورية.

كما أعلن محافظ الإسكندرية «تأجيل موعد امتحانات الشهادة الإعدادية، السبت، لمدة ساعة نظراً لتداعيات حالة عدم الاستقرار في الأحوال الجوية والرياح الشديدة المفاجئة التي تعرضت لها المحافظة»، بحسب وصف البيان.

نفق مغلق أمام حركة السيارات صباح السبت (محافظة الإسكندرية)

من جهتها، قالت الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية، في بيان، إن «محافظة الإسكندرية تعرضت لموجة طقس غير مستقرة، تميزت بهبوب رياح شديدة تبلغ سرعتها نحو 50 كيلومتراً في الساعة، ما ساهم في زيادة الإحساس ببرودة الطقس رغم دخول فصل الصيف، كما تسببت في إثارة الرمال والأتربة في بعض المناطق.

وأشارت الهيئة إلى أن صور الأقمار الصناعية الحديثة أظهرت تكاثفاً للسحب المنخفضة والمتوسطة على أجزاء واسعة من السواحل الشمالية الغربية، من بينها الإسكندرية، ما ينذر باستمرار هطول أمطار رعدية متفاوتة الشدة خلال الساعات المقبلة، تكون خفيفة إلى متوسطة في بدايتها، ثم تزداد حدتها تدريجياً مع تقدم ساعات النهار.

وذكرت الهيئة، في بيانها، أن الظروف الجوية المضطربة لن تقتصر على الإسكندرية فقط، بل ستمتد إلى عدة مناطق من السواحل الغربية والوجه البحري، مع وجود فرص سقوط أمطار رعدية على مناطق متفرقة من جنوب الوجه البحري، يصاحبها نشاط رياح، قد يكون مثيراً للرمال والأتربة في بعض المناطق، ولا سيما جنوب الصعيد.

شوارع الإسكندرية شهدت وجوداً مكثفاً للمسؤولين لمتابعة آثار موجة الطقس السيئ (مجلس الوزراء المصري)

ودفعت الأزمة عضو مجلس النواب (البرلمان)، أيمن محسب، إلى توجيه سؤال برلماني إلى كل من رئيس مجلس الوزراء، ووزير التنمية المحلية، ورئيس الهيئة العامة للأرصاد الجوية، بشأن غياب التحذيرات المسبقة من موجة الطقس العنيفة التي ضربت مدينة الإسكندرية وعدداً من المدن الساحلية، فجر السبت، 31 مايو (أيار) 2025، معتبراً أن «ما حدث يمثل تقصيراً واضحاً من الجهات التنفيذية في الاستعداد للتقلبات المناخية المفاجئة».

لكن المدير العام لمركز التنبؤات والإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية بمصر، الدكتور محمود شاهين، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمر لم يكن مفاجئاً، حذّرنا مسبقاً من أن هناك أمطاراً متفاوتة الشدة، تبدأ خفيفة إلى متوسطة ورعدية أحياناً ومصحوبة بنشاط للرياح، وحينما تكون الأمطار متوسطة ورعدية، فمن المعروف لدى كل غرف الأزمات، خصوصاً الغرفة الرئيسية بمجلس الوزراء، وغرفة أزمات محافظة الإسكندرية، أنه يجب رفع درجة الاستعداد، لأنه طالما قلنا إن الأمطار رعدية فمعناه أنها ستكون غزيرة في بعض الأوقات».

وأضاف أن «السحب الرعدية المصاحبة لتلك الأمطار تكون قريبة من سطح الأرض، فيكون معها نشاط للرياح، ما يتسبب في تساقط بعض اللوحات الإعلانية أو الأشجار وتلفيات أخرى».

وشدّد على أن هيئة الأرصاد قامت بدورها بالتنبؤ وإصدار بيان تحذيري، وهي ليست جهة استعداد تنفيذي، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أنه مع استعداد الجهات التنفيذية للتعامل مع مياه الأمطار، فمن الصعب توقع حجم التلفيات بالنسبة لسقوط مبانٍ متهالكة أو لوحات إعلانية أو أشجار بسبب نشاط الرياح.

ونوّه إلى أنه قد يكون سبب التلفيات الكثيرة أن هذا كان منخفضاً جوياً قصيراً وسريعاً لم يتخطَّ نصف ساعة، وبالتالي الاستعداد له من الجهات التنفيذية لم يكن مثل الاستعداد لمنخفض جوي طويل، ويستمر لساعات. ففي المنخفضات الجوية القصيرة قد تحدث مفاجآت بسقوط الأمطار بغزارة من دون توقف أو هبوب الرياح بشدة، على عكس المنخفض الطويل، حيث تكون هناك استعدادات لكل شيء، ومتوقع معه كل شيء، خصوصاً أن الأمطار فيه تكون متقطعة، فتعطي فرصة لغرف الأزمات للتعامل في فترة توقف الأمطار قبل هطولها مرة أخرى.

رجال مرفق الصرف الصحي يعملون على التخلص من مياه الأمطار بشوارع الإسكندرية (وزارة الإسكان المصرية)

وأوضح أن البيان التحذيري الصادر من هيئة الأرصاد وصل كل الجهات قبل الأمطار بيوم كامل، وتم نشره على الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء بـ«فيسبوك»، وكذلك على صفحة هيئة الأرصاد، منوهاً إلى احتمال تجمع السحب وهطول أمطار مرة أخرى خلال الساعات المقبلة.

تجدر الإشارة إلى أنه بمراجعة الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء المصري على «فيسبوك»، تبين أنها نشرت التحذير الصادر من هيئة الأرصاد، منذ صباح أمس (الجمعة).

من جانبها، أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي عن الدفع بفريق التدخل السريع بالإسكندرية، ليجري عملية مسح ميداني في شوارع المحافظة لرصد حالات الأطفال والكبار بلا مأوى، وتقديم المساعدة، بسبب موجة هطول الأمطار.

فيما قام الهلال الأحمر المصري بالدفع بفرق الاستجابة للسيول في محافظة الإسكندرية للمساندة في سحب السيارات. أما وزيرة التنمية المحلية فقد وجّهت بالتنسيق بين المحافظة والوزارات والجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية لتنسيق وتوحيد الجهود اللازمة للتعامل مع الآثار السلبية لموجة الطقس السيئ والتعامل مع المتضررين، خاصة مهمات الإغاثة والرعاية.


مقالات ذات صلة

حصيلة ضحايا فيضانات تكساس تتخطى المئة قتيل

الولايات المتحدة​ البحث عن مفقودين بالقرب من نهر غوادالوبي في تكساس (أ.ف.ب)

حصيلة ضحايا فيضانات تكساس تتخطى المئة قتيل

ارتفعت حصيلة الفيضانات الكارثية التي شهدها وسط تكساس في نهاية الأسبوع الماضي إلى أكثر من مئة قتيل، بينهم 27 فتاة ومسؤولون عن مخيّم صيفي كان مقاما على ضفة نهر.

«الشرق الأوسط» (تكساس)
شؤون إقليمية رجال الإطفاء يعملون على إخماد حرائق غابات في إزمير (أ.ف.ب)

في تركيا... حرائق غابات ضخمة في الغرب وثلوج بالشرق (صور)

تساقطت الثلوج الجمعة فوق شمال شرقي تركيا في الوقت الذي كانت فيه مناطق أخرى من البلاد تكافح حرائق الغابات.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق سياح يحمون أنفسهم من الشمس بالمظلات في البندقية بإيطاليا (أ.ف.ب)

مع ازدياد موجات الحر في أوروبا... لماذا يندر استخدام مكيفات الهواء؟

تجتاح موجة حرّ قاسية أجزاءً كثيرة من أوروبا، تاركةً ملايين الناس يكافحون للتكيّف مع درجات حرارة مرتفعة ومُحطِّمة للأرقام القياسية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق ستكون المسافة بين مركزيْ الأرض والشمس في «الأوج» لهذا العام نحو 152.1 كيلومتر (فلكية جدة)

الخميس... كوكب الأرض يبلغ أبعد نقطة عن الشمس

يصل كوكب الأرض، مساء الخميس، إلى أبعد نقطة له بمداره حول الشمس، في ظاهرة تُعرف علمياً بـ«الأوج»، بعد نحو أسبوعين من حدوث الانقلاب الصيفي في النصف الشمالي.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق جانب من الأمطار في القاهرة الثلاثاء (إكس)

انتقادات بمصر لـ«هيئة الأرصاد» لـ«إخفاقها» في توقع سقوط الأمطار

تعرضت هيئة الأرصاد الجوية لانتقادات على «السوشيال ميديا» ومن متخصصين بسبب ما وصفه البعض بـ«الإخفاق» في توقع سقوط الأمطار على القاهرة ومحافظات أخرى

محمد الكفراوي (القاهرة )

هل تتحسب السلطات المصرية لاحتمال اشتعال «سنترال رمسيس» مرة ثالثة؟

السلطات المصرية أكدت أن الحريق الذي تجدد في «سنترال رمسيس» كان محدوداً وقوات الإطفاء ترابط بجوار المبنى (أ.ب)
السلطات المصرية أكدت أن الحريق الذي تجدد في «سنترال رمسيس» كان محدوداً وقوات الإطفاء ترابط بجوار المبنى (أ.ب)
TT

هل تتحسب السلطات المصرية لاحتمال اشتعال «سنترال رمسيس» مرة ثالثة؟

السلطات المصرية أكدت أن الحريق الذي تجدد في «سنترال رمسيس» كان محدوداً وقوات الإطفاء ترابط بجوار المبنى (أ.ب)
السلطات المصرية أكدت أن الحريق الذي تجدد في «سنترال رمسيس» كان محدوداً وقوات الإطفاء ترابط بجوار المبنى (أ.ب)

أثار تجدد اشتعال النيران في مبنى «سنترال رمسيس» بوسط القاهرة، مساء الخميس، بعد أقل من أربعة أيام على إخماد حريق ضخم به، حالةً من الصدمة والجدل حول إمكانية اشتعاله لمرة ثالثة، فيما قال مصدر أمني من إدارة الحماية المدنية بالقاهرة لـ«الشرق الأوسط» إن «حدوث مثل هذه الأمور في الحرائق الضخمة أمر وارد، ولذلك تستمر عمليات التبريد بعد الإطفاء لوقت طويل يستغرق أياماً».

وأوضح المصدر أنه «بسبب وضع هذه الاحتمالية، فإن قوات الحماية المدنية ترابط بأدواتها بجوار (سنترال رمسيس) منذ إخماد الحريق به، ولن تغادر قبل انتهاء اللجان الفنية من فحص المبنى بالكامل، والتأكد من عدم وجود أي نيران مخفية أو كامنة أو ضعيفة»، ما يشير إلى أن «السلطات المصرية تضع احتمال تجدد النيران مرة ثالثة»، حسب مراقبين.

المصدر الأمني شدد على أن «وجود قوات الإطفاء بجانب المبنى ساهم في إخماد الحريق الذي تجدد في غضون دقائق»، مشيراً إلى أنه «أدى لإصابة نحو 7 أشخاص باختناقات، وتم إسعافهم في المكان دون الحاجة للذهاب إلى المستشفى».

كانت محافظة القاهرة قالت في بيان مقتضب، مساء الخميس، إن «حريقاً محدوداً نشب أعلى المبنى الخلفي لـ(سنترال رمسيس)، وتمكنت قوات الحماية المدنية الموجودة بالمكان من إطفائه على الفور».

وانتقل محافظ القاهرة، إبراهيم صابر، وكذلك مدير أمن القاهرة، والقيادات الأمنية، لتفقد السنترال فور تداول مغردين، مساء الخميس، مقاطع فيديو أظهرت النيران التي تجددت به، وتم «التأكيد على استمرار قوات الحماية المدنية بالمكان لحين فحص المبنى بالكامل من جانب اللجان الفنية».

رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي خلال تفقد موقع «سنترال رمسيس» المحترق (مجلس الوزراء المصري)

فيما أكدت وزارة الداخلية المصرية إخماد النيران التي وصفتها بـ«المحدودة»، موضحةً أن اشتعالها جاء «جراء الحريق السابق» في «سنترال رمسيس».

مدير قطاع الإطفاء بـ«إدارة الحماية المدنية» في القاهرة سابقاً، اللواء مجدي وليم، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «كل بلاغ عن حريق، له حدود ومستوى في التعامل معه وفق ضخامته، وحريق (سنترال رمسيس) كان من بلاغات الحرائق الضخمة التي يمكن وصفها بكارثة، ومن ثم فالتعامل مع البلاغ لا يمكن القول إنه انتهى بإخماد النيران الظاهرة، ولذلك فقوات الحماية المدنية والإطفاء تستمر بالموقع حتى تنتهي اللجان الفنية من فحص المبنى ومشتملاته بالكامل».

ونوه إلى أن «قوات الإطفاء تقوم بإخماد النيران المشتعلة الظاهرة لهم، لكن هناك أماكن وأجهزة مغلقة ستقوم اللجان الفنية من المتخصصين بفتحها بعد انتهاء عمليات التبريد، وهي التي ستكشف ما إن كانت هناك متبقيات للنيران أم لا، وبعد التأكد الكامل من ذلك يمكن وقتها انصراف قوات الحماية المدنية من المكان».

وليم أوضح «أنه بالنسبة لحالة (سنترال رمسيس) وطبيعته ووجود سيرفرات ضخمة به ومبان ملحقة وأسلاك، فإنه من الوارد أن لا يكون قد تم القضاء على النيران بنسبة 100 في المائة، ومن ثم تستمر عمليات التبريد على مراحل، وبعد كل مرحلة تتم المراقبة للتأكد».

جانب من عمليات إطفاء حريق «سنترال رمسيس» (محافظة القاهرة)

ولقي 4 أشخاص مصرعهم وأصيب 27 إثر حريق كبير اندلع، الاثنين، في «سنترال رمسيس»، حسبما أفادت وزارة الصحة المصرية.

وتسبب اشتعال الحريق في مركز الاتصالات التاريخي بوسط القاهرة في انقطاع كبير في خدمات الهاتف والإنترنت، وباضطرابات في حركة الملاحة الجوية، حسب ما أعلنت السلطات قبل أن تؤكد عودة انتظامها لاحقاً.

خبير تكنولوجيا المعلومات في مصر، محمود فرج، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «ليس من السهولة القطع بأنه تم القضاء على النيران بالكامل ومنع تجددها في (سنترال رمسيس) نظراً لطبيعته الخاصة مركزاً ضخماً للاتصالات، وبه أسلاك وكابلات نحاسية ووصلات فايبر، وأيضاً سيرفرات ضخمة بها آلاف الوصلات الظاهرة والمخفية».

وأوضح أنه «قطعاً كل هذه الأشياء تأثرت بالنيران ودرجات الحرارة المرتفعة، وقد تظل هناك متبقيات للنيران»، مشيراً إلى أنه «من الواضح أن السلطات تحسبت لذلك، ومن ثم فهي مستمرة في عمليات التبريد، وموجودة بالمكان، وقد يستمر وجودها لوقت أطول، خصوصاً أن درجات الحرارة هذه الأيام مرتفعة، ومن ثم فهناك أسباب منطقية لاحتمالية تجدد النيران».