ما هي تداعيات وفاة رئيس الأركان الليبي وتأثيرها على المؤسسة العسكرية؟

فركاش: غياب الحداد المفاجئ قد يعيد التنافس القائم على الولاءات المحلية والمناطقية

الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)
الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)
TT

ما هي تداعيات وفاة رئيس الأركان الليبي وتأثيرها على المؤسسة العسكرية؟

الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)
الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)

عدّ المحلل السياسي، فرج فركاش، أن غياب رئيس الأركان الليبي، الفريق أول محمد الحداد، بهذا الشكل المفاجئ ومعه عضو لجنة «5+5» العسكرية، الفيتوري غريبيل «يشكل ضربة كبيرة للمؤسسة العسكرية في غرب ليبيا»؛ لكون الحداد «ليس مجرد قائد عسكري تقليدي، بل شخصية محورية لعبت دوراً أساسياً في محاولات توحيد المؤسسة العسكرية، واحتواء الصراعات المحلية بطرابلس ومحيطها، وبناء علاقات عسكرية متوازنة مع شركاء دوليين، مثل تركيا وإيطاليا و(أفريكوم)».

عناصر الوفد الليبي خلال تنقلهم إلى موقع سقوط الطائرة التي كانت تقل الحداد ومرافقيه (أ.ف.ب)

ولقي الحداد وغريبيل حتفهما رفقة رئيس جهاز التصنيع العسكري، ومستشار رئيس الأركان في حادث تحطم طائرة خاصة، كانت عائدة بهم عقب زيارة رسمية لأنقرة مساء الثلاثاء الماضي.

الحداد «عامل توازن»

في حديث مع «وكالة الأنباء الألمانية»، أرجع فركاش قيمة الحداد إلى وصفه «عامل توازن، وحلقة وصل بين شرق البلاد وغربها، وصاحب رؤية مؤسسية سعت رغم بطئها لدمج الكتائب المسلحة، وإنهاء الانقسام العسكري». وهذا الغياب المفاجئ في نظر فركاش «قد يربك التنسيق داخل المنطقة الغربية، ويعيد التنافس القائم على الولاءات المحلية والمناطقية، خاصة في حال عدم اختيار خليفة دائم، يحظى بقبول واسع ورؤية جامعة؛ ما يهدد إبطاء مسار توحيد الجيش، ويجعل التوازنات العسكرية أكثر هشاشة في مرحلة كانت تشهد تعافياً نسبياً، وبدايات إصلاح مؤسسي تحتاج إلى قيادة قوية ومقبولة، وذات خبرة يصعب تعويضها سريعاً».

الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)

وفي خطوة عاجلة، كلف المجلس الرئاسي نائب رئيس الأركان، الفريق أول صلاح الدين النمروش مهام رئاسة الأركان. وفي هذا السياق، يرى فركاش أن تكليف النمروش «إجراء مؤقت، لكنه قد يتحول قراراً دائماً بعد التشاور مع الجهات الفاعلة عسكرياً في المنطقة الغربية، ومنها وزارة الدفاع المتمثلة في رئيس حكومة طرابلس، عبد الحميد الدبيبة».

وينحدر النمروش (49 عاماً) من مدينة الزاوية، ويشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الغربية، وكان وكيلاً ثم وزيراً للدفاع أواخر حكومة فايز السراج.

ويضيف فركاش: «يتمتع النمروش بخبرة عسكرية ولديه مؤيدوه، خاصة في مدينة الزاوية الفاعلة عسكرياً، والمنقسمة حالياً بشأن استمرار حكومة الدبيبة أو إنهائها، وقد يساعد وجوده في تمكين الدبيبة أكثر حال تمكينه، لكن هذا يعتمد أيضاً على استراتيجية المجلس الرئاسي ووزارة الدفاع في موضوع توحيد المؤسسة العسكرية لكي تمثل كل ليبيا، وهذا يتطلب بدوره مفاوضات مع جانب القيادة العامة في الشرق الليبي، وهنا تجب معرفة موقف النمروش من هذا الملف وكيفية تعاطيه معه».

ومع الشرخ السياسي انقسمت المؤسسة العسكرية الليبية أيضاً، وبالتالي يوجد في البلاد رئيس أركان آخر في الشرق والجنوب، هو نجل المشير حفتر، خالد. وبالعودة لحادثة الطائرة والزيارة الأخيرة، التي لم يعد منها الحداد ورفاقه، يرفع المستشار السابق للقائد الأعلى للجيش والحالي للجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس الأعلى للدولة، عميد عادل عبد الكافي، النقاب عن الغرض منها حين يقول: «بعد تصديق البرلمان التركي على تمديد مذكرة التفاهم المشتركة؛ كان يجب على ممثل الجناح العسكري التوجه لتركيا، والتوقيع على البنود الخاصة بالجانب العسكري، وتجهيز مسائل التدريب والإمدادات العسكرية الفنية».

ومنذ 2019 توطدت العلاقة التركية مع الغرب الليبي، وتزامنت مع الحرب التي خاضها حفتر وقواته لدخول طرابلس، وعارضتها تركيا وساعدت على إنهائها، مستفيدة من مذكرة تفاهم مشتركة وقَّعتها مع الجانب الليبي، تضمنت - إضافة إلى التعاون والوجود العسكري - ترسيم الحدود البحرية المشتركة والغنية والغاز.

وفي حديثه مع «د.ب.أ» عدّ عبد الكافي أن الدور التركي «خلق التوازن في المنطقة، وجاء بضوء أخضر أميركي لمواجهة المد الروسي». ووسط الأحاديث عن احتمال وجود شبهات في قضية سقوط الطائرة، وربطها بمستقبل العلاقات الليبية - التركية يقول عبد الكافي: «لا أحد يستطيع الاقتراب من علاقة البلدين ومذكرة التفاهم المشتركة بينهما».

عناصر الأمن التركي تطوق المكان الذي سقطت فيه طائرة الحداد والوفد المرافق له (أ.ف.ب)

ولمزيد من الإيضاح، يستدرك موضحاً: «الجانب التركي حقق مصالح في المتوسط وأفريقيا، عبر توسيع قاعدة نفوذه، هذا فضلاً عن نجاحه مؤخراً في التواصل مع المعسكر الشرقي الليبي. أما في غرب البلاد، فلا يستطيع أحد إنهاء المذكرة لأن التدخلات الإقليمية ما زالت موجودة ومؤثرة، مثل التدخل الروسي، وتهديدات اليونان لحصة ليبيا في المتوسط، هذا بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية».

نظرية المؤامرة

من جانبه، يستبعد فركاش «نظرية المؤامرة» في قضية الطائرة التي لم تُعرف خبايا سقوطها بعد، وستتأجل لحين الكشف عن الصندوق الأسود، الذي قد يستغرق وقتاً، خاصة مع قرار تركيا توكيل دولة محايدة بذلك. لكن المحلل السياسي يستدرك: «لو كانت هناك أي مؤامرة فستتجه نحو صاحب المصلحة في تعكير العلاقات التركية - الليبية، خاصة في موضوع تمديد بقاء القوات التركية في ليبيا لعامين آخرين، أو ما يخص الاتفاق البحري الذي يضمن مصالح الدولتين».

ويضيف فركاش موضحاً: «إن صحت المؤامرة، وهذا أمر بعيد الاحتمال حالياً، فهناك دول إقليمية مجاورة ومعادية لتركيا قد تكون لها المصلحة في ذلك. ولكن أعتقد أن الموضوع لا يعدو كونه خللاً كهربائياً في طائرة متهالكة عمرها 38 سنة أدى إلى نهاية مأساوية، ولكن سننتظر ما تسفر عنه التحقيقات».

صورة التُقطت للحداد خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة قبل يوم واحد من مقتله في حادث سقوط الطائرة (إ.ب.أ)

ومع الوضع الحالي، وباستثناء مسألة توحيد المؤسسة العسكرية بعموم البلاد، يواجه رئيس الأركان المكلف حالياً، كما سابقه، تحديات إصلاح وضع التشكيلات المسلحة في الغرب، وتحييد أغلبها عن النمط الميليشياوي الذي فاقم الأزمات الأمنية وضاعف الخسائر. هذا فضلاً عن «التحديات القبلية والجهوية التي ستقابل اختيار رئيس أركان دائم»، على حد قول عبد الكافي، الذي يؤكد على ضرورة اختيار شخصية محايدة، وبعيدة عن تأثيرات التشكيلات المسلحة والاعتبارات القبلية والمناطقية، «لكن يبقى العامل الرئيسي عند الحديث عن شخصيات بعينها هو مدى ثقلها، وتأثيرها على المشهد العسكري والسياسي».

وفي مشهد معقد آخر يخص لجنة «5+5» العسكرية المسؤولة عن توحيد الجيش الليبي، والتي فقدت أحد أعضائها في حادث الطائرة، يعلق عبد الكافي قائلاً: «اللجنة ومنذ أن تأسست لم تحدث أي تغيير أو فارق، لم يكن لها عمل ملموس عدا عن الاجتماعات». مضيفاً أنها «لم تخرج المرتزقة والمقاتلين الأجانب. ولم تستلم خرائط الألغام في طرابلس، حتى فتح المجال الجوي بين الشرق والغرب وتبادل الأسرى، الذي تم بجهود أعيان وشخصيات سياسية».


مقالات ذات صلة

نقل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي إلى ألمانيا للتحقيق

شمال افريقيا لجنة التحقيق في حادثة سقوط الطائرة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بطرابلس)

نقل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي إلى ألمانيا للتحقيق

توقع مصدر ليبي مقرب من المجلس الرئاسي وصول جثامين ضحايا الطائرة المنكوبة إلى البلاد، السبت، وذلك عقب انتهاء مراسم تأبينهم بقاعدة مرتد العسكرية في أنقرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا شكّل التراجع النسبي لنفوذ «جهاز الردع» محطةً مفصليةً في هذا التحول عززت سيطرة «الوحدة» على العاصمة (الشرق الأوسط)

سقوط قادة ميليشيات يُعيد رسم خريطة النفوذ الأمني في العاصمة الليبية

يرى مراقبون ليبيون أن التحول الأبرز في المشهد المسلح بغرب ليبيا تمثل في مقتل عبد الغني الككلي، رئيس جهاز «دعم الاستقرار»، قبل سبعة أشهر، ثم التخلص من الدباشي.

جاكلين زاهر (القاهرة)
تحليل إخباري من مراسم توقيع اتفاق مشترك بين «الوطني الليبي» والجيش الباكستاني بحضور صدام حفتر وعاصم منير (إعلام القيادة العامة)

تحليل إخباري مقاتلات «JF-17» إلى بنغازي... هل انتهى مفعول «حظر السلاح» الأممي؟

يرى محللون ليبيون أن صفقة تسليح محتملة بين «الجيش الوطني» الليبي وباكستان من شأنها أن تُسهم في تعزيز القدرات العسكرية لقواته في شرق ليبيا، لكنها تثير تساؤلات.

علاء حموده (القاهرة)
المشرق العربي أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقلّ الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

«الوحدة الليبية»: الاتفاق مع تركيا على إرسال الصندوقين الأسودين لطائرة رئيس الأركان إلى ألمانيا

أعلنت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» الليبية، الخميس، الاتفاق مع السلطات التركية على إرسال الصندوقين الأسودين لطائرة رئيس الأركان ومرافقيه إلى ألمانيا

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)

تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

نقل مكتب المنفي أن السفير التركي أعرب عن «بالغ الأسى والتأثر لهذا الحدث المؤلم»، مؤكداً «مواصلة السلطات التركية التحقيقات في ملف الحادثة وتقديم تقرير كامل حولها

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

رئيس الوزراء السوداني: لن نقبل قوات أممية دون موافقة الحكومة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
TT

رئيس الوزراء السوداني: لن نقبل قوات أممية دون موافقة الحكومة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إن المبادرة التي طرحتها حكومته لوقف الحرب، والتي عرض تفاصيلها أمام مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي، بعثت برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن السودان «دولة تسعى إلى السلام لا الحرب»، وإنها نقلت البلاد «من موقع المتلقي للمبادرات إلى موقع صانعها». وأكد إدريس في الوقت نفسه أن السودان، بوصفه دولة ذات سيادة، لن يقبل بنشر أي قوات أممية أو فرض أي آليات رقابة دولية دون اتفاق صريح مع الحكومة.

وتنص المبادرة الحكومية على وقف شامل لإطلاق النار تحت رقابة إقليمية ودولية، بمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، إلى جانب انسحاب «قوات الدعم السريع» من جميع المناطق التي تسيطر عليها، وتجميع عناصرها في معسكرات محددة.

وفي مؤتمر صحافي عقده بمدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة، عقب عودته من الولايات المتحدة، شدد إدريس على أن مخاطبته لمجلس الأمن تمثل «اعترافاً دولياً كاملاً بشرعية الحكومة المدنية في السودان»، مضيفاً: «عرضنا رؤيتنا الشاملة لحل الأزمة وأكدنا للعالم أننا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب».

نزع السلاح أولوية

وأوضح رئيس الوزراء أن أي هدنة لا تترافق مع نزع سلاح «قوات الدعم السريع» وتجميع قواتها، ستؤدي إلى تعقيد النزاع وإطالة أمد الحرب، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات يجب أن تتم بتوافق وضمن رقابة دولية متفق عليها. وفي رده على التساؤلات بشأن آليات الرقابة الدولية، أكد إدريس أن السودان «لن يقبل بأي قوات أممية مفروضة»، قائلاً: «اكتوينا بجمرة القوات الدولية، ولن نكرر تجارب سابقة ذقنا فيها الأمرّين»، مشدداً على أن أي رقابة دولية مشروطة بموافقة الحكومة السودانية.

نازحة سودانية من منطقة هجليج داخل مخيم في مدينة القضارف شرق السودان 26 ديسمبر (أ.ف.ب)

وأشار إدريس إلى أن من أولويات المبادرة ضمان وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في جميع أنحاء البلاد، لافتاً إلى أن مرجعيتها تستند إلى خريطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية للأمم المتحدة، والجهود السعودية – الأميركية، وما تم التوصل إليه في إعلان مبادئ اتفاق جدة. كما كشف عن لقاءات وصفها بالإيجابية والداعمة لجهود وقف الحرب، جمعته مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مجلس الأمن الدولي، وأعضاء المجموعة الأفريقية بالمجلس، التي تضم الجزائر وسيراليون والصومال.

وأشار رئيس الوزراء إلى رفض عدد كبير من الدول والمنظمات الدولية لأي محاولة لتشكيل حكومة موازية في السودان، في إشارة إلى حكومة «تحالف تأسيس» التي تقودها «قوات الدعم السريع» وحلفاؤها في مدينة نيالا بجنوب دارفور.

وأكد إدريس أن الحكومة تعتزم الشروع في خطوات عملية لتنفيذ المبادرة، عبر الدعوة إلى حوار سوداني – سوداني شامل لا يستثني أحدًا، تسبقه إجراءات لتهيئة المناخ العام، تتيح مشاركة السودانيين في الخارج، من خلال رفع القيود وشطب البلاغات غير المؤثرة، وصولًا إلى انتخابات حرة ونزيهة. وختم إدريس بالإشارة إلى أن الحكومة السودانية ستكثف تحركاتها الدبلوماسية مع دول الجوار لدعم مبادرة السلام، والعمل على تحسين علاقاتها مع الدول التي ما زالت تقدم دعمًا لـ«قوات الدعم السريع».

لاتفاوض ولاهدنة

من جهة ثانية، أكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، أنه «لا تفاوض ولا هدنة» مع «قوات الدعم السريع»، مشددًا على أن «السلام العادل سيتحقق عبر رؤية وخريطة طريق يضعها الشعب السوداني وحكومته». وأوضح عقار أن الحرب الدائرة في البلاد تمثل صراعًا على الموارد، وتهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي في السودان.

ميدانيًا، اتهمت «قوات الدعم السريع» الجيش السوداني بشن غارة جوية باستخدام طائرة مسيّرة استهدفت احتفالًا لمواطنين بأعياد الميلاد في منطقة «بيام جلد» بجنوب كردفان، ما أسفر، بحسب قولها، عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 19 آخرين، بينهم أطفال ونساء.

وفي سياق متصل، أعلنت «القوة المشتركة» المتحالفة مع الجيش السوداني أنها تمكنت من إحباط هجمات متزامنة شنتها «قوات الدعم السريع» على عدد من المناطق في ولاية شمال دارفور، مؤكدة تكبيدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. وأضافت «القوة المشتركة» في بيان أن «قوات الدعم السريع» أقدمت على إحراق قرى بأكملها، في محاولة لتفريغ المناطق من سكانها، ووصفت ذلك بأنه انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

وكانت «قوات الدعم السريع» قد أعلنت، الأربعاء الماضي، سيطرتها على بلدتي أبو قمرة التابعة لمحلية كرنوي، وأمبرو، عقب معارك محدودة مع «القوة المشتركة».


مصر تعوّل على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة في اليمن

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تعوّل على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة في اليمن

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)

تعوّل مصر على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة وخفض التصعيد في اليمن، بما يحافظ على وحدة وسلامة أراضيه، إلى جانب تحقيق «تسوية شاملة تلبي تطلعات الشعب اليمني في الأمن والاستقرار والتنمية».

وأكدت وزارة الخارجية المصرية «موقف القاهرة الثابت الداعم للشرعية في اليمن»، وشددت في إفادة، الجمعة، على «حرصها الكامل على وحدة اليمن، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية، بما يمهد لاستعادة الاستقرار في اليمن والمنطقة، ويضمن حرية الملاحة في البحر الأحمر».

وعاد التصعيد أخيراً للساحة اليمنية، بعد تحركات عسكرية نفذها «المجلس الانتقالي الجنوبي»، في محافظتي حضرموت والمهرة، شرق اليمن.

سفينة هولندية تعرّضت لهجوم حوثي في خليج عدن أواخر سبتمبر الماضي (أ.ب)

وأعربت القاهرة، الجمعة، عن «تقديرها للجهود المبذولة للعمل على خفض التصعيد في اليمن، للحيلولة دون تفاقم الوضع الراهن».

وناقش وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع نظيره اليمني، شائع الزنداني، «الجهود التي تقودها المملكة العربية السعودية والإمارات من أجل خفض التصعيد وتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن»، وأكد، وفقاً لبيان «الخارجية المصرية»، الجمعة، «ترحيب بلاده بالاتفاق المتعلق بتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، باعتباره خطوة تدعم الجهود الجارية لتهيئة مناخ مُواتٍ لاستئناف مسار التسوية».

وكانت السعودية قد أشارت إلى إرسال فريق عسكري سعودي - إماراتي مشترك إلى عدن، لوضع ترتيبات تضمن عودة قوات «الانتقالي» إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف قوات التحالف.

وأكد بيان لـ«الخارجية السعودية»، الخميس، أن «القضية الجنوبية عادلة، ولن تُحل إلا عبر الحوار، ضمن الحل السياسي الشامل، بعيداً عن فرض الأمر الواقع بالقوة».

في سياق ذلك، دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إلى تجنب التصعيد وتغليب المصلحة العليا للشعب اليمني، والتمسك بوحدة البلاد، وقال في إفادة، الخميس، إن «التطورات الأخيرة، تزيد من تعقيد الأزمة اليمنية، وتضر بمبدأ وحدة التراب اليمني».

وأعاد أبو الغيط التأكيد على الموقف العربي الموحد بشأن الالتزام بوحدة اليمن وسيادته وأمنه وسلامة أراضيه، ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، مؤكداً «دعم الحكومة اليمنية الشرعية بقيادة مجلس القيادة الرئاسي».

سفير مصر السابق لدى اليمن، يوسف الشرقاوي، أكد أن «تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية بهذا الشكل المتسارع يهدد الوضع الأمني في اليمن كاملاً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجهود العربية والإقليمية يجب أن تركز على حماية وحدة اليمن وسلامة أراضيه، والتصدي لأي محاولات تشجع لاتجاهات انفصالية تضر بوحدة الأراضي اليمنية».

وباعتقاد الشرقاوي، فإن «الدور العربي محوري لخفض التصعيد في الأراضي اليمنية»، وقال إن «التسوية يجب أن تقوم على حوار وطني يمني داخلي، ويتم تنفيذ مخرجاته»، إلى جانب «البناء على (اتفاق مسقط) الخاص بتبادل الأسرى، بما يهيئ المناخ لتسوية سياسية للأزمة».

و«تخشى القاهرة من انعكاسات التوتر والتصعيد في اليمن على الأوضاع الإقليمية»، وفق الشرقاوي، الذي قال إن «مصر تهتم بالتهدئة في اليمن، بما ينعكس إيجابياً على الوضع الأمني في جنوب البحر الأحمر، وحركة الملاحة في باب المندب، لارتباطها المباشر بحركة الملاحة في قناة السويس».


«ضعف المشاركة» في الاقتراع يهدد إعادة الدوائر الملغاة بـ«النواب» المصري

مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
TT

«ضعف المشاركة» في الاقتراع يهدد إعادة الدوائر الملغاة بـ«النواب» المصري

مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)

تُلاحق مخاوف «ضعف المشاركة» مجدداً الانتخابات البرلمانية المصرية، مع انطلاق جولة إعادة التصويت في الدوائر الـ19 التي أُلغيت نتائجها في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، والمقرر إجراؤها يومَي السبت والأحد، وهو ما بدا واضحاً في تقديرات حقوقيين وسياسيين وإعلاميين راهناً.

وتُعد نسب المشاركة أحد أبرز التحديات التي تواجه انتخابات «النواب»، التي وُصفت بأنها «الأطول والأكثر إثارة للجدل»، بعد أن جرى التصويت خلالها عبر ثماني جولات متتالية، تخللتها إعادة الانتخابات في عشرات الدوائر التي أُلغيت نتائجها بقرارات من الهيئة الوطنية للانتخابات والمحكمة الإدارية العليا.

ورغم أن «الوطنية للانتخابات» المخولة بالإشراف على العملية الانتخابية، لا تعلن رسمياً نسب المشاركة، فإن «تراجع الإقبال بدا واضحاً»، بحسب متابعات منظمات حقوقية، من بينها المركز الإعلامي لحقوق الإنسان (إحدى الجهات المعتمدة لمراقبة الانتخابات)، وظهر ذلك جلياً في أحد مراكز الاقتراع بحي الهرم في محافظة الجيزة، ضمن الدوائر الثلاثين التي أُعيد التصويت فيها يومَي 10 و11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وعلى الرغم من أن دوائر الريف عادة ما تشهد إقبالاً نسبياً أكبر، بفعل الاعتبارات العائلية والقبلية، فإن النتائج جاءت دون التوقعات خلال جولة الإعادة في المرحلة الثانية، التي أُجريت يومَي 14 و15 ديسمبر. ففي دائرة مركز ومدينة طنطا، على سبيل المثال، «لم تتجاوز نسبة المشاركة 9.3 في المائة».

مركز اقتراع بجولة الإعادة في المرحلة الثانية لانتخابات «النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب)

وعلى وقع هذه الأرقام التي تحدثت عنها نتائج الفرز، تصاعد الحديث في وسائل إعلام حكومية وشبه حكومية عن ضعف المشاركة. وخصّص الكاتب الصحافي المصري، محمود مسلم، في مقال له بصحيفة «الأهرام» شبه الرسمية، الجمعة، الضوء على ما وصفه بـ«المقارنات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي بين انتخابات مجلس النواب وانتخابات الأندية»، معتبراً أن هذه المقارنات «ليست في مصلحة العملية السياسية ولا القائمين عليها».

وفي السياق نفسه، أشار الإعلامي المصري، أسامة كمال، عبر برنامجه على قناة «دي إم سي» مساء الأربعاء الماضي، إلى أن «انتخابات مجلس النواب تكشف عن ضعف في نسب المشاركة في عدد من الدوائر»، متناولاً المسألة بإيجاز ضمن نقاش أوسع حول المشهد السياسي.

وتكرر الهيئة الوطنية للانتخابات، في مؤتمراتها الصحافية المتعاقبة خلال جولات الإعادة، دعوة المواطنين إلى «المشاركة بكثافة في الاقتراع». وكان رئيس غرفة العمليات المركزية بالهيئة، القاضي أحمد بنداري، قد دعا المواطنين، أخيراً، إلى «المشاركة والتصويت بشكل أكبر في الانتخابات».

غير أن رئيس حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي»، مدحت الزاهد، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «ضعف المشاركة لا يقتصر على المرحلة الحالية، بل يمثل امتداداً لسنوات سابقة».

ناخبون مصريون أمام أحد مراكز الاقتراع في محافظة كفر الشيخ خلال جولة إعادة المرحلة الثانية (تنسيقية شباب الأحزاب)

وعزا الزاهد ضعف المشاركة الانتخابية إلى «سياق عام يتيح لأصحاب الأموال الفوز، مروراً بتقسيم الدوائر، وصولاً إلى نظام القوائم المطلقة، الذي يحرم كثيراً من الكفاءات من التمثيل البرلماني». ويرى أن «تعزيز المشاركة السياسية وحماية حقوق المرشحين والمواطنين يمثلان خطوة أساسية لتقوية الديمقراطية وإنتاج برلمان قادر على مواجهة التحديات الوطنية».

وفي مقابل الجدل المتزايد حول ضعف الإقبال، نقلت «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية بمصر، الجمعة، استعدادات أمنية مكثفة لتأمين جولة الإعادة في الدوائر الـ19. وأفادت بأن وزير الداخلية المصري، اللواء محمود توفيق، كلف مديري الأمن والقيادات الأمنية والمستويات الإشرافية بالمحافظات المعنية، بالمرور على القوات المشاركة في خطة التأمين، للتأكد من جاهزيتها الكاملة لتنفيذ المهام الموكلة إليها بدقة وانضباط.

في حين يعتقد أستاذ علم الاجتماع، الدكتور سعيد صادق، أن ضعف الإقبال على انتخابات الإعادة في الدوائر الملغاة «ليس مفاجئاً»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا التراجع يعكس انخفاض حماس الناخبين مقارنة بالجولات السابقة».