تحدثت حكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، عن العثور على 9 جثث مجهولة الهوية داخل ثلاجة بمستشفى في العاصمة الليبية طرابلس، كانت تخضع لحماية جهاز «دعم الاستقرار»، الذي قُتل آمره عبد الغني الككلي، الشهير بـ«غنيوة»، في أحداث دامية.

ويأتي هذا الإعلان من جهة «الوحدة» للتدليل على تورّط الجهاز الميليشياوي بارتكاب جرائم قتل عديدة ضد المواطنين، لكن الأخير عَدّ هذا الأمر «اتهامات باطلة»، وقال إن الجثث عددها 45 وتعود لقتلى من قوات «الجيش الوطني» برئاسة المشير خليفة حفتر.
ويبقى السؤال: ما حقيقة هذه الجثث؟ وهل هي من ضحايا جهاز «غنيوة»، أم أنها من عناصر «الجيش الوطني» كما يدعي جهاز «دعم الاستقرار»؟
«الجيش الوطني» سبق وخاض حرباً على العاصمة طرابلس مطلع أبريل (نيسان) 2019 خلّفت آلاف القتلى والجرحى، وانتهت بسحب قواته في يونيو (حزيران) إلى خط (سرت - الجفرة)، وأعقب ذلك عملية تسليم وتسلم للأسرى والقتلى بين جبهتي شرق ليبيا وغربها.
مشاهد صادمة من السجن السري المعروف بسجن المضغوط في #أبوسليم نشرها جهاز دعم مديريات الأمن بالمناطق.يظهر الفيديو مدى سوء السجن الذي يتضمن غرفة البلانكو المستخدمة في عمليات التعذيب. pic.twitter.com/SoKjhUW8Im
— Mohammed Ali (@M_abdusa) May 13, 2025
غير أنه منذ مقتل الككلي الأسبوع الماضي، تزايدت الأحاديث عن ارتكاب جهازه العديد من الجرائم، كما بدأت أجهزة أمنية التحقيق من احتمال وجود «مقابر جماعية» في منتجع كان يمتلكه في منطقة أبو سليم بالعاصمة.
وقال جهاز المباحث الجنائية بغرب ليبيا في ساعة مبكرة من صباح الأحد إنه، وبتعليمات من النيابة العامة، بدأ التحقيق في واقعة العثور على 9 جثث مجهولة الهوية داخل ثلاجة مهجورة في مستشفى الخضراء بطرابلس، كانت خاضعة في السابق لحماية «دعم الاستقرار».
وأوضح جهاز المباحث أن هذه الإجراءات جاءت «استناداً إلى معلومات وردت إليه تفيد بوجود ثلاجة مهجورة داخل المستشفى، يُشتبه في احتوائها على جثامين غير معروفة»، وقال: «تم التنسيق مع النيابة العامة، وتم فتح الثلاجة صباح (السبت)، ليتبيّن وجود 9 جثث في حالة تحلل متقدمة، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي عنها منذ مدة».
ونوه الجهاز إلى اتخاذ عدد من «الإجراءات الفورية»، التي اشتملت على سحب عينات من الجثامين لإجراء التحاليل اللازمة ومحاولة تحديد هويات الضحايا، مشيراً إلى أنه «بفحص سجلات النيابة ومراكز الشرطة للتقصي عن أي بلاغات تتعلق بهذه الجثث؛ إلا أنه لم يتم العثور على أي بلاغات مسجلة بشأن هذه الجثث من قبل جهاز دعم الاستقرار أو مستشفى الخضراء».
وانتهى جهاز المباحث الجنائية إلى أن «التحقيقات لا تزال مستمرة، بإشراف مباشر من النيابة العامة، لكشف الحقائق كافة أمام الرأي العام، وضمان محاسبة المتورطين».

وقُتل الككلي داخل معسكر التكبالي، مقر «اللواء 444 قتال»، في عملية وصفتها حكومة الدبيبة بـ«الأمنية المعقدة»، ومذاك والأجهزة الأمنية التابعة لها تفتّش في مقار جهاز «دعم الاستقرار»، الذي يتخذ من أبو سليم معقلاً، ويضم أيضاً حديقة حيوان شهيرة.
ويرى الحقوقي الليبي طارق لملوم أنه «لا يجب الانتظار حتى تنتهي مجموعة مسلحة أو ميليشيا؛ لنكتشف وجود انتهاكات وجثث»، ولفت إلى أن «شهادات الضحايا منذ سنوات تؤكد أن أغلب السجون والمعسكرات يحدث فيها القتل والدفن والتخلص من الجثث للمهاجرين ولليبيين».
وتحدث عن ضرورة «تشكيل لجنة مختصة تباشر البحث والتفتيش داخل السجون والمعسكرات على سبيل المثال»، ومنها «الكتيبة 55» و«سجون المايا» في ورشفانة.
وسبق أن قالت «الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين» في طرابلس، (الجمعة) إنها «تلقت عدداً من البلاغات من أسر مفقودين، تفيد باحتمال وجود مقابر جماعية داخل موقع سابق تابع لأحد التشكيلات الأمنية، في نطاق حديقة الحيوان ببلدية أبو سليم؛ في إشارة إلى «دعم الاستقرار».
وعقب كشف جهاز «المباحث الجنائية» العثور على 9 جثث، سارع جهاز «دعم الاستقرار» إلى القول إنه تلقى ما وصفه بـ«الادعاءات الباطلة» التي تحاول «حكومة التطبيع» استخدامها كذريعة لإدانة الجهاز، عبر «تزييف الحقائق الموثقة» بخصوص الجثث التي عثر عليها.
وقال جهاز «دعم الاستقرار» إن «الجثث الـ45 التي عثر عليها في مستشفى الحوادث أبو سليم، أو مستشفى (الهضبة الخضراء العام)، تعود لقتلى من صفوف قوات حفتر، خلال حرب الدفاع عن العاصمة طرابلس، وقد تم توثيقهم بالصور حينها».
ولمزيد من الدفاع عن نفسه، قال «دعم الاستقرار» إن البعثة الأممية لدى ليبيا كانت على علم بتفاصيل هذه الجثث، عن طريق مانويلا روسي، المكلفة بملف تبادل الأسرى والجثامين». وتابع: «سبق وتمت إحاطة الهلال الأحمر بالموضوع في حينه، لكنه رفض التدخل، كما قوات حفتر رفضت آنذاك تسلّم هذه الجثث».
وأشار جهاز «دعم الاستقرار» إلى أنه سبق وعُقد اجتماع في تونس برعاية أممية يتعلق بتلك الجثث؛ و«لكن مساعي الأمم المتحدة فشلت في الوصول إلى تفاهم بين الطرفين، بينما جرى تسليم 16 أسيراً وتسلُم أسير واحد من قوات حفتر».
وفيما لم تعلق القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» على ذلك، انتهى جهاز «دعم الاستقرار» إلى دعوة الجهات المسؤولة في طرابلس إلى إجراء تحليل الحمض النووي للجثامين تحت إشراف أممي، «للتأكد من هويتها».
وأمام الحديث عن احتمالية وجود «مقابر جماعية» في محيط حديقة الحيوان، دعت «الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين» أهالي المفقودين إلى تقديم بلاغاتهم إلى النيابات المختصة، وإحالتها إلى الهيئة، «قصد تمكينها من مباشرة أعمالها بعد تكليفها، للقيام بأعمال البحث والكشف الميداني في الموقع».
مع ذلك نوهت الهيئة إلى أن «البلاغات الأولية من أسر ضحايا تشير إلى وجود مؤشرات جدية على احتمال وجود مقابر جماعية، مما يستدعي التعامل مع الأمر بأقصى درجات الحذر والمسؤولية القانونية والإنسانية».
وخلال العقد الماضي، انتشرت في ليبيا بلاغات كثيرة من أسر ونشطاء حقوقيين، عن الخطف والإخفاء القسري لمواطنين، بالإضافة إلى حالات تصفية عديدة، دون التوصل إلى الجناة.