ما حقيقة اعتزام المشير حفتر الهجوم على غرب ليبيا مرة ثانية؟

رئيس فريق سيف القذافي لـ«المصالحة» يتخوف من إمكانية حدوث مواجهات مسلحة

حفتر خلال لقاء سابق مع قيادات عسكرية في بنغازي (الجيش الوطني الليبي)
حفتر خلال لقاء سابق مع قيادات عسكرية في بنغازي (الجيش الوطني الليبي)
TT
20

ما حقيقة اعتزام المشير حفتر الهجوم على غرب ليبيا مرة ثانية؟

حفتر خلال لقاء سابق مع قيادات عسكرية في بنغازي (الجيش الوطني الليبي)
حفتر خلال لقاء سابق مع قيادات عسكرية في بنغازي (الجيش الوطني الليبي)

يتحدث قطاع واسع من الليبيين هذه الأيام عن «حرب وشيكة» قد يشنها المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، على غرب ليبيا، وسط تصاعد تحذيرات «ثوار طرابلس ومصراتة» من الإقدام على هذه الخطوة.

وتأتي هذه المخاوف على الرغم من تأكيد «الجيش الوطني» غير مرة الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، الموقع بجنيف في 23 من أكتوبر (تشرين الأول) 2020.

غير أن وسائل إعلام محلية نقلت في المقابل تحركات لأرتال مسلحة تابعة للجيش، يعتقد البعض أن وجهتها ستكون غرب ليبيا، لكن دون نفي أو تأكيد رسمي من القيادة العامة بشرق ليبيا.

من مخلفات الحرب التي خلفها هجوم حفتر على طرابلس في 2019 (أ.ف.ب)
من مخلفات الحرب التي خلفها هجوم حفتر على طرابلس في 2019 (أ.ف.ب)

وبعد يومين من توعد «ثوار مصراتة» بـ«الضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه التواطؤ، أو التنسيق للقيام بأي هجوم»، دخل «تجمع قادة ثوار ليبيا» على الخط ليحذر بدوره من أي تحرك باتجاه مدن الغرب، لا سيما طرابلس، وقال بهذا الخصوص: «نستطيع صد أي عدوان؛ كما فعلنا في الهجوم الشرس على العاصمة 2019».

وزاد «التجمع» من التأكيد على «جاهزية كل كتائب وسرايا الثوار، ووحدات الجيش بغرب البلاد لصد أي عدوان محتمل»، محذراً مما سماها «الخلايا المتعاونة مع حفتر» في المنطقة الغربية من «أي عمل يخل بأمن العاصمة والممتلكات العامة والخاصة».

وفد المصالحة التابع للمرشح الرئاسي سيف الإسلام معمر القذافي (صفحات ليبية موثوقة)
وفد المصالحة التابع للمرشح الرئاسي سيف الإسلام معمر القذافي (صفحات ليبية موثوقة)

ودعا «التجمع» إلى اتخاذ «موقف صارم وحازم» من قبل المجلس الرئاسي (القائد الأعلى للجيش)، حسب اتفاق جنيف، «تجاه تحركات قد تهدد الأمن والسلم الاجتماعيين». عادّاً كل من يدعم أي هجوم على غرب ليبيا «خصماً لثورة 17 فبراير (شباط)»، ولتطلعات الشعب، ومؤكداً حقه في الدفاع عن «مبدأ مدنية الدولة، ورفض حكم العسكر والفرد والقبيلة والعائلة؛ لأنهم يصرون على إدخال ليبيا في بحر من الدماء».

ويندرج التخوف من إقدام حفتر على مهاجمة غرب ليبيا - كما فعل في عام 2019 - في إطار «الهواجس»، بحسب ما وصفها قيادي عسكري بشرق ليبيا لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً إن الجيش «يؤكد دوماً التزامه باتفاق وقف إطلاق النار؛ وجميع التحركات للأرتال تأتي وفق مهام محددة، ليس من بينها مهاجمة أي منطقة».

علي أبو سبيحة (متداولة)
علي أبو سبيحة (متداولة)

وانضم علي أبو سبيحة، رئيس فريق سيف الإسلام القذافي لـ«المصالحة الوطنية»، إلى المتحدثين عن «التصعيد العسكري الراهن في ليبيا»، وقال إن لجنة المصالحة، التابعة للمرشح الرئاسي الدكتور سيف، «تتابع بقلق بالغ التصعيد العسكري المستمر؛ الذي تقترفه جهات مسلحة وأطراف أخرى» - لم يسمها - عادّاً ذلك «يهدد بتفجير مواجهة مسلحة جديدة، ودفع البلاد نحو مزيد من الاقتتال الأهلي والمعاناة الوطنية».

وتحدث أبو سبيحة في تصريح صحافي عما سماه «التصعيد الخطير»، وقال إنه «يمثل دليلاً إضافياً على حقيقة ثابتة أكدناها مراراً؛ وهي أن الأزمة لا يمكن أن تُحل إلا عبر اتفاق الليبيين؛ من خلال حوار شامل، دون إقصاء أو تهميش أي طرف فاعل من مكونات المعادلة الوطنية».

وسبق أن اعتقل أبو سبيحة من منزله بمدينة سبها في 19 من أبريل (نيسان) 2024، من قبل جهاز الأمن الداخلي ببنغازي، عقب تصريح أيّد فيه ترشح سيف القذافي للرئاسة. كما اعتقل نجله زكريا بعده بساعات، لكن سرعان ما أطلق سراحه.

وبعد 13 شهراً من الحرب على طرابلس، تراجعت قوات «الجيش الوطني» إلى خط سرت - الجفرة في مطلع يونيو (حزيران) 2020. وغالباً ما كان حفتر يكرر تحذيره ممن سماهم «معرقلي» المسار السياسي في البلاد، قائلاً إن هذا المسار «أُعطي من الفرص أكثر مما ينبغي»، ملوحاً باستخدام القوة ضد من يعبث بمصير ليبيا.

بات قطاع واسع من الليبيين يتحدث عن احتمال حدوث «حرب وشيكة» قد يشنها المشيرحفتر على غرب ليبيا (رويترز)
بات قطاع واسع من الليبيين يتحدث عن احتمال حدوث «حرب وشيكة» قد يشنها المشيرحفتر على غرب ليبيا (رويترز)

من جهته، يقول أبو سبيحة، وهو أيضاً رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن الجنوب: «لاحظنا أن الأطراف التي امتنعت عن التوقيع على ميثاق المصالحة، المبرم في أديس أبابا بمشاركة مختلف الأطياف الليبية، هي نفسها من تقف اليوم وراء هذا التصعيد العسكري»، معتقداً أن هناك «نية في إدامة حالة التأزم، واستفادة هذه الأطراف من استمرار غياب الأمن والسلم والعدالة في ليبيا».

ولا يعتقد متابعون للشأن الليبي في إمكانية تحريك حفتر قوات الجيش باتجاه غرب ليبيا لاعتبارات عديدة، من بينها «التقارب الحاصل بين مقربين من عبد الحميد الدبيبة، رئس حكومة الوحدة" المؤقتة، والقيادة العامة، فضلاً عن أن التوازنات في المنطقة بين موسكو وأنقرة، وبين أطراف إقليمية لم تعد تسمح بذلك».

وفي 12 فبراير الماضي، وقّعت أطراف ليبية على ميثاق لـ«المصالحة الوطنية» في العاصمة الإثيوبية، من بينها فريق سيف القذافي. وقال أبو سبيحة حينها لـ«الشرق الأوسط» إن الأطراف التي لم توقع هي التابعة للقيادة العامة، ورئيس حكومة «الوحدة»، وفريق عبد الله اللافي، النائب بالمجلس الرئاسي.

ومضى أبو سبيحة موضحاً: «إزاء الوضع الخطير، فإن لجنة المصالحة تدعو الليبيين كافة إلى الوقوف صفاً واحداً ضد محاولات التصعيد والفتنة؛ والعمل على دعم مساعي المصالحة السياسية والاجتماعية الشاملة»، كما حث البعثة الأممية على توجيه جهودها كافة لـ«دعم مسار المصالحة الحقيقية، وعدم الانجرار وراء أجندات تعمق الانقسام». مطالباً الأطراف الخارجية كافة باحترام السيادة الليبية، والامتناع عن التدخل في شؤوننا الداخلية، قائلاً إن بلده اليوم «يحتاج إلى عقلائه ومخلصيه؛ لا إلى السلاح والدمار».


مقالات ذات صلة

تباين ليبي بشأن قرار الدبيبة إغلاق 25 سفارة ومراجعة «عقود نفطية»

شمال افريقيا الدبيبة أمر بتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين بنسبة 20 % بقصد تخفيض الإنفاق (الوحدة)

تباين ليبي بشأن قرار الدبيبة إغلاق 25 سفارة ومراجعة «عقود نفطية»

بين منتقد ومشيد، تباينت آراء سياسيين ليبيين بشأن حزمة إجراءات اتخذها عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة الليبية المؤقتة.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا عناصر من الهلال الأحمر الليبي يحملون جثة مهاجر في حقيبة بعد العثور عليها على شاطئ مصراتة (رويترز)

ليبيا: انتشال جثث 6 مهاجرين قرب مصراتة

كشف متطوع في الهلال الأحمر الليبي إنه تم انتشال جثث ستة مهاجرين على الأقل بعد أن جرفتهم المياه إلى الشاطئ بالقرب من مدينة مصراتة.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا الدبيبة خلال استقباله في طرابلس وزير التجارة التركي (حكومة «الوحدة»)

واشنطن تدعو قادة ليبيا إلى تجنب «الإجراءات الأحادية»

دعا المبعوث الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، قادة البلاد إلى «استغلال كل فرصة لبناء توافق حول مسار نحو الانتخابات».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ليبيون عبروا عن رفضهم أي «صفقات مشبوهة» لاستقبال «مهاجرين مرحّلين» من أميركا (أ.ب)

ليبيون يرفضون أي «صفقات مشبوهة» لاستقبال «مرحّلين» من أميركا

جدَّد ليبيون عديدون رفضهم ومخاوفهم من «محاولات أميركية» لترحيل مهاجرين غير نظاميين، ممن لديهم «سجلات جنائية»، إلى بلدهم، ووصفوا هذا الأمر بـ«الخطير جداً».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس حكومة الوحدة الليبية «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)

بدائل الدبيية لرفع الدعم عن المحروقات تثير مخاوف الليبيين

طرح رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة «ثلاثة بدائل» سيتم اللجوء إليها حال «رفع الدعم عن الوقود».

جاكلين زاهر (القاهرة )

تباين ليبي بشأن قرار الدبيبة إغلاق 25 سفارة ومراجعة «عقود نفطية»

الدبيبة أمر بتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين بنسبة 20 % بقصد تخفيض الإنفاق (الوحدة)
الدبيبة أمر بتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين بنسبة 20 % بقصد تخفيض الإنفاق (الوحدة)
TT
20

تباين ليبي بشأن قرار الدبيبة إغلاق 25 سفارة ومراجعة «عقود نفطية»

الدبيبة أمر بتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين بنسبة 20 % بقصد تخفيض الإنفاق (الوحدة)
الدبيبة أمر بتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين بنسبة 20 % بقصد تخفيض الإنفاق (الوحدة)

تباينت ردود الفعل في ليبيا إزاء القرارات التي أصدرها عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي وُصفت بأنها «تقشفية»، ومن أبرزها إغلاق 25 سفارة في الخارج، وتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين بنسبة 20 في المائة، إلى جانب مراجعة بعض «العقود النفطية». وقد لاقت هذه الإجراءات ترحيباً من بعض السياسيين الذين عدَّوها «خطوة في اتجاه الإصلاح»، في حين رأى آخرون أنها «محاولة لامتصاص غضب الشارع، بهدف البقاء في السلطة».

وكان الدبيبة قد قرر حزمة من الإجراءات العاجلة، من بينها تشكيل لجنة مشتركة من ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية لمراجعة عقود قطاع النفط، التي أبرمت في السنوات الأخيرة، وإحالة أي مخالفات بها لمكتب النائب العام، علاوة على تقليص عدد السفارات.

الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)
الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)

ويرى عضو مجلس النواب الليبي، علي الصول، أن قرارات الدبيبة تستهدف «لفت نظر الرأي العام، سواء المحلي أو الدولي، لأداء حكومته»، ويعتقد أن رئيس حكومة «الوحدة»، وحليفه المجلس الرئاسي «يدركان أن محطة مغادرتهما المشهد السياسي باتت قريبة جداً؛ لذا يسعيان للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، من خلال إصدار قرارات اللحظة الأخيرة».

في مقابل ذلك، ورغم إقراره بأن حكومة «الوحدة» ورئيسها كان لديهما كثير من الوقت لاتخاذ مثل هذه الإجراءات «التقشفية»، رحَّب عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، بهذه القرارات التي اتخذها الدبيبة. واستند معزب في موقفه إلى المقولة الشهيرة «أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي»، وقال إن أغلب الخطوات التي أعلن عنها، سواء مراجعة ملف الأدوية، أو عقود النفط أو إغلاق عدد من السفارات، طالبت بها من قِبل نخب سياسية، وخبراء الاقتصاد والشارع الليبي.

ويرى معزب أن جميع الأجسام والسلطات الموجودة بالمشهد الليبي «تستشعر أن هناك تغييراً قادماً، ولا ترغب في استبعادها؛ لذا تعمل على تحقيق بعض الإنجازات ليتم دمجها في السلطة القادمة أو إطالة فترة وجودها في السلطة».

ومن بين المشيدين بقرارات الدبيبة، الصحافي الليبي محمود الشركسي، الذي عدَّها في إدراج له بصفحته على موقع «فيسبوك»، «موفقة وبداية للإصلاح».

في المقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، أن قرارات الدبيبة مجرد «محاولة لتهدئة الانتقادات الحادة التي توجه لحكومته، من قبل النخب السياسية وخبراء الاقتصاد، بشأن توسع الإنفاق العام للحكومتين».

ويرى محفوظ أن الدبيبة «لم يجد أمامه سوى القيام بتلك الإجراءات لإثبات أن حكومته تسعى للتصحيح، وتقليص الإنفاق، وكبح استنزاف العملة الأجنبية عبر خفض عدد السفارات والعاملين بها، وإيقاف البعثات التعليمية».

واجهة البنك المركزي في طرابلس (رويترز)
واجهة البنك المركزي في طرابلس (رويترز)

وكان المصرف المركزي قد حمَّل حكومتَي ليبيا مسؤولية تدهور قيمة الدينار؛ بسبب إنفاقهما الذي تجاوز 224 مليار دينار خلال العام الماضي، لافتاً إلى أن حكومة الدبيبة أنفقت 123 ملياراً، في حين أنفقت نظيرتها في شرق ليبيا المكلفة من البرلمان، برئاسة حماد، نحو 59 ملياراً. (الدولار يساوي 5.45 دينار في السوق الرسمية).

ولليبيا أكثر من 130 سفارة، ووفقاً لتقرير ديوان المحاسبة، فقد جرى عام 2023 صرف مليار و525 مليوناً و173 ألفاً و256 ديناراً رواتب لنحو 3478 عاملاً بالسفارات والقنصليات والبعثات الليبية في الخارج، من دبلوماسيين وعمالة محلية.

ويرى وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة المؤقتة، حسن الصغير، ورغم تأكيده أنه يتطلع مثل كل الليبيين لخفض الإنفاق العام، وتقليص عدد العاملين بالخارج، أن «قرار فتح أو غلق سفارة يخضع للدولة وليس للحكومات»، مشيراً إلى «ضرورة مشاركة سلطات الدولة كافة في هذا القرار، كونه يتعلق بمصالح متبادلة بينها».

أسامة حماد رئيس حكومة «الاستقرار» (الاستقرار)
أسامة حماد رئيس حكومة «الاستقرار» (الاستقرار)

ويعتقد الصغير أن الدبيبة يستهدف «تقديم نفسه بصفته شخصاً مسؤولاً أمام البعثة الأممية، على أمل تكليفه بحكومة جديدة، تجمع قيادات من شرق ليبيا وغربها».

وعلى منصات التواصل وجد الدبيبة مهاجمين ومدافعين عن قراره؛ حيث انتقد البعض قراره بإيقاف البعثات التعليمية، التي أشار الدبيبة لإنفاق نصف مليار دينار عليها، وأنه بصدد توجيه تلك المبالغ لتطوير التعليم بالداخل، مشيرين إلى أن الإيفاد بالأساس متوقف منذ سنوات، باستثناء أبناء كبار المسؤولين بحكومته والمقربين منهم، فيما عدَّ البعض قراراته موفقة.