تراكم أحداث وصدامات أدى إلى القطيعة بين الجزائر وفرنسا

«الذاكرة» والاعتراف بمغربية الصحراء وهجومات اليمين على المهاجرين

من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
TT
20

تراكم أحداث وصدامات أدى إلى القطيعة بين الجزائر وفرنسا

من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

في وقت سابق، كانت العلاقات بين الجزائر وفرنسا تجد من يأخذ بها إلى مخرج من المطبات التي تقع فيها بأقل الأضرار... أما منذ بداية العام، فلا يبدو أن هناك استعداداً لدى الطيف السياسي الحاكم في البلدين، للبحث عن أي صيغة لوقف الأزمة بينهما، وهي تكبر مثل كرة ثلج تتدحرج في منحدر شديد الانخفاض.

كتب صحافي جزائري مقيم بفرنسا: «لم تصل العلاقات بين باريس والجزائر إلى حافة القطيعة كما هي الآن. لقد غطيت الجزائر، وما زلت، تحت 6 رؤساء: جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند وإيمانويل ماكرون، و(الراحل) عبد العزيز بوتفليقة وعبد المجيد تبون، وعرفت العديد من السفراء من كلا الجانبين، ولم أرَ قَطّ تصعيداً من هذا النوع. لقد تم قطع جميع الروابط، ولا يبدو لي أن هناك في أي من الجانبين، سبلاً حكيمة للعمل على التهدئة».

وزير خارجية فرنسا (حسابه بالإعلام الاجتماعي)
وزير خارجية فرنسا (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وثبت من خلال رد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الأحد، على اتهامات جزائرية لمخابرات بلاده بـ«محاولة ضرب استقرارها»، أن الحوار منعدم بين البلدين المتوسطيين الكبيرين؛ إذ قال في مقابلة مع إذاعة «فرنسا أنتر»، إن الاتهامات «لا أساس لها من الصحة وخيالية»، مؤكداً ما نشرته صحف جزائرية بأن الخارجية الجزائرية استدعت السفير الفرنسي في الجزائر ستيفان روماتيه، للاحتجاج ضد «ممارسات الأمن الخارجي الفرنسي». وأضاف: «أنا أؤكد هذا الاستدعاء وأعبر عن أسفي له... لقد اتصلت بسفيرنا عبر الهاتف لأؤكد له دعمنا».

وتابع بارو: «في ما يتعلق بعلاقتنا مع الجزائر، قلنا، بل كتبنا حتى في عام 2022، إن الرئيس تبون والرئيس ماكرون وضعا خريطة طريق لتمتين العلاقة بين بلدينا في المستقبل، ونحن نأمل أن تستمر هذه العلاقة، فهذا في مصلحة كل من فرنسا والجزائر»، في إشارة إلى زيارة قادت ماكرون إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، وتتويجها بـ«وثيقة شراكة متجددة». يومها، قال مراقبون إن العلاقات «في أفضل حالاتها»، خصوصاً أن ماكرون كان قد دان «الجريمة الاستعمارية في الجزائر»، عندما زارها في 2017 وهو مرشح للرئاسة.

الرئيس الفرنسي أمام «مقام الشهيد» في العاصمة الفرنسية عام 2022 (رويترز)
الرئيس الفرنسي أمام «مقام الشهيد» في العاصمة الفرنسية عام 2022 (رويترز)

وأعلنت عدة وسائل إعلام جزائرية، بما في ذلك الصحيفة الحكومية «المجاهد»، الأحد، أن وزارة الشؤون الخارجية أبلغت السفير روماتيه «رفض السلطات العليا في الجزائر للعديد من الاستفزازات والأعمال العدائية الفرنسية تجاه الجزائر»، مبرزة أن غضب السلطات «ناتج عن الكشف عن تورط أجهزة المخابرات الفرنسية في حملة تجنيد إرهابيين سابقين في الجزائر بهدف زعزعة استقرار البلاد». كما قالت إن الجزائر «تأخذ على باريس احتضانها التنظيمين الإرهابيين: حركة الحكم الذاتي في القبائل، وجماعة رشاد الإسلامية». غير أن هذه الاتهامات غير المعتادة في خطورتها، سبقتها أحداث ومواقف وتصريحات شكلت تراكماً مستمراً حتى وصلت العلاقات بين البلدين إلى القطيعة، آخرها كان احتجاج السلطات الفرنسية على اعتقال الكاتب بوعلام صنصال ومطالبتها الجزائر بـ«الإفراج عنه فوراً». هذا الخطاب رأى فيه الجزائريون «وصاية يريد مستعمر الأمس أن يفرضها علينا».

وقبل «حادثة صنصال»، سحبت الجزائر سفيرها من باريس بعد أن وجّه ماكرون خطاباً إلى تبون نهاية يوليو (تموز) الماضي، يعلمه فيه أنه قرر الاعتراف بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. وعدّت الجزائر ذلك «تفاهماً بين القوى الاستعمارية القديمة والحديثة». وكان هذا «الصدام» كافياً، من جانب الجزائر، لإلغاء زيارة لرئيسها إلى باريس، اتفق الجانبان على إجرائها في خريف هذا العام.

الروائي المسجون بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المسجون بوعلام صنصال (متداولة)

ومنذ بداية 2024 توالت أحداث مهّدت للقطيعة الحالية، كان أقواها سياسياً هجمات مكثفة لليمين الفرنسي التقليدي والمتطرف على «اتفاق 1968» الذي يسيّر الهجرة والإقامة و«لمّ الشمل العائلي» والدراسة والتجارة في فرنسا، بالنسبة للجزائريين. وفي تقدير الجزائر، فقد «بقي ماكرون متفرجاً أمام هذه الهجمات». ومما زاد الطينة بلّة، رفض الحكومة الفرنسية تسليم الجزائر برنس وسيف الأمير عبد القادر، رمز المقاومات الشعبية ضد الاستعمار في القرن الـ19، والذي عاش أسيراً في قصر بوسط فرنسا بين 1848و1852.

أمّا الفرنسيون، فيرون أن ماكرون خطا خطوات إيجابية في اتجاه الاعتراف بالجريمة الاستعمارية، لكنها لم تلقَ التقدير اللازم من جانب الجزائريين، أبرزها الإقرار بتعذيب وقتل عدد من المناضلين على أيدي الشرطة والجيش الاستعماريين، في حين كانت الرواية الرسمية تقول إنهم «انتحروا»، وهو ما زاد من حدّة التباعد بين الطرفين.


مقالات ذات صلة

السجن مع وقف التنفيذ لمؤثرة فرنسية-جزائرية

شمال افريقيا صوفيا بن لمان مع المحامي فريدريك ليلارد (أ.ف.ب)

السجن مع وقف التنفيذ لمؤثرة فرنسية-جزائرية

حُكم على مؤثرة فرنسية-جزائرية في مدينة ليون (وسط شرقي فرنسا) بالسجن 9 أشهر مع وقف التنفيذ، بتهمة توجيه تهديدات بالقتل لمعارضين للنظام الجزائري.

«الشرق الأوسط» (ليون (فرنسا))
آسيا جنود من كوريا الجنوبية بالقرب من الحدود مع كوريا الشمالية (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الكوري الجنوبي يقول إنه أطلق طلقات تحذيرية بعد توغل قوات كوريّة شمالية لفترة وجيزة

تعدّ العلاقات بين بيونغ يانغ وسيول في أدنى مستوياتها منذ سنوات، بعدما أطلقت كوريا الشمالية العام الماضي سلسلة من الصواريخ الباليستية.

«الشرق الأوسط» (سيول)
شمال افريقيا فرنسا والجزائر... وصفحة جديدة في علاقاتهما (أ.ف.ب)

الجزائر وفرنسا لتجاوز تعقيدات الملفات الخلافية بعد إقرار الصلح

يعيب الجزائريون على فرنسا «تماطلاً» في التعاطي مع عشرات الاستنابات القضائية التي تتعلق بتسليم مسؤولين سابقين متهمين بالفساد ومعارضين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي (أ.ف.ب)

إقرار صلح بين الجزائر وباريس بعد توترات لامست القطيعة

جرى، الأحد، إقرار صلح بين الجزائر وفرنسا، تبعاً لما اتفق عليه تبون وماكرون، خلال اتصال هاتفي، يوم 31 مارس (آذار) الماضي، حيث أكدا «قوة الروابط بين البلدين».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا أعضاء في شركات فرنسية عاملة في الجزائر (متداولة)

ترقب وحذر في الجالية الفرنسية بالجزائر بسبب التوترات الدبلوماسية

تعمل 6 آلاف شركة فرنسية مع الجزائر؛ حيث بلغت قيمة صادراتها في عام 2024 نحو 4.8 مليار يورو.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«طويلة» معسكر جديد لضحايا الحرب في السودان

0 seconds of 35 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:35
00:35
 
TT
20

«طويلة» معسكر جديد لضحايا الحرب في السودان

نازحون هاربون بعد هجمات «قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور 15 أبريل (رويترز)
نازحون هاربون بعد هجمات «قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور 15 أبريل (رويترز)

تحوّلت بلدة «طويلة» بشمال دارفور، غرب السودان، إلى معسكر جديد لضحايا الحرب، بعد تدفق الآلاف من النازحين الهاربين من القصف من مدينة الفاشر، ومخيمي زمزم وأبو شوك، عقب المعارك الأخيرة بين الجيش السوداني والقوة المشتركة من جهة و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى.

وتشهد محلية طويلة ضغوطاً شديدة بتكدس النازحين في العراء، في ظروف في غاية السوء، دون غذاء أو مياه شرب أو حتى غطاء، وفقاً للمنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور العاملة في المنطقة.

وقال المتحدث باسم المنسقية آدم رجال: «نحن بصدد إعلان حالة الطوارئ القصوى في المنطقة، نسبة للحاجة الملحة إلى تدخلات عاجلة في الوقت الراهن». وأضاف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التحدي الأكبر يتمثل في نقص الخدمات الأساسية ومقومات الحياة، وتوفير مواد الإيواء مثل الخيام نسبة لوجود الآلاف حالياً في الخلاء». وذكر أن المدنيين الذين استطاعوا مغادرة الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك في تلك الظروف الصعبة، «خرجوا بملابسهم التي كانوا يرتدونها فقط، بعضهم يملك عربات بدائية تجرها الدواب، وهم بحاجة لكل شيء، في ظل استجابة محلية تطوعية محدودة لمساعدتهم».

مآسٍ في طريق النزوح

وقال رجال إن النازحين أفادوا بأنهم عايشوا ظروفاً مريرة ومروعة في طريق نزوحهم، و«تعرضوا لشتى أنواع الانتهاكات والقتل والسرقات، واغتصاب بعض الفتيات من قبل بعض المسلحين المحسوبين على (قوات الدعم السريع)». وأضاف: «حدثونا في شهاداتهم عن وقوع أعداد كبيرة من الوفيات بسبب الجوع والعطش الشديدين وفقد بعض الأطفال ذويهم خلال رحلة النزوح».

ووفق إحصائيات المنسقية العامة للنازحين واللاجئين (منظمة محلية تطوعية تعنى بشؤون النازحين)، استقبلت طويلة أكثر من 281 ألف نازح منذ تجدد القتال العنيف في الفاشر والمخيمات حولها مطلع أبريل (نيسان) الحالي، وبلغ إجمالي الأعداد، إضافة إلى سكان المنطقة، أكثر من مليون شخص.

تقع طويلة نحو 65 كيلومتراً غربي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. وتعد الفاشر آخر مدينة كبرى يسيطر عليها الجيش السوداني في غرب البلاد، وتحاصرها «قوات الدعم السريع»، لأكثر من عام.

وأوضح المتحدث باسم المنسقية آدم رجال أن الوضع الأمني مستقر، لكن الاحتياجات الإنسانية فوق طاقة المجتمع المحلي والمنظمات الإنسانية الوطنية والسلطات هناك، وتخضع طويلة لسلطة مدنية تحت إدارة حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد محمد أحمد النور.

وقال إن قادة المجتمع المحلي شرعوا في إطلاق مبادرات شعبية لإغاثة النازحين، لكنهم لا يستطيعون تلبية الاحتياجات بشكل كافٍ بسبب الأعداد الكبيرة والمتزايدة يوماً بعد يوم.

هروب الآلاف بعد هجمات «قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور 15 أبريل (رويترز)
هروب الآلاف بعد هجمات «قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور 15 أبريل (رويترز)

وأضاف رجال، أن طويلة أصبحت بوابة لاستقبال النازحين من الفاشر والمخيمات حولها، وتواصل أعداد مقدرة منهم النزوح إلى مناطق أخرى مجاورة في فنقا وقولو ونيرتتي بجبل مرة. ويسهم السكان المحليون ومنظمات وطنية إلى جانب غرف الطوارئ التطوعية، بتقديم دقيق الذرة والبقوليات ومياه الشرب والأغطية لإعانة النازحين، لكن هذه المساعدات تبقى محدودة النطاق في تلبية احتياجات النازحين الذين يواصلون التدفق بأعداد كبيرة من الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك.

الفاشر تعاني

وأفادت مصادر عديدة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» بأن نحو 70 في المائة من سكان مخيم زمزم نزحوا إلى محلية طويلة ومناطق أخرى بالولاية، بعد الهجوم الأخير الذي شنته «قوات الدعم السريع»، وأسفر عن مقتل وإصابة المئات من المدنيين. وقالت إن من تبقى في الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك يواجهون أوضاعاً إنسانية في غاية السوء والبؤس، جراء النقص الكبير في الغذاء ومياه الشرب والدواء. وأشارت المصادر نفسها إلى أن الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح المتحالفة معه، تواصل وضع العراقيل أمام الأسر لمنعهم من مغادرة الفاشر، وتجبرهم على البقاء تحت التهديد، على الرغم من تصاعد العمليات العسكرية والقصف المدفعي المتبادل، وصعوبة الحصول على الغذاء ومياه الشرب جراء الحصار المتطاول على المدينة.

وكشفت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، مطلع الأسبوع الحالي، عن تنفيذ الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني والقوة المشتركة، اعتقالات طالت العشرات من القادة والنشطاء المتطوعين بمخيم أبو شوك بتهم التعاون مع «قوات الدعم السريع»، وعدّتها تهماً باطلة بلا سند قانوني.

وتفيد معلومات تحصلت عليها «الشرق الأوسط» بأن معبر أدري الحدودي مع دولة تشاد بات متاحاً لإيصال المساعدات الإنسانية إلى النازحين الجدد في طويلة. وبحسب مصادر عديدة، وصلت خلال الأيام الماضية عدد من الشاحنات محملة بالمواد الغذائية والأدوية ومستلزمات الإيواء إلى أماكن النازحين، لكنها غير كافية نسبة للأعداد الكبيرة.

وأفادت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بأنها على وشك الإعلان عن حالة الطوارئ القصوى في محلية طويلة، لدفع المنظمات الدولية والمحلية للتحرك عاجلاً لإنقاذ حياة آلاف النازحين من شمال دارفور.