ينظر الجزائريون لزيارة وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو إلى بلادهم على أنها «انتصار للخط الدبلوماسي» الذي يمثله هو، ومِن ورائه الرئيس إيمانويل ماكرون، على «التصعيد» الذي عبَّر عنه وزير الداخلية برونو ريتايو، فيما يخص الأزمة الخطيرة التي مرت بها العلاقات الثنائية منذ اعتراف باريس بـ«مغربية الصحراء»، في نهاية يوليو (تموز) الماضي.
وجرى، الأحد، إقرار صلح بين الجزائر وفرنسا، تبعاً لما اتفق عليه الرئيسان عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي يوم 31 مارس (آذار) الماضي، حيث أكدا «قوة الروابط، وخاصة الإنسانية» التي تجمع بين البلدين، و«إرادتهما استئناف الحوار المثمر»، الذي بدأ خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، وفق ما تضمَّنه بيان مشترك للرئاستين الجزائرية والفرنسية، وضع حدّاً لثمانية أشهر من التوترات جرَت معها ملفات عدة، امتزجت فيها الهجرة السرية والنظامية و«الذاكرة وآلام الاستعمار»، و«امتيازات جواز السفر الدبلوماسي المتاحة لوجهاء النظام في الجزائر»، تُعفيهم من طلب تأشيرة الدخول إلى فرنسا.
واعلن الوزير الفرنسي بعد لقائه الرئيس تبون ونظيره أحمد عطاف عن «مرحلة جديدة في علاقة ندية» مع الجزائر، وقال بعد اللقاء الذي استمر ساعتين ونصف ساعة: «مع الرئيس (عبد المجيد) تبون، عبرنا عن الرغبة المشتركة في رفع الستار» من أجل «إعادة بناء» حوار «هادئ»، معلناً استئنافا شاملا للعلاقات الثنائية.

وعلى أثر وصوله إلى مطار عاصمة الجزائر، توجّه بارو إلى مقر وزارة خارجيتها، حيث بدأت مباحثات مع وزير الخارجية أحمد عطاف، تناولت القضايا الخلافية التي غذَّت الأجواء المشحونة في الآونة الأخيرة، وفق مصادر دبلوماسية تابعت اللقاء، وفي مقدمتها مشكلة المهاجرين غير النظاميين الذين صدرت بحقّهم أوامر إدارية بالإبعاد من التراب الفرنسي، وكانت الجزائر قد رفضت دخولهم، خلال الأزمة؛ تعبيراً عن احتجاج شديد على «مهلة شهر إلى ستة أسابيع» أعلن عنها رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو، في نهاية فبراير (شباط) الماضي، متوعداً بـ«اتخاذ إجراءات تدريجية ضد الجزائر» إن لم «تلتزم بها» عن طريق تقديم مقترحات لتسلم رعاياها غير المرغوب بهم من طرف فرنسا.

كما رفضت الجزائر «قائمة» تضم 60 منهم، من قوائم أخرى وضعها وزير الداخلية ريتايو الذي تصدَّر أسلوب التشدد المتبَع ضد الجزائر، والذي جرى إبعاده من «المشهد» منذ «الاتفاق - المكالمة الهاتفية» بين الرئيسين، فاختفت حِدة اللهجة تاركة المكان للتسوية الدبلوماسية. ورغم ذلك صرّح ريتايو، لتلفزيون «فرنس 2»، معلّقاً على عودة الهدوء مع الجزائر: «الرسائل إيجابية... وفي المفاوضات، يجب أن يكون هناك توازن بين الحَزم والحوار، والدبلوماسية وحَزم وزارة الداخلية... إذا لم أكن في الحكومة، فأعتقد أن هذه السياسة الحازمة ربما لم تكن ستُتبَّع».
وكان ريتايو، المرشح لرئاسة حزب «الجمهوريون» (يمين تقليدي)، قد أكد عزمه الاستقالة من الحكومة «في حالة الرضوخ أمام الجزائر»؛ في إشارة إلى احتمال عجز الحكومة عن فرض خطة ترحيل الجزائريين المعنيين بقرارات الطرد.

وبحث الوزيران بارو وعطاف أيضاً، وفق المصادر نفسها، استئناف «الحوار الأمني» الذي كان ضحية «الأعراض الجانبية» للأزمة، والذي يخص التنسيق بين جهازي الأمن الداخلي بشأن الإضطرابات السياسية في دول جنوب الصحراء وليبيا، وتداعياتها على الأمن في منطقة المغرب الغربي وكامل غرب أفريقيا وحوض المتوسط. كما تناولت محادثاتهما عودة اجتماعات «لجنة الذاكرة» التي تضم مؤرخين من البلدين، كلّفهما الرئيسان بـ«عقد مصالحة بين الذاكرتين» تتيح بناء علاقة قائمة على تبادل المنافع، بعيداً عن «نزاعات التاريخ» ذات الصلة بالاستعمار (1830-1962).
وأكدت المصادر نفسها أن أجندة مباحثات بارو تشمل أيضاً قضية سجن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، الذي يحرص ماكرون على إطلاق سراحه، وقد طلب من تبون «لفتة إنسانية» من جانبه لصالح الروائي السبعيني، بمنحه عفواً.
وجرت إدانة صنصال بالسجن 5 سنوات مع التنفيذ بتهمة «المس بالسلامة الترابية للبلاد»، و«التخابر مع جهة أجنبية». ومن المتوقع أن يستعيد حريته عندما تعالج محكمة الاستئناف قضيته.
وأضافت المصادر أن بارو نقل الانشغال الخاص بصنصال، المقرَّب من أوساط اليمين الفرنسي، إلى تبون الذي تحادث معه في المساء. وصرَّح بارو، عشية زيارته الجزائر، بأن صاحب رواية «قرية الألماني» (2008) الشهيرة، «مواطن فرنسي جزائري، وتهتم فرنسا بمواطنيها ومصيرهم في كل مكان في العالم».

واللافت أن مسار التطبيع الذي أطلقه تبون وماكرون لا يشمل منشأ الأزمة؛ وهو غضب الجزائر من انحياز باريس للمغرب في نزاع الصحراء، وقرارها سحب سفيرها من فرنسا في رد فعل على هذه الخطوة، ما يعني أن فرنسا لن تعود إلى حيادها من مشكلة الصحراء، ما دام الطرف الجزائري لم يضعه شرطاً لعودة العلاقات إلى ما كانت عليه. ورغم ذلك، تشير توقعات دبلوماسيين إلى أن الجزائر ستُعيّن سفيراً جديداً قريباً في باريس؛ لتعويض السفير السابق سعيد موسى الذي نُقل إلى السفارة بالبرتغال.
يشار إلى أن الجزائر سحبت سفيرها (سعيد موسى) من إسبانيا في عام 2022، وأوقفت التجارة معها بسبب اتخاذها الموقف نفسه من الصحراء. وفي نهاية 2024 جرى إنهاء الخلاف ورفع التجميد عن الأنشطة التجارية، وعاد السفير إلى منصبه، دون أن يتغير موقف مدريد.


