زيادة «الإنفاق العام» خلال العقد الماضي تثير شكوك وتساؤلات الليبيين

رصدها تقرير لهيئة الرقابة الإدارية

من اجتماع سابق في مقر هيئة الرقابة الإدارية بليبيا (الهيئة)
من اجتماع سابق في مقر هيئة الرقابة الإدارية بليبيا (الهيئة)
TT

زيادة «الإنفاق العام» خلال العقد الماضي تثير شكوك وتساؤلات الليبيين

من اجتماع سابق في مقر هيئة الرقابة الإدارية بليبيا (الهيئة)
من اجتماع سابق في مقر هيئة الرقابة الإدارية بليبيا (الهيئة)

أثار تقرير أصدرته هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا، بخصوص ارتفاع الإنفاق العام خلال العقد الماضي، موجة من التساؤلات والانتقادات للسلطات، التي تعاقبت على حكم البلاد.

وكشفت الهيئة، خلال استعراض تقريرها السنوي، تجاوز قيمة الإنفاق العام أكثر من 722 مليار دينار خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2012 و2023، خُصِّص منها نحو 372 ملياراً لرواتب العاملين بالدولة (الدولار يساوي 4.78 دينار). كما بلغ إجمالي الدين العام عن الفترة الممتدة من 2011 وحتى نهاية 2023 أكثر من 154 مليار دينار، وذلك في ضوء ما توفَّر من بيانات صادرة من جهات رسمية استندت إليها هيئة الرقابة الإدارية، وفقاً لتأكيد رئيسها، عبد الله قادربوه.

الغويل عبَّر عن قلقه لارتفاع قيمة الإنفاق العام بسبب غياب المشاريع الكبرى وتحسين البنيات التحتية (الشرق الأوسط)

وعبَّر وزير الدولة السابق للشؤون الاقتصادية بحكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة»، سلامة الغويل، عن قلقه لارتفاع قيمة الإنفاق العام خلال تلك الفترة. وأرجع ذلك لغياب «أي إنجازات ومشاريع كبرى، أو تحسين لشبكات البنية التحتية التي تبرر إنفاق هذه المبالغ، وعدم التشكك بتوجهها لخزائن الفاسدين».

ورأى الغويل الذي يرأس حالياً «مجلس المنافسة ومنع الاحتكار»، في بنغازي، بتصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مبلغ 722 مليار دينار «كان كفيلاً بتحويل ليبيا إلى سنغافورة جديدة، وأن يحس شعبها بقدر من الرفاهية، إذا ما اتُّبعت سياسات مالية رشيدة، خصوصاً مع محدودية عدد السكان».

ويعتقد الغويل أن التوسع في الإنفاق يعود بدرجة رئيسية إلى «وضعية الانقسام الحكومي والمؤسسي الذي لم تنجُ منه حتى الأجهزة الرقابية، مما أضعف دورها، وسهَّل عدم الكشف عن كثير من التجاوزات المالية والإدارية، وبالتبعية سهَّل لمرتكبيها الإفلات من العقاب».

الغويل قال إن مبلغ 722 مليار دينار «كان كفيلا بتحويل ليبيا إلى سنغافورة جديدة وأن يحس شعبها بقدر من الرفاهية» (أ.ف.ب)

وخلال السنوات الماضية، أعلنت السلطات في شرق ليبيا وغربها عن تدشين مشاريع عامة، كبناء المساكن وإنشاء الطرق، في ظل معاناة ليبيا من انقسام سياسي وحكومي؛ حيث تصارعت على إدارة شؤونها حكومتان: الأولى بالمنطقة الغربية والأخرى في شرق البلاد.

ورغم ما تضمنه التقرير من مخالفات إدارية ومالية، أُحيل منها 450 قضية للتحقيق خلال العام الماضي فقط، يرى الغويل أن «التقرير قدم مؤشرات مهمة لصُنّاع القرار والباحثين عن أسباب خطورة الوضعين؛ الاقتصادي والمؤسسي».

كما رحَّبت أصوات سياسية بالتقرير الذي كشف للمرة الأولى عن نفقات الحكومة الليبية المؤقتة في المنطقة الشرقية، التي ترأسها حينها عبد الله الثني، ما بين 2015 و2020، والتي قُدّرت بأكثر من 64 مليار دينار، فيما بلغ إجمالي الدين العام لها عن الفترة ذاتها 69.9 مليار دينار.

من جهته، رجح المحلل السياسي الليبي، إسلام الحاجي، أن يكون حجم الإنفاق العام عن تلك الفترة «أعلى مما ورد في التقرير؛ خصوصاً أنه لم يتطرق إلى ما قد يكون أهدر من أصول وثروات ليبية بالخارج». إلا أن الحاجي شكك في «مصداقية الأرقام» التي أوردها التقرير، رغم إقراره باستناده على بيانات صادرة عن جهات رسمية.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف، هناك أحاديث عن لجوء أفرقاء الأزمة المتصارعين على السلطة لتغطية نفقات التحشيد العسكري عبر إدماجها بميزانية أي بنود».

وكان مسؤولو هيئة الرقابة الإدارية قد أشاروا لوجود اختلاف في بيانات الجهات السيادية المالية بالبلاد، كالمصرف المركزي وديوان المحاسبة ووزارة المالية.

الصديق الصور النائب العام الليبي سبق أن أكد تحقيق مكتبه في عدد من قضايا الفساد والاختلاس (مكتب النائب العام)

كبير الباحثين في «معهد الدراسات الدولية» بجامعة جونز هوبكنز الأميركية، الليبي حافظ الغويل، عبَّر بالمثل عن قناعاته بتخصيص جانب كبير من الأموال، التي رُصدت بقيمة الإنفاق العام، لما سمَّاه «مسارات الفساد»، عبر مشاريع يرى أنها «وهمية»، أو بتوجهها «للتحشيد العسكري وتمويل الصراعات التي شهدتها ليبيا في السنوات الماضية». وعدَّ هذا التوسع في الإنفاق «أحد الأسباب الرئيسية لما شهدته ليبيا في السنوات الأخيرة من انهيار قيمة الدينار، والغلاء المعيشي، في ظل اعتمادها بشكل شبه كلي على الاستيراد».

كما وجَّه الغويل انتقاده «لعملية التوظيف العشوائي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ليبيا، وفقاً للمقاييس الدولية، لديها أكبر نسبة من السكان الذين يعتمدون على رواتب حكومية، رغم ضعف إنتاجيتهم بدرجة كبيرة جداً».

ووفقاً لتقرير الرقابة الإدارية، فقد بلغ عدد مَن يتقاضون رواتب في ليبيا حتى نهاية عام 2023 «مليونين و99 ألفاً و200 موظف».


مقالات ذات صلة

خوري تحذر من «التدابير الأحادية» لأفرقاء الأزمة في ليبيا

شمال افريقيا من أشغال الجلسة المخصصة لمناقشة الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

خوري تحذر من «التدابير الأحادية» لأفرقاء الأزمة في ليبيا

ستيفاني خوري ترى أن هناك «تطوراً إيجابياً» طرأ في الأزمة الليبية، بعد التوصل إلى اتفاق بين القيادات على تعيين محافظ للبنك المركزي، واستئناف الصادرات النفطية.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا الاجتماع الذي نظمته البعثة الأممية لعدد من الدبلوماسيين في طرابلس (البعثة)

«النواب» يعوّل على دور أميركي لإنهاء الانقسام في ليبيا

قال رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، إن «بلاده تعول على الدور الأميركي لحل أزمة الانقسام في ليبيا».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا صورة أرشيفية للعجمي العتيري (الشرق الأوسط)

ليبيا: غموض بشأن مصير «سجَّان» نجل القذافي

شهدت مدينة الزنتان الليبية (جنوب غربي طرابلس) توتراً أمنياً، بعد توقيف العجمي العتيري، قائد «كتيبة أبو بكر الصديق».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا عقيلة صالح خلال لقائه مع وكيل الخارجية الأميركية (مجلس النواب)

رئيس «النواب» يعرض في واشنطن رؤيته لإنهاء الانقسام الليبي

بدأ رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح زيارة مفاجئة إلى الولايات المتحدة، ركزت على أزمة المصرف المركزي في البلاد، وإيجاد حلول للانقسام السياسي الراهن.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا المشري في احتفال أقامته السفارة الألمانية في طرابلس نهاية الأسبوع الماضي (المجلس الأعلى للدولة)

واشنطن تدعو إلى «توحيد الجيش الليبي والشفافية في إدارة الموارد»

تحدث خالد المشري الرئيس الحالي للمجلس الأعلى للدولة الليبي، عن فشل غريمه محمد تكالة، للمرة الثانية، في عقد جلسة رسمية في العاصمة طرابلس بنصاب قانوني.

خالد محمود (القاهرة)

بسبب توتر العلاقات... الجزائر تستبعد فرنسا من مناقصة لاستيراد القمح

الرئيسان الجزائري والفرنسي قبل توتر العلاقات بين البلدين خلال مشاركتهما في قمة المناخ بشرم الشيخ (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي قبل توتر العلاقات بين البلدين خلال مشاركتهما في قمة المناخ بشرم الشيخ (الرئاسة الجزائرية)
TT

بسبب توتر العلاقات... الجزائر تستبعد فرنسا من مناقصة لاستيراد القمح

الرئيسان الجزائري والفرنسي قبل توتر العلاقات بين البلدين خلال مشاركتهما في قمة المناخ بشرم الشيخ (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي قبل توتر العلاقات بين البلدين خلال مشاركتهما في قمة المناخ بشرم الشيخ (الرئاسة الجزائرية)

قالت مصادر تجارية في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء، اليوم (الأربعاء)، إن الجزائر استبعدت الشركات الفرنسية من مناقصة لاستيراد قمح هذا الأسبوع، واشترطت ألا تعرض الشركات المشاركة قمحاً فرنسي المنشأ، وذلك في تداعيات واضحة لتجدد التوتر الدبلوماسي بين البلدين. وقد تعزز الخطوة، وهي انعكاس جديد لنزاع وقع قبل ثلاث سنوات أدى إلى استبعاد فرنسا من مناقصات القمح الجزائرية لشهور، هيمنة إمدادات البحر الأسود بقيادة القمح الروسي على سوق الاستيراد الضخمة في البلاد.

وتعد الجزائر من أكبر مستوردي القمح في العالم، وكانت فرنسا لسنوات طويلة أكبر مورد لها بفارق كبير. وأثار قرار فرنسا في يوليو (تموز) الماضي، دعم مخطط الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء في إطار السيادة المغربية غضب الجزائر، التي تدعم مساعي جبهة «البوليساريو» لإقامة دولة مستقلة هناك.

وأجرت الجزائر إحدى مناقصاتها الدورية، أمس (الثلاثاء)، وقدر المتعاملون أن الديوان المهني للحبوب، (المشتري الرسمي للحبوب في الجزائر)، اشترى أكثر من 500 ألف طن من القمح. وعادة ما يكون المنشأ اختيارياً في مناقصات الديوان المهني للحبوب، إذ يمكن للمتعاملين الاختيار من بين مجموعة من المصادر المعتمدة بما في ذلك القمح الفرنسي. لكن 6 مصادر مطلعة قالت إن الشركات الفرنسية لم تتلق دعوة للمشاركة في تلك المناقصة، في حين طُلب من الشركات غير الفرنسية عدم اقتراح القمح الفرنسي ضمن خيارات التوريد.