هل حقاً حاول «النواب» ومجلس الدولة «عرقلة» جهود خوري لحلحلة الأزمة الليبية؟

بعد تجدد الحديث عن تشكيل «حكومة جديدة»

صالح وخوري في لقاء سابق (مكتب صالح)
صالح وخوري في لقاء سابق (مكتب صالح)
TT

هل حقاً حاول «النواب» ومجلس الدولة «عرقلة» جهود خوري لحلحلة الأزمة الليبية؟

صالح وخوري في لقاء سابق (مكتب صالح)
صالح وخوري في لقاء سابق (مكتب صالح)

أثار تحرك أعضاء بمجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا لتشكيل «حكومة جديدة موحدة» تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت هذه التحركات المتسارعة محاولة «للتشويش وعرقلة» المبادرة، التي أطلقتها المبعوثة الأممية لدى ليبيا بالإنابة، ستيفاني خوري، أم مجرد محاولات لإبراز دورهم بوصفهم فاعلين بارزين في العملية السياسية.

وكانت خوري قد أعلنت قبل أسبوعين عن تشكيل لجنة فنية تتكون من خبراء ليبيين لوضع خيارات، تفضي إلى معالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، وطرح خيارات لكيفية الوصول إلى الانتخابات في أقصر وقت ممكن، لكن سرعان ما تحرك نواب من المجلسين وعقدا لقاء في المغرب للرد على هذه المبادرة.

من جلسة سابقة لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

بداية، يرى عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، أن ما يصدر من قبل البرلمان من تصريحات وخطوات بشأن تشكيل «حكومة جديدة» هي محاولة «لاستباق عمل البعثة الأممية في استئناف العملية السياسية بالبلاد لإنهاء حالة الجمود».

وقال معزب لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك محاولات لقطع الطريق على سعي البعثة إلى تشكيل لجنة لحسم القضايا الخلافية بالقوانين الانتخابية»، مضيفاً أن هذه الخطوة الأممية «لم تُرض البرلمان، وأغلب المتقاربين في الرؤي معه من أعضاء المجلس الأعلى للدولة يرون أن القوانين، التي أقرت قبل أكثر من عام، جيدة ولا تحتاج لتعديل».

ويعتقد معزب أن «بعض هؤلاء مدفوع لتشكيل حكومة جديدة بهدف تقاسم مقاعدها، أو أملاً في نجاحها في إزاحة حكومة الدبيبة»، موضحاً أن البرلمان «لم يتعلم من تجارب سابقة في إنتاج حكومات لا تحظى بتوافق محلي، أو بدعم واعتراف أممي دولي، فينتهي بها المطاف إلى حكومة موازية، دون أي قدرة على ممارسة مهامها من العاصمة».

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة (الوحدة)

وكان رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، قد صرح بأن «الأمور تسير بخطى ثابتة نحو حكومة جديدة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للدولة»، وتعهد بأن تجري عملية «اختيار رئيس الحكومة الجديدة خلال جلسة برلمانية معلنة».

لكن معزب يتوقع أن «توظّف البعثة اعتراضات بقية القوى السياسية على القوانين الانتخابية، وانقسام المجلس الأعلى للدولة لتؤكد أن تحركات البرلمان هي خطوات فردية لا يجب الالتفات إليها»، معتقداً أن هذا «الخطاب سيلقى دعماً من الدول الغربية المؤثرة بالساحة الليبية، وسيتكفل حينذاك بانتهاء مشروع الحكومة قبل أن يولد».

ودعا معزب رئاسة البرلمان «للتريث» في هذا التحرك، «حتى لا يتسبب ذلك في تعطيل العملية السياسية برمتها، ويتسبب أيضاً في تصاعد الاتهامات بحق أعضاء المجلسين بافتعال الأزمات للبقاء بالسلطة».

من اجتماع سابق لمجلس النواب الليبي (المجلس)

ويأتي إعلان صالح عن قرب عقد اجتماع لمناقشة ملف تشكيل «الحكومة الجديدة»، بعد قرابة أسبوعين من اجتماع استشاري عقد بين بعض البرلمانيين وأعضاء بالأعلى للدولة في مدينة بوزنيقة المغربية، الذي انتهت مخرجاته إلى تشكيل لجان مشتركة لمعالجة مسارات مختلفة، وفي مقدمتها «إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، والنظر في الإصلاحين المؤسسي والمالي».

وبشأن تحركات البرلمان، قال عضو مجلس النواب، عصام الجيهاني لـ«الشرق الأوسط»، إن رئاسة المجلس ستعقد اجتماعاً بمدينة القبة شرق ليبيا قريباً، بحضور مجموعة من أعضاء «الأعلى للدولة» لمناقشة الخطوات النهائية المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة.

وأبدى الجيهاني تفهماً لما يطرح حول ضرورة المطالبة بـ«التريث» في ملف تشكيل (الحكومة الموحدة)، لضمان حصولها على دعم أممي، مشدداً على «أهمية التأكيد على أن عملية انتقال السلطة ستتم بشكل سلمي، ودون أي تحركات عسكرية».

أسامة حماد رئيس حكومة الاستقرار الموازية (الاستقرار)

وأشار الجيهاني إلى تصريحات الدبيبة المتكررة برفض مغادرة موقعه، وعدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، «وهو ما يعني أنه لن يرضى بأي حل أو مسار سياسي، وأنه يتمسك بإجراء الانتخابات أولاً».

ويرى بعض المراقبين أن تشكيل خوري لجنة لحسم القضايا الخلافية بالقوانين، وعدم إشارتها إلى أي دور لمجلسي النواب والأعلى للدولة في مبادرتها، صعّد من مخاوف إمكانية إقصائهما من المشهد السياسي، خاصة مع انقسام «الأعلى للدولة» قبل أربعة أشهر.

في هذا السياق، يشير السياسي والأكاديمي الليبي، أحمد العبود، إلى «الاختصاص الأصيل» لمجلسي النواب والأعلى للدولة في تشكيل الحكومة الجديدة، وفقاً لبنود الاتفاق السياسي بالصخيرات، مستبعداً أن يكون حراك البرلمان الراهن بمثابة «مناكفة للبعثة الأممية».

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» ذكر العبود بأن البيان الختامي لاجتماع بوزنيقة رحب بالتعاون مع البعثة الأممية، كما أشار إلى «التحديات التي تواجه عمل البعثة فيما يتعلق بقرار تمديد مهمتها في ليبيا، الذي سيتحدد خلال الشهر الحالي، فضلاً عن مطالبة كل من الصين وروسيا، بصفتهما من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، بضرورة تعيين مبعوث جديد للبعثة حال التمديد لها».

ويرى العبود أن سعي البرلمان والمتقاربين معه من أعضاء (الأعلى للدولة) إلى المضي قدماً بشأن تشكيل الحكومة «رسالة» لإثبات تأكيد الاختصاص في هذا الملف، وإشارة إلى أي مبعوث جديد قد يعين، بأن هناك جاهزية لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي، ولا توجد نية لعرقلة أي توافق سياسي.


مقالات ذات صلة

سلطات شرق ليبيا تطارد «مهربي مهاجرين» إلى الحدود السودانية

شمال افريقيا عدد من المهاجرين غير النظاميين بعد اعتقالهم جنوب غربي ليبيا (إدارة العلاقات والتعاون فرع المنطقة الشرقية)

سلطات شرق ليبيا تطارد «مهربي مهاجرين» إلى الحدود السودانية

قالت السلطات الأمنية في شرق ليبيا إنها تمكنت من ضبط 3 سيارات تقلّ 75 مهاجراً غير قانوني، بعد مطاردة واسعة، متحدثة عن فرار عدد آخر من السيارات إلى السودان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صالح مستقبلاً خوري في لقاء سابق بمكتبه (مكتب رئيس مجلس النواب الليبي)

ليبيا تترقب «حكومة جديدة»... أو تفعيل «خريطة» خوري

يسرّع مجلسا «النواب» و«الأعلى للدولة» في ليبيا من خطوات تشكيل «الحكومة الموحدة الجديدة»، في ظل ترتيبات لعقد اجتماع قريب في مدينة القبة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص الزائرة المقطوف خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك)

خاص أول عميدة بلدية منتخبة في ليبيا تشيد بعهد القذافي

تحدثت الزائرة الفيتوري، أول عميدة منتخبة لبلدية في تاريخ ليبيا عن «تقدم ملحوظ» في ملف حقوق المرأة خلال السنوات الأخيرة، في حين لا تخلو الطريق أمامها من تحديات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا «التجمع الوطني للأحزاب الليبية» في لقاء سابق مع تكالة (المكتب الإعلامي للتجمع)

«الوطني للأحزاب الليبية» يُطلق مبادرة لإنهاء انقسام «الأعلى للدولة»

لإنهاء الصراع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا بين المشري وتكالة، أطلق التجمع الوطني للأحزاب الليبية «مبادرة»، معولاً على توحيد الصفوف.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مشاركون في ملتقى الأعيان برعاية المجلس الرئاسي الليبي (المجلس)

ليبيا: الخصوم السياسيون يستدعون «أذرعهم الشعبية» لتعزيز مواقفهم

يدفع الانقسام السياسي في ليبيا الخصوم السياسيين إلى استدعاء الموالين لهم بقصد توفير الدعم لملفات يعملون عليها، من بينها «المصالحة الوطنية» أو «الحكومة الجديدة».

جمال جوهر (القاهرة)

توسع أحكام الإعدام في السودان بمزاعم التعاون مع «الدعم السريع»

شاحنة تحمل مسلحين تابعين للجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف (شرق) في نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين تابعين للجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف (شرق) في نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

توسع أحكام الإعدام في السودان بمزاعم التعاون مع «الدعم السريع»

شاحنة تحمل مسلحين تابعين للجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف (شرق) في نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين تابعين للجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف (شرق) في نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

قالت هيئة حقوقية سودانية إن الأجهزة الأمنية المُوالية للحكومة في العاصمة المؤقتة بورتسودان، احتجزت أخيراً، 5 نساء تعسفياً، بمزاعم التعاون مع قوات «الدعم السريع»، مِن بينهن محامية، مشيرة إلى امتلاء المعتقلات والسجون بأعداد كبيرة من السجناء والسجينات بالتهم نفسها.

وأفادت عضو المكتب التنفيذي لهيئة «محامو الطوارئ»، رحاب مبارك، بأن الخلية الأمنية بمدينة الدمازين، عاصمة ولاية النيل الأزرق، جنوب شرقي البلاد، ألقت القبض على النساء، يوم الاثنين الماضي؛ لأسباب «جهوية وعرقية بحتة». وقالت، لــ«الشرق الأوسط»، إن النساء معتقلات في «وضع سيئ جداً ويمارَس بحقِّهن الابتزاز والتهديد بالسجن لفترة لا تقل عن 10 سنوات؛ لإجبارهن على الاعتراف قسراً بتعاونهن مع قوات (الدعم السريع)».

وأضافت أن الجيش السوداني ظل يرفض كثيراً من طلبات اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المعتقلات، علماً بأن غالبيتهن أمهات لا يجري السماح بزيارتهن. ولم يتسنَّ الحصول على تعليق من المتحدث باسم الجيش حول هذه الاتهامات.

تجدد الاشتباكات بين قوات «الدعم السريع» والجيش أجبرت آلاف السودانيين على الفرار من مساكنهم (أ.ف.ب)

وعدَّت القانونية ما يحدث للنساء في مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق وغيرها من مناطق السودان، أنه «يدخل ضمن الجرائم ضد الإنسانية ترتكبها الاستخبارات العسكرية والخلية الأمنية التابعة للجيش، وفقاً لتصنيفات عرقية». وقالت رحاب مبارك إن المعتقلين بمزاعم التعامل مع «الدعم السريع» يتجاوز عددهم المئات، حيث تصدر يومياً في محاكم الطوارئ والمحاكم الجنائية بمختلف ولايات البلاد أحكام بالإعدام والسجن المؤبد أو السجن لفترة تتراوح بين 6 و10 سنوات.

محاكمات سياسية

وأكدت مبارك أن هذه الأحكام، التي صدرت بحق المئات من المواطنين السودانيين، «محاكمات سياسية» لا يتوفر فيها أدنى مقومات الشفافية والعدالة بحقِّ مَن يجري اعتقالهم بهذه التهم.

وألقت السلطات الأمنية القبض على المئات من السودانيين في المناطق التي استردّتها من قوات «الدعم السريع»، ووجَّهت لهم تُهماً تحت مواد من القانون الجنائي تتعلق بالتعاون مع «منظومة إرهابية».

ويواجه الجيش السوداني والميليشيات التي تُقاتل في صفوفه اتهامات بارتكاب أعمال قتل خارج نطاق القانون، وانتهاكات واسعة ضد المدنيين العُزل في مناطق النزاع.

ورصدت هيئات حقوقية مستقلة، خلال الأشهر القليلة الماضية، توسع السلطات السودانية في إصدار أحكام الإعدام شنقاً حتى الموت ضد عشرات من الرجال والنساء؛ لإدانتهم، بموجب المواد 50 و51 و65 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، المتعلقة بإثارة الحرب ضد الدولة، والمشاركة مع قوات «الدعم السريع» في ارتكاب جرائم جنائية ضد المدنيين.

وقال قاضي درجة أولى، لــ«الشرق الأوسط»، إن «أغلب الأحكام يتأسس على بلاغات بالتعاون أو التخابر، أو شخص جرى تجنيده من قِبل (الدعم السريع)، بالإضافة إلى الأشخاص الذين تثبت عليهم تُهم الاشتراك في أعمال العنف أو النهب، مثلما حدث في كثير من مناطق النزاعات».

وأضاف القاضي، الذي طلب حجب هويته، أن كثيراً من هذه الأحكام تسقط في درجات الاستئناف، وقد لا تجد التأييد في المحاكم العليا. وأوضح أنه إذا لم تثبت للنيابة بيِّنة لانخراط المتهم في موجبات الاتهام فوق مرحلة الشك المعقول لنشاطه مع قوات «الدعم السريع»، يُخلى سبيل المتهم دون محاكمة. وقال القاضي إن أغلب البلاغات والأحكام، التي صدرت ضد الأشخاص بالتعاون مع «الدعم السريع»، سُجّلت في ولايات البحر الأحمر ونهر النيل والولايات الشمالية.

القضاء الحالي غير معتمد

بدوره قال قانوني وخبير في حقوق الإنسان إن العقوبات الصادرة من القضاء الحالي لا يُعتدّ بها قانوناً؛ لكونها تتلقى الأوامر من الأجهزة الرسمية والحكومية. وأضاف القانوني، الذي فضل عدم ذكر اسمه لوجوده داخل البلاد، «أن هذه الأحكام ذات طابع سياسي، وأصبحت من أدوات الحرب، وطالت كثيراً من الأبرياء». وأشار إلى أنه منذ اندلاع الحرب، درجت السلطات الأمنية، التابعة للجيش السوداني، على القبض بالاشتباه على الفارّين من العاصمة الخرطوم وغيرها من الولايات، مما عرّض كثيراً من الأشخاص للاعتقال والتعذيب دون وجه حق.

وقال إن الغرض من هذه الأحكام مخاطبة الخارج بالانتهاكات التي ترتكبها قوات «الدعم السريع»، لتحقيق مكاسب سياسية، وليس لها أي علاقة بالقانون والعدالة. وأشار، في هذا الصدد، إلى البلاغات «الكيدية ذات الطابع السياسي»، التي سبق أن دوَّنتها النيابة العامة في مواجهة قادة «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)»، التحالف السياسي الأكبر في البلاد، وخاطبت الإنتربول الدولي بالقبض عليهم.

وأصدر قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في مطلع أغسطس (آب) من العام الماضي، قراراً بتشكيل لجنة لجرائم الحرب وانتهاكات «الدعم السريع» برئاسة النائب العام، وعضوية ممثلين عن القوات المسلحة، والمخابرات العامة، والداخلية، والشرطة، ومفوضية حقوق الإنسان، ووزارتي العدل والخارجية.