مصر: التحول لـ«الدعم النقدي» توجُّه حكومي ينتظر إقرار «الحوار الوطني»

«الأمانة الفنية» تستقبل مقترحات من جميع الكيانات

اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني بمصر لمناقشة ترتيبات مناقشات منظومة الدعم الحكومي (الحوار الوطني)
اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني بمصر لمناقشة ترتيبات مناقشات منظومة الدعم الحكومي (الحوار الوطني)
TT

مصر: التحول لـ«الدعم النقدي» توجُّه حكومي ينتظر إقرار «الحوار الوطني»

اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني بمصر لمناقشة ترتيبات مناقشات منظومة الدعم الحكومي (الحوار الوطني)
اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني بمصر لمناقشة ترتيبات مناقشات منظومة الدعم الحكومي (الحوار الوطني)

تترقّب الحكومة المصرية مناقشات «الحوار الوطني»، لمنظومة الدعم الحكومي المقدَّم للمواطنين، أملاً في الحصول على توافق الآراء من المتخصصين والسياسيين والاقتصاديين، بشأن التحول لنظام الدعم «النقدي» بدلاً من «العيني».

وبينما يناقش مجلس الحوار الوطني الذي يضم شخصيات عامة وحزبية، وأكاديميين، وعدداً من الشخصيات المحسوبة على قوى المعارضة، الترتيبات الخاصة ببدء جلسات نقاش منظومة الدعم الحكومي بمصر، رأى خبراء فوائد في التحول لنظام «الدعم النقدي»، وقالوا إن «المنظومة النقدية تحقّق مكاسب على مستوى الحماية الاجتماعية، أهمها ضمان وصول الدعم لمستحقيه، ومواجهة الهدر في السلع المدعمة»، بينما عارضه آخرون.

وتطبّق الحكومة المصرية منظومة لدعم السلع الضرورية منذ عقود طويلة، بهدف خفض نفقات المعيشة للفئات الأولى بالرعاية، ويحصل المواطن على السلع المدعمة من خلال منظومة البطاقات التموينية، لكن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لمنظومة الدعم على الموازنة العامة، في ظل التوسع في عدد السلع المدعمة خلال السنوات الماضية.

وتتطلّع الحكومة المصرية لبدء تطبيق منظومة الدعم النقدي مع العام المالي الجديد، بدايةً من يوليو (تموز) 2025، وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «بلاده قد تبدأ في التحول من دعم السلع الأولية الأساسية إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفئات الأولى بالرعاية»، وربط البدء في التطبيق «بالتوصل إلى توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي بالحوار الوطني».

وعقد مجلس أمناء الحوار الوطني، الاثنين، اجتماعاً لمناقشة الترتيبات الخاصة بجلسات منظومة الدعم الحكومي بمصر، وآلية تنظيمها على نطاق واسع يضمن مشاركة جميع المعنيين؛ من خبراء ومتخصصين ومؤسسات تنفيذية ومجتمعية، وتعهّد المجلس في إفادة له، الاثنين، بأن «تُجرى المناقشات بتجرّد وحياد؛ لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، وتلبية احتياجات المواطن الأساسية، في ظل التغيّرات الاقتصادية الحالية».

وجاء اجتماع المجلس غداة تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أهمية مناقشات الحوار الوطني، وقال على هامش حفل تخريج دفعة جديدة من ضباط أكاديمية الشرطة، الأحد، إن «الحوار الوطني في حالة انعقاد دائم، لمناقشة أي قضية تُثار»، مؤكداً «أهمية المخرجات التي تصدر من الحوار الوطني تجاه القضايا المختلفة».

وقال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني المصري، طلعت عبد القوي، إن «مجلس الحوار وضع خريطة طريق لمناقشات قضية الدعم، تتضمن آلية الحوار ومراحله، والمشاركين فيه»، مشيراً إلى أن «المجلس يستهدف ضمان المشاركة المجتمعية والسياسية والاقتصادية الواسعة في المناقشات؛ كون قضية الدعم قضيةً مجتمعية».

وأوضح أن «مجلس الحوار الوطني حرص على أن يكون للمواطن رأي في المناقشات، بفتح باب تلقّي المقترحات والآراء من الجميع لمدة 15 يوماً».

وأتاح مجلس الحوار الوطني الفرصة لجميع الجهات والمواطنين، للمشاركة في مناقشات منظومة الدعم، حيث أعلنت «الأمانة الفنية للحوار» الأسبوع الماضي، «بدء استقبال المقترحات والتصورات المكتوبة، من جميع الكيانات والجهات التي ترغب في المشاركة، عن طريق وسائل التواصل، لفترة تمتد لأسبوعين، تنتهي في العاشر من أكتوبر»، وتعهّد المجلس «بإدراج تلك المقترحات ضمن الجلسات النقاشية لمنظومة الدعم».

وعَدّ عبد القوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الهدف الأساسي من الحوار تحقيق مصلحة المواطن، إذا كان الأفضل التحول للدعم النقدي، أو الإبقاء على العيني»، مشيراً إلى أن «من معايير النقاش هي كيفية ضمان وصول الدعم لمستحقيه، والحفاظ على أموال الدولة، ودعم المواطن الأكثر احتياجاً».

وأكّد أن «مجلس الحوار الوطني سيرفع توصيات المناقشات إلى رئيس الجمهورية بتجرّد، دون الميل لتطبيق أحد النظامين العيني أو النقدي»، وقال إنه سيتم «تقديم مخرجات الحوار إذا كان هناك توافق حول الاتجاه للدعم النقدي، وإذا كانت هناك اختلافات سيتم إرسال المقترحات المختلفة التي طُرحت في المناقشات».

وقبل بدء مناقشات قضية الدعم طلب مجلس أمناء الحوار الوطني من الحكومة «توفير بيانات كاملة حول منظومة الدعم العيني الحالية»، وقال عضو مجلس الأمناء، إن «مجلس الوزراء وفّر بيانات كاملة عن إجراءات الدعم الحكومي وصوره وأشكاله والمستفيدين منه، من مختلف الجهات والوزارات»، موضحاً أن «الحكومة لديها قاعدة بيانات كاملة ومحدَّثة بالمستحقين للدعم».

وتقدَّر نسبة مخصصات الدعم والمزايا الاجتماعية في موازنة العام المالي الحالي 2024 - 2025 بنحو 635 مليار جنيه، بواقع 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبزيادة قدرها 106 مليارات جنيه عن العام المالي السابق، حسب وزارة المالية المصرية.

ورأى مقرِّر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أيمن محسب، إجراء حوار بشأن منظومة الدعم داخل الحوار الوطني، استجابةً لدعوة الحكومة، «تأكيداً على تعبير (الحوار) لنبض الشارع المصري»، وشدّد على ضرورة «مشاركة ممثّلين لكل أطياف الشعب المصري في مناقشات منظومة الدعم، بوصفها قضية تهم نحو 62 في المائة من السكان».

وذكر محسب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتجاه الأقرب هو التحول لمنظومة الدعم النقدي؛ لفوائده لمنظومة الحماية الاجتماعية والاقتصادية»، وقال إن «الحكومة تقدِّم بالفعل برامج دعم نقدية، مثل مبادرات (تكافل وكرامة، والعمالة غير المنتظمة)»، مشيراً إلى أن التحوّل للمنظومة النقدية «سيساعد في تقليل الأعباء على الموازنة العامة للدولة، ويضمن وصول الدعم لمستحقّيه، وسيساهم في الحفاظ على توافر السلع الأساسية للأسر الأكثر احتياجاً، وفقاً لاحتياجاتهم، ويقلّل من كميات الهدر في السلع المدعمة بالأسواق».

ويستفيد 63 مليون مواطن من منظومة الدعم التمويني بمصر، في حين يحصل 71 مليون مواطن على دعم بمنظومة الخبز التمويني، حسب بيانات مجلس الوزراء المصري.

وحول المخاوف من ربط قيمة الدعم النقدي بمعدل التضخم، قال محسب، إنه «ستتم مراجعة القيمة المالية المخصصة للمستحقين، وفقاً لمعدلات التضخم الصادرة من البنك المركزي»، وقال إنه «ستتم إعادة تقدير القيمة في مشروع الموازنة السنوي، كما يحدث مع منظومة الدعم العيني الحالية».


مقالات ذات صلة

«الحوار الوطني» المصري يناقش إعادة هيكلة الدعم الحكومي

شمال افريقيا الخبز أحد أهم السلع المدعومة في مصر (وزارة التموين)

«الحوار الوطني» المصري يناقش إعادة هيكلة الدعم الحكومي

يعتزم «الحوار الوطني» المصري، خلال الأيام المقبلة، مناقشة قضية الدعم الحكومي المقدم للمواطنين، في ضوء قرار الحكومة بإعادة هيكلته.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا أبراج كهرباء ضغط عالٍ في مصر (رويترز)

مصر تلاحق «الكهرباء المسروقة» بمناطق فقيرة ومترفة

تنتشر طرق سرقة الكهرباء في مصر منذ سنوات، حتى إنها شهدت تطوراً في الأسلوب، ما استدعى حملة حكومية واسعة لمواجهتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الصحة المصري في مؤتمر صحافي للإعلان عن حقيقة الحالات المرضية في أسوان (مجلس الوزراء)

«بكتيريا الإيكولاي»... الحكومة المصرية توضح حقيقة «مرض أسوان» الغامض

بعد أيام من تصاعد حالة الجدل بشأن «أعراض مرضية» منتشرة في أسوان (جنوب مصر)، أوضحت الحكومة المصرية سبب تلك الأعراض، مشيرة إلى وجود عدوى بكتيرية قولونية.

محمد عجم (القاهرة)
العالم العربي مدبولي برفقة عدد من الوزراء خلال تفقد مصانع الأدوية (مجلس الوزراء المصري)

جدل مصري بسبب تصدير أدوية بمليار دولار رغم «أزمة النواقص»

جدل واسع أحدثته تصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، حول تصدير أدوية بـ«مليار دولار» العام الماضي، واستهداف تصدير ما قيمته 1.5 مليار دولار في العام الحالي.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا عانت مصر مع بداية الصيف من انقطاعات متكررة في الكهرباء (أ.ف.ب)

مصير غامض لـ«تخفيف الأحمال» في مصر

وتعاني مصر منذ عدة سنوات أزمة في الكهرباء، خصوصاً في فصل الصيف حين تشتد درجات الحرارة، فتزداد فترات الانقطاع، لكن ذلك انحسر على نحو لافت منذ شهرين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

حملة فرنسية لمراجعة «اتفاق الهجرة» مع الجزائر

الرئيسان الجزائري والفرنسي عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

حملة فرنسية لمراجعة «اتفاق الهجرة» مع الجزائر

الرئيسان الجزائري والفرنسي عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

أظهر وزير الداخلية الفرنسي الجديد، برونو روتايو، عزماً على إحداث مراجعة عميقة لـ«اتفاقية 1968» مع الجزائر، التي تضبط قضايا الهجرة والعمل وتنقُّل الجزائريين في فرنسا.

وللمرة الثانية منذ توليه وزارة الداخلية (23 سبتمبر/ أيلول 2024)، خلفاً لجيرالد دارمانان، صرَّح روتايو أنه يدعم خطاباً يردده الطيف السياسي الفرنسي، خصوصاً اليمين، يتعلق بـ«إعادة النظر» في «اتفاق الهجرة» مع الجزائر بذريعة أنه «مفيد جداً للجزائر، وضار جداً لفرنسا». وبتعبير أكثر وضوحاً، يرى أصحاب هذا الطرح أن الاتفاق يعوق خطط الحكومة الفرنسية للحدِّ من الهجرة النظامية والسّرّيّة.

وزير الداخلية برونو روتايو الشهير بالدعوة إلى إحداث مراجعة جذرية لاتفاق مشترك بين فرنسا والجزائر يخص الهجرة (رويترز)

ويقود روتايو حملة منذ أسبوع ضد بنود الاتفاق، بوجه خاص، والمهاجرين السّرّيّين في فرنسا بوجه عام. وصرَّح في بداية الأسبوع لدى استجوابه من طرف القناة العامة الخاصة «تي إف 1»، أنه يؤيد تقييم الاتفاق، غير أنه تفادى الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان يطالب بإلغائه، عاداً «القرار يندرج ضمن صلاحيات وزير الخارجية وليس ضمن صلاحياتي».

وعاد الوزير، الأحد، إلى الموضوع، عند استضافته في القناة الإخبارية «إل سي آي»، حيث قال عما إذا كان يؤيد إعادة التفاوض حول الاتفاق: «لا توجد ممنوعات حول هذا الأمر». وأضاف: «يجب الاستمرار في تقليل التأشيرات، إذا كانت دولة ما ترفض استقبال الأشخاص المدانين في فرنسا». وعندما سُئل عما إذا كانت قيود التأشيرات ستؤثر أيضاً في المسؤولين في الدول المعنية، أجاب بالإيجاب دون تردد.

وعُرف روتايو، قبل التحاقه بالطاقم الحكومي بقيادة ميشال بارنييه، بموقفه المعادي للاتفاق الفرنسي الجزائري. ففي 26 يونيو(حزيران) 2023، قدَّم اقتراحاً في مجلس الشيوخ بصفته رئيس مجموعة حزب «الجمهوريون» (يمين تقليدي) يدعو لإلغاء الاتفاق من أساسه، مبرزاً في نص المقترح أن «سلوك الجزائر اليوم يشكّل عقبة أمام ضرورة وقف الهجرة الجماعية نحو فرنسا، فلا يوجد سبب يدفعنا للبقاء سلبيين تجاه دولة قليلة التعاون»، في إشارة إلى أزمة بين سلطات البلدين، نشأت في 2021، عندما رفضت الجزائر طلب وزير الداخلية الفرنسي السابق، إصدار تراخيص قنصلية لمئات المهاجرين غير النظاميين الجزائريين، بوصفه إجراءً ضرورياً لتنفيذ قرارات الطرد الإدارية من التراب الفرنسي.

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الداخلية ورئيسة الوزراء الفرنسيين سابقاً في الجزائر نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وأفاد روتايو، في مقترحه البرلماني، بشأن فرضية إعادة التفاوض حول الاتفاق ولو شكلياً، بأن ذلك «لا يبدو ممكناً... نحن نوصي بالفعل بالرفض الأحادي لهذا الاتفاق من طرف السلطات الفرنسية».

وجرى التوقيع على اتفاق الهجرة في 27 ديسمبر (كانون الأول) 1968، بهدف تنظيم حركة العمال الجزائريين بفرنسا بعد استقلال بلادهم في 1962. وتضمنت الوثيقة بنوداً عدة، بينها تحديد متطلبات العمل والإقامة، ونصت على حقوق العمال المهاجرين، بما في ذلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.

وبموجب الاتفاق، نظَّم البلدان آليات للتعاون في مجالات متعددة، مثل التعليم والتدريب المهني. وتَطَرَّقَ إلى إمكانية عودة العمال إلى الجزائر، مع ضمان حقوقهم عند العودة.

والاتفاق في مجمله يشجع هجرة العمال المهرة لتلبية احتياجات السوق الفرنسية، لهذا عدَّه قطاع كبير من الفرنسيين، تفضيلاً للجزائريين مقارنة ببقية المهاجرين الذين يتحدَّرون من جنسيات أخرى.

البرلمان الفرنسي خلال جلسة صوَّت فيها ضد إلغاء اتفاق الهجرة الجزائري الفرنسي (أرشيفية متداولة)

وظل الاتفاق جزءاً من العلاقات المعقدة بين البلدين بعد الاستقلال، وكان يقفز إلى الواجهة كلما توترت العلاقات الثنائية، كما هي الحال هذه الأيام.

وتقول الجزائر إن رعاياها يواجهون صعوبات في ترتيب شؤون إقامتهم، خصوصاً ما ارتبط بـ«لمّ الشمل العائلي»، والزواج، والدراسة في الجامعات، وممارسة الأنشطة التجارية والمهنية، بعكس ما يكفله الاتفاق من حقوق لهم.