يحرص المصري أحمد علي (40 عاماً) على أن تجتمع أسرته ووالداه على مائدة إفطار يوم الجمعة، والتي تضم عدداً من الأكلات الشعبية المصرية مثل «الفول» و«الطعمية» (الفلافل) و«الباذنجان»؛ إذ يقوم بشرائها صباحاً ليلتف الجميع حولها. إلا أنه يوم الجمعة الماضي، فوجئ بارتفاع أسعار مكونات مائدة الإفطار؛ إذ طالبه صاحب المطعم بفاتورة تزيد بنحو 50 في المائة عما هو معتاد عليه، معللاً ذلك بقوله: «الحكومة رفعت سعر أسطوانة البوتاجاز (المعروفة في مصر بالأنبوبة)».
وقررت الحكومة المصرية زيادة سعر «أسطوانة البوتاجاز» المنزلي من 100 إلى 150 جنيهاً، بدءاً من الأربعاء الماضي، ورفع سعر «أسطوانة البوتاجاز» التجاري (تستخدمها المطاعم والمحال التجارية والمقاهي) من 150 إلى 250 جنيهاً (الدولار الأميركي يساوي 48.45 جنيه بالبنوك المصرية).
وقال علي، الذي يعمل موظفاً إدارياً بإحدى الشركات الخاصة في القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «فاتورة المأكولات الشعبية البسيطة كلفتني 100 جنيه، وهو بالطبع مبلغ سيرهق ميزانيتي الشهرية؛ لأنني سأنفقه بشكل أسبوعي، بخلاف إفطاري اليومي من ساندويتشات (الفول) و(الطعمية)، التي ارتفعت قيمتها هي الأخرى».
ويتناول مصريون وجبة الإفطار عادة على «عربات الفول»، التي تنتشر في الشوارع والميادين المصرية، والتي رفعت بدورها سعر أطباق «الفول»، وطلبات «الطعمية» و«البطاطس» و«الباذنجان».
وذكر جمعة محمد، مالك إحدى «عربات الفول» بمنطقة المنيرة الشعبية بوسط القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، أنه كان يشتري «أسطوانة البوتاجاز» التجارية بسعر 190 جنيهاً، والآن مع ارتفاع سعرها سوف يدفع مائة جنيه إضافية نتيجة هذه الزيادة، وبالتالي لا بديل أمامه سوى رفع أسعار أطباقه.
امبارح بعد صلاة الجمعة ميلت اشتري كالعادة فول وطعمية لقيت المحل بينش، دفعت للكاشير وببص في البون لقيت قرص الطعمية نط ل٦ جنيه شعرت بدوخة ولفت بيا الدنيا وكنت هاقع ولسه بافكر ألغي الاوردر لقيت الراجل جابلي كرسي وقالي استريح ياعم الحاج علي ماجهزلك الطعمية!! pic.twitter.com/Z8GGMzVlIN
— hisham moubarak (@hishammoubarak) September 21, 2024
من جهته، أكد رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحافي، الخميس الماضي، أن تكلفة «أسطوانة البوتاجاز» على الدولة تصل إلى 340 جنيهاً، وتباع بنحو 100 جنيه؛ أي إنها كانت تُدعم بنحو 240 جنيهاً.
وهنا أضاف جمعة محمد، في حين يُلبي منهمكاً طلبات زبائنه، أنه قام برفع سعر ما يُعرف بـ«طلب الفول» من 17 إلى 20 جنيهاً، في حين ارتفع سعر ساندويتش «الفول» من 6 إلى 7 جنيهات.
وعلى بعد أمتار من «عربة الفول»، قال الخمسيني محمود حمدي، بائع «الطعمية» بأحد المطاعم الشعبية بشارع «قصر العيني» بوسط القاهرة، إن قرص «الطعمية» زاد سعره من جنيه إلى جنيه ونصف، في حين ارتفع قرص «الطعمية المحشوة» من جنيهين إلى 3 جنيهات ونصف، بفعل زيادة أسعار «أسطوانات الغاز».
كده قرص الطعميه هيبقي ولا قرص الاسبيرين https://t.co/D9tZpHL5AQ
— Nothing (@74realistic) September 18, 2024
وتنتج مصر نحو 280 مليون «أنبوبة» سنوياً، وتقدر تكلفة الدعم المقدم لها بأكثر من 60 مليار جنيه، بحسب تصريحات رئيس الوزراء المصري.
إلى شمال القاهرة، حيث مدينة بنها، عاصمة محافظة القليوبية، قال شريف أحمد، الذي يعمل مهندساً للكهرباء، بعد أن خرج لتوّه من أحد مطاعم «الكشري» الشهيرة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه تفاجأ بزيادة أسعار الطبق الشعبي الشهير؛ إذ تبدأ أسعاره من 20 جنيهاً للطبق الصغير، والذي يزيد تدريجياً حتى يصل إلى 80 جنيهاً. وأشار إلى أنه عند السؤال عن سبب ذلك، عدّد له البائع الأسباب، بدايةً من غلاء سعر «الطماطم» و«الأرز» و«البصل»، ونهايةً بزيادة سعر «أسطوانة البوتاجاز».
ويرى رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» في مصر، محمود العسقلاني، أن «أسطوانة البوتاجاز» سلعة رئيسية، وبالتالي حينما ترتفع تزيد معها أسعار سلع أخرى مرتبطة بها، لافتاً إلى أن «سعر ساندويتش (الفول) أو (الطعمية) يتراوح حالياً بين 8 و10 جنيهات، وهو سعر لم نشهده من قبل على الإطلاق»، متوقعاً أن يمتد التأثير إلى سلع أخرى في القريب. العسقلاني أوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه بفعل تعامل جمعيته مع رجل الشارع، فإنه يلمس الأعباء المتزايدة على المواطنين، مشيراً إلى أنه مع الزيادات والقفزات السريعة المتوالية في أسعار السلع والمنتجات خلال الأشهر الماضية، كان يأمل أن يتم تأجيل قرار زيادة سعر «أسطوانة البوتاجاز» حتى يستوعب المواطن الزيادات الأخيرة.
وخلال الشهرين الماضيين، رفعت الحكومة أسعار البنزين والسولار وتذاكر القطارات ومترو أنفاق القاهرة، وهو ما تبعته زيادات في أسعار كثير من السلع والخدمات الأخرى.
هتأثر ع سعر الطعمية والفول والعيش في محلات مش شغالة غاز وبتشتغل انبوبة
— Nesma Adel (@nesma_adel) September 19, 2024
الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور عادل عامر، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن قرار رفع سعر «أنبوبة البوتاجاز» سيكون له تبعات بوجود زيادة في أسعار سلع أخرى، منها الدواجن التي تعتمد على «الأنابيب» بشكل أساسي، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تأكّل الأجور التي لم تزد بدورها، ومن ثم سترتفع نسبة التضخم أكثر مما هي عليه.
وارتفعت وتيرة التضخم بمدن مصر في أغسطس (آب) الماضي، للمرة الأولى منذ 5 أشهر، لتسجل 26.2 في المائة على أساس سنوي، مقارنة بـ25.7 في المائة في يوليو (تموز) الماضي، بحسب بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء».
عامر أوضح أن «أنبوبة البوتاجاز» تدخل في صناعة السلع الشعبية، وبالتالي سيكون المواطن محدود الدخل، هو الأكثر تأثراً.
وكان المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء في مصر، المستشار محمد الحمصاني، أكد مراعاة الحكومة «استمرار الدعم للطبقات محدودة الدخل». وقال في تصريحات أخيراً، إنه «حتى مع تحريك الأسعار نراعي استمرار الدعم للطبقات محدودة الدخل، ليس فقط في (أنبوبة البوتاجاز) لكن في كل السلع، والدعم مستمر».