ما خيارات مصر بعد إعلان إثيوبيا قرب اكتمال «سد النهضة»؟

آبي أحمد تحدث عن تخزين 62.5 مليار متر مكعب من مياه «النيل»

آبي أحمد يتفقد سير العمل بمشروع سد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا - إكس)
آبي أحمد يتفقد سير العمل بمشروع سد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا - إكس)
TT

ما خيارات مصر بعد إعلان إثيوبيا قرب اكتمال «سد النهضة»؟

آبي أحمد يتفقد سير العمل بمشروع سد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا - إكس)
آبي أحمد يتفقد سير العمل بمشروع سد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا - إكس)

أثار إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عن قرب اكتمال مشروع «سد النهضة»، على الرافد الرئيسي لنهر النيل، تساؤلات بشأن الخيارات المطروحة أمام مصر لحماية ما تصفه بـ«حقوقها التاريخية» في مياه النيل، في ظل مخاوف من تأثير السد على إمداداتها، فضلاً عن أضرار بيئية واقتصادية.

وأبدى خبراء مصريون مخاوفهم من استمرار سياسة «فرض الأمر الواقع» و«التصرف الأحادي» من الجانب الإثيوبي في عملية تشغيل السد، كما فعلت في مرحلتي «البناء والملء»، مطالبين بـ«تحركات تصعيدية تشمل اللجوء مجدداً إلى مجلس الأمن الدولي، في ظل الأضرار الجسيمة التي يشكلها السد على دولتي مصب نهر النيل (مصر والسودان)».

وتقيم إثيوبيا المشروع منذ 2011، بداعي إنتاج الكهرباء، في حين تطالب مصر والسودان بـ«اتفاق قانوني ملزم» ينظم عمليتي الملء والتشغيل، بما لا يضر بحصتيهما المائية.

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الاثنين، إن «بناء سد النهضة سينتهي بشكل كامل بحلول شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل»، واصفاً ما جرى حتى الآن بـ«الإنجاز التاريخي».

وكشف أحمد، في مقابلة مع التلفزيون الإثيوبي من موقع السد، عن أن إجمالي المياه المحتجزة في بحيرة السد بلغت «62.5 مليار متر مكعب»، متوقعاً أن تصل في ديسمبر المقبل إلى ما بين 70 إلى 71 مليار متر مكعب من إجمالي السعة الكلية للسد، 74 مليار متر مكعب.

وبدأت الحكومة الإثيوبية عملية الملء الخامس لمشروع «سد النهضة»، مع بداية موسم الفيضانات في يوليو (تموز) الماضي.

ومن المقرر أن يتم تشغيل 3 توربينات للسد في ديسمبر المقبل، وفقاً لرئيس الوزراء الإثيوبي، ليبلغ إجمالي التوربينات 7، وقال إن «بلاده تجاوزت تحدي تمويل بناء السد».

صورة حديثة لسد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا - إكس)

ويرى نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، أن «إثيوبيا لا تضع في اعتبارها مخاطر السد الجسيمة على دولتي المصب، وما زالت تتمسك بسياسة فرض الأمر الواقع، والتصرفات الأحادية»، مطالباً بـ«تحرك مصري أسرع في مواجهة الموقف الإثيوبي».

وبشأن الخيارات المتاحة أمام مصر، قال حليمة لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحرك المصري يجب أن يبدأ بتكثيف الاتصالات الدبلوماسية على الصعيد الإقليمي والدولي، لاستعادة مسار المفاوضات برعاية دولية، تضمن تنفيذ الجانب الإثيوبي ما تم الاتفاق عليه سابقاً في (إعلان المبادئ) الموقع عام 2015، وتوصية البيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر عام 2021، والداعية لاتفاق قانوني بين الدول الثلاث».

وأعلنت القاهرة في ديسمبر العام الماضي، «فشل» آخر جولة للمفاوضات بشأن «السد الإثيوبي»، التي استمرت نحو 4 أشهر.

وشدد حلمية على «ضرورة الدعم الدولي للمفاوضات، في ظل تعثر مسار التفاوض الثلاثي لسنوات».

وضمن خيارات تصعيدية يراها نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، اللجوء لمجلس الأمن مرة أخرى، لتوضيح حجم الضرر الجسيم الذي تتعرض له، جراء عملية تشغيل السد، خصوصاً في سنوات الجفاف.

وقال في هذه الحالة يمكن أن «تطالب القاهرة بإجراءات من مجلس الأمن، خصوصاً مع توقف المفاوضات وعدم التجاوب الإثيوبي، باعتبار أن السد يمثل تهديداً للحياة والوجود لدولتي المصب»، محذراً من «رؤية إثيوبية تعدُّ مياه النيل ثروة خاصة»، مشيراً إلى أن ذلك يجعل «سد النهضة له أهداف سياسية وليست اقتصادية وتنموية لتوليد الكهرباء فقط».

وأصدر مجلس الأمن الدولي بياناً رئاسياً في 15 سبتمبر (أيلول) 2021، حث فيه «مصر وإثيوبيا والسودان على استئناف المفاوضات، برعاية الاتحاد الأفريقي، بهدف وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزم للأطراف، وعلى وجه السرعة، بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، ضمن إطار زمني معقول».

وانتقد أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، عدم اتخاذ موقف مصري معارض لعملية الملء الخامس للسد هذا العام، بإرسال مذكرة لمجلس الأمن تدين التصرف الأحادي من الجانب الإثيوبي.

وقال شراقي لـ«الشرق الأوسط»: «لم نرَ أي تحرك دبلوماسي من مصر، منذ توقف مفاوضات السد في ديسمبر الماضي»، وعدَّ ذلك «ليس في مصلحة مصر، ويأتي في صالح الجانب الإثيوبي الذي يريد أن يبقى وضع السد دون تفاوض أو أي اتفاق قانوني ملزم».

وطالب شراقي بضرورة «تصعيد مصري أمام مجلس الأمن، من منطلق تهديد السد الأمن والسلم بالمنطقة، خصوصاً حال تعرضه للانهيار»، مشيراً إلى أن «الخطر في لجوء الجانب الإثيوبي لبناء سدود أخرى».

لكن في المقابل، قلل شراقي من تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي بشأن حجز 900 مليون متر مكعب منذ الأسبوع الماضي، واصفاً حديث آبي أحمد بأنه «غير دقيق».

وقال شراقي في تدوينة له، إنه «من الممكن تشغيل 3 توربينات في ديسمبر بالفعل، وهذا يعتمد على العمل الكهربائي والميكانيكي، لكن هناك مبالغة كبيرة بشأن حجز 900 مليون متر مكعب منذ الأسبوع الماضي؛ حيث إن هذا المعدل في كميات الأمطار لم يحدث إلا يوماً واحداً في 4 أغسطس 2021 بمقدار 804 ملايين متر مكعب».

وتنظر مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية، الدكتورة أماني الطويل، إلى تطور عملية بناء وملء السد الإثيوبي، بأنه يأتي ضمن «استراتيجية إثيوبية شاملة في منطقة حوض النيل».

وأوضحت الطويل لـ«الشرق الأوسط»، أن «حماية السد تستلزم إقامة سدود أخرى في إثيوبيا، ما يطرح تساؤلات مهمة حول مستقبل مياه نهر النيل، في ضوء التصرفات العدائية من الجانب الإثيوبي، وتحركاتها لحشد دول حوض النيل، في (اتفاقية عنتيبي)، للتأثير على حصتي مصر والسودان».


مقالات ذات صلة

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)

مصر تحذّر دول نهر النيل من تفعيل اتفاقية «عنتيبي»

حذّرت مصر دول نهر النيل، من تفعيل «الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل»، المعروفة باسم اتفاقية «عنتيبي»، مؤكّدةً أنها بشكلها الحالي «تخالف قواعد القانون الدولي».

أحمد إمبابي (القاهرة)
العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

هيمن كل من الحرب في غزة وملف «سد النهضة» الإثيوبي على تقييمات سياسيين وبرلمانيين مصريين بشأن انعكاس نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية على مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)

عبد العاطي لبلينكن: الأمن المائي قضية «وجودية» لمصر

أكّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، لنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، رفض مصر وإدانتها للتصعيد الإسرائيلي ضد وكالة «أونروا».

شمال افريقيا وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم خلال حفل تخريج متدربين أفارقة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

مصر تتمسك بقاعدة «الإجماع» لحل «الخلافات المائية» في حوض النيل

أكّدت مصر تمسكها بضرورة العمل وفق قاعدة «الإجماع» في إدارة وحل «الخلافات المائية» مع دول حوض النيل.

عصام فضل (القاهرة)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».