إفطار رئيس موريتانيا مع الفقراء يثير «شكوك» المعارضة

البعض عدّه دعاية حكومية مبكرة لاستثمارها في الانتخابات الرئاسية

الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أقام إفطارين جماعيين لأسر وتلاميذ من أوساط الفقراء في خطوة أثارت «ريبة» المعارضة (الشرق الأوسط)
الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أقام إفطارين جماعيين لأسر وتلاميذ من أوساط الفقراء في خطوة أثارت «ريبة» المعارضة (الشرق الأوسط)
TT

إفطار رئيس موريتانيا مع الفقراء يثير «شكوك» المعارضة

الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أقام إفطارين جماعيين لأسر وتلاميذ من أوساط الفقراء في خطوة أثارت «ريبة» المعارضة (الشرق الأوسط)
الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أقام إفطارين جماعيين لأسر وتلاميذ من أوساط الفقراء في خطوة أثارت «ريبة» المعارضة (الشرق الأوسط)

أقام الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، إفطارَين جماعيَّين خلال شهر رمضان لأسر متعففة، وتلاميذ من أوساط الفقراء، في خطوة لافتة من الرئيس، الذي حرص على مدى السنوات الماضية على تنظيم إفطار جماعي للفيف من السياسيين والنواب والعلماء. لكن هذه الخطوة أثارت أيضاً كثيراً من التساؤلات والتأويلات والشكوك أيضاً من طرف أحزاب المعارضة. وتمّ تنظيم الإفطار الجماعي لصالح «مجتمع تآزر»، الذي يضم نحو 1.5 مليون مستفيد من البرامج الخدمية التكافلية. وفي كلمة ألقاها خلال مأدبة إفطار أقامها بالقصر الرئاسي الأسبوع الماضي، قال ولد الشيخ الغزواني إنه ينتهز هذه الفرصة ليؤكد للحضور، ولجميع المستفيدين من مثل هذه البرامج في القرى والأرياف والمدن، «انحيازه» للفئات الهشّة والضعيفة.

فسر بعض الموريتانيين مبادرة الإفطار الجماعي للفقراء على أنها دعاية حكومية لاستثمارها في الانتخابات الرئاسية المقبلة (الشرق الأوسط)

وسبق أن أعلن الرئيس في مناسبات عدة أن مكافحة الفقر والإقصاء والتهميش، بالإضافة إلى إصلاح المنظومة التربوية، وبناء اقتصاد قوي فعال، تأتي على رأس أولويات حكومته. وأنشأ ولد الشيخ الغزواني مع وصوله إلى السلطة عام 2019 المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء (تآزر)، بهدف محاربة الفقر والتهميش الاجتماعي، وتعزيز التنمية المحلية. وبحسب المندوبية، فقد وزعت تحويلات مالية على أكثر من 240 ألف أسرة فقيرة، وشيدت ورممت أكثر من 99 مؤسسة تعليمية، ودعمت أكثر من ألف مشروع مدر للدخل.

إشادة من أنصار الرئيس

أثارت مبادرة الإفطار الجماعي للفقراء جدلاً واسعاً وسط الموريتانيين، بين من فسّر الأمر على أنه دعاية حكومية لاستثمارها في الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في شهر يونيو (حزيران) المقبل، وبين مَن رحّب بها، وعدّها إشارة إيجابية تعكس روح المسؤولية الاجتماعية والاهتمام بالفئات الأكثر فقراً في البلاد. وقال الناشط في حزب «الإنصاف» الحاكم، محمد يحيى، إن الإفطار الجماعي الذي نظّمه الرئيس خلال شهر رمضان هذا العام «يعكس التزامه بتقديم الدعم للفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع».

الناخبون الموريتانيون خلال حملة الانتخابات الماضية (الشرق الأوسط)

وأضاف في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي» أن برنامج الرئيس الانتخابي «يضع الأسر الهشّة والمحرومة على رأس الأولويات، ويؤكد أهمية توفير الرعاية والدعم لهذه الفئات. ونحن نعتقد بأن اتخاذ مثل هذه الخطوة يعكس تفهماً عميقاً للتحديات التي تواجهها هذه الفئات، ونثمّن الجهود التي يبذلها الرئيس في سبيل تحقيق التنمية الشاملة والعادلة لشرائح المجتمع جميعها». كما شدد يحيى على أن هدف هذه المبادرة «إنساني بحت، ولا صلة له بالدعاية الانتخابية... والخطوة تعبير عن روح التضامن والاهتمام بالفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع».

اتهام المعارضة

لكن بعض الأصوات المعارضة عدّت تنظيم الإفطارَين في هذا الوقت محاولةً لجذب الناخبين، بدلاً من التركيز على حل المشكلات الحقيقية التي يواجهها الفقراء، مثل توفير الخدمات الأساسية وخفض الأسعار.

عدّ بعض قادة المعارضة خطوة الرئيس محاولة لاستقطاب الناخبين قبل موعد الانتخابات الرئاسية (الشرق الأوسط)

في هذا السياق يرى الناشط المعارض، أحمد حافظ، أن تنظيم الإفطارين الجماعيَّين «يثير تساؤلات كثيرة»، وعدّ الأمر «محاولة يائسة لجذب الناخبين» قبل الانتخابات المقبلة، مؤكداً تراجع شعبية الرئيس، وعدم الرضا عن أداء حكومته. وقال بهذا الخصوص: «يبدو أن الهدف الرئيسي من تنظيم هذه الفعاليات هو الحصول على دعم الفقراء وتأييدهم، دون اعتبار للأسباب الحقيقية لمعاناتهم وحاجاتهم الحقيقية»، مبرزاً أن ما يحتاجه الفقراء حقيقة «هو توفير الخدمات الأساسية، وخفض الأسعار، حيث انهارت قدرتهم الشرائية بسبب التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد... ولذلك يجب على الحكومة أن تركز على إيجاد حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية التي تواجه الفقراء، بدل اللجوء إلى إجراءات تبدو سطحية وغير فعالة في تحسين ظروفهم».

خطوة إنسانية

من جهته، يرى الصحافي سيدي محمد، أن تنظيم الإفطارين الجماعَّين هذا العام يمكن تفسيره بأكثر من طريقة، فهو من جهة «خطوة إنسانية تعكس اهتمام الرئيس بالفئات الأشد احتياجاً في المجتمع»، وهو ما يعزز موقعه في قلوب الناخبين قبيل الانتخابات، «وهو من جهة أخرى خطوة يمكن وصفها جزءاً من حملة دعائية مبكرة تستهدف تحسين صورة الرئيس وجذب الناخبين، خصوصاً في ظل حديث المعارضة عن التراجع الذي شهدته شعبيته، والانتقادات التي وُجهت إلى حكومته بسبب فشلها في تحقيق الإنجازات الملموسة للشعب». ويستطرد سيدي محمد قائلاً إن الإفطارين الجماعيَّين «قد لا يكونان حركة دعائية لكسب أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية، بل يكونان جزءاً من استراتيجية أوسع، تهدف إلى تحسين ظروف الفقراء بشكل دائم ومستدام». ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، لم يعلن ولد الشيخ الغزواني حتى الآن الترشح لفترة ثانية يسمح بها الدستور الموريتاني، غير أن الأحزاب الموالية عبّرت عن دعمها له، ونظمت عدداً من المبادرات في الأشهر الأخيرة تعبّر عن هذا الدعم، كما اتفقت على توحيد العمل من أجل التحضير للانتخابات الرئاسية. واتفق رؤساء أحزاب الموالاة على تفعيل العمل المشترك، والتأكيد على التمسك بنهج ولد الشيخ الغزواني، وأشاروا في بيان أصدروه أواخر العام الماضي إلى «تثمين ما تم إنجازه، والسعي للتمكين لاستمرار برنامجه من خلال ترشيحه لمأمورية ثانية».


مقالات ذات صلة

عندما تتحرّك أميركا... يتغيّر العالم

تحليل إخباري البيت الأبيض

عندما تتحرّك أميركا... يتغيّر العالم

تتبدّل تسميات النظام العالمي، بتبدّل موازين القوى، وكيفيّة صناعة الثروة، وما الوسائل لصناعة هذه الثروة، وأين توجد.

المحلل العسكري
آسيا ضابطات شرطة يعتقلن عاملات في مقر حزب «إنصاف» بإسلام آباد بعد مداهمة أمنية الاثنين (أ.ف.ب)

مداهمة مقرّ حزب عمران خان في باكستان

داهمت الشرطة الباكستانية، الاثنين، المقر العام لحزب رئيس الوزراء السابق عمران خان، المسجون حالياً بعد أسبوع على تعهّد الحكومة المدعومة من الجيش حظرَ هذه الحركة.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
تحليل إخباري دمار في أغدام التي استعادتها أذربيجان من أرمينيا (أرشيفية - رويترز)

تحليل إخباري جنوب القوقاز بين براغماتية بوتين والدور الأميركي المتعاظم

يربط ممر زنغزور بين آسيا وأوروبا ويشكل شرياناً حيوياً للتجارة ويعزز موقع جنوب القوقاز على خريطة المصالح العالمية.

أنطوان الحاج
أوروبا رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال 16 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

ماكرون يقبل استقالة حكومة أتال... ماذا يعني ذلك؟

قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقالة رئيس الوزراء غابرييل أتال وحكومته هذا اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر يتحدث في حفل إطلاق برنامج حزب العمال الانتخابي في مانشستر ببريطانيا في 13 يونيو 2024 (رويترز)

قصة حزب العمال منذ التأسيس حتى فوزه الجديد بالانتخابات البريطانية

بمناسبة مرور مائة عام على تسلّم حزب العمال السلطة في بريطانيا للمرة الأولى عام 1924، يعود الحزب المحسوب على يسار الوسط، ليترأس السلطة التنفيذية بعد غياب 15 سنة.

شادي عبد الساتر (بيروت)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز