«الفتى القادم من بغداد»... رحلة ناظم الزهاوي من عالم الأعمال إلى مزالق السياسة

مذكرات السياسي البريطاني «من الوزيرية إلى وستمنستر»

«الفتى القادم من بغداد»... رحلة ناظم الزهاوي من عالم الأعمال إلى مزالق السياسة
«الفتى القادم من بغداد»... رحلة ناظم الزهاوي من عالم الأعمال إلى مزالق السياسة
TT

«الفتى القادم من بغداد»... رحلة ناظم الزهاوي من عالم الأعمال إلى مزالق السياسة

«الفتى القادم من بغداد»... رحلة ناظم الزهاوي من عالم الأعمال إلى مزالق السياسة
«الفتى القادم من بغداد»... رحلة ناظم الزهاوي من عالم الأعمال إلى مزالق السياسة

في العام 2018، عينت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ناظم حارث الزهاوي وزيراً لشؤون الأطفال والأسر، حيث لفتَ هذا التعيين الانتباه إلى الوزير البريطاني-العراقي الأصل، ثمّ أصبح ناظم الزهاوي نجماً بريطانياً بعد أن عينه بوريس جونسون خلال أزمة «كوفيد-19» عام 2020 وكيلاً لوزارة الدولة البرلماني لنشر لقاح كورونا، أو ما عُرف بـ«وزير اللقاحات»... وهكذا صعد الزهاوي في حكومات حزب «المحافظين»، ليصبح في العام 2021 وزيراً للتعليم، وفي عام 2022، ووزير الخزانة في يناير (كانون الثاني) 2023.

بدايته السياسية كانت في العام 2010، عندما دخل الزهاوي البرلمان البريطاني نائباً عن حزب «المحافظين» عن دائرة «ستراتفورد أون آيفون»، ليصبح أول عضو برلماني ذا أصول كردية.

ترجع أصول ناظم الزهاوي إلى عائلة الزهاوي الكردية البغدادية المعروفة.

ولد في بغداد عام 1967، وكان جده ناظم عبد الجليل الزهاوي محافظاً للبنك المركزي العراقي، ووزيراً للتجارة في ستينات القرن الماضي. وهاجرت أسرته إلى بريطانيا هرباً من نظام صدام حسين، وكان والده حارث رجل أعمال.

استقرت العائلة في ساسكس، بجنوب شرقي إنجلترا، ودرس الزهاوي في مدارس خاصة. ورغم أن الزهاوي أكمل دراسة الهندسة الكيميائية، لكنه قرر أن يسير على خطى والده في ممارسة الأعمال التجارية، فأسس شركة لبيع سلع ألعاب، وارتبط من خلالها بمستثمر برلماني بريطاني، ومن خلال هذه المعرفة تعرف الزهاوي على العديد من الشخصيات السياسية البريطانية.

وفي عزّ مجده السياسي، انهارت حياته في الحكومة البريطانية، حين أقاله رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك من رئاسة حزب «المحافظين» نهاية يناير 2023، بعد أن كشف تحقيق مستقل في شؤونه الضريبية عن وجود «انتهاك خطير للقانون الوزاري»، الحدث الذي ألقى بظله على سيرة الفتى البغدادي الذي ظلّ متمسكاً بسلامة موقفه. مرت الفترة بين 2010 تاريخ وصوله لقبة البرلمان، و2023 تاريخ خروجه المكره من الحياة السياسية في بريطانيا، مثل ومضة اشتعلت ثم تلاشت في الظلام.

«الفتى القادم من بغداد»

في مذكراته «الفتى القادم من بغداد... رحلتي من الوزيرية إلى وستمنستر»، من إصدارات مشروع «كلمة» للترجمة، التابع لمركز أبوظبي للغة العربية، يروي ناظم الزهاوي مسيرة حياته منذ سنواته الأولى في العراق حتى مسيرته السياسية البريطانية.

ترجم الكتاب الأكاديمي والمترجم السوري الدكتور موسى الحالول، الذي يملك سجلاً في التأليف والترجمة يزيد على 55 كتاباً.

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب كبرى، يعكس كل منها مرحلة مهمة من حياته: طفولته في بغداد، وانتقاله للعيش في المملكة المتحدة، وصعوده إلى الشهرة السياسية، وخروجه النهائي من عالم السياسة.

حيث يروي الزهاوي كيف شهدت عائلته الاستبداد المتزايد في العراق، وقمع المعارضة، وتحول البلاد إلى دولة يسكنها الخوف. لذلك قررت عائلته الفرار إلى المملكة المتحدة حين كان الزهاوي في الحادية عشرة من عمره، خوفاً من الاضطهاد.

ثم يصف المؤلف تحديات التآلف مع اللغة، والثقافة، والنظام التعليمي البريطاني. وكيف ترسّخت في سنوات مراهقته اهتماماته بدنيا الأعمال. وكيف وفَّر له نجاحه في مجال الأعمال الثقة، والمنصة المناسبة لدخول عالم السياسة. حيث كانت البداية انتخابه نائباً عن حزب «المحافظين»، ثم تسلمه بضع حقائب وزارية، منها وزارة التعليم، ووزارة الخزانة.

الفلسفة السياسية

في مقدمة الكتاب، يوضح الزهاوي فلسفته السياسية، سواء عبر حديثه عن الموقف البريطاني من ثورة 25 يناير 2011 في مصر التي أدت إلى تنحي الرئيس حسني مبارك، وأثار غضبه، يقول: «حين تواجه قيمُك تحدياتٍ، يتعين عليك أن تستعدَّ للدفاع عما تؤمن به، مهما ارتفع صوتُ خصمك أو هددك. لقد كان ذلك درساً مفيداً لي، وأسرع بكثير مما كنت أتوقع».

أو بعد اصطدامه برئيس الوزراء بشأن رغبته في أن يحل مجلس منتخَب محل مجلس اللوردات، وقتها قال: «أعتقد أنك ترتكب خطأً، يا سيادة رئيس الوزراء»... ويشرح: «تعودت على العمل في بيئة يشعر فيها الناس بالأمان للتعبير عن آرائهم، لذا حين أُثير موضوع مجلس اللوردات واقتراح إلغائه، قررت أن أكون صادقاً بشأن مشاعري»، ثم يقول: «غادرتُ ذلك المساء، وأنا مدرك أنني ربما لم أترك أفضل انطباع أولي لدى رئيسي الجديد، لكنني نمت وضميري مطمئن لأنني على الأقل قلت رأيي»... «أنا أتحدر من بلد لم يعترض فيه أحد على هدم المؤسسات الوطنية. وكانت أسرتي قد فرّت من العراق ونظام صدام حسين قبل أكثر من ثلاثين عاماً. وقد شعرتُ بحاجة قوية إلى الالتزام بالضوابط والتوازنات التي توفرها مؤسساتنا الديمقراطية للجمْ أي زعيم، أو نظام بعينه، وذلك لأن لديَّ نظاماً بديلاً. ومن مبادئ المحافظين الأساسية أن الأشياء يصعب خلقها، والحفاظ عليها، ولكن من السهل جداً تدميرها».

ويقول: «كان والدي يقول دوماً: تكون الطريقة الفُضْلى لقيادة الجيش من المقدمة... فحين تتعرض قيمك للخطر، فلا تنتظر من الآخرين أن يُدافعوا عنها. قِف واجهَر بصوتك حتى لو كان ذلك يعني أنك أول من تُطلَق عليه النار!».

عن هذه الفلسفة يقول: لقد قطعتُ شوطاً طويلاً منذ فرارنا من العراق، ولكن احترامي للديمقراطية لم يضعُف في هذه الأثناء. فقد عرفتُ من كثبٍ ما يعنيه العيشُ في مكان يدمر فيه الرجال الطامعون بالسلطة أي شيء يقف في طريقهم للوصول إلى القمة، حيث لا قيمة للمؤسسات إلا حين تصبح عقبةً. ربما كانت بريطانيا وطني لمدة خمسة وثلاثين عاماً تقريباً، ولكن ماضيَّ كان السبب وراء شعوري القوي بحماية كل ما تمثله الآن.

بيت في بغداد

بحسب وصفه، كان المنزل الوحيد الذي عاش فيه الزهاوي هو منزل جَدِّه لأبيه في شارع الطبري في منطقة الوزيرية ببغداد، «وهو بناءٌ مُنْعَزِلٌ مسطَّحُ السقف مبنيٌّ من الطوب الأصفر على قطعة أرض كبيرة تقع على ناصية شارع. كانت تمتد على عرض المنزل شُرْفةٌ مسقوفةٌ للأيام التي تشتد فيها الحرارة إلى درجةٍ لا تسمح بالخروج في الشمس».

لم يكن ذلك المنزل فخماً جداً، ولكنه كان ضخماً للغاية، وبه غرفٌ وسيعةٌ فسيحةٌ تليق بواحد من «أعيان» بغداد. كان سكان حي الوزيرية عموماً ممن كنا يسمون أصحاب الطبقات المهنية: أناس يعملون في الحكومة، أو موظفون مدنيون رفيعو المستوى. تعني «الوزيرية» الحي الذي يقطنه الوزراء -والتسمية مشتقةٌ من اسم الصدر الأعظم، أو الوزير الأكبر، في الدولة العثمانية.

وبحسب قوله فإنه «لو كان للأرستقراطية وجودٌ في العراق، لكان آل الزهاوي تاريخياً جزءاً منها». فقد كانوا في الأصل جناحاً أساسياً من أسرة بابان الذين كانوا أمراء إمارة بابان الذين بنوا السليمانية، المدينة المعروفة بأصولها الإبداعية الفنية التقدمية. لكن مكانتهم في المجتمع لا علاقة لها بالمال، بل بالعلم. إذ لم يشتهروا بثرواتهم بقدر ما اشتهروا بعقولهم، وقد جسَّدوا مجتمعين النزعةَ الفكريةَ خيرَ تجسيد. فقد كان جَدُّ جَدِّي -محمد فَيْضي الزهاوي- المفتي الأكبر في بغداد. وهو أكبر فقيه في البلاد. «وكان ابنه، جميل صدقي الزهاوي، عمُّ جَدِّي، يُجاهر بإلحاده وواحداً من أشهر الشعراء في الشرق الأوسط». وقد أُدْخِلت قصائدُه في المناهج الدراسية في العديد من الدول العربية -وهو إنجازٌ لا يُستهان به لشخصٍ لغتُهُ الأولى هي الكردية.

أما المدرسة الابتدائية التي تعلّم فيها مبكراً، في المنصور، فكانت تطبّق نظام التعليم الإنجليزي، وكانت قديماً مدرسةً خاصةً تحت الانتداب البريطاني. «وبحلول عام 1973، بُعَيْدَ التحاقي بروضة الأطفال، أُمِّمت المدرسة تأميماً كاملاً. ربما كان البعثيون إرهابيين متعطشين للدماء، لكنهم كانوا اشتراكيين أيضاً. فقد كان كل مسؤول حكومي، بمن فيهم صدام حسين، يرسل أطفاله إليها. كنا نحن البقية نخشاهم، ولا سيما إذا أرادوا أن يكونوا أصدقاءك أو -الأنكى من ذلك- إذا استهوتهم أختك. لم يكن أحد يريد الاقتراب منهم كثيراً» (...) «زمنَ وجودي في المدرسة، كان البعثيون يفرضون وجودهم في كل مناحي الحياة، وفي النهاية أغلقوا مدرسة المنصور بدعوى أنها مؤسسة إمبريالية» (ص21).

يتحدث الزهاوي عن حياة الانفتاح التي عاشتها أسرته «كان والداي يحبان استضافة اللِّبراليين من أمثالهم، فكانا يقيمان لهم حفلاتٍ كبيرةً. وأيّاً كان النظام السياسي، والمناخ السائد، كانت الموسيقى الشيء الوحيد الذي يوحد الناس في الشرق الأوسط، ولكن في منزلنا لم تكن الموسيقى غربية قطّ. كان صديق والدي باحثاً في الموسيقى وكان ذا صوت جميل. وكان يأتي أحياناً ليغني في هذه الحفلات. وكان الجميع يتحلقون حوله ويشاركون في الغناء» (ص25).

ويقول: «لم يكن الدين جزءاً من حياة أُسرتي... (...) كان والداي مسلمَيْن، مثل أصدقائهما، لكنهم كانوا جميعاً يشربون الخمور، ولم تكن نساؤهم يغطين رؤوسهن» (ص26).

رغم ذلك فلم يكن والده على وفاق مع السياسات الحكومية آنذاك: «كل من في دائرة والدي يكره الوضع الراهن، لكن ما لم تكن تنوي القيام بشيء بشأنه، فعليك أن تحمل صليبك بصمت. كنا جميعاً في مَصْيَدة».

السياسة والعنف في العراق

يتحدث الزهاوي الذي غادر العراق وعمره 11 عاماً عن الحكومات التي تعاقبت على السلطة في العراق، من العهد الملكي إلى العهد الجمهوري، من الاحتلال العثماني إلى الانتداب البريطاني، برؤية عميقة، ولغة رشيقة، لكنه يتوقف عند التاريخ الدموي الذي صبغ وجه السلطة في العراق: «من المؤسف أن الانقلاب الدموي الذي جاء بقاسم (عبد الكريم قاسم) إلى السلطة أرسى سابقةً لكيفية تعامل القادة مع أعدائهم، فبعد خمس سنوات ذاق قاسم السم الذي سقاه غيرَه... ففي الثامن من فبراير (شباط) 1963، قاد عبد السلام عارف، مساعدُه الأيمن، ثورة رمضان في انقلاب آخر. حوصرَ قاسم وجيشه لمدة ثلاثة أيام في مكتبه بوزارة الدفاع. واستولى المتمردون على الإذاعة والتلفزيون الخاضعين لسيطرة الحكومة، وأعلنوا وفاة قاسم مع أنه ما زال على قيد الحياة في داخل المبنى، (...) وبعد ثلاثة أيام، أُطلِقت النار على قاسم في محطة الإذاعة. وعُرِضَت جثته على شاشة التلفزيون وهو مُتَكَوِّمٌ على كرسي لتكون دليلاً إضافياً على استيلاء عارف على السلطة. وإمعاناً في النكاية، رفع جنديٌ رأس قاسم المهمدَ وبصق في وجهه. لم تكن النُذُر أشدَّ وضوحاً: فقد حلَّ في البلاد زعيمٌ جديدٌ» (ص32).

ويتحدث عن عهد صدام حسين «الممزوج بجرعة كبيرة من جنون العظمة»، فيقول: «إذا أردت إدارة بلد بالخوف، فعليك أن تعيش كل يوم وأنت تعلم أنك هدف سهل». كان رد فعل صدام حسين «حرصه على مراقبة كل شيء وكل شخص، وهو ما جعل الحياة لا تطاق أبداً».

ثم يقول الزهاوي: «إن تاريخ العراق مليء بالعنف الشديد، ومن الصعب أن تجد عراقياً لم تتأثر أسرته بأهوال ذلك التاريخ. وحين يتعرض أي مجتمع للوحشية بهذه الطريقة، يصبح الناس أكثر وحشية، ويعتقدون أنه لا سبيل إلى السلطة إلا بالاستيلاء عليها بالقوة. ويصبح المظلومون هم الظَلَمة، وتبدأ الدورة من جديد. هكذا كان العراق في شبابي» (ص34).

وتحت عنوان: «صدَّام وبَعْثِيّوه» يقول: «أصبح العراقُ في عهد صدام الستارَ الحديديَّ للعالم العربي. ولهذا السبب، يصعب عليَّ أن أعبر عن قيمة الحريات التي اكتسبتُها بالانتقال إلى المملكة المتحدة. فحين تخبر الناس بأنك نشأت في دولة يحكمها حزب واحد، فهذا لا معنى له تقريباً ما لم تكن قد شهدت ذلك بنفسك. قد يكون أبلغَ أثراً لو أخبرتك أن خال زوجتي أخفى أسنانه المخلوعة في جيب بِنْطاله الذي أرسله إلى منزله للغسيل ليخبرهم بأنه يتعرض للتعذيب في السجن» (ص35).

في الصفحات التالية من الكتاب يروي قصة هروب والده من العراق، والظروف الأمنية القاسية التي كابدتها الأسرة، فقد كان على الأسرة أن تتحمل عواقب رحيله. «فما إن اختار أبي الرحيل، استحق لقبَ مجرم، ناهيك عن كون التهم زائفة. فحين يعتقد الناس أن رب أسرتك خائنٌ، فإنهم سرعان ما ينقلبون عليك في بيئة تعجُّ بالخوف، والتلاعب» (...) «في المدرسة، اعتزلني زملائي بين عشية وضحاها، وأُفرِدْتُ إفرادَ البعيرِ المُعَبَّدِ. لم يُجْبَر أحدٌ على (الموافقة) على ذلك؛ كان الأمر بديهياً. كانوا جميعاً يعرفون واجبهم. فقد كان والدي مجرماً وربما جاسوساً إمبريالياً -وهو الشيء الذي نحذَّر منه مراراً وتكراراً على شاشة التلفزيون (ص51).

رحلة مثيرة

ثم يروي سيرة حياته الأولى في العاصمة البريطانية التي فرّ إليها مع والدته، حيث ترك والده الأسرة هناك ليتفرغ لأعماله في آسيا: «مع أننا أتينا إلى إنجلترا لبدء حياة جديدة، لم يعمل أبي هنا قط. فبينما بقيت أنا وأم وجيهان في شين، كان أبي يعيش بين كوالالمبور وصباح في منطقة كينا بالو في ماليزيا، حيث كان يدير مشروع اتصالات ضخماً. وكان يأتي لزيارتنا لمدة أسبوع، أو نحو ذلك، كل شهرين».

وكذلك حياته في التجارة، والسياسة، وفي نهاية سرد المذكرات، يقول الزهاوي: «لو قلت في وصف كتابة هذا الكتاب بأنها رحلة مثيرة، فلن أفِيَهُ حقه. فقد تزامنت هذه الرحلة مع أشد حقبةٍ اضطراباً في مسيرتي المهنية حتى الآن، وكانت مثيرة للاهتمام».

يضيف: تحولت الحكاية من حكاية فتى مهاجرٍ أصبح وزيراً للتعليم في المملكة المتحدة إلى حكايةٍ عن قيمي، ومنبع أخلاقي.

الخروج من السياسة

طالما كانت الحياة التجارية لناظم الزهاوي تثير الاهتمام في وسائل الإعلام البريطانية، خاصة بعد صعوده السياسي، وكان يُشار إليه باعتباره واحداً من أغنى السياسيين في البرلمان البريطاني، وقدّرت إحدى الصحف ثروته بنحو 100 مليون جنيه إسترليني.

لكن الاتهامات لاحقته بعد اتهامه بالتهرب الضريبي، وكشف تحقيق مستقل في شؤونه الضريبية عن وجود «انتهاك خطير للقانون الوزاري»، وقيل وقتها إنه قام بتسوية ضريبية مثيرة للجدل دفع فيها ملايين الجنيهات، مقابل عدم سداده لضرائب مستحقة عليه.

وقام رئيس الوزراء ريشي سوناك بإقالة ناظم الزهاوي، رئيس حزب «المحافظين» الحاكم، بعد تحقيق أجري في ملفه الضريبي.

بعد أن خلص تحقيق مستشار الحكومة للقيم الجديد السير لوري ماغنوس إلى أن الزهاوي لم يكشف بوضوح عن موارده المالية.

وأرسل سوناك رسالة إلى الزهاوي قال فيها: «نتيجة لذلك، أبلغك بقراري وهو عزلك من منصبك في حكومة جلالته».

يصف الزهاوي وقع الخبر الذي حاول تفاديه على نفسه قائلاً (في مذكراته): «في الثامنة صباحاً، تلقيت المكالمة التي كنت أخشاها من رئيس الوزراء: سيدي الوزير، رئيس الوزراء ورئيس الحزب على الخط. تجهزت لتنفيذ حكم الإعدام بي. (...) ألقيت عليه بكل ما لدي لعلّي أمنعه من قول ما كنت أعرف أنه سيقوله لا محالة. (يؤسفني أن ينتهي الأمر هكذا، يا ناظم). قلت له إن ذلك يؤسفني أيضاً، وأغلقنا الهاتف. هذا كل شيء» (ص324).

ثم يقول: «تلا ذلك صمتٌ رهيبٌ شعرت فيه كأن بطني قد شُقّت، وكنت أنتظر أن تندلق أحشائي على الأرض وتبدأ النهاية. كنت قد جئت إلى الحكومة لعلِّي أُحدِث فرقاً. وكنت آمل أن أكون حاشيةً لا تُنسى في سفْر التاريخ السياسي».

لكن مرة أخرى يستعيد الزهاوي معاناة أسرته تحت حكم صدام حسين، مع الفارق الكبير في الموقفين... ينقل عن وليَم هيغ وزير الخارجية البريطانية الأسبق الذي حضر اجتماعاً حزبياً قبل إقالة الزهاوي بأيام: «كان ضيفنا المتحدث في ذلك المساء هو وليَم هيغ الذي وضع ذراعه على كتفي بتعاطف وذكر لي ما حققتُه وأنني تحملت ما هو أسوأ بكثير في عهد صدام حسين، وأنني سأتغلب على أي شيء يُلقى عليَّ الآن». (ص323).

في حديثه عن تجربة إقالته، عبّر عن توجسه من الصحافة قائلاً: «في الفضائح العامة، كان أكثر شيء أمقته هو السياسي المخلوع الذي يضطر إلى الرد أمام الكاميرات، مثل دبٍّ يُعَذَّب في حفرة. لم تكن لدي أي نية لمنح الصحافة الفرصة لتتشفّى بي». ويقول: «كنت أعلم من التجربة أنه من المستحيل تقريباً إدارة حكومة حين يكون ضجيج وسائل الإعلام هو الذي يوجِّه جدول أعمال الحكومة» (ص327).


مقالات ذات صلة

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

يوميات الشرق طفل يبحث عما يشبهه من كتب تحاكي ذاته (الشرق الأوسط)

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

مع رحيل آخر أيام معرض جدة للكتاب، يطرح المشهد الثقافي جملةً من الأسئلة حول المعرض وترسيخ مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق الكاتبة خيرية المغربي مع إصداراتها الأدبية (الشرق الأوسط)

«فلمّا أفَلَت»... حين تدخل الرواية السعودية إلى فضاء السؤال الفكري

في مشهد ثقافي سعودي يتسع للأسئلة بقدر ما يحتفي بالحكايات، تبرز أعمال روائية لم تعد تكتفي برصد التحولات الاجتماعية، بل تمضي أبعد من ذلك، نحو مساءلة الفكر.

أسماء الغابري (جدة)
ثقافة وفنون «مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة» لعماد فؤاد

«مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة» لعماد فؤاد

عن دار «ديوان للنشر» بالقاهرة، صدر حديثاً العمل الشِّعري السابع للشَّاعر المصري عماد فؤاد تحت عنوان «مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق إقبال واسع على كتب الفانتازيا العربية في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)

كاتبان عربيان يُعيدان تعريف الفانتازيا من جدة إلى السويد

ما بين جدة واستوكهولم، تتشكّل ملامح فانتازيا عربية جديدة، لا تهرب من الواقع، بل تعود إليه مُحمّلة بالأسئلة...

أسماء الغابري (جدة)
كتب ما الذي حصل للحلم الأميركي؟

ما الذي حصل للحلم الأميركي؟

في غضون خمسين عاماً من الاستقلال، شيّدت أميركا رؤيتين متناقضتين: النشوة، والحلم الأميركي.

أليكسس كو (نيويورك)

هل كان أبو العلاء المعري متشائماً حقاً؟

تمثال أبي العلاء المعري وهو من إنجاز  النحات السوري عاصم الباشا
تمثال أبي العلاء المعري وهو من إنجاز النحات السوري عاصم الباشا
TT

هل كان أبو العلاء المعري متشائماً حقاً؟

تمثال أبي العلاء المعري وهو من إنجاز  النحات السوري عاصم الباشا
تمثال أبي العلاء المعري وهو من إنجاز النحات السوري عاصم الباشا

غَيْرُ مُجْدٍ فِي مِلَّتِي وَاعْتِقَادِي

نَوْحُ بَاكٍ وَلَا تَرَنُّمُ شَادِ

وَشَبِيهٌ صَوْتُ النَّعِيِّ إِذَا قِيـ

ـسَ بِصَوْتِ الْبَشِيرِ فِي كُلِّ نَادِ

أَبَكَتْ تِلْكُمُ الْحَمَامَةُ أَمْ غَنَّـ

ـتْ عَلَى فَرْعِ غُصْنِهَا الْمَيَّادِ

صَاحِ هَذِي قُبُورُنَا تَمْلَأُ الرُّحْـ

ـبَ فَأَيْنَ الْقُبُورُ مِنْ عَهْدِ عَادِ؟

خَفِّفِ الْوَطْءَ مَا أَظُنُّ أَدِيمَ الْ

أَرْضِ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَجْسَادِ

(...)

فَاسْأَلِ الْفَرْقَدَيْنِ عَمَّنْ أَحَسَّا

مِنْ قَبِيلٍ وَآنَسَا مِنْ بِلَادِ

كَمْ أَقَامَا عَلَى زَوَالِ نَهَارٍ

وَأَنَارَا لِمُدْلِجٍ فِي سَوَادِ

تَعَبٌ كُلُّهَا الْحَيَاةُ فَمَا أَعْــ

جَبُ إِلَّا مِنْ رَاغِبٍ فِي ازْدِيَادِ

إِنَّ حُزْناً فِي سَاعَةِ الْمَوْتِ أَضْعَا

فُ سُرُورٍ فِي سَاعَةِ الْمِيلَادِ

(...)

ضَجْعَةُ الْمَوْتِ رَقْدَةٌ يَسْتَرِيحُ الْــ

جِسْمُ فِيهَا وَالْعَيْشُ مِثْلُ السُّهَادِ

أبيات أبو العلاء المعري الذائعة هذه والمأخوذة من قصيدته في رثاء قاضٍ فقيه يُقال له أبو حمزة التنوخي كانت بينهما صداقة أو قرابة - هذه الأبيات التي نشأنا نرددها في سذاجة من أيام المدرسة والتي كثيراً ما تتخذ عنواناً على تشاؤم المعري الشهير – هذه الأبيات لا أرى فيها تشاؤماً، ولا يأساً، ولا قعوداً عن مجهود الحياة، فقائلها عاش حياة مديدة جاوزت الثمانين عاماً (973-1057م)، وأنجز في الأدب والشعر ما نتغنى به ونستلهم منه الفن والحكمة بعد قرابة عشرة قرون مضت على زمنه. فعل هذا في عصر بالغ الاضطراب سياسياً واجتماعياً ومذهبياً وعنصرياً، سادت فيه الصراعات بين القوى المتصارعة على السلطة في ظل ضعف الخلافة العباسية وزوال السلطة المركزية لبغداد. فعل هذا كله وهو ضرير منذ طفولته، مضطر للاستعانة بغيره في شؤون العيش. عاش حياة رفيعة متنزهة زاهدة معتزلة للناس لكنها حافلة بالمعرفة والحكمة والحب والإنتاج والفيض على المريدين والصحاب. عاش حياته بشروطه. وليس في شيء من هذا كله تشاؤم ولا يأس ولا تخاذل عن عناء الحياة مما تفرضه فرضاً على الأحياء أو مما اختاره هو في حياته الزاهدة من شظف إضافي، كما فعل في شعره أيضاً حين ألزم نفسه بما لا تلزمه به قواعد الشعر.

كتب المعري مرثيته هذه وهو في العشرينات من عمره، والحقيقة أني أتردد في نعتها بالمرثية، وإنما هي قصيدة تأمل في الحياة والموت والوجود والعدم، قصيدة فلسفة وموقف فكري، ولم يكن رثاء الصديق إلا المناسبة التي فجّرت في الشاعر مشاعر وأفكاراً كانت تختمر وتسعى إلى صياغة شعرية. فالقصيدة التي تقع في 64 بيتاً تُفتح بالتأملات الشهيرة أعلاه ولا يرد فيها ذكر لموضوع الرثاء، القاضي أبو حمزة، حتى نصل إلى البيت الثالث والعشرين، وينحصر الحزن المباشر على الصديق الراحل وتعداد مناقبه في نحو نصف القصيدة، مسبوقاً ومتبوعاً بالتأملات الفلسفية.

ما أراه في هذه القصيدة الشهيرة التي ظهرت في ديوان المعري الأول «سقط الزند» وفي غيرها من شعره إنما هو موقف وجودي. موقف توصل إليه الشاعر في صدر شبابه. ليست هذه القصيدة المبكرة نتاج اعتراك طويل للحياة، ولا هي حكمة شيخ في نهاية العمر، وإنما هي موقف وجودي. موقف واعٍ بالأبعاد العبثية في الحياة، والتي يجللها العبث الأكبر الذي اسمه الموت. فالحياة تنتهي بنقيضها، ومن هنا تساويها مع الموت. ومن هنا أيضاً تساوي كل النقائض التي تعددها تلك الأبيات: النوح والترنم، النعي والبشارة... إلخ. فالباكي والمترنم، والناعي والمبشر، والحمامة شدت أو بكت، وكل موجب وسالب صائر إلى الموت الذي ينفي ما بينهما من اختلاف ويؤالف تناقضهما. بل إن المعري في انفساح نظرته الوجودية لا يقصر تأمله على حياة البشر وسائر المخلوقات على الأرض، بل إنه يعلن أن الموت أو الفناء مصير كل وجود في الكون، سواء كان وجوداً واعياً أو غير واعٍ، فكوكب «زحل من لقاء الردى على ميعاد»، والمريخ «ستنطفأ ناره وإن علتْ في اتقاد»، والثريَّا ستموت نجومها تباعاً ويفترق شملها، تماماً كما يفرّق الموت شمل الأسر والجماعات من بني الإنسان.

يدرك المعري أن الفناء مصير كل موجود من أصغر مخلوقات الأرض شأناً إلى الكواكب والنجوم في عمق الفضاء اللامتناهي. «كل بيت للهدم» سواء كان عش حمامة أو قصراً منيفاً «لسيد رفيع العماد». من هنا التعادلية في موقف المعري. أي فرق هناك؟ كل جهد عظيم أو حقير، كل حياة بهيجة أو بائسة هي «تعب غير نافع». هي «اجتهاد لا يؤدي إلى غناء». لكننا مع ذلك نعيشها. نعيشها كما عاشها. الفارق أنه عاشها مدركاً كنهَها، سابراً غورها، ولم يعشها منكبّاً عليها، مخدوعاً بها. عاشها بشروطه بقدر ما تسمح الحياة أن تُملى عليها الشروط: «اللبيب من ليس يغترّ بكونٍ مصيره للفساد». هذا موقف فلسفي وجودي بطولي لأن حياة الشاعر جاءت ترجمة «لملته واعتقاده». أو أنه على عكس الكثيرين عاش اعتقاده، ولم يعانِ من تلك الفجوة الشهيرة بين القول والفعل، بين المعتقد والممارسة.

هذا المتشائم المزعوم هو القائل «ولو أني حُبيتُ الخلدَ فرداً لما أحببتُ بالخلد انفرادا / فلا هطلتْ عليَّ ولا بأرضي سحائبُ ليس تنتظم البلادا»، وفي موضع آخر: «والناس للناس من بدو وحاضرة، بعضٌ لبعضٍ، وإن لم يشعروا، خدم». لا تشاؤم ولا عزلة ولا اجتواء للخلق في مثل هذه الفلسفة، بل فكر اجتماعي تكافلي تضامني ملتزم إلى حد رفض كل نعيم، دائمه وزائله، إن لم يعمَّ خيره على الناس قاطبة. فجهد الحياة عنده جهد مشتَرك يتعاضد الناس فيه من أجل البقاء، عن قصد وإدراك أو بغير قصد وإدراك. لهذا كله نجد المعري مثالاً باهظاً، فنريح أنفسنا بنبذه باعتباره «متشائماً» لا يقدّر مسرّات الحياة ومتعها، أو بالعبارة العامية «نِكدي»، أجدر بنا أن نبعد عن أفكاره «السوداوية» ولننشغل بالترنم والشدو وحمل البشارات. فلننشغل سادرين حتى الموت.


مجامر أثرية من البحرين

أربع مجامر محفوظة في متحف البحرين الوطني بالمنامة.
أربع مجامر محفوظة في متحف البحرين الوطني بالمنامة.
TT

مجامر أثرية من البحرين

أربع مجامر محفوظة في متحف البحرين الوطني بالمنامة.
أربع مجامر محفوظة في متحف البحرين الوطني بالمنامة.

يحتفظ متحف البحرين الوطني بمجموعة من المجامر عُثر عليها خلال حملات التنقيب المتواصلة في عدد من المدافن الأثرية، منها ما صُنع من المادة الحجرية، ومنها ما صُنع من طينة الفخار. تنتمي هذه المجامر إلى مراحل متعاقبة زمنياً، فمنها ما يعود إلى الحقبة التي شكّلت فيها البحرين حاضرة من حواضر إقليم تجاري وسيط عُرف باسم دلمون في المصادر السومرية، ومنها ما يعود إلى حقبة لاحقة عُرفت فيها هذه الجزيرة باسم تايلوس في المصادر اليونانية. من جهة أخرى، تعكس هذه القطع تعدّدية كبيرة في الطرز الفنية المعتمدة، وتظهر هذه التعدّدية بشكل جليّ في اختلاف البنى التكوينية الخاصة بها، كما في اختلاف الحلل التي تزيّن هذه البنى.

يتمثّل ميراث دلمون بمجمرة من الفخار تتميّز ببنيتها التكوينية المختزلة، مصدرها مدافن عالي التي تشكّل جزءاً من تلال تمتدّ على مدى 20 كيلومتراً في الجزء الغربي من جزيرة البحرين. يُعرف هذا الموقع رسمياً باسم «تلال مدافن دلمون»، وبهذا الاسم أُدرج في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) في صيف 2019. عُثر على هذه المجمرة خلال حملة تنقيب محلّية جرت بين عام 1988 وعام 1989، وهي من الحجم الصغير؛ إذ يبلغ طولها نحو 20 سنتيمتراً، وعرضها 11 سنتيمتراً، وهي على شكل عمود أسطواني يعلوه وعاء عريض خصّص لاحتواء الجمر الخاص بإحراق البخور أو الطيوب وما شابه. تعود هذه القطعة الفخارية على الأرجح إلى القرنين الأخيرين من الألفية الثانية قبل المسيح، والقطع التي تشبهها نادرة للغاية في ميراث دلمون الأثري، ممّا يوحي بأّنها دخلت إلى البحرين من الخارج، وليست من النتاج المحلّي، ويرجّح أهل الاختصاص أن وظيفتها ترتبط بالطقوس الجنائزية المعتمدة في الدفن.

دخلت هذه المجمرة متحف البحرين الوطني بالمنامة، ودخلت من قبلها مجمرة مغايرة تماماً في التكوين، عُثر عليها كما يبدو في مطلع سبعينات القرن الماضي. تختلف المصادر في تحديد موقع هذا الاكتشاف؛ إذ ينسبه البعض إلى قلعة البحرين التي تقع على الساحل الشمالي، وينسبه البعض الآخر إلى مقبرة تُعرف باسم الحجر، نسبة إلى القرية التي تجاورها، وتشرف على شارع البديع في المحافظة الشمالية. صيغت هذه المجمرة على شكل مكعّب صغير من الحجر، طوله 7 سنتيمترات وعرضه 6 سنتيمترات، وكلّ من واجهاتها الأربع مزينة بشبكة من النقوش زخرفية، قوامها نجم ذو أربعة أطراف مقوّسة، تحيط به خانات عدة، وُشح كلّ منها بسلسلة من العواميد، تعلوها خطوط أفقية متجانسة. تتبع هذه المجمرة الحجرية تقليداً راسخاً نشأ وشاع في جنوب الجزيرة العربية خلال القرون الأخيرة من الألفية الأولى قبل المسيح، وشواهد هذا التقليد عديدة، منها عدد كبير دخل المتاحف العالمية الكبرى في الغرب. بلغ هذا الطراز الجنوبي شرق الجزيرة العربية، كما بلغ شرق أقاليم البحر الأبيض المتوسّط وبلاد ما بين النهرين. وتشهد مجمرة البحرين على ظهور هذا الطراز في وسط ساحل الخليج العربي.

يحوي متحف البحرين الوطني كذلك مجمرتين من الفخار تمثّلان نتاج ما يُعرف اليوم بحقبة تايلوس، وهما من نتاج المرحلة الممتدة من القرن الأول قبل المسيح إلى القرن الأول للمسيح. تعود إحدى هاتين القطعتين إلى مقبرة حمد التي تشكّل جزءاً من «تلال مدافن دلمون»، وتعود الأخرى إلى مقبرة الشاخورة التي تحمل اسم القرية التي تجاورها، وتقع على بعد نحو 700 متر جنوب شارع البديع.

يبلغ طول مجمرة تل حمد 20 سنتيمتراً، وعرضها 8 سنتيمترات، وهي على شكل عمود ذي أربع قوائم، يعلوه وعاء المجمرة العريض. يتكون هذا العمود من ست حلقات دائرية ناتئة ومتراصة، تزيّنها حلية لونية متقشفة مطلية باللون الأحمر القاني، قوامها بضعة خطوط أفقية تستقر بينها بضعة خطوط عمودية. تكلّل وعاء المجمرة هذه الحلقات الدائرية المتراصة، وتزيّنه شبكة مشابهة من الخطوط المطلية.

في المقابل، يبلغ طول مجمرة الشاخورة نحو 19 سنتيمتراً، وعرضها 11 سنتيمتراً، وهي على شكل جرة تستقرّ فوق قاعدة أسطوانية. ترتفع هذه القاعدة فوق أربع قوائم عريضة، ويعلوها عمود أسطواني قصير، يفصل بينها وبين الحرة التي تعلوها. تشكّل هذه الجرة وعاء للمجمرة يتميّز بضخامته، والطرف الأعلى لهذا الوعاء ناتئ وبارز، وبعض من تكوينه تساقط للأسف.

تمثّل هذه المجامر الأربع نتاجاً من البحرين يبدو محدوداً مقارنة بنتاج مناطق أخرى من جزيرة العرب خرجت منها مجموعات كبيرة من المجامر. يشهد هذا النتاج المحدود من جهة لتعدّدية كبيرة في الأساليب المتبعة في الصناعة والصوغ، وتعكس هذه التعددية من جهة أخرى المكانة الوسيطة التي تميّز بها نتاج البحرين الأثري على مدى العصور.


14 شخصاً في صراع مع الزمن

14 شخصاً في صراع مع الزمن
TT

14 شخصاً في صراع مع الزمن

14 شخصاً في صراع مع الزمن

صدر عن «دار المرايا» في القاهرة رواية «ألعاب وحشية» للروائي المصري ماجد وهيب، وهي الكتاب السادس له بين الرواية والقصة القصيرة. تقع الرواية في 512 صفحة من القطع المتوسط، وتتكون من أربعة عشر فصلاً، يمثل كل فصل منها جيلاً، من قصة عائلة مصرية من الجد الرابع عشر، حتى الابن في الحاضر، مبتعدة عن تقديم أي خلفية تاريخية لأحداثها، وتكتفي فقط بإشارات عابرة إلى تطور نمط الحياة من جيل إلى آخر.

مع النهاية، نلاحظ أن ثمة وجوداً لفكرة العود الأبدي ودوران الزمن في حركة دائرية، عاكسة تأثير الماضي في الحاضر والمستقبل، وكيف يؤثر كل فعل في مصير الآخرين، وهكذا لا يوجد بطل للرواية، فالـ14 شخصية هم جميعهم أبطال، وكل واحد منهم بطل حكايته، فأسماء الفصول كلها معنونة بأسماء شخصيات، وهكذا يكون الزمن هو البطل الأول، وهو الذي يمارس ألعابه الوحشية في المقام الأول، غير أن كل شخصية لها حكايتها التي لا تأتي منفصلة عن الماضي، ولا ينقطع تأثيرها في المستقبل، وتعيش هي أيضاً ألعابها الخاصة، عبر أحلامها وانكساراتها والصراع الذي تدخل فيه.

وفي ظل ذلك تلعب الرواية على وتر البحث عن الهوية، من خلال علاقات حب يبدو فيها وكأنه مغامرة كبيرة وليس مجرد شعور، مغامرة ترسم المصائر وتعيد تشكيل العلاقات، وثمة أحلام، وهزائم وانتصارات، يتغير معها المكان والزمان، وبطبيعة الحال يلعب الموت دوراً كبيراً في الأحداث، وكثيراً ما يأتي بدايةً وليس نهاية.