هل تُعزز زيارة بلينكن إلى المنطقة جهود الوساطة؟

وزير الخارجية الأميركي يزور مصر لبحث وقف إطلاق النار و«صفقة الأسرى»

أوراق تظهر رسائل تهنئة بشهر رمضان معلقة خارج المباني بمخيم لإيواء الفلسطينيين في رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)
أوراق تظهر رسائل تهنئة بشهر رمضان معلقة خارج المباني بمخيم لإيواء الفلسطينيين في رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)
TT

هل تُعزز زيارة بلينكن إلى المنطقة جهود الوساطة؟

أوراق تظهر رسائل تهنئة بشهر رمضان معلقة خارج المباني بمخيم لإيواء الفلسطينيين في رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)
أوراق تظهر رسائل تهنئة بشهر رمضان معلقة خارج المباني بمخيم لإيواء الفلسطينيين في رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)

بينما تتواصل المفاوضات بين حركة «حماس» وإسرائيل في العاصمة القطرية الدوحة، بشأن الاتفاق على «هدنة» في قطاع غزة، يجري خلالها إتمام «صفقة لتبادل الأسرى»، يعتزم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، القيام بجولة جديدة في المنطقة تشمل القاهرة والرياض، ما آثار تساؤلات حول دور زيارة بلينكن المرتقبة في تعزيز جهود الوساطة القطرية - الأميركية - المصرية لتحقيق «الهدنة» في غزة.

وأفادت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء، بأن «بلينكن سيزور الشرق الأوسط هذا الأسبوع، حيث سيلتقي كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية ومصر؛ لبحث سبل تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، بالإضافة إلى مناقشة مرحلة ما بعد الحرب».

وتعد هذه هي الجولة السادسة لوزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر الماضي. وقال بلينكن، في تصريحات صحافية، الثلاثاء، إن «زيارته لمصر والسعودية تهدف لمناقشة الأساس السليم لسلام إقليمي دائم»، بحسب ما نقلته «رويترز».

ويرى نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، اللواء محمد إبراهيم، أن «زيارة بلينكن السادسة للمنطقة تستهدف بحث التوصل إلى التهدئة، وإدخال المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى ما هو متوقع من بحث موضوع العمليات التي يقوم بها الحوثيون تجاه السفن في مضيق باب المندب وتأثيراتها وأسلوب التعامل معها». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الخلافات الأميركية – الإسرائيلية، وتحديداً بين كل من جو بايدن وبنيامين نتنياهو، تضفي مناخاً سلبياً على العلاقات الثنائية بين الدولتين، وبالتالي على جهود التوصل إلى الهدنة الإنسانية في غزة، خاصة مع عدم اكتراث نتنياهو بالرسائل الأميركية والأوروبية التي توجه إليه بشأن عدم اجتياح مدينة رفح الفلسطينية».

لكن خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، قال إن «وزارة الخارجية الأميركية عادة ما تركز على الجانب البروتوكولي أكثر من صياغة القرار النهائي». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «زيارة بلينكن تستهدف بحث سيناريوهات اليوم التالي للحرب، بينما مفاوضات الهدنة تتم على مستوى الفرق الأمنية». ولا يرى عكاشة أن «واشنطن تملك حالياً أوراقاً للضغط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، لا سيما في ظل ما يبدو من خلافات بين نتنياهو والرئيس الأميركي».

دخان بعد قصف إسرائيلي سابق في قطاع غزة (أ.ب)

وتتزامن زيارة بلينكن مع جولة مفاوضات جديدة بين إسرائيل وحركة «حماس»، تستضيفها قطر. حيث زار رئيس الاستخبارات الإسرائيلية، ديفيد برنيع، الدوحة، الاثنين، للقاء رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومسؤولين مصريين. وغادر برنيع قطر، لكن المفاوضات بشأن الهدنة «لا تزال مستمرة على مستوى الفرق الفنية».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، الثلاثاء، إن «بلاده متفائلة بحذر تجاه المفاوضات الجارية بشأن هدنة غزة»، مشيراً إلى أن «الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن أي انفراجة في المفاوضات». وأضاف الأنصاري، في مؤتمر صحافي: «لا يمكن القول إننا قريبون من التوصل لاتفاق، لكننا متفائلون بحذر. لا يمكن أن نعلن أي نجاحات، ولكن لدينا أمل»، موضحاً: «ما زلنا في إطار الاجتماعات التي يتم فيها تبادل وجهات النظر، وستظل مستمرة لتبادل المقترحات بين الطرفين». وتعد المحادثات الجارية في قطر استكمالاً لجولات تفاوض بدأت في العاصمة باريس نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، وتبعتها جولات في القاهرة والدوحة، وباريس مرة ثانية، وكانت مصر استضافت جولة مباحثات قبيل بدء شهر رمضان استمرّت أربعة أيام لكنها لم تثمر عن اتفاق، لتنتهي بمغادرة وفد حركة «حماس» للتشاور.

وفي هذا الشأن، قال اللواء محمد إبراهيم إن «المفاوضات تمر بمرحلة دقيقة وصعبة في ظل استمرار المواقف المتباعدة بين كل من إسرائيل و(حماس)، مع قيام الوساطة بجهود مكثفة من أجل جسر الهوة بين هذه المواقف، ولا سيما فيما يتعلق بتفصيلات القضايا الخلافية المثارة». وأوضح أن «أهم القضايا الخلافية موضوع الوقف الدائم لإطلاق النار الذي ترفضه إسرائيل، إلى جانب انسحاب قواتها من بعض المواقع التي احتلتها وتمركزت بها في قطاع غزة، وكذلك هناك خلاف بشأن إعداد وطبيعة الأسرى الفلسطينيين المطلوب الإفراج عنهم».

فلسطينيون خلال سيرهم بمنطقة مدمرة بمخيم النصيرات للاجئين في وقت سابق (إ.ب.أ)

وأشار إبراهيم إلى أن «المفاوضات الجارية يمكن أن تستغرق وقتاً أطول في ضوء محاولات طرح حلول وسط مقبولة من الأطراف المعنية، إلا أن الجهود المبذولة كافة تحاول أن تسابق الزمن من أجل التوصل إلى الهدنة خلال أقرب وقت ممكن، لإتاحة المجال أمام إتمام صفقة تبادل الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية بصورة أكثر من المعدلات الحالية في ضوء تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة».

وقدّمت حركة «حماس»، الأسبوع الماضي، مقترحاً للتهدئة في قطاع غزة يقوم على مرحلتين. ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين إسرائيليين، قولهما، الثلاثاء، إن «إسرائيل و(حماس) بدأتا التفاوض على تفاصيل اتفاق محتمل لوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، والإفراج عن محتجزين للمرة الأولى منذ شهور». وأن «الخلافات بين الجانبين قائمة، لكن رد (حماس) أتاح التقدم من الإطار العام إلى وضع تفاصيل الاتفاق».

أشخاص يشاركون بمسيرة لدعم الفلسطينيين في مدينة سان سيباستيان بشمال إسبانيا (إ.ب.أ)

وشرح نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ما وصفه بـ«التعقيدات المحيطة بالمفاوضات»، و«أهمها الخلافات الحالية داخل الحكومة الإسرائيلية تجاه طبيعة التعامل مع صفقة تبادل الأسرى، من بينها عدم منح الوفد الإسرائيلي المفاوض الصلاحيات التي تتيح له اتخاذ القرارات في حينه، وحرص نتنياهو على أن يكون هو صاحب القرار الوحيد سواء في تشكيل الوفد المفاوض أو تشكيل الطاقم السياسي والأمني المسؤول عن بحث هذا الموضوع، واتخاذ القرار المناسب».

لكن «رغم الصعوبات»، فإن محمد إبراهيم يرى أنه «الأمل لا يزال قائماً في إمكانية نجاح الجهود المتواصلة التي تبذلها قطر ومصر للوصول إلى هدنة قبل أن ينتصف شهر رمضان».

وذكر موقع «أكسيوس» الأميركي أن المباحثات الأخيرة في قطر كانت «إيجابية»، وأن المفاوضين الإسرائيليين سيبقون في الدوحة لمواصلة البحث في «التفاصيل» مع الوسطاء.

بدوره، يرى سعيد عكاشة أن «مفاوضات الهدنة لم تتجاوز مرحلة التفاؤل الحذر». وأوضح أن «هناك عوامل عدة تدفع إلى التفاؤل، من بينها عدم انفجار الأوضاع في الضفة الغربية خلال رمضان، ما يشكل نوعاً من الضغط على (حماس) في إطار الصفقة، لكن يظل هذا التفاؤل حذراً».


مقالات ذات صلة

«حماس» تؤكد مقتل القيادي البارز رائد سعد في غارة إسرائيلية

المشرق العربي عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

«حماس» تؤكد مقتل القيادي البارز رائد سعد في غارة إسرائيلية

 أكد خليل الحية رئيس حركة (حماس) في قطاع غزة اليوم الأحد مقتل القيادي البارز رائد سعد خلال غارة إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يسيرون بين أنقاض المباني المُدمَّرة بسبب الحرب في مدينة غزة (رويترز) play-circle

مصر تشدد على أهمية نشر «قوة الاستقرار الدولية» المؤقتة في غزة

أفاد بيان لوزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، بأن بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري شدَّد على أهمية نشر «قوة الاستقرار الدولية» المؤقتة في غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي امرأة فلسطينية تمر عبر الدمار الناتج عن الحرب في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: أميركا تضغط على دول لإرسال قوات إلى غزة... ولا استجابة بعد

أفادت صحيفة أميركية، السبت، بأن إدارة ترمب تسعى لتجنيد قوة متعددة الجنسيات من 10 آلاف جندي بقيادة جنرال أميركي؛ لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي فلسطينيون يعاينون حطام سيارة استهدفتها ضربة إسرائيلية في مدينة غزة أمس (رويترز)

إسرائيل تغتال قيادياً بارزاً في «القسام»

تواصل إسرائيل الاستفادةَ من التشوش الذي يحيط بخطة «سلام غزة»، بتحقيق مكاسب على الأرض، كما فعلت أمس، باغتيال القيادي في «كتائب القسام» رائد سعد، في غارة استهدفت.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جنديان إسرائيليان في رفح جنوب قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

واشنطن لنشر «قوة غزة» بلا خطة للتعامل مع سلاح «حماس»

أميركا أبلغت إسرائيل بأنها تنوي نشر القوة الدولية، لكن دون إجابات حول مصير سلاح «حماس»... وإسرائيل تصر على تفكيكه.

كفاح زبون (رام الله)

«الدعم السريع» تنفي مسؤوليتها عن الهجوم على مقر الأمم المتحدة

من عملية نقل الجنود القتلى إلى أبيي (متداولة)
من عملية نقل الجنود القتلى إلى أبيي (متداولة)
TT

«الدعم السريع» تنفي مسؤوليتها عن الهجوم على مقر الأمم المتحدة

من عملية نقل الجنود القتلى إلى أبيي (متداولة)
من عملية نقل الجنود القتلى إلى أبيي (متداولة)

نفّذت فرق من الأمم المتحدة بالتنسيق مع الحكومة السودانية الأحد، عمليات إجلاء لقتلى وجرحى قوات حفظ السلام (يونيسفا) من مدينة كادوقلي إلى منطقة «أبيي» المتنازَع عليها بين السودان وجنوب السودان.

وقُتل 6 جنود وأصيب 7 آخرون جميعهم من القوات البنغلاديشية التابعة للبعثة، في غارة بطائرة مسّيرة شنتها «قوات الدعم السريع» السبت على مقر الأمم المتحدة في كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان.

وتفيد أنباء متواترة، بأن بعثة «يونيسفا» تدرس إخلاء جميع القوات والعاملين من كادوقلي، بسبب تصاعد القصف المدفعي والجوي المتبادل بين الجيش السوداني و«الدعم السريع»، التي هددت في وقت سابق، باجتياح المدينة.

جنود بعثة «يونيسفا» ينقلون جثمان أحد الجنود القتلى (فيسبوك)

ونشرت وسائل إعلام موالية للجيش، مقاطع فيديو لمروحيات حربية تابعة للأمم المتحدة، نقلت ضحايا قوات البعثة من القتلى والجرحى إلى منطقة «أبيي».

واتهم «مجلس السيادة» السوداني، «الدعم السريع» بقصف مقر الأمم المتحدة. وقال، في بيان، إن الهجوم على المقر الأممي «خرق جسيم وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني».

بدوره، أدان رئيس الوزراء كامل إدريس، بأشد العبارات، هجوم «الدعم السريع» على مقر البعثة الأممية في كادوقلي، واعتبر ذلك، «خرقاً جسيماً للحماية المقررة للمنشآت الأممية، وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني»، بحسب «وكالة الأنباء السودانية».

من جانبها، نفت «قوات الدعم السريع» مسؤوليتها عن الهجوم، وقالت: «إنها تدحض ادعاءات ومزاعم الجيش السوداني بشأن وقوع هجوم جوي استهدف مقر الأمم المتحدة في كادوقلي، وما صاحب ذلك من اتهامات باطلة لقواتنا بالوقوف خلفه عبر استخدام طائرة مسيرة».

وأضافت في بيان نشر على منصة «تلغرام»: «تنفي قواتنا نفياً قاطعاً هذه الأكاذيب، وتؤكد أن هذه الادعاءات تعكس محاولة يائسة وبائسة لتلفيق اتهامات واهية بحق قواتنا، في مسعى مكشوف الأهداف».

مروحية للأمم المتحدة نقلت جثامين الجنود القتلى إلى أبيي (متداولة)

وأدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بشدة ما وصفه بالهجمات المروعة التي شنتها طائرات من دون طيار على قاعدة الدعم اللوجيستي في كادوقلي، التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من أفراد القوات البنغلاديشية في قوات حفظ السلام.

وقال إن الهجوم قد يرقى إلى «جريمة حرب» بموجب القانون الدولي، مشدداً على أهمية حماية أفراد الأمم المتحدة والمدنيين.

وفي سياق موازٍ، أفادت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط»، بأن «قوات الدعم السريع» قصفت بالمسّيرات عدة مواقع في كادوقلي، وأن إحدى القذائف استهدفت المنطقة المحيطة بالمستشفى العسكري التابع لقوات الجيش السوداني.

وقالت، إن المدينة تشهد منذ أيام موجات نزوح إلى المناطق الآمنة، من بينها البلدات والقرى في «جبال النوبة» والمناطق التي تسيطر عليها «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بقيادة عبد العزيز آدم الحلو.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)

ومنذ أشهر، تفرض «الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية»، حصاراً محكماً على مدينة كادوقلي، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية، وتشن هجمات متكررة بالمدفعية والطائرات المسّيرة.

وتأسست بعثة حفظ السلام (يونيسفا) بقرار من مجلس الأمن الدولي في يونيو (حزيران) 2011، وتتكون من قوات من مختلف الجنسيات لحماية المدنيين في منطقة «أبيي».


موريتانيا: توقيف رئيس منظمة تحدّث عن فساد في صفقة للشرطة

جانب من نقاشات محاربة الفساد في موريتانيا (أرشيفية - حزب الإنصاف)
جانب من نقاشات محاربة الفساد في موريتانيا (أرشيفية - حزب الإنصاف)
TT

موريتانيا: توقيف رئيس منظمة تحدّث عن فساد في صفقة للشرطة

جانب من نقاشات محاربة الفساد في موريتانيا (أرشيفية - حزب الإنصاف)
جانب من نقاشات محاربة الفساد في موريتانيا (أرشيفية - حزب الإنصاف)

أوقفت الشرطة الموريتانية الناشط السياسي ورئيس «منظمة الشفافية الشاملة» محمد ولد غده، ليل السبت/الأحد، بعد أن أدلى بتصريحات تحدّث فيها عن «وثائق تثبت» أن صفقة إنشاء «مختبر جنائي» تابع للشرطة شابتها عمليات فساد.

وحسب مصدر عائلي، فإن أفراداً من الشرطة في زي مدني وصلوا في حدود منتصف الليل، إلى بيت العضو السابق في مجلس الشيوخ الموريتاني، ورئيس منظمة مختصة بمحاربة الفساد وكشفه، وطلبوا منه مرافقتهم.

يأتي هذا التوقيف بعد ساعات من تصريحات أدلى بها ولد غده لصحيفة «الأخبار» المستقلة، قال فيها إن بحوزته وثائق ومستندات تُثبت تورط أفراد في عمليات فساد خلال تنفيذ صفقة لإنشاء مختبر جنائي تابع للشرطة، وهي الصفقة التي أثارت الجدل خلال الأشهر الأخيرة.

من أحد شوارع نواكشوط (الشرق الأوسط)

وأعرب ولد غده في تصريحاته عن نيته تقديم الوثائق والمستندات إلى النيابة العامة يوم الاثنين، في إطار شكاية من منظمة «الشفافية الشاملة»، بشأن ما قال إنها «تجاوزات خطيرة» في الصفقة المثيرة للجدل.

وبدأ الجدل حول الصفقة، حين نشرت صحيفة «الأخبار» في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2024، وثائق تتحدث عن تضاعف تكاليف إنشاء المختبر «بسبب عمولات وصلت إلى قرابة 3 ملايين دولار أميركي، حصل عليها أفراد لعبوا دور الوسيط»... وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نشرت منظمة «الشفافية الشاملة» وثائق، قالت إنها «تُثبت أن عمولات تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية»، واصفة ما حدث بأنه «فضيحة».

وعرض الملف على النيابة العامة، التي استمعت للمشمولين في ملف الصفقة، وقررت الجمعة الماضي حفظ الدعوى في حق جميع من شملهم التحقيق، وقالت النيابة في بيان صحافي، إن «المحاضر المنجزة لم تتضمن وقائع تشكل أفعالاً مجرّمة بمقتضى القانون».

وأشارت النيابة العامة إلى أن «الإدارة العامة للأمن الوطني»، فتحت تحقيقاً إدارياً وفنياً في الصفقة، خلص إلى أن «جميع الالتزامات التعاقدية المنصوص عليها قد تم الوفاء بها على الوجه المطلوب، وأن مختلف الخدمات محل الصفقة قد تم إنجازها طبقاً لما هو متفق عليه».

الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (أ.ف.ب - أرشيفية)

وتعليقاً على بيان النيابة العامة، استغرب ولد غده قرارها بحفظ الدعوى، وأعلن أنه سيتقدم بشكوى جديدة لدى النيابة العامة وتقديم وثائق ومستندات جديدة، مشيراً إلى أن المنظمة خلال التحقيق السابق «تعاملت بحذر مع شرطة الجرائم الاقتصادية، وقدمت لها فقط جزءاً من الوثائق التي بحوزتها».

وبرر حذره بالقول: «إن الشرطة طرف في الملف، يجب استبعاده بشكل تام من التحقيق»، داعياً في السياق ذاته إلى إحالة التحقيق للدرك الوطني، من أجل «تكريس مبدأ الحياد وضمان العدالة».


الأمم المتحدة تجدد دعوتها لتشكيل حكومة ليبية «موحدة»

المبعوثة الأممية هانا تيتيه تلقي كلمتها في الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار المهيكل» بطرابلس الأحد (البعثة الأممية)
المبعوثة الأممية هانا تيتيه تلقي كلمتها في الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار المهيكل» بطرابلس الأحد (البعثة الأممية)
TT

الأمم المتحدة تجدد دعوتها لتشكيل حكومة ليبية «موحدة»

المبعوثة الأممية هانا تيتيه تلقي كلمتها في الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار المهيكل» بطرابلس الأحد (البعثة الأممية)
المبعوثة الأممية هانا تيتيه تلقي كلمتها في الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار المهيكل» بطرابلس الأحد (البعثة الأممية)

جدّدت الأمم المتحدة دعوتها إلى تشكيل «حكومة ليبية موحدة»، وذلك على لسان مبعوثتها إلى ليبيا، هانا تيتيه، خلال انطلاق أولى جلسات «الحوار المهيكل» في العاصمة طرابلس، الأحد، فيما عدّها محللون «محاولة جديدة برعاية دولية لكسر الجمود السياسي في بلد يعاني انقساماً حكومياً وعسكرياً منذ عام 2011».

و«الحوار المهيكل» هو أحد المسارات الرئيسية في خريطة الحل السياسي التي طرحتها تيتيه قبل أربعة أشهر، من خلال التركيز على أربعة ملفات رئيسية هي: الحوكمة، والاقتصاد، والأمن، والمصالحة الوطنية وحقوق الإنسان.

ومن المقرر أن تُعقد جلسات الحوار بشكل متتابع على مدى يتراوح بين أربعة وستة أشهر، بدءاً من يناير (كانون الثاني) المقبل، وفق ما أعلنته تيتيه في كلمتها الافتتاحية. ويلحظ المحللون تركيز المبعوثة الأممية، في كلمتها الافتتاحية، على ضرورة وجود حكومة واحدة في ليبيا، إذ قالت: «لا بد من وجود حكومة تمارس سلطتها على البلاد، وقادرة على صون السلام والاستقرار داخل حدودها».

القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي» المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)

وأفردت تيتيه جانباً من كلمتها للحديث عن المهام المطلوبة من هذه الحكومة، عادّة أن من بين مسؤولياتها المتوقعة هي «إدارة الموارد المالية بحكمة، وتوفير الخدمات العامة الضرورية، والسعي إلى تعزيز التنمية»، إلى جانب «حماية مصالح جميع المواطنين والمقيمين داخل حدود البلاد، مع احترام حقوقهم الإنسانية».

كما ربطت تيتيه تشكيل هذه الحكومة بالتزام دولي، يتمثل في «مراعاة تداعيات أفعالها أو تقاعسها على الدول المجاورة والمجتمع الدولي ككل».

ويأتي هذا الطرح في سياق «خريطة طريق» كانت المبعوثة الأممية قد عرضتها أمام مجلس الأمن في أغسطس (آب) الماضي، وجعلت من تشكيل حكومة موحدة أحد مرتكزاتها الأساسية.

ورأى المدير السابق لـ«معهد الدراسات الدبلوماسية» بوزارة الخارجية الليبية، رواد شلابي، أن حديث تيتيه عن «حكومة موحدة» يظل «فضفاضاً وقابلاً لتفسيرات متباينة من قبل الأطراف الليبية وأصحاب المصلحة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض القوى السياسية قد يقرأ هذه الدعوة بوصفها تمهيداً لتشكيل حكومة جديدة، والدخول في مرحلة انتقالية إضافية، بينما يفسرها آخرون على أنها حكومة قائمة على توافق سياسي بين طرفي الانقسام».

وبين أروقة «الحوار المهيكل» أيضاً، بدت تيتيه خلال الجلسة الافتتاحية وكأنها تدافع، بشكل ضمني، عن البعثة الأممية في مواجهة موجة انتقادات سبقت انعقاد الحوار، لا سيما بشأن غياب معايير واضحة لاختيار نحو 120 مشاركاً، وسط حديث عام عن النزاهة من دون آليات محددة، ما أثار مخاوف من تأثير القوى المتنفذة أو توظيف شخصيات مقربة من رؤية البعثة.

وأكدت تيتيه، أن قائمة المشاركين «ضمت رجالاً ونساءً وشباباً يمثلون مختلف المكونات الثقافية واللغوية، إلى جانب أشخاص من ذوي الإعاقة»، وقالت إن المشاركين «يعكسون التنوع الثري لليبيا، حيث يسهم كل فرد بتجربته ووجهات نظره حول الحوكمة والاقتصاد والأمن والمصالحة وحقوق الإنسان».

الدبيبة وتيتيه في لقاء سابق (حكومة الوحدة)

وأقرت المبعوثة الأممية، بأن «ليبيين لم يتمكنوا من المشاركة بسبب ظروف سياسية»، معربة عن أملها في إشراكهم مستقبلاً إذا ما تغيرت الظروف. كما أشارت إلى أن «بعض الليبيين الراغبين في المشاركة، الذين يمتلكون مواهب قيّمة، لم يُضمّنوا في الحوار»، لافتة إلى أن «ليبيا تزخر بإمكانات هائلة تتجاوز ما يمكن أن يستوعبه العدد الإجمالي البالغ 124 مشاركاً».

ودعت تيتيه، من لم يشاركوا إلى «زيارة الموقع الإلكتروني للبعثة، والمساهمة بآرائهم وأفكارهم، والانخراط في استطلاعات الرأي والمناقشات الرقمية»، مؤكدة أن «هذه العملية موجهة لعموم الليبيين، وليس فقط لمن هم على طاولة الحوار».

وكان «الحوار المهيكل» قد واجه، قُبيل انطلاقه بساعات، انتقادات تتعلق بعدم إلزامية مخرجاته للأطراف السياسية الليبية، إلى جانب مخاوف من تكرار إخفاق تجارب حوارية سابقة عُقدت في عواصم إقليمية ودولية.

وفي رد غير مباشر على هذه المخاوف، شدّدت تيتيه على أن «الحوار المهيكل يشكل منبراً شاملاً يتيح لشرائح أوسع من المجتمع الليبي المشاركة في صياغة برنامج العمل الوطني ومستقبل البلاد». وحدّدت هدف الحوار بـ«التوصل إلى مجموعة من التوصيات بشأن القضايا العاجلة في مجال السياسة العامة والحوكمة، بما يهيئ بيئة مواتية لإجراء الانتخابات»، إلى جانب «تقديم مقترحات سياسية وتشريعية لمعالجة دوافع النزاع طويلة الأمد، وصياغة رؤية وطنية موحدة ترسم مسار الاستقرار».

غير أن هذه الرؤية لم تسلم من الانتقادات، إذ حذر شلابي من أن «مخرجات الحوار المهيكل قد تسهم، من حيث لا يُقصد، في إطالة أمد الجمود السياسي»، مرجعاً ذلك، إلى «المدى الزمني الطويل للحوار، وغياب الإلزامية عن نتائجه»، وعادّاً أنه «لا يمكن استبعاد أن تنتهي هذه المسارات إلى توصيات شبيهة بتلك التي صدرت عن اللجنة الاستشارية الليبية».

كما أعرب شلابي عن استغرابه من «تجاهل ملف الوثيقة الدستورية الحاكمة»، مؤكداً أن «الانطلاق من إطار دستوري واضح يمثل مدخلاً حقيقياً لمعالجة الأزمة الليبية». وأشار إلى أن «مسودة دستور عام 2017 لا تزال قائمة، ويمكن البناء عليها بوصفها جزءاً من الحل»، واصفاً المسار الدستوري بأنه «أكثر استقراراً، وقد يفضي إلى حل مستدام ونهائي للأزمة، بعيداً عن دوامة المراحل الانتقالية التي أثبتت التجربة السابقة محدودية نتائجها».