في المرآب المخصص لسيارات الإسعاف بأحد مستشفيات وسط السودان، اختفت السيارات والشاحنات وحلّت مكانها عربات تجرها الحمير تقوم بنقل المرضى في بلد بات ينقصه كل شيء بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على اندلاع الحرب. يقول حسين علي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إن عرباتنا التي تجرها الحمير هي الوسيلة الوحيدة لنقل المرضى إلى المستشفيات» في مدينة تمبول بولاية الجزيرة (جنوب الخرطوم) التي امتدت إليها في ديسمبر (كانون الأول)، الحرب بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو المشهور بـ«حميدتي». ويتابع بفخر واضح: «منذ قليل نقلت بعربتي سيدة حاملاً في حالة وضع من قرية تبعد عن هنا 15 كيلومتراً». وصار علي يقوم بدور أساسي على الطرقات التي أقام مسلحون نقاط تفتيش عليها بينما خلت المحطات من الوقود وباتت مهجورة. وأصبحت العربة الخشبية التي يجرها حمار الوسيلة الوحيدة المتاحة للتنقل أمام المدنيين الذين يحاولون الفرار من الحرب، ليس في تمبول وحدها بل في معظم قرى ولاية الجزيرة وحتى في عاصمتها ود مدني. ويقوم عناصر من «قوات الدعم السريع»، الذين يسيطرون على معظم أرجاء الولاية، بمصادرة السيارات والشاحنات من الجميع الذين لم يعد لديهم الخيار سوى استخدام العربات الخشبية التي تجرها الحمير، وفي أحسن الأحوال تجرها الخيول. وأوقع النزاع الحالي عشرات آلاف الضحايا، من بينهم 10 إلى 15 ألف قتيل في مدينة واحدة بدافور، بحسب خبراء الأمم المتحدة، وأدت إلى نزوح قرابة 8 ملايين سوداني من ديارهم. في ولاية الجزيرة وحدها نزح نصف مليون شخص بعضهم للمرة الثانية بعدما لجأوا إلى الجزيرة في بداية الحرب هرباً من الخرطوم، حيث اندلعت المعارك في 15 أبريل (نيسان) 2023.
حافلات مخبأة ومحطات وقود منهوبة
وعَلِق ملايين آخرون لم يكن لديهم قدرات مالية لدفع ثمن وسائل المواصلات، في ديارهم وهم يعانون من نقص السلع وارتفاع الأسعار والأوبئة والانهيار التام للعملة السودانية. ومع مرور 10 أشهر على بدء الحرب، أصبحت ثلاثة أرباع المستشفيات خارج الخدمة فيما يشعر المرضى والجرحى بأنهم متروكون لمصيرهم. يروي الطاهر الذي يرفض ذكر اسمه بالكامل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أنه عندما «سيطرت (قوات الدعم السريع) على المنطقة، خبأت حافلتي حتى لا يسرقوها». منذ ذلك الحين تخلى عن شاحنته واعتمد العربة التي يجرها حمار، وينتقل بها يومياً من قريته إلى مدينة رفاعة الواقعة على بعد 40 كيلومتراً شمال ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة. ويضيف: «حتى لو أردت استخدام حافلتي، لم تعد أي محطة وقود تعمل في المنطقة». ويقول موظف في محطة وقود، طالباً عدم كشف هويته خشية تعرضه للأذى، إنه منذ وصول «قوات الدعم السريع» لم تعد شاحنات نقل الوقود التابعة للجيش «تزود محطات ولاية الجزيرة بأي إمدادات». وارتفع سعر لتر البنزين بشكل صاروخي من دولار واحد إلى عشرين دولاراً. على غرار الطاهر، اشترى بابكر عربة يجرها حمار لأنه لم يكن يستطيع «التوقف عن العمل» فيما بات «أقل من 5 في المائة من السودانيين يستطيعون الحصول على وجبة واحدة كاملة يومياً»، وفق برنامج الأغذية العالمي.
وسيلة المواصلات الوحيدة
وكان بابكر يعرف أنه سيجد زبائن كثيرين، فمع الحصار المفروض على معظم المناطق من قبل المعسكرين اللذين يتنازعان على السلطة، أصبح يتعين على السكان الخروج من قراهم بحثاً عن الغذاء والماء والأدوية. فعلى سبيل المثال يقطع بابكر خالد يومياً 13 كيلومتراً ذهاباً وإياباً على عربة يجرها حمار للوصول إلى سوق تمبول. ويوضح في هذا التقرير الذي أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية»، أنه قبل الحرب كان الطريق يستغرق ربع ساعة أما اليوم فالمسافة نفسها تقطعها العربة في ساعتين ومقابل ضعف السعر الذي كان يدفعه للشاحنة. أما مربو الحمير وتجارها فقد شهدت مبيعاتهم ارتفاعاً كبيراً أيضاً. ويؤكد أحدهم، عبد الرحمن الزين، أن الطلب في تزايد مستمر، ويقول مغتبطاً: «أسعار الحمير والأحصنة والعربات في ارتفاع».







