لماذا صعّدت مصر لهجتها ضد «المزاعم» الإسرائيلية؟

القاهرة حذّرت من «تهديد خطير وجدي» للعلاقات الثنائية

الفلسطينيون النازحون داخلياً داخل مخيم رفح بالقرب من الحدود المصرية في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
الفلسطينيون النازحون داخلياً داخل مخيم رفح بالقرب من الحدود المصرية في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

لماذا صعّدت مصر لهجتها ضد «المزاعم» الإسرائيلية؟

الفلسطينيون النازحون داخلياً داخل مخيم رفح بالقرب من الحدود المصرية في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
الفلسطينيون النازحون داخلياً داخل مخيم رفح بالقرب من الحدود المصرية في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

صعّدت القاهرة من حدة لهجتها تجاه «المزاعم» الإسرائيلية. وحذّرت من «تهديد خطير وجدي» للعلاقات الثنائية مع تل أبيب، بحسب إفادة رسمية، مساء الاثنين، من رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، أشار خلالها إلى ما شهدته الفترة الأخيرة من تصريحات عدة لمسؤولين إسرائيليين، على رأسهم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، تحمل، على حد قوله «مزاعم باطلة بشأن وجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات والذخائر ومكوناتها، إلى قطاع غزة من الأراضي المصرية بطرق عدة، من بينها أنفاق زعموا وجودها بين جانبي الحدود».

وقال رشوان: إن «مثل هذه الادعاءات الكاذبة لا تخدم الجهود المصرية الإيجابية المبذولة لحل الأزمة في غزة، كما أنها لا تخدم (معاهدة السلام) التي تحترمها مصر». وطالب رشوان الجانب الإسرائيلي بأن «يُظهر احترامه لـ(معاهدة السلام) ويتوقف عن إطلاق التصريحات التي من شأنها توتير العلاقات الثنائية في ظل الأوضاع الحالية الملتهبة».

وبينما أكد خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، الثلاثاء، أن «رد فعل القاهرة طبيعي ويستهدف إعادة ضبط السياسة الإسرائيلية منعاً لتوتير الأجواء». قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط»: إن «المزاعم الإسرائيلية ومحاولات اختلاق سياق كاذب عن الدور المصري التاريخي، نابع من عُمق الأزمة الداخلية في إسرائيل». وشدد على أن «هذه التصرفات لن تحول دون استمرار القاهرة في دورها الفاعل وسيطاً بين أطراف الأزمة كافة». وأكد المصدر، أن «مصر مستمرة في بذل الجهود لإيجاد حل للوضع في غزة»، مشيراً إلى أن «رؤية القاهرة ترتكز على مراحل ومحددات، تبدأ من إيجاد صيغة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وتصل إلى السلام الشامل وحل الدولتين على مبادئ (أوسلو) والمبادرة العربية».

المصدر أشار أيضاً إلى أن «مصر مُنفتحة على الأطراف كافة بفاعلية، وتنسق الجهود مع الجانبين القطري والأميركي فيما يتعلق بالهدنة والوصول لحلول شاملة، كما يتم تبادل الرؤى مع الأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات بالشأن ذاته».

دخان ناتج من القصف الإسرائيلي بخان يونس في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال، في تصريحات صحافية، الأسبوع الماضي، إن «بلاده لم تتخذ قراراً بعد بخصوص سيطرة عسكرية محتملة على (محور فيلادلفيا) الرابط بين قطاع غزة ومصر». وأضاف: «لن ننهِ الحرب في غزة من دون سد الثغرة في (فيلادلفيا)»، مشيراً إلى أن «الأسلحة قد تدخل لقطاع غزة عبر هذه الثغرة الجنوبية»، وهي التصريحات التي كررها مسؤولون إسرائيليون أخيراً.

وفنّد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، مساء الاثنين، «المزاعم» الإسرائيلية، مشيراً إلى أن «كُل دول العالم تعرف جيداً حجم الجهود التي قامت بها مصر في السنوات العشر الأخيرة لتحقيق الأمن والاستقرار في سيناء، وتعزيز الأمن على الحدود مع قطاع غزة». وأوضح، أن «بلاده عانت كثيراً من الأنفاق خلال المواجهة الشرسة مع المجموعات (الإرهابية) في سيناء عقب إطاحة نظام (الإخوان) في يونيو (حزيران) 2013 وحتى 2020»، مضيفاً: «كانت الأنفاق وسيلة لتهريب المقاتلين والأسلحة إلى سيناء لتنفيذ عمليات إرهابية راح ضحيتها أكثر من 3 آلاف شخص من الجيش والشرطة والمدنيين في مصر وأكثر من 13 ألف مصاب».

واستعرض ضياء رشوان «الخطوات التي اتخذتها الإدارة المصرية للقضاء على الأنفاق بشكل نهائي»، حيث «تم عمل منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات من مدينة رفح المصرية وحتى الحدود مع غزة، وتدمير أكثر من 1500 نفق، وتقوية الجدار الحدودي مع القطاع الممتد لـ14 كيلومتراً، عبر تعزيزه بجدار خرساني طوله 6 أمتار فوق الأرض و6 أخرى تحتها». وأضاف: «أصبح هناك ثلاثة حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية، يستحيل معها أي عملية تهريب»، مؤكداً أن «مصر لديها السيادة الكاملة على أرضها، وتحكِم السيطرة بشكل تام على كامل حدودها الشمالية الشرقية، سواء مع قطاع غزة أو مع إسرائيل»، معرباً عن دهشته من «الادعاءات» الإسرائيلية التي وصفها بـ«غير الموثقة» عن «تهريب الأسلحة من مصر لغزة». وقال: إن «إسرائيل التي تسيطر عسكرياً على قطاع غزة، وتملك أحدث وأدق وسائل الاستطلاع والرصد، تكتفي بالاتهامات المرسلة لمصر من دون أي دليل عليها».

كما أوضح رشوان، أن «إمعان تل أبيب في تسويق هذه (الأكاذيب) هو محاولة لخلق شرعية لسعيها لاحتلال ممر (فيلادلفيا) أو (صلاح الدين)، الرابط بين مصر وقطاع غزة»، مؤكداً أن أي «تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه، سيؤدي إلى (تهديد خطير وجدي) للعلاقات بين البلدين». وعدّ «محور فيلادلفيا»، «(خطاً أحمر) ينضم إلى سابقه والذي أعلنته مصر مراراً، وهو الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين قسراً أو طوعاً إلى سيناء، وهو ما لن تسمح القاهرة لإسرائيل بتخطيه».

وأكدت مصر أكثر من مرة، رفضها تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم؛ الأمر الذي عدّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «تصفيةً للقضية».

ودعا رشوان الحكومة الإسرائيلية إلى «إجراء (تحقيقات جادة) بداخل جيشها وأجهزة دولتها وقطاعات مجتمعها، للبحث عن المتورطين الحقيقيين في تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة من بينهم بهدف التربح»، لافتاً إلى أن «الكثير من الأسلحة الموجودة داخل غزة حالياً، هي نتيجة التهريب من داخل إسرائيل نفسها، إضافة إلى إعلان تل أبيب نفسها ضبط الكثير من ورش تصنيع الأسلحة والصواريخ والمتفجرات داخل الأنفاق بغزة؛ مما يعني أن هناك احتمالاً كبيراً لأن يكون جز كبير من تسليح (حماس) والفصائل الفلسطينية تصنيعاً محلياً وليس عبر التهريب».

وهذه ليست المرة الأولى التي تصدِر فيها مصر بيانات للرد على تصريحات إسرائيلية، حيث أصدرت الأسبوع الماضي، بياناً رسمياً رداً على تحميل تل أبيب القاهرة «مسؤولية عدم وصول المساعدات إلى غزة». لكن هذه التصريحات لم توقف الجهود المصرية لوقف الحرب في غزة.

شاحنات تحمل مساعدات تدخل رفح في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

بدوره، قال نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، اللواء محمد إبراهيم، لـ«الشرق الأوسط»: إن «مصر تحتفظ بعلاقات واتصالات جيدة مع جميع الأطراف من أجل التوصل إلى حل للأزمة الحالية في غزة، التي تزداد تعقيداً كلما طال أمدها، وبالطبع فإن هذه الاتصالات لم تتوقف مع جميع الأطراف بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وحركة (حماس)». وأضاف، أنه «من الواضح أن إسرائيل بدأت توجيه بعض الادعاءات الباطلة ضد مصر خلال الفترة الأخيرة، لإبعاد شبهة التقصير عنها، لا سيما في ظل عدم تحقيق الأهداف العسكرية في غزة».

وتابع إبراهيم، أن «مصر لا ترغب في أن تكون هناك أي أزمات مع إسرائيل أو مع غيرها، وهي ملتزمة بمعاهدة (السلام) التي تم توقيعها منذ نحو 45 عاماً». لكنه استطرد: «من حق القاهرة أن تواجه هذه (الادعاءات) وتفنّدها بشكل واقعي وموضوعي، كما ستظل حريصة كل الحرص على اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها حماية الأمن القومي المصري مكن دون النظر إلى أي مواقف أخرى». وأشار إلى أنه «رغم إدراك القاهرة تعقيدات الوضع الراهن واحتمالات توسيع دائرة الصراع؛ إلا أن التحركات المصرية لم ولن تتوقف؛ لأن الوقت ليس في صالح استقرار وأمن المنطقة». وقال: إن «مصر ستواصل وتكثف تحركاتها في الأيام المقبلة بهدف عبور هذه المرحلة الحرجة التي تؤثر على مصالح جميع الأطراف».

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط»: إن «هناك أزمة مكبوتة في العلاقة بين القاهرة وتل أبيب بدأت قبل (ادعاءات) الأخيرة أمام محكمة العدل»، موضحاً أن «هناك محاولات للزج باسم مصر في وقائع غير حقيقية؛ ما يتطلب بالتأكيد رداً مصرياً».

ولفت فهمي إلى أن «تلك التصريحات تصدر عادة من مسؤولين سابقين ضمن (تيار معادٍ) لمصر، وإعلام (غير منضبط)، بينما تحافظ إسرائيل الرسمية على ضبط التصريحات منعاً لتوتير الأجواء وتخوفاً من ردود الفعل المصرية». وقال: إن «مصر تعاملت بجدية ومسؤولية مع التصريحات الإسرائيلية، وترد عليها برسائل دورية لتأكيد دورها في معبر رفح، وموقفها من القضية الفلسطينية»، مشيراً إلى أن «الرد المصري يستهدف دعوة إسرائيل إلى ضبط سياساتها، وهو رد دبلوماسي وواقعي حتى الآن، حيث يحرص الجانبان على استمرار التنسيق وعدم توتير الأجواء».


مقالات ذات صلة

«هدنة غزة»: زيارة مبعوث ترمب إلى المنطقة دفعة لـ«اتفاق وشيك»

شؤون إقليمية رد فعل فلسطيني على مقتل نازحين في غارة إسرائيلية على مخيم مؤقت للنازحين جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: زيارة مبعوث ترمب إلى المنطقة دفعة لـ«اتفاق وشيك»

وسط تسريبات إعلامية عن حدوث «تقدم» بمفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، جاءت زيارة مبعوث الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، ستيف ويتكوف، إلى المنطقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي فتاة فلسطينية تقف أمام منزلها في مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)

عائلة فلسطينية تنشد العدالة بعد مقتل أطفالها في غارة إسرائيلية بالضفة الغربية

كانت بتول بشارات تلعب مع شقيقها رضا في قريتهما بالضفة الغربية المحتلة. وخلال لحظات، قتلت غارة إسرائيلية بطائرة مسيّرة الطفل مع اثنين من أبناء عمومتهما.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون ينتظرون دورهم للحصول على المياه في دير البلح وسط قطاع غزة (د.ب.أ)

وسط «تحديات كبيرة»... بلدية غزة تكافح لتأمين لتأمين المياه للمواطنين

أعلنت بلدية غزة، اليوم (السبت)، أنها تواصل جهودها لتأمين المياه للمواطنين في ظل انقضاء 463 يوماً من الحرب على القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون جريحاً في موقع غارة جوية إسرائيلية على مأوى للنازحين وسط قطاع غزة (رويترز)

«هدنة غزة»: ازدياد فرص الوصول لـ«صفقة»

رغم تسريبات عن «شروط جديدة» فإن عدة مؤشرات تشي بأن الاتجاه نحو «صفقة» في قطاع غزة يزداد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة في وقت سابق (رويترز)

تحليل إخباري مصر ترفض وجود قوات أجنبية في غزة... ما البدائل؟

وسط حديث يتصاعد عن خطط «لليوم التالي» في غزة، جددت مصر رفضها وجود قوات أجنبية في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«سوريا الصغيرة» في مصر: كيانات وروابط «مُشتتة»

لقاء سابق بين أعضاء مجلس إدارة الجالية السورية بمصر مع السفير السوري بالقاهرة حسام الدين آلا (جمعية الجالية السورية بمصر)
لقاء سابق بين أعضاء مجلس إدارة الجالية السورية بمصر مع السفير السوري بالقاهرة حسام الدين آلا (جمعية الجالية السورية بمصر)
TT

«سوريا الصغيرة» في مصر: كيانات وروابط «مُشتتة»

لقاء سابق بين أعضاء مجلس إدارة الجالية السورية بمصر مع السفير السوري بالقاهرة حسام الدين آلا (جمعية الجالية السورية بمصر)
لقاء سابق بين أعضاء مجلس إدارة الجالية السورية بمصر مع السفير السوري بالقاهرة حسام الدين آلا (جمعية الجالية السورية بمصر)

ارتبط الوجود السوري «اللافت» في الأحياء المصرية على مدى أكثر من عقد بتشكيلات كثيرة من الروابط والكيانات، تقدم خدماتها للجالية الوافدة، غير أن الشاب السوري (الثلاثيني)، شاهر رجوب، لا يرى حالياً وجود تأثير لتلك التجمعات، بعد أن تجاوزتها حالة اندماج السوريين داخل المجتمع المصري، إلى جانب توقف نشاط غالبية الروابط.

ويُقيم الشاب السوري في إحدى ضواحي مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة)، منذ قدومه مع والدته وشقيقه عام 2013، وهي منطقة تشتهر بكثرة عدد السوريين فيها، كما تضم عشرات المطاعم والمقاهي والمحلات السورية.

زحام أمام أحد المطاعم السورية بمصر - (صفحة المطعم على فيسبوك)

و«رغم انتشار المطاعم والمحال التي يعمل بها ويديرها سوريون، فإن هذا العدد الكبير يفتقد لروابط وكيانات فعّالة في الوقت الراهن بعد أن باتت مُشتتة بلا تأثير، على عكس حضورها النشط في أعقاب الثورة السورية عام 2011»، وفق شاهر رجوب.

يتذكر رجوب، الذي يعمل مصوراً، البدايات الصعبة عند وصوله إلى مصر، فقد آثر العمل على استكمال دراسته لضيق الحاجة، واضطر إلى الانخراط في أكثر من عمل على مدار اليوم، لتأمين عيشه، لكنه يؤكد أن ما خفف عبء سنوات كفاحه الأولى هو الدعم الإغاثي، الذي كانت تقدمه مؤسسات وكيانات سورية للأسر الوافدة، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط».

مركز تعليمي سوري بمصر -(مؤسسة سوريا الغد)

وشاهر رجوب واحد من بين نحو مليون ونصف المليون سوري يقيم في مصر، وفق المنظمة الدولية للهجرة، وارتفع عدد المسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين إلى نحو 153 ألف سوري، ليشكلوا ثاني أكبر نسبة لاجئين في مصر، بعد السودانيين بنسبة 17 في المائة.

روابط غير فاعلة

مع ازدياد أعداد السوريين الوافدين إلى مصر بعد عام 2011، أسس نشطاء ورموز بالجالية السورية «رابطة» لدعم الوافدين، تنوعت مساعداتها، ما بين مراكز تعليمية، كانت تستقبل نحو 3500 طفل سوري، ومبادرات لدعم الأسر غير القادرة، حسب الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي.

غير أن الأتاسي أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن نشاط (رابطة السوريين)، «تجمّد منذ عام 2020، مع وقف التجمعات بسبب جائحة (كورونا)، وتوقف مصادر تمويلها من المؤسسات المانحة عربياً ودولياً»، منوهاً بوجود كيان رسمي للجالية السورية تأسس قبل سنوات، لكن تأثيره يظل محدوداً كون غالبية أعضائه من رجال الأعمال.

خدمات تقدمها جمعيات سورية بمصر - (مؤسسة سوريا الغد)

وأقامت الجالية السورية كياناً تنظيمياً في صيغة «جمعية أهلية»، ومنحتها الصفة الرسمية بإشهار من وزارة التضامن المصرية في عام 2018، ويرأسها رجل الأعمال السوري، باسل سماقية، ولم يخرج نشاط الجمعية خلال عام 2024، عن لقاءات مع السفير السوري بالقاهرة حسام الدين آلا، وبعض الأنشطة الخيرية.

مراكز التعليم السورية - (مؤسسة سوريا الغد)

وقبل تأسيس رابطة الجالية، كان الحضور الأبرز لائتلافات قوى المعارضة السياسية بين أعضاء الجالية، بعد أن اتخذ كثير من التيارات السياسية مقرات لها بالقاهرة، بعد الثورة السورية في 2011، منها «مجلس سوريا الديمقراطية»، وأيضاً «الائتلاف الوطني لقوى الثورة»، و«تيار الغد السوري»، حسبما يروي الكاتب والمحلل السوري، عبد الرحمن ربوع.

ورغم أن الكيانات السياسية كانت تسهم في تأمين الخدمات المعيشية للجالية، فإن كثيراً من مكاتبها أُغلق بعد عام 2016، وانتقل نشاطها لدول أخرى مثل تركيا والعراق، وفق حديث ربوع لـ«الشرق الأوسط»، وعزا ذلك إلى «مغادرة غالبية مؤسسي تلك الائتلافات مصر»، وقال إن الأسر المقيمة تعتمد حالياً على «المبادرات الفردية، ونشاط الجمعيات الخيرية ومفوضية شؤون اللاجئين».

جمعيات أهلية

تمتلك الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية النشاط الأكبر في أوساط المهاجرين السوريين حالياً، حيث تقدم أكثر من 10 جمعيات، أسسها نشطاء سوريون (بإشهار رسمي من الحكومة المصرية)، خدماتها لدعم الأسر غير القادرة، خصوصاً الأيتام والأرامل، إلى جانب تقديم نشاط تعليمي للأطفال، وفق مدير مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن نشاط هذه المؤسسات امتد ليشمل جنسيات أخرى مثل السودانيين واليمنيين.

وتعدّ «سوريا الغد»، واحدة من المؤسسات الأهلية السورية، وتم إشهارها قانوناً عام 2013، ووسعت من نشاطها، بفضل تبرعات رجال أعمال سوريين، وشراكات مع منظمات دولية، مثل الاتحاد الأوروبي ومفوضية شؤون اللاجئين، لتقيم فروعاً لها في عدد من المدن المصرية، مثل العبور ودمياط والعاشر من رمضان، ووصل عدد المستفيدين من خدماتها إلى نحو 76 ألف فرد، بإجمالي نحو 15 ألف خدمة سنوياً، وفق ملهم الخن.

أعضاء مجلس إدارة الجالية السورية بمصر في زيارة لإحدى المصانع السورية بمصر - (جمعية الجالية السورية بمصر)

من جهته، يرى راسم الأتاسي أن نشاط تلك الجمعيات «غير كافٍ، ولا يلبي كل احتياجات السوريين المقيمين في المدن المصرية»، عادّاً الدعم الذي تقدمه «لا يغطي سوى نحو 60 في المائة من متطلبات معيشة الأسر السورية».

مدارس سورية

ولا تواجه الجالية السورية إشكالية كبيرة في تأمين التعليم لأبنائها، فقد استفاد السوريون من استثناءات الحكومة المصرية بإتاحة التحاق أبنائهم في المدارس المصرية، إلى جانب أنشطة المراكز التعليمية، التابعة للجمعيات الخيرية، وتشكل أحد الحلول الأساسية لتأمين التعليم لأبناء السوريين بأسعار رمزية، وفق مدير مؤسسة «سوريا الغد».

غير أن الأتاسي يرى أن «عدد المدارس السورية غير كافٍ»، مشيراً إلى أن «هناك نحو 60 ألف طالب سوري يدرسون في مصر، مقابل 10 مدارس بمحافظات القاهرة والجيزة ودمياط والإسكندرية»، وقال إن بعض الطلاب «تركوا التعليم بسبب عدم استطاعة أسرهم تأمين تكلفة تعليمهم».

روابط «سوشيالية»

لم تعد نسبة كبيرة من الجالية في حاجة إلى دعم إغاثي وإنساني، كانت تقدمه روابط الجالية، وفق شاهر رجوب، مشيراً إلى أن «معظم السوريين باتوا يعتمدون على أنفسهم، من خلال الاستثمارات والأعمال، التي توفر فرص عمل لأعضاء الجالية»، وقال إن «كثيراً من الخدمات والإغاثات بات يقدم عن طريق مجموعات التواصل الاجتماعي حالياً، التي تضم عدداً كبيراً من الجالية».

نشاط المؤسسات السورية امتد لجنسيات أخرى منها السودانية - (مؤسسة سوريا الغد)

وتعتمد نسبة كبيرة من السوريين في مصر، في تواصلهم اليومي، على منصات التواصل الاجتماعي، لتأمين الاحتياجات المعيشية لغير القادرين، وفق ملهم الخن، الذي يشرف على «غروب» تواصل على منصة «فيسبوك» يضم أكثر من 150 ألف سوري.

ويقول الخن إن «المجموعة توفر تواصلاً أسرع وأوسع مع أعضاء الجالية، خصوصاً لتقديم الخدمات والتوعية لأعضاء الجالية».

تكهنات التغيير

يثير التغيير الذي شهدته سوريا أخيراً، بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتولي إدارة جديدة للبلاد، التكهنات بشأن مستقبل روابط الجالية السورية، خصوصاً أن شاهر رجوب يرى أن «كثيراً من السوريين لا يعترفون بأي رابطة تمثلهم حالياً»، لكنه يعتقد أن «الفترة الحالية تحتاج روابط فاعلة، أكثر من أي وقت مضى، لدعم الراغبين في العودة لسوريا، وتأمينهم من وقائع الاحتيال والنصب من شركات السفر الوهمية»، وفق تعبيره.

نشاط الحرف اليدوية لسوريين بمصر - (مؤسسة سوريا الغد)

ورغم أن راسم الأتاسي لا يتوقع تغييراً في مستوى فاعلية الروابط السورية، بعد سقوط نظام الأسد، فإن ملهم الخن يرى أن التغيير في سوريا «سيعزز من روابط أعضاء الجالية»، وقال إن «هناك رغبة لدى سوريين لتدشين روابط وتجمعات جديدة، كالتجمعات المهنية للأطباء والمهندسين».