المنفي والدبيبة... توافق ظاهري وخلافات عميقة

ملف «المصالحة» الليبية وحقيبة «الخارجية» سبّبا بروز تباينات حادة بينهما

المنفي مستقبلاً الدبيبة في مكتبه بطرابلس (المجلس الرئاسي)
المنفي مستقبلاً الدبيبة في مكتبه بطرابلس (المجلس الرئاسي)
TT
20

المنفي والدبيبة... توافق ظاهري وخلافات عميقة

المنفي مستقبلاً الدبيبة في مكتبه بطرابلس (المجلس الرئاسي)
المنفي مستقبلاً الدبيبة في مكتبه بطرابلس (المجلس الرئاسي)

عكس حديث عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، حول ملف «المصالحة الوطنية» جانباً من طبيعة الخلافات غير المُعلنة مع محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، خلال الفترة الماضية، بما تخللها من تباينات في الآراء حول كثير من القضايا.

ويمثّل المنفي والدبيبة السلطة التنفيذية «الموحدة» في ليبيا، وفقاً لـ«ملتقى الحوار السياسي»، الذي عقد في 5 فبراير (شباط) عام 2021 بجنيف، قبل أن يكلف مجلس النواب حكومة أسامة حمّاد. ومنذ أن وصل المنفي والدبيبة إلى سدة الحكم جرت في نهر السياسية مياه كثيرة، وبدت الخلافات أكثر من التوافقات.

وجرت العادة في ليبيا أن المسؤولين الكبيرين لا يلتقيان إلا عند حدوث توتر أو أمر جلل، لكن الاجتماع الذي عقده المنفي في مكتبه بالعاصمة طرابلس، مساء (الأربعاء) مع الدبيبة، لم ينتج عنه إلا بيان مقتضب، أوضح أنهما بحثا «معالجة انسداد العملية السياسية، وأفكارا مشتركة تضمن حق الشعب الليبي في تقرير مصيره بشكل مباشر».

وفيما نقل المجلس الرئاسي أن اللقاء «تطرق إلى نصوص الاتفاق السياسي في ضبط الإنفاق العام وإيرادات الدولة، عبر ترتيبات مالية تُعد من قبل اللجنة المالية المشتركة»، سلط بيان منسوب للمنفي، تم توجيهه للدبيبة، الضوء على الخلاف مع الأخير حول ضرورة تشاوره مع المجلس الرئاسي في اختيار من يتولى وزارة الخارجية، خلفاً لنجلاء المنقوش المُقالة.

خلاف بين الدبيبة والمنفي حول من يتولى وزارة الخارجية خلفاً لنجلاء المنقوش المُقالة (خارجية الوحدة)
خلاف بين الدبيبة والمنفي حول من يتولى وزارة الخارجية خلفاً لنجلاء المنقوش المُقالة (خارجية الوحدة)

وعدّ المنفي في البيان، الذي أعادت وسائل إعلام محلية كثيرة نشره، أن «تفرد الدبيبة بتسمية من يسيّر أعمال وزارة الخارجية هو إجراء باطل لخروجه عن القواعد الحاكمة في ملتقى الحوار السياسي، ويقدح في مشروعية من يمارس العمل، ويحملكم المسؤولية القانونية نتيجة هذا الإجراء». وقال البيان إن المجلس الرئاسي «يعد طرفاً في السلطة التنفيذية ويمثل رئاسة الدولة»، لذا فإن «التشاور بشأن تسمية وزير الخارجية، لما له من أهمية بالغة، ينعكس على الواقع السياسي»، ومن ثم «يتوجب عليكم سحب الإجراء، المتعلق بتسمية من يُسيّر وزارة الخارجية، لحين التشاور مع الرئاسي».

وأقال الدبيبة وزيرة خارجيته المنقوش في أغسطس (آب) الماضي، بعد الكشف عن لقائها بنظيرها الإسرائيلي آنذاك، إيلي كوهين في روما. وسبق أن أثار ملف الخارجية والتعيينات الدبلوماسية خلافات بين الدبيبة والمنفي، ذلك أن الأخير ألغى قراراً للمنقوش كلفت فيه مستشارين بالسفارات الليبية في الخارج، بعد شهرين من تحذيرات وجهها الرئاسي إلى المنقوش، دعاها فيها إلى ضرورة التريث في اتخاذ قرارات مثل هذه.

مثُل أبو عجيلة أمام محكمة اتحادية بالعاصمة الأميركية للاشتباه بتورطه في تفجير طائرة «بان أميركان 103» فوق لوكربي عام 1988 (رويترز)
مثُل أبو عجيلة أمام محكمة اتحادية بالعاصمة الأميركية للاشتباه بتورطه في تفجير طائرة «بان أميركان 103» فوق لوكربي عام 1988 (رويترز)

ولم يؤكد مكتب رئيس المجلس الرئاسي البيان الموجه للدبيبة مساء (الأربعاء) أو ينفيه، لكن الدبيبة وجه من جهة ثانية انتقادات مبطنة حول إدارة المجلس الرئاسي لملف «المصالحة الوطنية»، مقللاً خلال فعاليات «ملتقى مخاتير محلات ليبيا»، الذي عقد في طرابلس مساء (الأربعاء) من أهمية عقد لقاءات تتعلق بالمصالحة خارج ليبيا. وقال إنه «لا يمكن أن يأتي وزراء أو لجان من دول أخرى لتلك المصالحة... المصالحة هنا في هذه القاعة؛ وكثيرون يريدون السمسرة تحت هذا العنوان، ويريدون الركوب عليه».

وتتواصل أعمال اجتماعات اللجنة التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية» في مدن ليبية، برعاية أممية ومشاركة أفريقية. وسبق أن أعلن المجلس الرئاسي أن «المؤتمر الوطني الجامع للمصالحة الوطنية» سيعقد بمدينة سرت في 28 أبريل (نيسان) المقبل.

وكلف الدبيبة الطاهر الباعور بتسيير أعمال وزارة الخارجية، خلفاً للمنقوش. لكن منصب وزارة الخارجية لم يكن هو الوحيد الذي أثار خلافاً بين المنفي والدبيبة خلال الفترة الماضية، حيث سبقه خلاف أكبر في يونيو (حزيران) 2021 على حقيبة الدفاع والتشاور حولها، وانتهى الأمر بأن أسندها الأخير إلى نفسه بجانب رئاسته للحكومة.

ومن جملة اعتراضات رئيس المجلس الرئاسي على إجراءات سبق أن اتخذها الدبيبة، قضية ضابط الاستخبارات السابق، أبو عجيلة المريمي، الذي سلمه الدبيبة إلى الولايات المتحدة، حيث شدد المنفي في أعقاب ذلك على ضرورة تفعيل القانون، وقال إن «تسليم مواطن ليبي لأي جهة خارج حدود الولاية القانونية للدولة الليبية هو إجراء ينبغي أن يتم التعامل معه من الناحية القانونية قبل السياسية»، علما أن المجلس الرئاسي وجه في تلك الأثناء رسالة إلى النائب العام لاستجلاء الوضع القانوني الخاص بتسليم أبو عجيلة لواشنطن.

من جملة اعتراضات المنفي على قرارات الدبيبة قضية ضابط الاستخبارات السابق أبو عجيلة المريمي الذي سلمه الدبيبة إلى الولايات المتحدة (الشرق الأوسط)
من جملة اعتراضات المنفي على قرارات الدبيبة قضية ضابط الاستخبارات السابق أبو عجيلة المريمي الذي سلمه الدبيبة إلى الولايات المتحدة (الشرق الأوسط)

وكان الدبيبة قد اتهم أبو عجيلة بـ«الإرهاب وقتل الأبرياء». ومثُل أبو عجيلة منذ أن سلمته حكومة الدبيبة أمام محكمة اتحادية بالعاصمة الأميركية واشنطن، للاشتباه بتورطه في تفجير طائرة «بان أميركان 103» فوق لوكربي في أسكوتلندا عام 1988، ولا يزال إلى الآن محبوساً رهن القضية.

وقال مصدر سياسي بغرب ليبيا لـ«الشرق الأوسط» إن المنفي اعترض خلال الفترة الماضية على كثير من القرارات التي اتخذها الدبيبة، لكن الأمور تسير بينهما وفقا لسياسة «الأمر الواقع»، أو بقاء «الوضع على ما هو عليه». وأبرز المصدر ذاته أن «الخلافات العميقة تتجدد بينهما؛ لكن الرئاسي عادة ما يستوعبها بهدف تجنب الصدام».


مقالات ذات صلة

الدبيبة يتعهد بمكافحة «الفساد» في القطاع الصحي الليبي

شمال افريقيا الدبيبة خلال اجتماع بمسؤولي القطاعات الصحية في غرب ليبيا مساء الأحد (حكومة «الوحدة»)

الدبيبة يتعهد بمكافحة «الفساد» في القطاع الصحي الليبي

حذر رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، من أي تورط في أعمال فساد، خصوصاً بالقطاع الصحي، وذلك رداً على اتهامات وُجّهت لوزارة الصحة بحكومته.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عامل ليبي في موقع إنتاج بأحد الحقول النفطية (المكتب الإعلامي للمؤسسة الوطنية للنفط)

انتقادات برلمانية تلاحق عروض التنقيب عن النفط الليبي

تتصاعد الانتقادات البرلمانية في ليبيا لعروض التنقيب عن النفط التي أعلنت عنها «المؤسسة الوطنية للنفط» وسط مطالب بتأجيلها لحين انتخاب «حكومة موحدة».

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة في اجتماع مع عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي مساء الأحد (المجلس الرئاسي)

«قلق وترقب» في طرابلس الليبية غداة اغتيال قائد عسكري

طالب رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، الادعاء العام العسكري بفتح تحقيق «عاجل وشامل» لكشف ملابسات مقتل العميد علي الرياني في هجوم مسلح.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا قوات تابعة للحدود في مناطق الحدود بليبيا (وزارة الداخلية)

تجدد الاشتباكات في ليبيا واغتيال مسؤول عسكري

تصاعَد التوتر الأمني في ليبيا، وشهدت مدينة الزاوية إلى الغرب من العاصمة، أمس (الأحد)، اشتباكات مسلحة بين مجموعات متنازعة على النفوذ، مما أدى إلى سقوط قذائف.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مهاجرون غير نظاميين من نيجيريا قبيل ترحيلهم (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة)

السلطات الليبية تعلن عن ترحيل المزيد من المهاجرين غير النظاميين

أعلن جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة في ليبيا ترحيل 70 مهاجراً غير نظامي من جنسيات مصرية وسودانية وتشادية، عبر منافذ برية وجوية مختلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

اضطراب في خدمة الإنترنت بالمغرب بسبب انقطاع الكهرباء بإسبانيا والبرتغال

انقطاع الكهرباء في إسبانيا (أ.ف.ب)
انقطاع الكهرباء في إسبانيا (أ.ف.ب)
TT
20

اضطراب في خدمة الإنترنت بالمغرب بسبب انقطاع الكهرباء بإسبانيا والبرتغال

انقطاع الكهرباء في إسبانيا (أ.ف.ب)
انقطاع الكهرباء في إسبانيا (أ.ف.ب)

تسبب الانقطاع الكبير للكهرباء في إسبانيا والبرتغال، اليوم (الاثنين)، في «اضطراب» خدمة الإنترنت لدى شركة «أورانج»، إحدى شركات الاتصالات في المغرب، وفق ما أفادت في إعلان لزبائنها.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، قالت الشركة، وهي فرع لـ«أورانج» الفرنسية، في حسابها على «فيسبوك»: «نحيطكم علماً بأن اضطراب شبكة الإنترنت راجع إلى انقطاع كهربائي واسع في إسبانيا والبرتغال، مما أثر على الروابط الدولية».

ولم يصدر عن الشركتين المنافستين، «اتصالات المغرب» و«إنوي»، أي إعلان في هذا الصدد.

كذلك لم تُشِر السلطات المغربية إلى أي تأثير لانقطاع الكهرباء في الجارتين الأيبيريتين على المملكة.

وفي الجزائر أيضاً، أعلنت وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية عصر الاثنين، احتمال حصول «اضطرابات في خدمة الإنترنت (...) في الساعات المقبلة»، «نظراً لانقطاع التيار الكهربائي العام الذي مس إسبانيا ودولاً أوروبية أخرى».

لكنها أضافت في بيان على «فيسبوك»: «مع ذلك، نود أن نطمئنكم إلى أنه تم اتخاذ إجراءات وقائية (...) لضمان استمرارية الخدمات لفترة محددة».

وانقطع التيار الكهربائي على نطاق واسع في إسبانيا والبرتغال الاثنين، ما أدى إلى تعطل شبكات الهاتف المحمول والإنترنت وتوقف القطارات، وفق ما أعلن مسؤولون.

وتبذل الحكومة الإسبانية جهوداً حثيثة لتحديد مصدر الانقطاع الكبير للتيار الكهربائي.

وفي البرتغال المجاورة، قالت شركة الكهرباء في بيان أرسلته لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن شبه الجزيرة الأيبيرية بأكملها، تأثرت بانقطاع الكهرباء، مضيفة أن الانقطاع حدث بحدود منتصف النهار.

وفي الأعوام الأخيرة، شهدت دول أخرى حول العالم انقطاعات كبيرة في التيار الكهربائي.

وشهدت تونس انقطاعاً كبيراً للكهرباء في سبتمبر (أيلول) 2023، وسريلانكا في أغسطس (آب) 2020، والأرجنتين وأوروغواي في يونيو (حزيران) 2019.

وفي أوروبا، انقطعت الكهرباء في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، عن 10 ملايين شخص لمدة ساعة في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا. وتسبب في ذلك عطل بشبكة الكهرباء الألمانية.