معاناة السودانيات النازحات... الذهب مقابل الغذاء والدواء

استمرار الحرب وعدم صرف الرواتب يُجبران السيدات على بيع حُليّهن

غالبية إنتاج الذهب السوداني كانت تأتي من خلال التعدين التقليدي (رويترز)
غالبية إنتاج الذهب السوداني كانت تأتي من خلال التعدين التقليدي (رويترز)
TT
20

معاناة السودانيات النازحات... الذهب مقابل الغذاء والدواء

غالبية إنتاج الذهب السوداني كانت تأتي من خلال التعدين التقليدي (رويترز)
غالبية إنتاج الذهب السوداني كانت تأتي من خلال التعدين التقليدي (رويترز)

لم يعد خاتم الزواج مُقدساً لدى السودانيات النازحات، وبفعل نيران الحرب المشتعلة منذ شهور أُجبرت «دبلة الخطوبة» على مغادرة موقعها الرفيع بين العاشقين... الآن باتت معادلة «الذهب مقابل الغذاء» تفرض نفسها وبقوة على النازحات اللاتي أكُرهن تحت ضغط الاحتياج، على التخلي عن حُليهن لتوفير الطعام.

ويواجه السودان أزمة اقتصادية طاحنة ومريرة، منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع» أثرت بشكل خاص على النازحين واللاجئين، وازداد الوضع سوءاً بدخول الحرب شهرها الثامن دون أفق واضح لوقف القتال، ما اضطر السيدات النازحات إلى التخلي عن حليهن الذهبية، لا سيما أن معظم أزواجهن وأرباب الأسر فقدوا أعمالهم، بينما لم يصرف ذوو الدخول المحدودة رواتبهم منذ أشهر طويلة. تقول الفتاة الشابة زينب الصديق لـ«الشرق الأوسط» إنه «ما دام أن الآلاف يموتون بسلاح المتحاربين في السودان، فليس غريباً أن يعم الجوع والتشرد، وتصبح رموز الحب بلا جدوى».

وتشرح: «كان مُقرراً إكمال مراسم زواجي في مايو (أيار) الماضي، وتم تأجيله بعد اندلاع الحرب، وسمح لي خطيبي ببيع ثلاث أساور وخاتم (كانت تمثل هدايا الخطوبة «الشبكة»)، لاستئجار مسكن لي ولأسرتي في ولاية الجزيرة، والاستفادة من المتبقي من بيعها في توفير احتياجات الأسرة الأخرى، مثل الطعام والشراب، ولا أدرى متى يمكننا مراسم الزواج».

وزينب ليست وحدها، فقد اضطرت نازحة أخرى «و.ط» (طلبت عدم ذكر اسمها) إلى بيع خاتمها لدفع فاتورة دواء لاثنين من أفراد أسرتها، أحدهما مصاب بالسرطان. وتقول السيدة لـ«الشرق الأوسط»: «لم أكن أملك المال لشراء الدواء ودفع أتعاب المستشفيات، أرسل لي أحد الأصدقاء لنا بعض المال، لكن حين ذهبت للصيدلية، وجدت سعر الدواء مرتفعاً للغاية، ومباشرة ذهبت إلى سوق الذهب وتنازلت عن خاتمي الذي أحبه؛ لأن له ذكريات عزيزة، لإكمال ثمن الدواء المُلحّ». جانب آخر من الأزمة تفسره أيضاً أجواء اندلاع القتال في الخرطوم؛ إذ هرع سكان العاصمة إلى ملاذات آمنة ظنوها مؤقتة في البداية، ولم يحملوا أموالهم ومقتنياتهم الثمينة، فقد كان الحفاظ على الحياة أهم من أي شيء. لم يتوقع النازحون أن تمتد الحرب ويتسع الانفلات الأمني، لكن منازلهم تعرضت للنهب والسلب، وهو ما اكتشفته بعض الأسر لدى عودتها إلى منازلها.

وانعكست الأوضاع الميدانية الصعبة على أسواق الذهب التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً ارتباطاً بتراجع سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، وبلغ سعر شراء غرام الذهب نحو 63 ألف جنيه، وبالتالي تراجع القدرات الشرائية وحدوث ركود كبير.

وبحسب تقديرات رسمية، فإن إيرادات السودان من مبيعات الذهب في النصف الأول من عام 2022 بلغت 1.3 مليار دولار. وتحدث تاجر في سوق الذهب بود مدني إلى «الشرق الأوسط»، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن «الكل يريد البيع، وأصبح الوضع الاقتصادي للأسر بشكل عام لا يطاق؛ لأن معظم الموظفين لم يصرفوا رواتبهم منذ اندلاع القتال، لذلك تأتي النساء إلينا لبيع حليهن الذهبية، ونشترى منهن الغرام مقابل 53 ألف جنيه؛ إذ نعاني نحن أيضاً بوصفنا تجاراً من الكساد، ولا نعرف متى يمكننا بيع ما نشتريه».


مقالات ذات صلة

الجيش و«الدعم السريع» يتبادلان اتهامات تدمير «مصفاة الجيلي»

شمال افريقيا أعمدة الدخان تتصاعد من مصفاة الجيلي النفطية خلال المعارك في 15 يناير 2025 (أ.ف.ب)

الجيش و«الدعم السريع» يتبادلان اتهامات تدمير «مصفاة الجيلي»

دمر حريق ضخم مصفاة النفط الرئيسية في البلاد، التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»، ويحاول الجيش استردادها منذ عدة أيام.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا أعمدة دخان متصاعدة خلال اشتباكات بين «قوات الدعم السريع» شبه العسكرية والجيش السوداني بالعاصمة الخرطوم يوم 26 سبتمبر 2024 (رويترز)

السودان: اتهامات متبادلة بين طرفي الحرب بإحراق مصفاة الخرطوم

تبادل الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» شبه العسكرية الاتهامات، الخميس، بمهاجمة مصفاة نفط الخرطوم بمنطقة الجيلي.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا آثار قصف سابق على مدينة الفاشر (أرشيفية - مواقع التواصل)

الجيش السوداني يتحدّى «قوات الدعم السريع» باجتياح الفاشر

صعّدت «الدعم السريع»، خلال الأيام الماضية، هجماتها في محور الصحراء، واندلعت مواجهات عنيفة في أطراف خلوية مفتوحة بالقرب من منطقة المالحة في عمق شمال دارفور.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا البرهان في حديث سابق إلى السودانيين (صفحة مجلس السيادة السوداني على فيسبوك)

البرهان لم يكلف نفسه قراءة نص العقوبات الأميركية ضده

«هو السيناريو نفسه الذي واجه به الرئيس السابق عمر البشير العقوبات... يتكرر الآن لمصلحة البرهان».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا البرهان وسط مناصريه في مدينة بورتسودان 14 يناير 2025 (أ.ف.ب)

مساعد البرهان يرفض مساواة الجيش السوداني بـ«الدعم السريع»

اعتبر مساعد القائد العام للجيش السوداني إبراهيم جابر أن العقوبات التي فرضتها واشنطن على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لا قيمة لها.

وجدان طلحة (بورتسودان)

التنقل في القاهرة صار أسهل وأسرع… لكن تكلفته مرهقة

السيسي أعلى محور الفريق كمال عامر بمحافظة الجيزة يتابع الإنشاءات (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
السيسي أعلى محور الفريق كمال عامر بمحافظة الجيزة يتابع الإنشاءات (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
TT
20

التنقل في القاهرة صار أسهل وأسرع… لكن تكلفته مرهقة

السيسي أعلى محور الفريق كمال عامر بمحافظة الجيزة يتابع الإنشاءات (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
السيسي أعلى محور الفريق كمال عامر بمحافظة الجيزة يتابع الإنشاءات (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

قبل افتتاح طريق بنها - شبرا الحر، وهو أحد مشاريع الطرق في مصر، كانت منار البحيري (29 عاماً)، وهي تعمل بمنطقة المعادي (جنوب العاصمة)، وتسكن في مدينة بنها بمحافظة القليوبية (دلتا النيل)، تستغرق 3 ساعات يومياً للذهاب إلى عملها ومِثلها للعودة. الآن بات التنقل بالنسبة لها أسهل وأسرع، تستغرق ثلثي المدة، لكنها، في الوقت نفسه، تشكو ميزانيته، والتي تقتطع ثُلث مرتبها كل شهر.

شهدت مصر، على مدار العقد الماضي، مشروعات ضخمة في النقل، زادت من السيولة المرورية، من خلال توسعة طرق وكبارٍ قائمة، وتدشين أخرى، بالتوازي مع مدّ شبكة مترو الأنفاق، والتي تسهم في نقل 4.5 مليون راكب يومياً، وفق بيان لمجلس الوزراء لعام 2023.

مشهد علوي لأحد الكباري الجديدة بمصر (وزارة النقل)

وتطرَّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، خلال احتفالية «عيد الشرطة»، لإنجازات الدولة في المشروع القومي للطرق، قائلاً: «كان يصعب السير نهائياً في القاهرة، وكذلك في الإسكندرية، وباقي المحافظات، لكن المواطن، اليوم، لا يشعر بذلك لأنه يسير عليها، بعد أن تم حل المشكلة».

وهذه ليست أول مرة يتطرق فيها السيسي لمشروعات النقل وأهميتها، إذ سبق أن ردَّ على منتقديها في 10 يناير (كانون الثاني) الحالي، بالقول إن القاهرة صارت «مرآبا كبيراً»، لولا مشروعات الطرق؛ في إشارة إلى الشلل المروري الذي كان سيحدث، لو لم تنفَّذ هذه المشروعات.

وتدور الانتقادات الموجهة لمشروعات الطرق حول تكلفتها الكبيرة، والتي وصلت إلى 2 تريليون جنيه (الدولار 50.27 جنيه)، وتنفيذها خلال أزمة اقتصادية تعانيها الدولة، واضطرتها للجوء إلى صندوق النقد الدولي مرتين؛ الأولى عام 2016، والثانية 2023.

وأطلق السيسي مشروعه القومي للطرق عام 2014. وكانت شبكة الطرق الرئيسية آنذاك بطول 23.5 ألف كيلومتر، و38 كوبري نيل، و1500 كوبري ونفق (طرق رئيسية / مزلقانات)، و125 ألف كيلومتر طرق محلية.

وفي عام 2023 أصبح طول شبكة الطرق 30.5 ألف كيلومتر، وطور 10 آلاف كيلومتر من الشبكة الحالية، وجرى إنشاء 13 محوراً جديداً، و935 «كوبري»، بجانب رفع كفاءة 41 ألف كيلومتر من الطرق المحلية، وفق تصريحات وزير النقل كامل الوزير، في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ويذهب وجه آخر من الانتقادات إلى الكلفة البيئية والحضارية للمشاريع؛ والمقصود بها مراعاة «الجانب الحضري، والخاص بتوفير بيئات آمنة للمشي أو استخدام الدراجات، وكذلك منح الأولوية لقطاع النقل العام مقارنة بالنقل الخاص»، وفق ما تناولته ورقة بحثية بعنوان «مستقبل التنقل المستدام في مصر»، الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.

ويُفرق خبير التخطيط العمراني عمرو عصام، وهو أحد الباحثين المشاركين في إعداد الورقة، بين شبكة الطرق التي تربط المحافظات، مؤكداً أهميتها في تحقيق عوائد اقتصادية كبيرة، وبين شبكة الطرق داخل المدن نفسها، والتي يُفترض أن تراعي معايير حضارية وبيئية وإنسانية يعرفها المتخصصون.

طريق الواحات الدائري الجديد (وزارة النقل)

لا تُلقي منة إبراهيم، وهي طالبة في كلية الآداب بجامعة حلوان، بالاً للانتقادات السياسية لمشاريع الطرق والكباري، فهذه الطرق بالنسبة لها ميزة، يسّرت وصولها إلى الجامعة، خصوصاً بعدما اضطرت لاستبدال الميكروباص (وسيلة نقل جماعية شبه رسمية) بالمترو، بعد ارتفاع سعر تذكرة الأخير، في أغسطس (آب) الماضي، إلى 20 جنيهاً، بعدما كان 12.

تقول، لـ«الشرق الأوسط»، إن ما تتحصل عليه من مصروف يومي، خلال ذهابها للجامعة، 100 جنيه فقط، ومع ارتفاع تذكرة المترو أصبح المشوار يتكلف 70 جنيهاً يومياً، إذ تضطر لاستقلال «توك توك» إلى أقرب محطة مترو لديها، ثم تذكرة المترو، وتعلق قائلة: «الـ30 جنيهاً الأخرى ليست كافية لشراء وجبة في الجامعة، لذا غيّرتُ خط سيري».

رحلة منة بالميكروباص تتكلف 40 جنيهاً يومياً، وهو مبلغ يظل كبيراً لميزانيتها المحدودة، لكنه يوفر لها "مصروفاً أكبر ووقتاً، مشيرة إلى أنها تتخذ هذا الخيار دون علم أهلها، الذين يرفضون استقلالها الميكروباص؛ خوفاً عليها من حوادث الطرق.

وسجلت مصر، في عام 2023، 5 آلاف و861 حالة وفاة، و71 ألفاً و16 إصابة، على أثر حوادث الطرق، وفق الجهاز المركزي للإحصاء، بتراجع 27 في المائة للوفيات، و24.5 في الإصابات، مقارنة بعام 2022.

ويخشى عمر صالح (35 عاماً) من الحوادث أيضاً على الطرق السريعة، لكن ذلك لا يمنع إشادته الكبيرة بمشاريع الطرق، التي وفّرت له وقتاً في انتقاله من محل سكنه بمنطقة النزهة الجديدة (شرق القاهرة) إلى مدينة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية (دلتا النيل) حيث يعمل. يقول، لـ«الشرق الأوسط»، إن طريق العاشر، الذي يتخذه بشكل شِبه يومي على مدار 7 سنوات، كان ضيقاً ومزدحماً قبل التطويرات.

يعتمد صالح، بشكل أساسي، على وسيلة نقل جماعية تُوفرها له الشركة التي يعمل بها، وتخصم مبلغاً من راتبه، لكن اليوم الذي يتعطل فيه الأتوبيس ويضطر لركوب وسائل نقل أخرى، يتكلف ضِعف المبلغ الذي كان يتكلفه في السابق.

يأتي ذلك في وقت يعاني فيه المواطنون موجات مرتفعة من التضخم، والذي سجل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي 24.1 في المائة.

وبالنسبة لمن لديهم سيارات خاصة، والذين قد يبدون أكثر استفادة من مشاريع الطرق والكباري، فإن ثمة كلفة مرهقة لهم أيضاً تتعلق بارتفاع أسعار البنزين عدة مرات.

وزادت أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 17 في المائة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وكانت هذه الزيادة الثالثة التي شهدتها أسعار المحروقات خلال عام واحد 2024.

علياء طلعت واحدة من هؤلاء، تحكي، لـ«الشرق الأوسط»، عن الطريق الطويل الذي تقطعه من منزلها في العبور (شرق العاصمة) إلى معهد الفنون المسرحية في الهرم بالجيزة. تقول: «جرى اقتطاع جزء إضافي من ميزانيتي على بند التنقل بسبب زيادة أسعار البنزين»، إلا أنها تَعدُّ نفسها أفضل حظاً في ظل ارتفاع أسعار المواصلات في المدن الجديدة، وعدم توفر وسيلة مثل المترو فيها.