البرهان لم يكلف نفسه قراءة نص العقوبات الأميركية ضده

خبراء يرون عدم جدواها وآخرون يعدّونها مساساً برأس الدولة

البرهان في حديث سابق إلى السودانيين (صفحة مجلس السيادة السوداني على فيسبوك)
البرهان في حديث سابق إلى السودانيين (صفحة مجلس السيادة السوداني على فيسبوك)
TT

البرهان لم يكلف نفسه قراءة نص العقوبات الأميركية ضده

البرهان في حديث سابق إلى السودانيين (صفحة مجلس السيادة السوداني على فيسبوك)
البرهان في حديث سابق إلى السودانيين (صفحة مجلس السيادة السوداني على فيسبوك)

قلّل قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، من تأثير العقوبات الأميركية التي فُرضت عليه، بقوله: «لم أكلف نفسي عناء قراءة نص القرار الأميركي»، بينما عدّها محللون «فرصة» لدعمه شعبياً، وخلق رأي عام مساند له، ورأى آخرون فيها «مساساً برمز الدولة» يمكن أن يؤثر على مشاركاته الخارجية، وحذروا من احتمالات تأثيرها على «الوساطة» الأميركية لوقف الحرب في السودان.

وتعدّ العقوبات؛ الصادرة وفقاً للأمر التنفيذي رقم «14098» الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، ذات طابع «شخصي»، حيث تُجمد الحسابات البنكية، وتستهدف ممتلكات الأشخاص المعنيين، وأيضاً تعاملاتهم المالية والتجارية، وتربطها بشخصياتهم المادية أو الاعتبارية، ولا تعدّ عقوبات عامة أسوة بالعقوبات التي كانت مفروضة على السودان من جانب مجلس الأمن الدولي إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير.

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

وانتقد المحلل السياسي محمد لطيف طريقة فرض تلك العقوبات، وما سماها «منهجية» فَرضِها على الساسة في العالم الثالث، وقال إنها «خاطئة بالكامل، وتنطلق من فرضية كأن هؤلاء مستثمرون في بورصة نيويورك، أو لديهم مشروعات استثمارية حول العالم».

ويقلل لطيف من العقوبات المفروضة على هؤلاء القادة، ويصفها بأنها بـ«لا قيمة» لها، بقوله: «صحيح لديهم أموال ومنقولات، لكنها غالباً داخل بلدانهم، أو في مناطق آمنة، لا تصل إليها الملاحقات القانونية الأميركية».

ويحذر من التأثير السلبي للعقوبات على «الوساطة الأميركية»؛ لأن الوساطات تستلزم عموماً «مخاطبة مخاوف ومصالح كل أطراف الصراع».

سيناريو البشير

ويشير لطيف إلى دور الآلة الإعلامية المسيطَر عليها من الدولة أو النظام في قلب الحقائق، ويقول إنها تستطيع «توظيف العقوبات لمصلحة المُعاقَب»، ويؤكد وجهة نظره: «الآن سترى مظاهرات تأييد، ومقالات وكتابات تعمل على تعبئة الرأي العام لمصلحة البرهان»، ويضيف: «هو السيناريو نفسه الذي واجه به الرئيس السابق عمر البشير العقوبات... يتكرر الآن لمصلحة البرهان».

سودانيون يحتفلون في مروي بعد إعلان الجيش دخول عاصمة ولاية الجزيرة الرئيسية ود مدني (أ.ف.ب)

وتستند العقوبات الأميركية، وفقاً للطيف، «إلى افتراض خاطئ، ينطلق من أن للبرهان سلطة مطلقة يمكن أن تؤثر عليها العقوبات، وهذا افتراض خاطئ، فالذي يدير المشهد نظام متكامل، والبرهان لا يعدو طرفاً واحداً فيه، إن لم يكن الطرف الأضعف، لذلك؛ فإن تأثيرها السياسي أو الميداني العملياتي مستبعد...». ويضيف: «العقوبات الآن تُستثمر لدعم موقف البرهان السياسي».

عودة ترمب

ويشير لطيف إلى تأثير عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وعلاقة هذه العودة بفكرته عن «اتفاقيات أبراهام»، التي كان البرهان طرفاً فيها وكان يريد المضي قدماً في ترتيباتها، ويقول: «يمكن أن تشكل (اتفاقات أبراهام) مدخلاً للتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة، فإذا قررت الإدارة الجديدة الاستثمار فيها، فيمكن أن تصل إلى تفاهمات مع البرهان، وجعل العقوبات دون تأثير».

«حميدتي» قائد «قوات الدعم السريع»... (الشرق الأوسط)

ويتابع: «عقوبات الإدارة الديمقراطية المتنحية لن تقف عائقاً أمام ترتيبات الإدارة الجمهورية، ولا تنظيم علاقاتها ومصالحها وفقاً لرؤية الرئيس ترمب». ويضيف: «الباب سيظل موارَباً أمام الإدارة الأميركية الجديدة للتقليل من تأثير العقوبات».

استهداف رأس الدولة

أما المحلل السياسي عثمان ميرغني، فيعدّ العقوبات «استهدافاً لرأس الدولة»، وتجعل النظام المالي العالمي يصنف السودان «دولة ذات أخطار عالية»، فيضطر لاتباع «سلسلة إجراءات احترازية» متفاوتة من قبل بنوك ومؤسسات العالم.

وتعقد الاحترازات، وفقاً لمنصة ميرغني على «فيسبوك»، التجارة الخارجية؛ «بما يرفع من تكلفة الصادرات والواردات السودانية؛ لأنها تحتاج إلى وسطاء، ويمكن أن تؤدي كذلك لوقف التعامل مع السودان من جهات عدّة، لا سيما في قطاع الاتصالات والإنترنت؛ بل وقد يلجأ بعض البنوك لاحقاً إلى قفل حسابات سودانية، إلى جانب التشويش على مشاركات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في المؤتمرات والفعاليات الدولية، وإضعاف فرص الشراكات مع الدول؛ حتى الصديقة والشقيقة».

مواطنون قرب دبابة محترقة بعد دخول الجيش السوداني إلى ود مدني في 12 يناير 2025 (رويترز)

ميدانياً؛ لم تؤثر العقوبات التي فُرضت على قادة الحرب السودانيين بعد، فوفقاً لتقارير صحافية، فقد ارتفعت حدة المواجهات العسكرية بين الطرفين، وانتشرت جغرافياً في عدد من محاور القتال؛ بل وزادت وتيرة الانتهاكات التي يمارسها طرفا الحرب، بما فيها القصف الجوي وقصف المسيّرات، والانتهاكات الانتقامية ضد المدنيين، لكن كثيراً من السودانيين ينتظرون إدارة الرئيس دونالد ترمب؛ لعلها تقلب الطاولة وتوقف الحرب.


مقالات ذات صلة

تأجيل توقيع ميثاق الحكومة الموالية لـ«الدعم السريع» إلى الجمعة

شمال افريقيا ممثلون عن القوى السياسية والحركات المسلحة المشاركون في اجتماع نيروبي الثلاثاء (رويترز)

تأجيل توقيع ميثاق الحكومة الموالية لـ«الدعم السريع» إلى الجمعة

بدأت بالعاصمة الكينية نيروبي الثلاثاء، أعمال توقيع وثيقة الإعلان السياسي والدستور المؤقت للحكومة المزمع إقامتها على الأراضي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»

أحمد يونس (نيروبي) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا أعمدة الدخان تتصاعد خلال الاشتباكات بين «قوات الدعم السريع» والجيش في الخرطوم (رويترز) play-circle

السودان: هجمات «الدعم السريع» تودي بحياة المئات في ولاية النيل الأبيض

كشف مسؤولون سودانيون وجماعات حقوقية الثلاثاء أن هجمات «قوات الدعم السريع» شبه العسكرية أسفرت عن مقتل مئات المدنيين.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا من آثار المعارك المتواصلة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)

السودان: مقتل أكثر من 200 شخص بهجمات لـ«الدعم السريع» في ولاية النيل الأبيض

«قوات الدعم السريع» السودانية قتلت أكثر من 200 شخص في هجمات على قرى بولاية النيل الأبيض خلال الأيام الثلاثة الماضية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا زعيم «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

السودان: «سلطة موازية» في مناطق «الدعم السريع» خلال أيام

أطلقت المجموعات التي أعلنت مشاركتها في الحكومة الجديدة على نفسها مسمى «تحالف السودان التأسيسي»، لتكوين «حكومة السلام والوحدة».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان وعبد الله حمدوك خلال زيارة لولاية القضارف يوم 16 أغسطس 2021 (مجلس السيادة الانتقالي) play-circle

البرهان: لن تُفرض أي حكومة على الشعب السوداني

خاطب عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الاثنين، الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، قائلاً إن الشعب السوداني «لن تُفرض عليه أي حكومة».

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)

حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
TT

حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)

استبعدت مصادر مصرية مطلعة أن يؤدي التوتر المنعكس في وسائل الإعلام بين مصر وإسرائيل إلى أزمة عسكرية أو سياسية كبيرة بين البلدين، وقللت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» من احتمال تفجر الأوضاع، رغم ارتفاع حدة التراشق في وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي، على مدى الأيام القليلة الماضية.

ومنذ وقّع الطرفان اتفاقاً للسلام في سبعينات القرن الماضي، لم تشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل توتراً متصاعداً كالذي حدث منذ اندلاع الحرب الحالية في غزة قبل 15 شهراً.

وبجانب التوتر النابع من الخلافات حول طريقة حل القضية الفلسطينية، فإن الخلافات زادت حدتها منذ مايو (أيار) الماضي، حينما استولت إسرائيل على محور «فيلادلفيا» الحدودي، وكذلك معبر رفح الحدودي مع مصر، واتهامها لمصر بأنها لم تقم بما يكفي لمنع وصول السلاح عبر الأنفاق لقطاع غزة، وهو ما نفته القاهرة واعتبرته خرقاً لبنود معاهدة السلام، وردت عليه بتكثيف قواتها العسكرية بالقرب من الحدود، بحسب ما رصدته صور وتقارير إعلامية.

وما لبثت أن هدأت وتيرة الخلافات بعض الشيء بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» بوساطة مصرية - قطرية - أميركية، إلا أن التوتر تصاعد مجدداً بعدما طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقترح تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، وأيدته في ذلك إسرائيل، وأعلن مسؤولون بها أنهم شرعوا في اتخاذ خطوات لتنفيذه، وهو ما أدانته القاهرة بشدة، وتوالت ردود الفعل الرسمية المصرية الرافضة، مع دعم عربي ودولي واسع لموقف القاهرة.

بالتوازي مع ذلك، زادت حدة التراشق بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في مصر وإسرائيل، ما دفع البعض لإثارة تخوفات من احتمال تفجر الأوضاع وبلوغها الصدام العسكري بين الطرفين.

لكن وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لن يحدث «صدام عسكري» بين مصر وإسرائيل، مشدداً على أن إسرائيل «منهكة»، وليست لديها القدرة العسكرية حالياً لدخول مواجهة مع دولة بحجم مصر.

وشدد على أن التوترات الحادثة حالياً في العلاقات، أو في وسائل الإعلام، طبيعية بسبب أحداث حرب غزة والخلافات حولها، وستستمر طوال استمرار هذه الحرب، لكن «لن تتصعد» أكثر من ذلك، «فكل منهما يعرف قدرة الآخر»، كما أن مصر حريصة على السلام في المنطقة.

واتفق معه الخبير العسكري المصري، سمير فرج، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن كل ما يثار خاصة في الإعلام الإسرائيلي عن مواجهة عسكرية مع مصر «مجرد كلام» ليس له أساس من الصحة، ولا واقعية للتنفيذ.

وشدد على أن إسرائيل «لن تغامر» بدخول حرب نظامية مع مصر، في الوقت الذي تخوض فيه القوات الإسرائيلية نزاعاً منذ عام ونصف عام مع جماعات المقاومة المسلحة في فلسطين أو لبنان.

وشدد على أن عدوّ إسرائيل الأول في المنطقة هو إيران بسبب البرنامج النووي لطهران، ولن تغامر بمعاهدة السلام مع مصر.

وفي عام 1979، وقّعت مصر مع إسرائيل معاهدة السلام، وأكدت فيها الدولتان التزامهما «بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد».

وتمنع الاتفاقية التهديد باستخدام القوة أو استخدامها بين طرفيها، وتلزمهما بحل كافة المنازعات التي تنشأ «بالوسائل السلمية».

ونظمت الاتفاقية التاريخية كذلك شكل الوجود العسكري على الحدود بين البلدين، وشُكلت بموجبها لجنة تنسيق عسكرية مشتركة لمراقبة تنفيذ الاتفاقية والالتزام بها.

وكيل المخابرات المصرية السابق اللواء محمد رشاد، أكد أن «اتفاقية كامب ديفيد تتضمن بنوداً نصت على عدم اعتداء أي طرف على الآخر»، ولكن ما حدث أن إسرائيل احتلت محور فيلادلفيا بالمخالفة للاتفاقية، وهو ما يعدّ تهديداً للأمن القومي المصري، ومن ثم حشدت مصر قواتها في المنطقة (ب) والمنطقة (ج) قرب حدود إسرائيل، والتي كانت تنص الاتفاقية على وجود قوات محدودة فيهما.

رشاد الذي كان يشغل رئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات المصرية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر حشدت قواتها هناك لصد أي تهديد لأمنها القومي كرد على ما فعلته إسرائيل باحتلال محور فيلادلفيا»، مشيراً إلى أن «إسرائيل حالياً تدعي أن مصر خالفت معاهدة السلام، ومصر ترد عليها بأن المخالفة جاءت من تل أبيب أولاً، فحينما تنسحب إسرائيل من فيلادلفيا، وقتها يمكن مطالبة مصر بسحب قواتها من قرب الحدود المصرية - الإسرائيلية».

ولكن في الوقت نفسه، يرى رشاد أنه «لن يصل الأمر إلى الصدام العسكري، فهناك لجنة عسكرية بين الطرفين تناقش هذه الأمور وتعمل على حلها، وهناك حرص من الدولتين على استمرار معاهدة السلام».

وبموجب ملحق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، فإن محور فيلادلفيا هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005، فيما عُرف بخطة «فك الارتباط».

وأعادت إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا، الذي يعد منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية، كما يمثل ممراً ثلاثي الاتجاهات بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة يمتد على مسافة 14 كيلومتراً، وترفض الانسحاب منه.

جغرافياً يمتد هذا الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، من البحر المتوسط شمالاً وحتى معبر كرم أبو سالم جنوباً.

وتؤمن إسرائيل بأن هذا المحور الحدودي مع مصر هو بوابة «حماس» الرئيسية للحصول على الأسلحة المهربة عبر أنفاق تمُرّ تحته، لكن مصر ترى أن حدودها تحت السيطرة، ولا أنفاق ولا تهريب عبر أراضيها.

ورغم تصاعد التوترات الإعلامية بين البلدين بسبب احتلال إسرائيل هذا المحور، وكذلك نشر القوات المصرية قرب الحدود، فلم يصدر أي تهديد رسمي من القاهرة أو تل أبيب باحتمال الدخول في مواجهة عسكرية بين الطرفين.