«سد النهضة»... هل تستغل إثيوبيا انشغال مصر بحرب غزة؟

وسط أنباء عن استعدادات «الملء الخامس»

جانب من جولة المفاوضات التي جرت في القاهرة بشأن «سد النهضة» الشهر الماضي (وزارة الري المصرية)
جانب من جولة المفاوضات التي جرت في القاهرة بشأن «سد النهضة» الشهر الماضي (وزارة الري المصرية)
TT
20

«سد النهضة»... هل تستغل إثيوبيا انشغال مصر بحرب غزة؟

جانب من جولة المفاوضات التي جرت في القاهرة بشأن «سد النهضة» الشهر الماضي (وزارة الري المصرية)
جانب من جولة المفاوضات التي جرت في القاهرة بشأن «سد النهضة» الشهر الماضي (وزارة الري المصرية)

جددت أنباء بشأن استعدادات في إثيوبيا لـ«الملء الخامس» لـ«سد النهضة»، تساؤلات في مصر حول استمرار أديس أبابا في «الإجراءات الأحادية» بشأن ملف «السد»، وذلك في ظل انشغال مصر بالحرب الإسرائيلية على غزة، وقبل أسابيع من جولة مفاوضات مرتقبة بين مصر والسودان وإثيوبيا في أديس أبابا حول «السد».

وتداول خبراء جيولوجيا في مصر صوراً التقطت (مساء الثلاثاء) أظهرت «قيام إثيوبيا بفتح بوابة تصريف المياه الشرقية بشكل كامل لتمرير المياه الزائدة، استعداداً لتعلية الحائط الخرساني للسد وبدء الملء الخامس». وعد أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، عباس شراقي، «التحركات الإثيوبية» الجديدة بأنها «خطوات فنية معروفة لبدء (الملء الخامس) خلال أسابيع قليلة». وقال شراقي لـ«الشرق الأوسط» (الأربعاء) إن «سد النهضة» به بوابتا تصريف للطوارئ، وقامت إثيوبيا الآن بفتح إحدى البوابتين لتصريف المياه، لأن التوربينات لا تعمل، و«سوف يتم تصريف المياه الزائدة خلال نحو ثلاثة أيام، ثم يترك الممر الأوسط نحو أسبوعين ليجف، وتبدأ بعدها مرحلة (التعلية الخرسانية) تمهيداً لـ(الملء الخامس) الذي يهدف إلى تخزين 64 مليار متر مكعب من المياه، وهي زيادة كبيرة عن المخزون الحالي منذ الملء الرابع وهو 41 مليار متر مكعب».

وتأتي التحركات الإثيوبية الجديدة قبل جولة مفاوضات رابعة حول «سد النهضة» تُعقد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بمشاركة الدول الثلاث، عقب الجولة الثالثة من المفاوضات التي عقدت بالقاهرة خلال 23 و24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من دون التوصل لاتفاق.

ووفق شراقي فإن لجوء إثيوبيا إلى فتح إحدى بوابتي التصريف الخاصة بالطوارئ لتصريف المياه الزائدة، يؤكد أنها «فشلت في تشغيل (التوربينات) والتي تسمح بمرور المياه الزائدة، كما أن المياه التي يتم تصريفها في الوقت الراهن بغرض التجفيف والتعلية، هي مياه مهدرة لا يستفيد بها أي طرف»، واصفاً الإجراءات الإثيوبية الجديدة بأنها «استغلال لانشغال مصر بحرب غزة، للمضي في كافة مراحل (السد) بشكل أحادي».

«سد النهضة» الإثيوبي (رويترز)
«سد النهضة» الإثيوبي (رويترز)

وكان وزير الري والموارد المائية المصري، هاني سويلم، قد حذر الأسبوع الماضي، من أن مصر «تأتي على رأس قائمة الدول الأقل من حيث معدل الأمطار، مع الاعتماد شبه المطلق على نهر النيل بنسبة 98 في المائة، الذي يأتي من خارج الحدود». ووصف خلال «أسبوع القاهرة للمياه»، الممارسات الإثيوبية بأنها «ممارسات أحادية غير تعاونية، يُمكن أن يكون لها تأثير كارثي على مصر». كما لفت الوزير المصري حينها إلى أنه «في حالة استمرار تلك الممارسات على التوازي مع فترة جفاف مطول قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون و100 ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من 15 في المائة من الرقعة الزراعية المصرية».

في السياق وصف نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، أيمن عبد الوهاب، التحركات الإثيوبية الجديدة بأنها «امتداد للنهج الإثيوبي المستند على سياسة فرض الأمر الواقع». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «إثيوبيا لم تكن يوماً جادة في التفاوض حول ملف (سد النهضة)، وهي الآن تستغل انشغال مصر والعالم بحرب غزة لتمرير الخطوات التي تريدها، ولا أعتقد أن جولة التفاوض المرتقبة الشهر المقبل، ستحقق شيئاً، أو تختلف عن الجولات السابقة».


مقالات ذات صلة

«هدنة غزة»: ما خيارات الوسطاء لتجاوز التعثر؟

تحليل إخباري رد فعل والد طفلة فلسطينية خلال جنازتها بالمستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: ما خيارات الوسطاء لتجاوز التعثر؟

أزمة جديدة تواجه استئناف اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، عقب تمسك «حماس» بأولوية إبرام صفقة شاملة تنهي الحرب

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي فلسطينيون يسيرون على أنقاض المباني المدمرة بسبب الحرب في وسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle

24 قتيلاً بغارات إسرائيلية في غزة بعد رفض «حماس» مقترح هدنة

أعلن الدفاع المدني الفلسطيني، الجمعة، مقتل 24 شخصاً في غارات إسرائيلية جديدة على غزة، غداة رفض «حماس» مقترحاً إسرائيلياً بشأن هدنة، ودعوتها إلى وقف نهائي للحرب.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون موقعاً في شمال غزة قصفته إسرائيل يوم 18 أبريل 2025 (رويترز) play-circle

«حماس» تقترح «الرزمة الشاملة» في غزة... إطلاق جميع الرهائن مقابل وقف الحرب

باتت حركة «حماس» تعوّل على خيار الصفقة الشاملة من خلال «رزمة شاملة» للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد فشل كل الجهود في تقريب وجهات النظر.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي عناصر من «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» (رويترز - أرشيفية)

«القسام»: أوقعنا قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح... واستهدفنا 5 جرافات جنوب غزة

أعلنت «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، عن تفجير عين نفق بعبوات ناسفة في قوة إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة )
المشرق العربي القوات الإسرائيلية تحاصر مقلعاً قرب قرية قباطية بالضفة الغربية (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يقتل شابين فلسطينيين في الضفة

كشف مسؤولون فلسطينيون، اليوم (الجمعة)، عن أن جنوداً إسرائيليين أطلقوا النار على 3 فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)

قرية المزونة التونسية تنتفض ضد التهميش بعد مقتل طلاب بانهيار جدار مدرسة

جانب من احتجاجات أهالي المزونة المهمشة في وسط تونس (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات أهالي المزونة المهمشة في وسط تونس (أ.ف.ب)
TT
20

قرية المزونة التونسية تنتفض ضد التهميش بعد مقتل طلاب بانهيار جدار مدرسة

جانب من احتجاجات أهالي المزونة المهمشة في وسط تونس (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات أهالي المزونة المهمشة في وسط تونس (أ.ف.ب)

يطالب أهالي المزونة، القرية المهمشة في وسط تونس، بنيل حقوقهم وتوفير خدمات التعليم والصحة لأبنائهم، إثر انهيار جدار مدرسة متداعٍ، تسبب في مقتل ثلاثة تلاميذ في القرية القريبة من مدينة سيدي بوزيد، مهد ثورة 2011.

تقول نجاة المسعدي بصوت يملأه الغضب: «نحن نطالب فقط بالمرافق الأساسية، وبدلاً من ذلك يرسلون لنا 112 سيّارة شرطة. هل نحن إرهابيون؟».

المحتجون الغاضبون أحرقوا عجلات السيرات وأقفلوا الشوارع تنديداً بمقتل الطلبة (أ.ف.ب)
المحتجون الغاضبون أحرقوا عجلات السيرات وأقفلوا الشوارع تنديداً بمقتل الطلبة (أ.ف.ب)

أصيب مُهند جدايدة، ابن أخت نجاة المسعدي، البالغ من العمر 18 عاماً، في رأسه بقنبلة غاز مسيل للدموع خلال إحدى المظاهرات، التي أعقبت وفاة ثلاثة تلاميذ يدرسون بثانوية القرية، وتتراوح أعمارهم بين 18 و19 عاماً، الاثنين الماضي، جرّاء انهيار جدار مدرستهم الآيل للسقوط. وتضيف نجاة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إنهم يضيفون آلماً على آلامنا، دفنا ثلاثة من شبابنا، ومن الممكن أن نواصل دفن آخرين».

وتقول والدة مهند، منيرة المسعدي، التي أغمي عليها بسبب الغاز المسيل للدموع، خلال محاولتها الوصول إلى ابنها الجريح: «يسألوننا ما المشكلة؟ نحن لا نريد ثورة أخرى، نحن نريد فقط حقوقنا». تقع قرية المزونة، التي تضم نحو 7 آلاف نسمة، على بُعد 70 كيلومتراً من محافظة سيدي بوزيد، المنطقة النائية والمهمّشة، التي انطلقت منها شرارة الثورة التونسية قبل نحو 15 عاماً، وأطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، وأطلقت موجة ما عرف «بالربيع العربي».

سوء إدارة متراكم

بعد مقتل التلاميذ تواصلت الاحتجاجات، وتم حرق إطارات من المطاط وغلق طرق ورشق الحجارة، وخرج عشرات الشباب إلى الشوارع لعدة ليالٍ متتالية للتعبير عن غضبهم بالقرب من مركز الحرس الوطني، ونشبت مواجهات ليلية بينهم وبين عناصر الأمن. وكان السكان قد حذروا على مدى سنوات من أن حائط المدرسة الثانوية الوحيدة في القرية معرض للانهيار، لكن تحذيراتهم لم تلقَ آذاناً مصغية.

سكان القرية الغاضبة خلال دفن ضحايا انهيار جدار المدرسة (أ.ف.ب)
سكان القرية الغاضبة خلال دفن ضحايا انهيار جدار المدرسة (أ.ف.ب)

هذا الحادث الذي وقع يوم 14 أبريل (نيسان) الحالي، «لم يأتِ من فراغ، إنه نتيجة سوء إدارة تراكم على يد مختلف المسؤولين»، على ما يفيد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وليد الجد، الناشط في منظمات المجتمع المدني المحلية. مضيفاً: «نحن نطالب بأشياء أساسية لا تتطلب معجزة... لن نقبل بعد الآن بالعيش كما كنا في السابق». ومؤكداً أن سيارات الإسعاف المقبلة من مدينة الرقاب، التي تبعد 30 كيلومتراً عن المزونة، استغرقت «وقتاً طويلاً للوصول إلى المكان... وهذا التأخير أدى لتفاقم الوضع، وربما تسبب في وفاة بعضهم، بينما كان من الممكن إنقاذهم». والأسوأ من ذلك، يضيف الجد، أن أسرة أحد القتلى «لم تتمكن من العثور على الماء فوراً لغسل (جسده) قبل الجنازة، وهذا لم يعد مقبولاً».

ويشكل شح المياه مشكلة بارزة أخرى في المناطق الريفية الفقيرة في تونس، تُضاف إلى البنية التحتية الهشة والمنعدمة أحياناً في أغلب مناطق تونس الداخلية. وهذه الأزمات متراكمة منذ عقود طويلة. وتونس بلد مثقل بالديون (80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، ويعاني من نسبة بطالة تبلغ 16 في المائة، وترتفع إلى 25 في المائة لدى خريجي الجامعات، ما يدفعهم في غالب الأوقات إلى التفكير في الهجرة. وزار الرئيس قيس سعيّد المزونة، فجر اليوم الجمعة، ووصل إلى مكان الاحتجاجات، حيث استقبله عدد من الأهالي الذين طالبوه «بتنمية» القرية وبناء مستشفى. فردّ سعيّد بأن «مطالبكم مشروعة ولكم الحق فيها»، مندداً «بالخونة»، الذين قاموا «بتدمير النقل والمستشفيات» في البلاد.

والد ووالدة محمد أمين الذي قتل في الحادث (أ.ف.ب)
والد ووالدة محمد أمين الذي قتل في الحادث (أ.ف.ب)

في بيت محمد أمين المسعدي، الذي قضى في انهيار الجدار، وُضع حذاء رياضي بجانب مصباح فوق مكتب صغير وُضعت عليه كتب مدرسية. محمد أمين الذي كان في الثامنة عشرة من عمره، كان يحلم بمغادرة المزونة لينضم إلى أحد نوادي كرة القدم في المدن الكبرى. لكن فريقه لم يحتفظ به في الخريف الماضي بسبب نقص المال.

مخاوف من انهيارات جديدة

يقول والده سالم: «كان حزيناً عند عودته إلى المزونة، لم يعد الشخص نفسه، ترك الصلاة، وأحياناً كان يتغيب عن المدرسة». والدته شافية، التي تدرِّس اللغة العربية في الثانوية، تقول بدورها: «جميع الفصول الدراسية معرضة لخطر الانهيار... نخاف أن تقع علينا الجدران. الكارثة دائماً قريبة».

عشرات الشبان خرجوا إلى الشوارع لعدة ليالٍ متتالية للتعبير عن غضبهم قرب مركز الحرس الوطني (أ.ف.ب)
عشرات الشبان خرجوا إلى الشوارع لعدة ليالٍ متتالية للتعبير عن غضبهم قرب مركز الحرس الوطني (أ.ف.ب)

مثل الأغلبية الساحقة من التونسيين، ضحى والدا محمد أمين بكل شيء من أجل تعليم أبنائهما. تقول الوالدة: «نحن ضحايا الفساد... الفساد في التربية (التعليم)». وما زال زوجها يجد صعوبة في تقبل خبر وفاة ابنهما، وعن ذلك يقول: «أصحو في الليل وأقرص نفسي لأتأكد إن كان كل هذا حقيقياً».