هل يؤدي تبدّل القيادات إلى «تغيير الولاءات» في ليبيا؟

مراقبون ربطوها بتعدد الفرقاء الذين يمكن الانتقال بسهولة ما بين معسكراتهم

المشير خليفة حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)
المشير خليفة حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)
TT
20

هل يؤدي تبدّل القيادات إلى «تغيير الولاءات» في ليبيا؟

المشير خليفة حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)
المشير خليفة حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)

لا يزال الغموض يشوب كثيراً من الأحداث والاشتباكات، التي شهدتها مدينة بنغازي الليبية (شرق) منذ 6 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إثر عودة وزير الدفاع الأسبق المهدي البرغثي إلى المدينة، بعد انشقاقه عن «الجيش الوطني»، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، ليتولى حقيبة الدفاع في حكومة «الوفاق الوطني» السابقة، برئاسة فائز السراج في العاصمة طرابلس.

عودة البرغثي إلى بنغازي مسقط رأسه، وما أعقبتها من اشتباكات بين مسلحين مرافقين له وقوات تابعة لـ«الجيش الوطني»، التي سارعت إلى اعتقاله بعد اتهامه بمساندة «خلايا إرهابية»، سلطت الضوء مجدداً على قضية «تغيير الولاءات» في ليبيا. وقد أشار أحد المصادر المقربة من عائلة البرغثي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تأزم قضية الوزير الأسبق يعود «لتوتر العلاقة بدرجة كبيرة بين البرغثي وحفتر، ما أعاق حلّها بالرغم من نجاح وساطات زعامات قبلية اضطلعت بدور بارز بقضايا المصالحة الوطنية في معالجة حالات مشابهة خلال السنوات الماضية».

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المؤقتة في طرابلس (الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المؤقتة في طرابلس (الوحدة)

وخلال العقد الماضي، وتحديداً خلال فترات الفوضى الأمنية والصراعات المسلحة، تكررت إشارات المراقبين لعملية «تبدل الولاءات»، من بينها تخلي ميليشيا (الكانيات) التي سيطرت على مدينة ترهونة (غرب) عن تحالفها مع حكومة «الوفاق الوطني» بطرابلس عام 2019، وانتقالها للتحالف مع «الجيش الوطني» الذي كان يخوض حرباً على العاصمة حينذاك.

ولم يقتصر الأمر على البرغثي، أو ميليشيات «الكانيات»، فهناك أيضاً عدة شخصيات سياسية ومجموعات مسلحة عدلت اختياراتها وفقاً لتبدّل السلطة، لكن عضو «المؤتمر الوطني» السابق، عبد المنعم اليسير، رفض وصف وضعية البرغثي بأنها «تغيير للولاء». ورأى اليسير، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المهدي ملاحق بجرائم خطيرة تستدعي تقديمه للمحاكمة العسكرية، كدعمه الهجوم الذي نفذته تنظيمات إرهابية على قاعدة براك الشاطئ، التابعة للجيش الوطني جنوب البلاد عام 2017، الذي أسفر عن مقتل قرابة 140 عسكرياً».

أسامة حماد رئيس حكومة الاستقرار الموازية (الاستقرار)
أسامة حماد رئيس حكومة الاستقرار الموازية (الاستقرار)

وقال اليسير إن «القضية لا تتوقف عند ترك البرغثي لقيادته بالجيش، الذي كان يخوض آنذاك معركة وجود مع بعض التنظيمات المتطرفة بالمدن الشرقية، بل تتركز في تداعيات انشقاقه»، مضيفاً: «كان من الممكن أن يشجع ما أقدمت عليه رتب عسكرية صغيرة على تكرار الأمر طمعاً في الترقي، فضلاً عن أن انتسابه للعواقير، وهي من القبائل الوازنة بالمنطقة الشرقية، كان كفيلاً بخلق فتنة بين الجيش وحاضنته الشعبية».

وبعد نحو أسبوع من الاشتباكات التي أعقبت اعتقال البرغثي، التي تزامن معها قطع الاتصالات بالمدينة، خرج المدعي العام العسكري، التابع للقيادة العامة للجيش الوطني، فرج الصوصاع، ليعلن أن البرغثي «تعرض لإصابات بليغة خلال مواجهات مع قوات أمنية، رفض تسليم نفسه إليها».

وبعيداً عن تفاصيل قضية البرغثي وتطوراتها، أرجع عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، بروز قضية «تغيير الولاءات» في الوقت الراهن لتعدد الفرقاء والقوى بالساحة، الذين يمكن الانتقال ما بين معسكراتهم، مقارنة بما كان الحال عليه خلال عهد معمر القذافي (الرئيس الراحل)، حيث لم يكن هناك سوى معسكر القائد الأوحد، فضلاً عن استمرار رفض الأغلبية بالمجتمع لثقافة القبول بالآخر المخالف له بالرأي.

إلا أن بن شرادة قال لـ«الشرق الأوسط» إن «عقاب أصحاب قرار الانشقاق حالياً لا يتسم بذات الشدة، كما كان عليه الوضع خلال عهد القذافي، بل بات يتأرجح بين الشدة واللين، وفقاً لخريطة المصالح المتشابكة التي تربط علاقات الأطراف حالياً». مشيراً إلى «قيام بعض عناصر بالتشكيلات المسلحة بالانفصال عن قياداتها الرئيسية والانتقال لمعسكر آخر، أو تأسيس تشكيل مسلح خاص بها، ورغم أن مثل هذه الخطوات تزعج قيادات التشكيلات الكبيرة، فإن الأخيرة تتفادى أحياناً الدخول في معارك طويلة الأمد مع التشكيلات المنشقة عنها، نظراً لإمكانية تشاركهما مستقبلاً بمصلحة ما، كتقاسم النفوذ على منطقة هامة بمدينة ما».

المهدي البرغثي وزير الدفاع في حكومة «الوفاق» الليبية السابقة (أرشيفية من وسائل إعلام ليبية)
المهدي البرغثي وزير الدفاع في حكومة «الوفاق» الليبية السابقة (أرشيفية من وسائل إعلام ليبية)

وفي منتصف شهر أغسطس (آب) الماضي، شهدت العاصمة طرابلس مواجهات عنيفة بين قوات «الردع»، برئاسة عبد الرؤوف كاره، و«اللواء 444 قتال» بقيادة محمود حمزة، أسفرت عن سقوط كثير من القتلى والجرحى، وأرجع البعض هذا الاقتتال إلى توتر علاقة الرجلين، خاصة أن حمزة بدأ مسيرته العسكرية كقيادي بـ«قوات الردع»، قبل أن ينفصل عنها لاحقاً، ويؤسس كياناً مستقلاً يحظى بنفوذ واسع داخل العاصمة والمنطقة الغربية.

واعتبر رئيس «حزب تكنوقراط ليبيا»، أشرف بلها، أن «عدم تجذر دور الأحزاب والنقابات المهنية زاد من شعور البعض بحرية التنقل بين معسكر لآخر، ليحقق من خلاله ما يصبو إليه من طموحات، وقد ظهر ذلك بوضوح بعد ثورة فبراير (شباط) مع محاولات فرقاء الأزمة استقطاب أكبر قدر من المناصرين لصالحهم، في رحلة سعيهم للتموضع، والتحول إلى جبهة فاعلة لا يمكن استبعادها من مفاوضات حل الأزمة».

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ذهب بلها إلى أن رد الفعل على تغيير الولاءات «لا يكون قاسياً باستثناء حالات الانشقاق العسكري، وتحديداً إذا أقدم الطرف المنشق على ممارسة عمل عنيف».

وأوضح أن «هناك وزراء ومسؤولين كباراً سبق أن عملوا مع نظام القذافي ومع حكومات (فبراير) أيضاً، وهناك حزبيون وتنفيذيون تبدلت مواقفهم في الفترة الأخيرة، من الاصطفاف والتنسيق مع حكومة عبد الحميد الدبيبة، إلى الاصطفاف مع الحكومة المنافسة لها المكلفة من البرلمان، ولم يتعرض هؤلاء سوى لبعض الانتقادات أو الإقالة من الوظيفة».

ومؤخراً أوقفت الحكومة المكلفة من البرلمان، برئاسة أسامة حماد، عدداً من عمداء البلديات وأحالتهم للتحقيق في المخالفات المنسوبة لهم، المتمثلة وفقاً للبيان الحكومي في «استمرار التعامل والتواصل مع حكومة الوحدة الوطنية».

وفي هذا السياق، لفت رئيس «حزب تكنوقراط ليبيا» إلى أن «الانشقاق العسكري تكون عقوبته أشد، ويخضع الحكم على المنشقين في الأغلب للمزاج السياسي والعرفي بين القبائل، نظراً لغياب المؤسسات الأمنية والعسكرية الموحدة، وتضاعف فرض أحكام القانون»، مبرزاً أن «عقيدة الردع جاهزة ليكون المعاقب عبرة لغيره، وليبيا مجتمع قبلي وثأري، وبالتالي تسارع قبيلة المُعاقب في المطالبة بالثأر له، وتتوالى ردود الفعل العنيفة».


مقالات ذات صلة

تجدد «سباق النفوذ» بين روسيا وأميركا في ليبيا

شمال افريقيا اجتماع الدبيبة في طرابلس مع الوفد الروسي (حكومة الوحدة)

تجدد «سباق النفوذ» بين روسيا وأميركا في ليبيا

عقد وفد من «الجيش الوطني»، تقدمه صدام حفتر، قائد القوات البرية، اجتماعاً في واشنطن، بينما زار وفد روسي حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة الدبيبة، في طرابلس.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا تكالة والدبيبة يتوسطان مسؤولين في مؤتمر بالعاصمة طرابلس (حكومة الوحدة)

هل يطوي «الأعلى للدولة» الليبي صفحة الانقسام قريباً؟

دخل المجلس الأعلى للدولة في ليبيا دوامة الانقسام بعد خلاف على رئاسته بين خالد المشري ومحمد تكالة لكن الأخير يدعو اليوم إلى تشكيل لجنة مشتركة لبحث أزمته.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة خلال اجتماع بمسؤولي القطاعات الصحية في غرب ليبيا مساء الأحد (حكومة «الوحدة»)

الدبيبة يتعهد بمكافحة «الفساد» في القطاع الصحي الليبي

حذر رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، من أي تورط في أعمال فساد، خصوصاً بالقطاع الصحي، وذلك رداً على اتهامات وُجّهت لوزارة الصحة بحكومته.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عامل ليبي في موقع إنتاج بأحد الحقول النفطية (المكتب الإعلامي للمؤسسة الوطنية للنفط)

انتقادات برلمانية تلاحق عروض التنقيب عن النفط الليبي

تتصاعد الانتقادات البرلمانية في ليبيا لعروض التنقيب عن النفط التي أعلنت عنها «المؤسسة الوطنية للنفط» وسط مطالب بتأجيلها لحين انتخاب «حكومة موحدة».

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة في اجتماع مع عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي مساء الأحد (المجلس الرئاسي)

«قلق وترقب» في طرابلس الليبية غداة اغتيال قائد عسكري

طالب رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، الادعاء العام العسكري بفتح تحقيق «عاجل وشامل» لكشف ملابسات مقتل العميد علي الرياني في هجوم مسلح.

خالد محمود (القاهرة)

اتهامات بـ«اعتداء جنسي» على طفل داخل مدرسة تفجّر غضباً واسعاً بمصر

وزير التعليم المصري محمد عبد اللطيف يتابع سير العملية التعليمية بإحدى المدارس (أرشيفية - وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري محمد عبد اللطيف يتابع سير العملية التعليمية بإحدى المدارس (أرشيفية - وزارة التربية والتعليم)
TT
20

اتهامات بـ«اعتداء جنسي» على طفل داخل مدرسة تفجّر غضباً واسعاً بمصر

وزير التعليم المصري محمد عبد اللطيف يتابع سير العملية التعليمية بإحدى المدارس (أرشيفية - وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري محمد عبد اللطيف يتابع سير العملية التعليمية بإحدى المدارس (أرشيفية - وزارة التربية والتعليم)

فَجَّر اتهام مسؤول بإحدى المدارس الخاصة في مدينة دمنهور، إلى الشمال من القاهرة، بـ«الاعتداء الجنسي» على طفل عمره 6 سنوات يدرس بالمدرسة حالة غضب واسعة في مصر، وتحولت القضية إلى «قضية رأي عام» يترقب الجميع الفصل فيها.

وتبدأ محكمة جنايات دمنهور، الأربعاء، نظر أولى جلسات القضية التي تعود وقائعها، وفق وزارة التربية والتعليم، إلى فبراير (شباط) من عام 2024.

حسب ملف التحقيقات، الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، فإن أول تحقيق للنيابة فيها يعود إلى تاريخ 13 فبراير من العام الماضي، حين اتهم والد الطفل، مشرفاً مالياً يبلغ من العمر 78 عاماً ويعمل لدى مدرسة «الكرمة» في دمنهور بمحافظة البحيرة، بـ«الاعتداء على نجله الطالب هناك وهتك عرضه»، في حين تحدثت الأم عن «تستُّر مديرة المدرسة»، وعن أن إحدى العاملات «ساعدت المتهم على فعلته».

وتحتل القضية صدارة التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وعبَّر مدونون عن تعاطفهم مع الطفل ودعمهم لأسرته، منتقدين غياب الرقابة في بعض المدارس.

وبينما تداول متابعون روايات مختلفة للواقعة، وسط انقسام بشأن تفاصيلها وحقيقة التهم الموجهة، أهابت وزارة التعليم في بيان، يوم الاثنين، رواد التواصل الاجتماعي، «تحري الدقة فيما ينشر عن القضية».

وقالت الوزارة إن مديرية التربية والتعليم بمحافظة البحيرة ستتخذ مع الممثل القانوني والجهة المالكة للمدرسة جميع الإجراءات القانونية فور صدور حكم نهائي في القضية.

تأتي القضية في وقت تشهد فيه مصر زخماً في الحديث عن التحرش الجنسي بالأطفال، بعد عرض مسلسل «لام شمسية»، رمضان الماضي، الذي تناول تلك القضية، وحاز صدى واسعاً من المتابعة والتعليقات.

لقطة من مسلسل «لام شمسية» الذي تناول قضية التحرش الجنسي بالأطفال
لقطة من مسلسل «لام شمسية» الذي تناول قضية التحرش الجنسي بالأطفال

وحفظت النيابة ملف القضية، نهاية العام الماضي، بعد استجواب المتهم ونفيه الواقعة. وكانت النيابة قد أرسلت في طلبه أكثر من مرة ولم يحضر للتحقيق، وأرجع ذلك إلى «إجرائه عملية قلب مفتوح»، وفق أوراق التحقيقات.

وفتح تظلم لأسرة الطفل على القرار ملف القضية من جديد في يناير (كانون الثاني) 2025، ليُضاف إليها شهود جدد من ضمنهم ولية أمر ثلاثة تلاميذ بالمدرسة نفسها تُدعى ندا الغزالي، وهي أيضاً صديقة مقربة لأسرة الضحية.

وقالت ندا لـ«الشرق الأوسط»: «طوال العام الماضي وأولياء الأمور يعيشون في رعب، في ظل إصرار إدارة المدرسة على نفي الواقعة»، مشيرةً إلى أن أسرة الطفل ضحية الاعتداء «فضَّلت عدم اللجوء إلى السوشيال ميديا، وسلكت الطرق القانونية، نظراً لحساسية القضية».

وأضافت: «والدة الطفل الضحية علمت بالأمر بعد ملاحظة على نجلها، وبسؤاله أفصح لها عن الواقعة»، مؤكدة أنها سمعت ذلك بنفسها من لسان الطفل فيما بعد.

وطالب مدونون بحق الطفل بعد تدشين وسم يحمل اسمه، بالتزامن مع انتشار نصائح لكيفية توعية الأطفال لحماية أنفسهم من التحرش، أو الإفصاح عنه حال تعرضوا له.

وقالت صديقة أسرة الطفل إن القضية «ستحمل العديد من المفاجآت، ولديهم حافظة أوراق جديدة تدعم موقف الطفل سيقدمونها غداً في أولى جلسات المحاكمة».

في حين دعا آخرون إلى عدم الانسياق وراء ما يقال عبر «السوشيال ميديا»، وترك الأمر للمحكمة، خصوصاً مع وجود ثغرات وعلامات استفهام كثيرة فيما جرى تداوله حول القضية حتى الآن، منتقدين نشر بيانات الطفل، لما سيسببه له ذلك من وصمة تلاحقه طيلة حياته.

وأعلنت رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة، سحر السنباطي، في بيان، الثلاثاء، تكليف المجلس محامين من وحدة الدعم القانوني في المجلس، لحضور جلسة المحاكمة «لضمان حصول الطفل على كافة الحقوق القانونية».

في حين دعا رئيس مجلس أمناء أولياء أمور دمنهور السابق، أحمد رفاعي، خلال تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى سرعة تطبيق العدالة في القضية في ظل حالة القلق الواسعة لدى أولياء الأمور على أبنائهم.