ليبيا: تحذيرات من مخلفات الحرب في درنة... ومخاوف من انتشار الأمراض

«الأمم المتحدة»: كان بالإمكان تفادي سقوط معظم قتلى «دانيال»

TT

ليبيا: تحذيرات من مخلفات الحرب في درنة... ومخاوف من انتشار الأمراض

عمال الإنقاذ  في درنة الليبية، 14 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)
عمال الإنقاذ في درنة الليبية، 14 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

بينما تدفقت مساعدات وفرق إنقاذ عربية ودولية على ليبيا للمساهمة في انتشال ضحايا الإعصار، الذي ضرب مدن شرق البلاد، أكدت الأمم المتحدة أنه «كان بالإمكان تفادي سقوط معظم القتلى»، في وقت أقر فيه مجلس النواب ميزانية طوارئ بعشرة مليارات دينار لمعالجة آثار الفيضانات في المناطق المتضررة. (الدولار يساوي 5.20 دينار).

تحميل طائرة ألمانية لمساعدة المناطق المنكوبة في ليبيا (حساب السفير الألماني على «إكس»)

مساعدات أساسية

ووسط تضارب روايات المسؤولين حول أعداد الضحايا والمفقودين، أعلنت السفارة الألمانية في ليبيا، اليوم (الخميس)، عن توجه طائرة محملة بمساعدات أساسية إلى المنطقة الشرقية للمعاونة في تخفيف آثار الدمار الذي خلفه الإعصار. وقالت السفارة عبر حسابها على منصة «إكس» «جرى الآن وبنجاح تحميل المساعدات الأساسية والضرورية في طائرتنا بألمانيا، التي ستتجه إلى المنطقة الشرقية بليبيا».

في سياق ذلك، تحدث مطار بنينا الدولي عن وصول طائرة إماراتية خامسة، محملة بعدد كبير من المواد والمعدات وفرق الإنقاذ والفرق الطبية والأدوية، والمستلزمات المطلوبة في عمليات إسعاف المتضررين من العاصفة. وأعلنت وكالة أنباء الإمارات (وام) عن وصول خمس طائرات إغاثية إلى مطار بنينا الدولي في بنغازي اليوم (الخميس)، محملة بثلاثة فرق إنقاذ ومساعدات إغاثية وطبية عاجلة، حسب الوكالة على حسابها بمنصة «إكس».

وإضافة إلى الإمارات، أرسلت دول عديدة، أو تعهدت بتقديم مساعدات إلى ليبيا، من بينها الجزائر ومصر والأردن والكويت وقطر وتونس وتركيا وفلسطين. كما قالت منظمة الصحة العالمية إنها ستعتمد مليوني دولار من «صندوق الطوارئ» التابع لها لدعم ضحايا السيول في ليبيا. فيما تعهدت الولايات المتحدة بتقديم المساعدة، كما انضمت بريطانيا وفنلندا وفرنسا وإيطاليا ورومانيا إلى جهود المساعدة الأوروبية. علما بأن العاصمة طرابلس استقبلت صباح اليوم فريقاً فلسطينياً للتدخل والاستجابة العاجلة.

فريق الحماية الجزائرية خلال انتقاله من طرابلس إلى شرق ليبيا (منصة حكومتنا)

كما وصلت فرق الإنقاذ والحماية المدنية الجزائرية إلى المناطق المتضررة بشرق ليبيا، فيما وصلت أيضاً 27 شاحنة إغاثة قادمة من مدينة مصراتة (غربا) إلى مدينة البيضاء (شرقا) لمساعدة المتضررين من السيول والفيضانات.

في المقابل، حثت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ليبيا المواطنين ورجال الإنقاذ على توخي الحذر، بعد ما تسببت الفيضانات التي اجتاحت المدينة في «نقل مخلفات الحرب القابلة للانفجار إلى مواقع جديدة في المناطق التي غمرتها المياه». وقالت اللجنة إنه «من المعروف أن درنة مدينة ملوثة بمخلفات الحرب القابلة للانفجار، والفيضانات أدت إلى نقل المخلفات من مواقعها السابقة إلى مناطق في جميع أنحاء المدينة». مضيفة أن المتفجرات «ما زالت حية وخطيرة»، وناشدت المواطنين والمنقذين وضع علامات على الأماكن المشبوهة لتحذير الآخرين وإبلاغ السلطات.

مروحية عسكرية مصرية تحلق فوق المناطق المتضررة في درنة بشرق ليبيا، في 14 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

صندوق إعمار ليبيا

من جانبه، أعلن المتحدث باسم مجلس النواب الليبي، عبد الله بليحق، اليوم الخميس، خلال مؤتمر صحافي عقب جلسة طارئة للبرلمان، أن المجلس قرر مطالبة النائب العام بالتحقيق في أسباب «حصول الكارثة، وتبيان ما إذا كان هناك تقصير من أي جهة». وقال بليحق إن البرلمان قرر أيضا تكليف اللجنة التشريعية بإعداد مشروع قانون «صندوق إعمار ليبيا» لاعتماده في الجلسات القادمة، واستدعاء الحكومة في جلسة الأسبوع المقبل للاستماع إليها حول ما اتخذته من إجراءات.

في سياق ذلك، أعلن عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، اليوم (الخميس)، عن تمكن فرق الإغاثة من إنقاذ أكثر من 300 مفقود، بينهم 13 طفلاً على الأقل في درنة، ووجه وزراء ومسؤولي حكومته اليوم (الخميس) إلى عدم المشاركة في أي مؤتمرات خارجية في ظل الظروف التي تمر بها البلاد «نظرا لما تمر به البلاد من أحداث مؤلمة وجسيمة، تستدعي تكاتف الجهود وتضافرها لمواجهة الأزمة والتنسيق المستمر مع الفريق الحكومي للطوارئ».

وفي وقت سابق من اليوم، قال وزير الداخلية الليبي بالحكومة المكلفة من البرلمان عصام أبو زريبة: «إن ما ثبت لدينا من عدد الوفيات في الأوراق الرسمية هو 2794 منهم 163 خارج درنة»، مبرزا أن إجمالي المفقودين بلغ 2513 منهم 2410 في درنة و103 خارجها، فيما تتحدث جهات عديدة عن أرقام كبيرة للضحايا.

رجال الإنقاذ يقفون مع كلابهم المدربة في مدينة درنة بشرق ليبيا، في 14 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

من جانبها، أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، اليوم (الخميس)، أنه «كان من الممكن تفادي سقوط معظم الضحايا» جراء الفيضانات التي ضربت الشرق الليبي. وقال الأمين العام للمنظمة، بيتيري تالاس، خلال مؤتمر صحافي في جنيف، وفق وكالة «الصحافة الفرنسية»: «لو كان بالإمكان إصدار إنذارات، لكانت هيئات إدارة الحالات الطارئة تمكنت من إجلاء السكان، ولكننا تفادينا معظم الخسائر البشرية»، مشيرا إلى «قلة التنظيم في ظل الفوضى المخيمة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي».

وبسبب انتشار الجثث، عبرت السلطات الليبية عن خشيتها من انتشار الأمراض والأوبئة بعد ثلاثة أيام من الفيضانات الكارثية، التي ضربت درنة. وقالت وزارة الحكم المحلي بالحكومة المكلفة من البرلمان في بيان إن الإدارة العامة لشؤون الإصحاح البيئي شرعت «في تجهيز قافلة من معدات وأجهزة ومبيدات ومطارات للرش والتعقيم بهدف الحد من فرص انتشار أي أمراض، وحدوث تلوث بالمناطق المتضررة بالفيضانات، نتيجة لانتشار الجثامين ونفوق الحيوانات». وأظهر مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وجود جثث بساحل المدينة الواقعة على البحر الأبيض المتوسط. فيما طالب الأهالي بالإسراع في البحث عن الجثث ودفنها خشية من أن تتسبب في انتشار الأمراض.


مقالات ذات صلة

بيونغ يانغ تطلق تحدياً باليستياً مزدوجاً لبايدن… وترمب

الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية وو وون - شيك في سيول (أ.ف.ب) play-circle 00:35

بيونغ يانغ تطلق تحدياً باليستياً مزدوجاً لبايدن… وترمب

أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً فيما يمكن أن يشكل تحدياً إضافياً لواشنطن وحلفائها قبل أسبوعين من عودة الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

علي بردى (واشنطن)
آسيا شرطيون ماليزيون يساعدون في إجلاء أشخاص بولاية كلنتن (إ.ب.أ)

نزوح عشرات الآلاف ومقتل 13 في أسوأ فيضانات تشهدها تايلاند وماليزيا منذ عقود

قالت السلطات إن عدد القتلى بسبب أسوأ سيول تضرب منذ عقود جنوب تايلاند وشمال ماليزيا ارتفع إلى 13 على الأقل.

«الشرق الأوسط» (كوالالمبور - بانكوك)
الاقتصاد ناقلة نفط في عرض البحر (رويترز)

كوريا الجنوبية تتوقع تأثيراً اقتصادياً محدوداً للصراع في الشرق الأوسط

قال مكتب الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول اليوم (الأحد)، إن كوريا الجنوبية تشهد تأثيراً اقتصادياً محدوداً في أعقاب ضربة انتقامية وجهتها إسرائيل لإيران.

«الشرق الأوسط» (سيول)
أوروبا سيول سابقة بمدينة كان (أ.ف.ب)

سيول مفاجئة في كان الفرنسية تجرف السيارات عبر الشوارع

اجتاحت السيول مدينة كان الفرنسية، اليوم الاثنين، لتجرف السيارات عبر الشوارع وتترك المدينة الواقعة بمنطقة الريفييرا والشهيرة بمهرجانها السينمائي بحالة تأهب قصوى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا بالون مُرسَل من كوريا الشمالية يحمل القمامة يظهر في سيول يوم 9 يونيو 2024 (إ.ب.أ)

حريق في سيول بسبب بالون كوري شمالي مُحمَّل بالنفايات

هبط بالون مُحمَّل بالنفايات أُطلق من كوريا الشمالية على سطح مبنى في سيول، وأدى إلى اندلاع حريق، وفق ما أعلن مركز إطفاء.

«الشرق الأوسط» (سيول)

بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)
وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)
TT

بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)
وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)

أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى عرقلة مشاريع روسيا في أفريقيا، وأرغمها على البحث عن نقطة إسناد بديلة في حوض البحر الأبيض المتوسط، متطلعة في هذا السياق إلى ليبيا. ولموسكو، الحليفة للأسد ودمشق منذ أعوام طويلة، ميناء عسكري وقاعدة جوية على الساحل السوري، ما يسهّل عملياتها في المتوسط والشرق الأوسط ووسط أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، غير أن إطاحة الأسد بعد ربع قرن في الحكم عرّضت هذا الحضور للخطر.

وسعى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، إلى طمأنة روسيا، واصفاً إياها بأنّها دولة «مهمّة»، قائلاً: «لا نريد أن تخرج روسيا من سوريا بالشكل الذي يهواه البعض».

* تراجع استراتيجي نحو ليبيا

في ظل عدم وضوح التشكيل السياسي في سوريا الجديدة، باتت موسكو مضطرة لبدء تراجع استراتيجي نحو ليبيا، وفي هذا السياق يقول جلال حرشاوي، الباحث في المعهد البريطاني «رويال يونايتد سرفيسز»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنّ ذلك يهدف «على وجه الخصوص للحفاظ على المهمات الروسية القائمة في أفريقيا»، مضيفاً أنّه «رد فعل لحفظ الذات» من جانب موسكو، الحريصة على «التخفيف من تآكل موقعها في سوريا».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ)

في مايو (أيار) 2024، كشف اتحاد التحقيقات السويسري «All Eyes On Wagner» (كل العيون على فاغنر) وجود الأنشطة الروسية في نحو 10 مواقع ليبية، من بينها ميناء طبرق، حيث وصلت معدّات عسكرية في فبراير (شباط) وأبريل (نيسان) الماضي. وكان عديد القوات الروسية في فبراير 2024 يناهز 800 عنصر، لكنه ارتفع إلى 1800 في مايو من العام نفسه.

* رجال ومعدّات

في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بأنّه تمّ نقل رادارات وأنظمة دفاع جوي روسية، من بينها «إس-300» و«إس-400» من سوريا إلى ليبيا، مستندة في ذلك إلى مسؤولين ليبيين وأميركيين. وفي هذا الإطار، يؤكد حرشاوي أنّه منذ سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، «تم نقل كمية كبيرة من الموارد العسكرية الروسية إلى ليبيا من بيلاروسيا وروسيا»، مشيراً في الوقت نفسه إلى إرسال مقاتلين. ومن جانبها، أفادت الاستخبارات الأوكرانية في الثالث من يناير (كانون الثاني) الحالي بأنّ موسكو تخطّط لـ«استخدام سفينتي الشحن (سبارتا) و(سبارتا 2) لنقل معدات عسكرية وأسلحة».

تركيا دعمت حكومة الوفاق الوطني السابقة وبعدها حكومة الدبيبة في طرابلس (الوحدة)

في هذا السياق، يقول الخبير في المجلس الأطلسي في واشنطن، عماد الدين بادي، إنّ هذا التحوّل «لا ينبع من تغيير قسري بسيط للحليف الإقليمي، بل من البحث عن الاستمرارية»، مؤكداً أنّها «خطوة تؤكد أهمية ليبيا بوصفها عنصراً في استراتيجية طويلة الأمد»، وأنّ «الأسد قدّم لموسكو مرسى على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، ومنصّة لاختبار قدراتها». وأثارت التحرّكات الروسية انزعاج حكومة طرابلس، والقوة الاستعمارية السابقة إيطاليا، بينما يراقبها الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» بقلق. وقد أكد وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروسيتو، أنّ موسكو تنقل «موارد من قاعدتها السورية في طرطوس باتجاه ليبيا».

* الوجود الروسي أكثر وضوحاً

تحدثت مصادر عدة عن مساعٍ أميركية لإقناع المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني، برفض تمركز الروس بشكل دائم في ميناء طبرق، وهو أمر يسعون إليه منذ عام 2023، لكن الكرملين لن يتمتّع بالأريحية نفسها التي كانت متوافرة في عهد الأسد.

يقول أولف لايسينغ، المسؤول عن برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، إنّ سوريا «كانت مناسِبة على الصعيد العملي... كانت صندوقاً أسود دون دبلوماسيين أو صحافيين أجانب. (الروس) فعلوا إجمالاً ما أرادوه». ويضيف لايسينغ مستدركاً: «في ليبيا، سيكون الوضع أكثر تعقيداً بكثير. من الصعب الحفاظ على الأسرار هناك، كما أنّ الوجود الروسي سيكون أكثر وضوحاً».

المشير خليفة حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)

إضافة إلى ذلك، سيتعيّن على موسكو التعامل مع قوى أخرى، من بينها تركيا، حليفة حكومة الوفاق الوطني، وبعدها «الوحدة» المؤقتة. كما ستكون حريصة على عدم تعريض مستقبلها للخطر إذا ساءت الأمور بالنسبة إليها. وفي هذا السياق، يقول فلاد كليبتشينكو، المراسل العسكري لموقع «تسارغراد» المؤيد للكرملين: «يجب عدم تكرار الأخطاء السورية والرهان، دون خيار بديل، على ديكتاتور محلي». وفي ليبيا المنقسمة، التي تشهد نزاعاً منذ الإطاحة بمعمَّر القذافي في عام 2011، يحاول كل طرف أن يُبقي خياراته مفتوحة مع الآخرين، حسبما يؤكد لايسينغ. فمنذ عام، تتقرب أنقرة من حفتر عبر مشاريع اقتصادية واجتماعات ذات غايات دبلوماسية، لكن هذا الأخير لن يستطيع أيضاً أن يدير ظهره للغربيين، الذين دعموه سراً انطلاقاً من قناعتهم بقدرته على وقف تمدُّد الإسلام السياسي. ويقول لايسينغ: «لذلك، هناك دون شك حدود لما يمكن لروسيا أن تفعله في ليبيا».