الرئيس التونسي يجدد دعوته لـ«محاربة الفساد والمفسدين»

قال إن بلاده «ليست غرفة للإيجار»

الرئيس سعيد لدى استقباله رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء (رئاسة الجمهورية)
الرئيس سعيد لدى استقباله رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء (رئاسة الجمهورية)
TT

الرئيس التونسي يجدد دعوته لـ«محاربة الفساد والمفسدين»

الرئيس سعيد لدى استقباله رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء (رئاسة الجمهورية)
الرئيس سعيد لدى استقباله رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء (رئاسة الجمهورية)

التقى الرئيس التونسي قيس سعيد مساء أول من أمس (الاثنين) رئيسة الحكومة نجلاء بودن، ووزيرة العدل ليلى جفال، ورئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء منصف الكشو ليجدد الدعوة لكشف المفسدين ومحاربة آفة الفساد التي دمرت اقتصاد البلاد. وفي غضون ذلك، أعلنت هيئة الدفاع عن الناشطين السياسيين المعتقلين في «قضية التآمر على أمن الدولة» رفع شكوى قضائية ضد توفيق شرف الدين وزير الداخلية السابق، وليلى جفال وزيرة العدل الحالية، وممثلة النيابة العامة بالقطب القضائي المالي على خلفية الاتهام بعمليات «تدليس» في هذه القضية.

وقال الرئيس سعيد إن تونس ستشق طريقها دون أي تدخل خارجي، مبرزا أن بلاده «ليست غرفة للإيجار، ومن يعتقد أن بإمكانه أن يشق طريقاً لنا فهو واهم، نريد أن نشق طريقاً جديدة، بعيدة عن الألغام والمتفجرات التي وضعها هؤلاء لأن السلم الأهلي في تونس لا يقاس بثمن»، في إشارة إلى السياسيين المتهمين بالإرهاب القابعين في سجن المرناقية غرب العاصمة التونسية.

ويرى متابعون للأنشطة الرئاسية أنها باتت ضرورية لتوضيح عدد من الملفات الملتبسة، وحماية منظومة الحكم الحالية، ودعمها ولو معنويا في إجراءاتها الموجهة إلى رموز منظومة الحكم السابقة، بزعامة قيادات حركة النهضة، وذلك في ظل ضغوط داخلية وخارجية تطالب بمحاكمة عادلة للمتهمين، وعدم إيهام الشارع بوجود جرائم حق عام تتم على أساسها هذه القضايا. والحال أنها، بحسب منتقدين لسياسات الرئيس، ملفات ذات طابع سياسي، هدفها، حسبهم، تصفية المعارضة السياسية والاستفراد بالحكم، كما أشارت إلى ذلك عدة منظمات حقوقية، من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وخلال اللقاء، شدد سعيد على الدور الموكول إلى القضاة في هذه المرحلة من تاريخ تونس «في مقاومة الفساد ومحاسبة المُفسدين»، مشددا على أنه «لا شيء يُمكن أن يتحقق من دون قضاء مستقل وناجز وعادل، يتساوى أمامه الجميع»، ومؤكداً أن ملفات الفساد «يجب ألا تتعلق بتصفية حسابات بين أطراف داخل الدولة... ولا يمكن أن نقبل بأي تجاوز للقانون ولإرادة الشعب التونسي... وسنعمل بكل جهد على تحقيق إرادة الشعب».

كما أوضح الرئيس التونسي أن الإجراءات «وضعت لضمان محاكمة عادلة، وليس لتوظيفها حتى يتم الإفلات من العقاب»، معتبرا أنه «من غير المقبول أن تبقى العديد من القضايا منشورة لمدّة سنوات دون بتّها نهائياً... فتضيع الحقوق، ويُفلت من المحاسبة من أذنب في حق الشعب والوطن».

في غضون ذلك، تقدمت هيئة الدفاع عن النشطاء السياسيين الموقوفين في قضية «التآمر على أمن الدولة» بشكوى ضد وزيري الداخلية والعدل على خلفية «الإيهام بقضية غير موجودة، واستخدام هاتف موقوفة خلال احتجازها»، ودعت إلى الكشف عن مختلف مراحل القضية، ومعرفة تفاصيل ملف اتهام الموقوفين بالتآمر على أمن الدولة، وتقديم القرائن التي أدت إلى الإدانة، وصدور قرارات قضائية بإيداع بعض المتهمين السجن دون محاكمة.

على صعيد آخر، قررت النقابة الأساسية في مؤسسة «سنيب لابراس - الصحافة» الحكومية التي زارها الرئيس سعيد قبل فترة وجيزة، ووعد بتقديم خطة لإنقاذها من الإفلاس، ومساندة الصحافيين في حقوقهم المشروعة، تنفيذ إضراب حضوري اليوم (الأربعاء)، وذلك بعد فشل جلسات التفاوض مع الطرف الإداري ورئاسة الحكومة.

جانب من تظاهرة سابقة نظمها اعلاميون للتنديد بالتضييق على الصحافيين (إ.ب.أ)

وأكدت النقابة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) أن أربع جلسات صلح متتالية فشلت بسبب ما اعتبرته «سياسة الاستهتار واللامبالاة والتسويف، التي ما انفكت الإدارة العامة، ومن ورائها رئاسة الحكومة، تنتهجانها بخصوص المطالب الحياتية المضمنة ببرقية التنبيه بتنفيذ إضراب بتاريخ 21 مارس (آذار) الماضي».


مقالات ذات صلة

رئيس بلدية نيويورك يواجه اتهامات احتيال والحصول على رشى من تركيا

الولايات المتحدة​ رئيس بلدية نيويورك إريك آدامز (إ.ب.أ)

رئيس بلدية نيويورك يواجه اتهامات احتيال والحصول على رشى من تركيا

وجّه مدعون أميركيون اتهامات لرئيس بلدية نيويورك إريك آدامز بقبول تبرعات غير قانونية لحملته الانتخابية وتكاليف سفره على متن رحلات فاخرة من أتراك.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا لجنة تحقيق روسية تقول إن ضابطين في وزارة الدفاع الروسية متهمان بالفساد ويواجهان عقوبة السجن لمدة 15 عاماً (رويترز)

ضابطان روسيان جديدان متهمان بالفساد

كشفت لجنة تحقيق روسية اليوم أن ضابطين بوزارة الدفاع الروسية متهمان بالفساد ويواجهان عقوبة السجن لـ15 عاماً، وهي قضية أخرى من هذا النوع في خضم النزاع ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي صورة متداولة لنور زهير المتهم الرئيسي في القضية المعروفة بـ«سرقة القرن» (فيسبوك)

القضاء العراقي يلاحق رئيس هيئة النزاهة

في موقف لافت، قدَّم مجلس القضاء العراقي شكره إلى قاضي نزاهة الكرخ، ضياء جعفر، الذي أمر بإطلاق سراح نور زهير المتهم الرئيس في قضية ما تُعرف بـ«سرقة القرن».

فاضل النشمي (بغداد)
الخليج الموقوفون تورطوا بتهريب ديزل في 372 حاوية شحن عبر ميناء رابغ (واس)

السعودية: إيقاف 9 متورطين بتهريب ديزل عبر ميناء رابغ

أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية إيقاف 3 يعملون بجمرك ميناء رابغ، لتلقيهم مبلغاً يتجاوز مليوني ريال من 6 مقيمين مقابل تسهيل تهريب وتصدير شحنات ديزل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا وزارة الدفاع الروسية (فيسبوك)

روسيا: اعتقال 4 مسؤولين سابقين وحاليين بتهم فساد

أعلنت محاكم روسية اعتقال أربعة مسؤولين حاليين وسابقين، أحدهم يعمل في وزارة الدفاع، يومي الخميس والجمعة في قضايا فساد منفصلة، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

عقبات عديدة على مدار عام حاصرت جهود الوسطاء خلال مساعيهم لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء أطول حرب بين إسرائيل و«حماس» التي بدأت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولا تزال مستمرة، وسط ترقب لانفراجة تنهي الأزمة التي طالت شظاياها دول أخرى في المنطقة، ومخاوف من اتساعها لحرب إقليمية.

الوساطة التي بدأت مع الساعات الأولى للحرب، تراوح مكانها منذ عدة أسابيع مع استمرار «التعنت الإسرائيلي»، ورغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في استمرار الحرب التي حوّلت مساحات شاسعة من القطاع الفلسطيني المحاصر إلى ركام.

وبحسب رصد «الشرق الأوسط» واجهت جهود الوسطاء عدة «تعقيدات» على مدار العام أبرزها، تمسك «حماس» في الأشهر الأولى من المفاوضات بوقف دائم لإطلاق النار، بجانب إصرار نتنياهو على السيطرة على «محور فيلادليفا» والجانب الفلسطيني من معبر رفح المتاخمين لحدود مصر بخلاف الرغبة المصرية، فضلاً على وضع شروط بخصوص عودة النازحين من الجنوب للشمال لم تقبلها «حماس».

تلك العقبات التي لم تحلها 4 مقترحات رئيسية قدمها الوسطاء على مدار عام، يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها قادت إلى «مسار معقد» بسبب تراخٍ أميركي في الضغط على نتنياهو. وتوقع الخبراء أن تستمر الأزمة بانتظار ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

دبابة إسرائيلية تعمل بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة (رويترز)

وبعد أن تسلمت إسرائيل 109 من رهائن كانوا لدى «حماس» بموجب هدنة أبرمها الوسطاء في 24 نوفمبر 2024 استمرت أسبوعاً، قلب نتنياهو الطاولة وعاد للحرب، «وكان كلما يقترب (الوسطاء) من اتفاق في غزة يواجهون سياسات إسرائيلية استفزازية لا تستهدف سوى مزيد من التصعيد»، وفق تصريحات صحافية لوزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، قبل شهر.

ومع قرب إبرام اتفاق تهدئة ثانٍ خلال محادثات شهدتها باريس في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، رفض نتنياهو الاتفاق بدعوى «وجود فجوات كبيرة» لم يحددها، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية وقتها، قبل أن يعتبر مطالب «حماس» «وهمية وغير جادة في حل وسط»، وذلك عقب مفاوضات استضافتها القاهرة في 13 فبراير (شباط) الماضي. كما لم تسفر محادثات «باريس 2» في نهاية فبراير الماضي، عن جديد، مع حديث إذاعة الجيش الإسرائيلي عن أن «(حماس) بعيدة عما ترغب إسرائيل بقبوله»، وكذلك لم تصل مفاوضات بالدوحة في 18 مارس (آذار) الماضي، لانفراجة، وتكرر التعثر في محادثات القاهرة في 7 أبريل (نيسان) 2024، مع تمسك «حماس» بوقف إطلاق دائم لإطلاق النار قبل إبرام أي تهدئة.

وباعتقاد الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، فإن «نتنياهو كان واضحاً منذ الشهور الأولى، في عرقلة المفاوضات تحت أي ذريعة، غير عابئ بوساطة واشنطن»، لافتاً إلى أن عدم الضغط الحقيقي من إدارة بايدن شجعه على الاستمرار في إشعال الحرب.

رد فعل فتاة فلسطينية بعد غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين قرب مخيم جباليا (أ.ف.ب)

ويتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والمحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، قائلاً: «ما أوصلنا لهذا المسار المعقد، هو التراخي الأميركي في الضغط على نتنياهو، الذي حرص على مواصلة الحرب لضمان البقاء السياسي، مما جعل التوصل لاتفاق صعباً، لا سيما بالأشهر الأولى».

وكان مايو (أيار) الماضي الأقرب لإبرام اتفاق، مع طرح الوسيط المصري مقترحاً يفضي لوقف دائم لإطلاق النار، غير أن نتنياهو هدد باجتياح رفح الفلسطينية، ومع قبول «حماس» بالمقترح المصري في الـ6 من الشهر ذاته، وحديث الرئاسة المصرية عن «تطورات إيجابية»، نفذ نتنياهو تهديده، واتهمته الدوحة في 14 من الشهر ذاته بـ«إدخال المفاوضات في طريق مسدود».

وعاد مسار المفاوضات سريعاً في 31 مايو الماضي بإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن خريطة طريق لوقف كامل وتام لإطلاق النار، وسط ترحيب من «حماس»، وتمسك نتنياهو باستمرار الحرب.

وتحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في أغسطس (آب) الماضي، عن أنها اطلعت على وثائق غير منشورة تظهر أن نتنياهو «يعرقل المفاوضات ووضع شروطاً جديدة قبل انعقاد محادثات روما، منها السيطرة على (محور فيلادلفيا)»، بينما نفى مكتب نتنياهو ذلك، وأرسل وفداً في محادثات استضافتها الدوحة في 16 من الشهر ذاته، أسفرت عن تقديم واشنطن مقترحاً جديداً بهدف سد الفجوات المتبقية، على أن تبحث في جولة بالقاهرة، ولم تذهب هي الأخرى لانفراجة.

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم نور شمس للاجئين بالقرب من مدينة طولكرم بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

وكانت تلك الشهور الأخرى، بحسب أنور، «دليلاً جديداً للتأكيد على مواصلة حكومة نتنياهو إفساد المفاوضات وانتهاج سياسة حافة الهاوية»، و«نتيجة تلك السياسة الإسرائيلية، تزايدت العقبات أمام التوصل لاتفاق»، وفق الرقب.

وأمام كل هذه المعوقات كان الدوران المصري والقطري بالمقابل يتمسكان باستمرار المفاوضات، وفق تأكيد وزير الخارجية المصري، في كلمة بالأمم المتحدة أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي تصريحات صحافية لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قبل أيام.

هذا التمسك بمواصلة المفاوضات، لا سيما من الوسيطين المصري والقطري، يعني أن «هناك ترقباً لانفراجة قد تأتي مع رفض جبهة لبنان فصل غزة عن أي اتفاق أو تسوية قد تتم، ومع تزايد الضغوط على نتنياهو لمنع اتساع الحرب»، بحسب أنور، الذي أشار إلى أن «فرص الانفراجة الكبرى ستكون بعد انتهاء الانتخابات الأميركية».

في المقابل، يعتقد الرقب أن فرص عقد اتفاق بغزة قبل الانتخابات الأميركية لا تتجاوز 10 في المائة، مع سعي نتنياهو للبقاء في «محور فيلادلفيا»، مرجحاً أن «تستمر الحرب عاماً جديداً حتى لو وصل رئيس أميركي جديد للحكم».