أسود السودان وضباعه تواجه خطر الجوع في حدائق الحيوان

نداءات لإغاثة الحيوانات من الموت جوعاً... أو قتلاً بالرصاص

أسود السودان وضباعه تواجه خطر الجوع في حدائق الحيوان
TT

أسود السودان وضباعه تواجه خطر الجوع في حدائق الحيوان

أسود السودان وضباعه تواجه خطر الجوع في حدائق الحيوان

فيما تتساقط القذائف والرصاص على أجساد المواطنين ومنازلهم، وتوقع بينهم قتلى وجرحى، فإن خطراً آخر يهدد بمزيد من الضحايا، بين الحيوانات هذه المرة.

فقد أصدرت حديقة السودان للحياة البرية بياناً كشفت حَراجَة وضع الحديقة التي تضم 25 أسداً و6 ضباع و3 أنواع من القرود و5 قطط برية (نمور)، و6 غزلان و5 سناجب، ونوعين من السلاحف، وأعداداً كبيرة من الطيور، وكلبين.

وراجت معلومات عن أسود ونمور تتجول في أنحاء العاصمة الخرطوم، بيد أن التقصي أثبت أنها غير حقيقية، لكن المؤكد أن حيوانات الحدائق معرضة للموت جوعاً وعطشاً إن لم تصبها رصاصات الحرب.

ولا تعد حراجة وخطورة أوضاع الحيوانات في هذه الحديقة الحالية الأولى، التي تشغل الرأي العام بسبب نقص غذاء الحيوانات في السودان.

ففي يناير (كانون الثاني) 2020. ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور من داخل حديقة القرشي للحيوانات في الخرطوم، عن تعرض أسود ولبوات للموت من شدة الجوع، حتى بدت أقرب لكونها «هياكل عظمية» لحيوانات، ونشطت وقتها المطالبات بالتدخل العاجل من الحكومة أو المختصين، من باب الرفق بالحيوان.

وقال المسؤول عن الحدائق في هيئة حماية الحياة البرية، عادل محمد، لـ «الشرق الأوسط»، إن مشكلة الحديقة تم حلها، ووعد بمنح الصحيفة معلومات مفصلة في اليوم التالي، بيد أنه لم يرد على الهاتف، واشترط بعدها التواصل كتابة في ظل ظروف لا تسمح بالتنقل أو تسليم الخطابات.

وأوضح الطبيب البيطري فيصل عمر في حديثة للصحيفة، أمس، أن للحيوان 5 حقوق: «الأكل، الشرب، الشعور بالأمان، التنقل والسكن». وأضاف: «إذا جاعت الحيوانات وهي في الأقفاص فهذا حرام شرعاً، وإذا تم إخراجها أو خرجت من الأقفاص نتيجة لعدم إغلاقها جيداً فهذه ستكون كارثة، لأنها ستأكل الإنسان والحيوان، لكونها حيوانات مفترسة بطبيعتها».

وقال عمر إن الأسد، على سبيل المثال، يحتاج لأكثر من 3 كيلوغرامات من اللحم يومياً، أما الضبع فيحتاج إلى كيلوغرام لحم في اليوم، مما يجعل توفيرها أثناء الحرب والقتال صعباً وغير ممكن، فيما راجت معلومات وتم تداول صور لأسود تتجول في شوارع الخرطوم بلا رقيب، لكن التقصي أثبت أنها غير صحيحة.

ورسمت البروفسورة منال الفاتح، من متحف السودان للتاريخ الطبيعي التابع لجامعة الخرطوم، صورة مأسوية للحيوانات الموجودة في المتحف، وقالت إنها لم تأكل أو تشرب طوال أكثر من 15 يوماً، هي أيام الحرب بين الجيش و«الدعم السريع». وأضافت في إفادة لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد يستطيع الذهاب إلى المتحف الواقع في شارع الجامعة القريب من القصر، حيث تدور المعارك، لمعرفة وضع الحيوانات». وتابعت: «أتوقع موت بعض الحيوانات، كما أن البيئة ستكون سيئة في المتحف»، مشيرة إلى أنه يضم عدداً كبيراً من الحيوانات، مثل التماسيح، والأصلة، والسلاحف، والطيور، والقردة، وغيرها من الحيوانات النادرة التي تم إحضارها من الولايات السودانية لإجراء الأبحاث عليها، مؤكدة أن البعض يسعى لإنقاذ الحيوانات، لكن المشكلة تكمن في خطورة الوصول للمتحف.

وأرسلت مديرة متحف السودان للتاريخ الطبيعي، الدكتورة سارة عبد الله، خطاباً إلى مجموعة اتحاد المتاحف العالمية (ICOM) قبل ثلاثة أيام، بطلب منه، جاء فيه أن المتحف متخصص في التراث الطبيعي السوداني، إلى جانب كونه مركزاً بحثياً يحوي عينات مرجعية مختلفة لأنواع متعددة من الحيوانات التي جمعت من مناطق السودان المختلفة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. وأوضحت في رسالتها أن الوضع الحالي للمتاحف السودانية يمثل أعلى درجات الخطورة، بسبب وجودها في قلب منطقة المعارك بين الفريقين المتحاربين، ولا توجد فيها حراسة ولا رقابة، ما يعرض مقتنياته للسرقة والتخريب في أي لحظة، إضافة للضرر من المعارك نفسها.

وتابعت سارة عبد الله: «أصحاب النفوس الضعيفة، في ظل غياب دور الشرطة والرقابة الأمنية على المتاحف، قد يستغلون الوضع لسرقة مقتنيات المتاحف وتهريبها خارج البلاد».

ويقول محمد النجومي، المتخصص في حقوق الإنسان، إن إطلاق سراح الحيوانات المفترسة، خاصة الأسود والذئاب والنمور، يمثل تهديداً وخطراً كبيراً على الطمأنينة والسلامة العامة للمواطنين، وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان المتمثلة في الحق في الأمن والسلامة والحق في الحياة وفي الصحة، حيث تنتهك هذه الحقوق بشكل واسع بسبب قيام مسؤولي حديقة الحيوانات أو الحياة البرية، أو غيرهم من المسؤولين عن رعايتها وتربيتها، بإطلاقها في الشوارع والأحياء بين المواطنين.

وأوضح أن خروج الحيوانات المفترسة من الحدائق ستتضرر منه الفئات السكانية الأقل هشاشة، مثل الأطفال وذوي الإعاقة والنساء، لعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم ضد الحيوانات المفترسة، مما يؤدي لوقوع أضرار جسدية ونفسية بالغة لهم.

وتنص قوانين الحياة البرية السودانية والقوانين ذات الصلة، على التجريم المشدد في حال إهمال الحيوانات المفترسة في أماكن رعايتها، خاصة إطلاقها بين المواطنين بشكل يهدد حياتهم وأرواحهم للخطر. وأضاف النجومي: «يجب على السلطات المختصة التشدد في عدم إهمالها وإطلاق سراحها تحت أي مبرر وذريعة كانت، وأن يقدَّم الموظفون المسؤولون عن ذلك للعقاب والمحاسبة القانونية».


مقالات ذات صلة

ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

تحليل إخباري محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية) play-circle

ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

أصدرت الرئاسة المصرية عقب زيارة البرهان للقاهرة بياناً تضمن خطوطاً حمراء للحرب في السودان، تنطلق من وحدة السودان ومؤسساته، ولوّحت بالدفاع المشترك لدعمه.

وجدان طلحة (بورتسودان)
خاص وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

خاص وزير الخارجية المصري لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»

حاورت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي، بمكتبه بالعاصمة الإدارية الجديدة، حول عدد من الملفات التي تضطلع بها القاهرة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا صورة فضائية تُظهر حريقاً في مستودع لخزانات الوقود بعد هجوم بطائرة مُسيَّرة شنَّته «قوات الدعم السريع» خارج بورتسودان (أ.ب) play-circle 00:32

الأمم المتحدة: مئات القتلى في هجوم «الدعم السريع» على مخيم بدارفور في أبريل

ذكر تقرير للأمم المتحدة، الخميس، أن أكثر من ألف مدني قُتلوا في هجوم شنّته «قوات الدعم السريع» خلال أبريل (نيسان) الماضي، في مخيم زمزم للنازحين بشمال دارفور.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يصافح قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان في القاهرة 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

السيسي يحذر من محاولة تجاوز «خطوط مصر الحمراء» بشأن وحدة السودان

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الخميس، ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب) play-circle

الأمم المتحدة: أكثر من ألف قتيل في هجوم «الدعم السريع» على مخيم للاجئين في أبريل

أعلنت مفوضية الأمم المتحدة أنّ أكثر من ألف مدني قُتلوا في هجوم شنّته قوات الدعم السريع خلال أبريل الماضي في مخيم زمزم للنازحين.

«الشرق الأوسط» (بورت سودان )

ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
TT

ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

بلغة واضحة لا تخلو من حدة، وعقب زيارة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى القاهرة، أصدرت الرئاسة المصرية بياناً حول الحرب السودانية، تضمن 3 نقاط وصفتها بالخطوط الحمراء، وقالت إنها لن تسمح بتجاوزها أو التهاون بشأنها، لأنها تمس الأمن القومي المصري المرتبط بالأمن القومي السوداني مباشرةً. وجاءت الإشارة إلى تفعيل «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين تلويحاً بإمكانية إلقاء مصر بثقلها العسكري والسياسي والدبلوماسي لصالح الجيش السوداني.

اتفاقية الدفاع المشترك

في مارس (آذار) من عام 2021، وقّعت مصر «اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان»، تغطي «مجالات التدريب، وتأمين الحدود، ومواجهة التهديدات المشتركة»، وسبقها «اتفاق للدفاع المشترك» وقّعه البلدان في عام 1976 في عهد حكم الرئيسين السوداني جعفر نميري، والمصري أنور السادات، ونصت المادتان الأولى والثانية على أن أي اعتداء على طرف يعد اعتداء على الآخر، وعلى التشاور الفوري الذي يتضمن استخدام القوة المسلحة لرد العدوان، وعلى التزام الطرفين بتنسيق سياساتهما الدفاعية والعسكرية في المسائل المتعلقة بأمن البلدين القومي.

النميري ضابطاً في القاهرة قبل توليه الرئاسة بـ15 عاماً (أ.ف.ب)

وبعد سقوط نظام جعفر النميري بالثورة الشعبية في 1985، أبلغ رئيس الوزراء وقتها الصادق المهدي القيادة المصرية رغبته في إلغاء «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين، وبدلاً عنها تم توقيع ما عُرف بـ«ميثاق الإخاء» في 1987، لم ينص صراحة على إلغاء اتفاقية 1976، لكن لم يتم الحديث عنها أو تحريك «آلياتها» منذ ذلك الوقت.

رسائل إقليمية ودولية

اعتبر الكاتب الصحافي السوداني، رئيس تحرير صحيفة «التيار»، عثمان ميرغني، التصريحات المصرية، رسائل إقليمية ودولية في سياق التطورات الأخيرة المرتبطة بمهددات أمنية خطيرة على السودان، مشيراً إلى «تمدد (قوات الدعم السريع) في إقليمي دارفور وكردفان بصورة تهدد الأمن القومي السوداني المصري المشترك، مع وجود مخاطر انقسام جغرافي يهدد وحدة السودان».

ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مصر لأول مرة تستخدم لغةً مباشرةً وخشنةً، وتلوح بإمكانية تدخلها وفق القانون الدولي في أحداث السودان، وأضاف: «هذا يعبر عن مستوى القلق المصري من الوضع في السودان». وأشار ميرغني إلى إمكانية «التدخل المباشر» تحت ذريعة القانون الدولي وفقاً لما جاء في بيان الرئاسة المصرية، وقال إن «الخطوط الحمراء رسالة موجهة للجميع، فاللاعبون المؤثرون في المشهد السوداني كثر».

الخطوط الحمراء

أول الخطوط الحمراء التي ذكرتها القاهرة، هي الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني، وعدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان، وجددت رفضها القاطع إنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه.

وشددت مصر وفقاً للبيان على الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بها، مؤكدةً على حقها الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي، من بينها تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين الشقيقين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها.

وزير الخارجية السوداني السابق على يوسف أشار إلى توقيت زيارة البرهان إلى القاهرة، وقال إنه جاءت عقب زيارته الاثنين الماضي إلى المملكة العربية السعودية، وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، وتأتي في إطار جهود إنهاء الحرب في السودان عبر الآلية الرباعية التي تضم السعودية والإمارات ومصر وأميركا، وأوضح يوسف لـ«الشرق الأوسط»، أن البرهان أطلع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على مخرجات زيارته إلى السعودية، وآخر التطورات في السودان.

وقال إن الزيارة لا تشبه مراسم الزيارات العادية، وجاءت نتيجةً لتطورات الحرب السودانية، لأن أمن مصر مرتبطٌ ارتباطاً عضوياً بأمن السودان، ونبه إلى أن مصر جزءٌ من الآلية الرباعية التي تسعي لإنهاء الحرب التي اقتربت من عامها الثالث.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

الخبير العسكري السوداني، المعتصم عبد القادر، قال إن تفعيل الاتفاقية المشتركة بين السودان ومصر يعني أن يكون هناك تدخل مصري، بأشكال مختلفة، يمكن أن يشمل توفير الأسلحة والذخائر أو التدخل المباشر، وحسب بنود الاتفاقية التي تنص على أن على جيشي الدولتين الدفاع عن الأخرى، وأضاف: «الخطوط التي جاءت في بيان الرئاسة المصرية خطوة متقدمة، وتعني الكثير للدولة السودانية». ووصف عبد القادر في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، حماية البلدين لبعضها البعض، بأنها «مسألة تاريخية ممتدة منذ الحروب التي حدثت في مصر في القرن الماضي، وشاركت فيها القوات المسلحة السودانية».

رأي «الدعم السريع»

قال مستشار قائد «قوات الدعم السريع»، الباشا طبيق، في تصريحات على صفحته بمنصة «إكس»، إن موقف مصر الوارد في البيان «يُعد تدخلاً سافراً، وانحيازاً لطرف معين، وتعاملاً استعمارياً، ينظر إلى السودان بوصفه حديقة خلفية لها». مصدر آخر موال لـ«الدعم السريع» قال إن الاتهامات لمصر بدعم الجيش لم تتوقف يوماً منذ بدايات الحرب، وأشار إلى وجود قوات مصرية في قاعدة مروي الجوية بشمال البلاد في بدايات الحرب، حين تم أسر بعض الجنود والضباط المصريين، ثم تسليمهم إلى القاهرة لاحقاً.

وأشار المصدر أيضاً إلى اتهام قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، الجيش المصري، بـ«شن ضربات جوية على قواته»، وإمداد الجيش السوداني بطائرات مسيرة وتدريبه. وأن حميدتي جدد اتهاماته في يونيو (حزيران) الماضي بدعم القاهرة للجيش السوداني وتزويده بطائرات يقودها طيارون مصريون قصفت مناطق سيطرة قواته، وتزويد الجيش بأسلحة ووقود طائرات، معتبراً ذلك «عدواناً سافراً على الشعب السوداني». ويقول المصدر، الذي طلب حجب هويته، إن مصر تتدخل في الحرب في السودان من الأساس، وتفعيل اتفاقية «الدفاع المشترك» ما هو إلا تحصيل حاصل.

ترف الوقت

السفير السوداني الصادق المقلي قال إن مصر تعمل مع السعودية والمجموعة الرباعية الدولية، بإيعاز وتنسيق مع الولايات المتحدة، لإعطاء دفعة قوية لموضوع السودان، وأضاف: «أميركا تستخدم الآن القوة الناعمة بدلاً عن العصا، التي هي خيار مؤجل لحين استنفاد المساعي المكوكية التي يقوم بها كبير مستشاري الرئيس الأميركي مسعد بولس في المنطقة».

وأوضح المقلي في إفادته لـ«الشرق الأوسط»، أن واشنطن تعلم تماماً تأثير كل من السعودية ومصر، وقدرتهما على إقناع وتليين موقف الحكومة السودانية الرافض للمبادرة الأميركية الأخيرة.

وقال إن البرهان لا يملك في الوقت الحالي «ترف الوقت»، فما يجري في السودان هو أسوأ كارثة إنسانية بحسب وصف المجتمع الدولي لها، وأضاف: «الملاحظ أن مصر في شخص وزير خارجيتها بدر عبد العاطي شبه تفرغ لإنجاح (الرباعية)، باعتبار أن استمرار الوضع الراهن في السودان يهدد أمنها القومي».

ووصف السفير المقلي زيارتي البرهان لكل من الرياض والقاهرة بـ«الأمتار القصيرة» التي على البرهان قطعها للاقتناع بمبادرة «الرباعية»، وتابع: «زيارة السعودية أحدثت نقلة نوعية في الموقف الرسمي للحكومة السودانية، وأعربت بعدها الخارجية عن حرص بورتسودان على التعاون مع الرئيس دونالد ترمب ووزير خارجيته ومستشاره بولس، وجهودهم لتحقيق السلام في السودان»، وتوقع مستجدات وشيكة لحل الأزمة السودانية قد تحدث اختراقاً كبيراً.


ترمب يعطي إشارة تعزز فرص زيارة السيسي للولايات المتحدة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
TT

ترمب يعطي إشارة تعزز فرص زيارة السيسي للولايات المتحدة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

رحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب باستقبال نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في الولايات المتحدة، وسط تسريبات إسرائيلية - أميركية عن «زيارة محتملة قد تأتي بالتزامن مع أخرى مماثلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لواشنطن».

ذلك الترحيب يعد تمهيداً لزيارة مرتقبة للرئيس المصري لواشنطن، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «أمر إعلان التوقيت من عدمه يخص الرئاسة المصرية»، وشددوا على أن «العلاقات المصرية - الأميركية استراتيجية، وأي زيارة ستعزز اتفاق غزة، وستكون على أولويات لقاء للرئيسين المنتظر بواشنطن».

وقال ترمب، الخميس، إن السيسي «صديق لي، وسأكون سعيداً بلقائه أيضاً»، وذلك رداً على سؤال عما إذا كان الرئيس المصري يعتزم زيارة الولايات المتحدة. وجاءت تصريحات ترمب بالتزامن مع حديث وسائل إعلام إسرائيلية عن زيارة محتملة للرئيس المصري إلى واشنطن، الشهر الحالي؛ لإجراء محادثات مع نظيره الأميركي تتضمّن مجموعة من القضايا الإقليمية الرئيسية، بما في ذلك العلاقات بين مصر وإسرائيل في أعقاب الحرب على غزة، وقضية «سد النهضة» الإثيوبي، بينما لم تعلق الرئاسة المصرية بعد على تساؤلات من «الشرق الأوسط» بشأن تلك الأنباء.

رئيس «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد العرابي، يرى أن إعلان الزيارة المرتقبة أمر يخص الرئاسة المصرية، لكن يبقى حديث الرئيس الأميركي دليلاً على تقدير لمصر ورئيسها وتأثيرها في المنطقة.

وبرأي عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية، السفير محمد حجازي، فإن حديث ترمب «يعبر عن تقديره للرئيس السيسي وجهوده لاحتواء التصعيد في المنطقة، وطرح الرؤى البناءة بعد استضافة شرم الشيخ المصرية واحدة من أهم قمم السلام في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي»، مرجحاً إتمام زيارة مرتقبة للرئيس السيسي إلى الولايات المتحدة لكن ليس في ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

مراسم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة في شرم الشيخ المصرية أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

وتزامن حديث ترمب أيضاً، مع إعلان مصدر إسرائيلي لشبكة «سي إن إن»، الخميس، أن إعلان بنيامين نتنياهو بشأن صفقة الغاز «جزء من جهود تمهيدية لعقد اجتماع محتمل بالولايات المتحدة بين نتنياهو والسيسي».

بينما رد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، مساء الخميس، على ما يثار بشأن احتمال عقد قمة بين الرئيس السيسي ونتنياهو، قائلاً: «هذا شيء وهذا شيء، ما يتردد ليس هناك شيء رسمي بشأنه، والرئيس السيسي سيكون حريصاً على اتخاذ ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة».

ويأتي الحديث الأخير عن زيارة محتملة للسيسي إلى واشنطن بعد شهرين من التوصُّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بغزة في 13 أكتوبر الماضي، بموجب اتفاق توسَّطت فيه مصر، واستضافت القائمين عليه في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر. وبدأت العلاقات المصرية - الأميركية مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في صيف 2014، تأخذ منحى إيجابياً لم يخلُ أيضاً من تباينات، وذلك في 4 فترات رئاسية شملت باراك أوباما، ثم الفترة الأولى لدونالد ترمب، ثم جو بايدن، وأخيراً الفترة الثانية من ترمب.

وأُثيرت أنباء في فبراير (شباط) 2025 عن زيارة للسيسي للقاء ترمب، قبل أن يتم الحديث بوسائل إعلام آنذاك، عن تأجيل الزيارة لأجل غير مسمى على خلفية تباينات مصرية أميركية بشأن ملف تهجير الفلسطينيين لمصر والأردن الذي طرحه الرئيس الأميركي آنذاك. قبل أن تعود العلاقات المصرية - الأميركية بقوة وتقود واشنطن والقاهرة مؤتمر شرم الشيخ للسلام الذي انتهي باعتماد خطة ترمب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

ويرى العرابي أن العلاقات المصرية - الأميركية استراتيجية، وأن هناك تعويلاً مصرياً على دور ترمب بشأن قضايا المنطقة لا سيما في غزة بوصفه حاسماً، متوقعاً أن تسهم جهود مصر مع واشنطن في أن يتم الدفع باتفاق غزة حتى تنفيذه كاملاً. وأكد حجازي أن الرئيس السيسي في أي زيارة مرتقبة للولايات المتحدة سيكون تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن واستقرار غزة أبرز الملفات.


توافق مصري - روسي على «توسيع التنسيق السياسي» في القضايا الإقليمية والدولية

وزير الخارجية المصري خلال استقبال نظيره الروسي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال استقبال نظيره الروسي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)
TT

توافق مصري - روسي على «توسيع التنسيق السياسي» في القضايا الإقليمية والدولية

وزير الخارجية المصري خلال استقبال نظيره الروسي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال استقبال نظيره الروسي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)

توافقت مصر وروسيا على «توسيع التنسيق السياسي» بين البلدين في مختلف القضايا الإقليمية والدولية. وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عقب استقباله نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في القاهرة، الجمعة، إن «المحادثات تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية إضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».

وأكد وزير الخارجية المصري، في مؤتمر صحافي مشترك عقب اللقاء، على «العلاقات الراسخة وأطر الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع بين مصر وروسيا»، مشيراً إلى ترأسه ونظيره الروسي «أعمال المنتدى الوزاري الثاني للشراكة الروسية - الأفريقية»، الذي تستضيفه القاهرة في إطار «تعزيز أطر الشراكة والتعاون الثلاثي بين مصر وروسيا والقارة الأفريقية».

وقد أعرب لافروف عن تقدير بلاده لاستضافة مصر لـ«المنتدى الوزاري الثاني للشراكة الأفريقية - الروسية»، مشيراً إلى أنه ناقش مع عبد العاطي «تنمية العلاقات بين موسكو وجامعة الدول العربية باعتبار أن القاهرة تستضيف مقر الجامعة العربية». وقال لافروف إن «المحادثات تناولت القضايا الدولية والإقليمية، وتم الاتفاق على توسيع التنسيق السياسي بين مصر وروسيا في المحافل الدولية وفي إطار الحوارات بين روسيا والدول العربية».

ومن المقرر أن يلتقي لافروف والوزراء الأفارقة المشاركين في الاجتماع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القاهرة السبت، حسب عبد العاطي.

وتناولت المشاورات المصرية - الروسية، الجمعة، التطورات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها المستجدات الأخيرة في قطاع غزة، والسودان، وليبيا، وإيران، والأزمة الأوكرانية، وقال عبد العاطي إن «التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم تؤكد أن تحقيق الأمن والاستقرار لن يتم دون تنسيق جاد مع الشركاء الدوليين»، معرباً عن «ترحيبه بالتعاون مع موسكو في دعم السلام وتسوية الأزمات بالحلول السياسية وبروح من المسؤولية والتوازن».

بدر عبد العاطي وسيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)

وأشار وزير الخارجية المصري إلى أنه ناقش مع نظيره الروسي الجهود الحثيثة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وضمان نفاذ المساعدات بالتعاون مع الضامنين والشركاء الدوليين. وقال: «توافقنا على خطورة السياسات الحالية التي تقوض مساعي التهدئة وتؤدي إلى مزيد من التصعيد وعدم الاستقرار، وأكدنا ضرورة ممارسة الضغوط الحقيقية والفعالة لوقف الانتهاكات، وإدخال المساعدات إلى غزة دون قيد أو شرط».

من جانبه، أكد لافروف أن «روسيا تؤيد حل القضية الفلسطينية على أساس المرجعيات الدولية وحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة». واستعرض الوزيران تطورات الأوضاع في السودان، حيث أعرب عبد العاطي عن «قلق مصر البالغ من استمرار حالة التصعيد في السودان»، مشيراً إلى أن «هناك خطوطاً حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها باعتبار أن ذلك يمس الأمن القومي المصري مباشرة». وتوافق الوزيران على «ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى الإسراع بإنهاء هذه الأزمة ووقف معاناة الشعب السوداني والتأكيد على وحدة الأراضي السودانية وصون المؤسسات الوطنية».

وبشأن الوضع في ليبيا، أكد الوزيران على «أهمية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالتزامن مع ما يفضي إلى تشكيل قيادة ليبية موحدة قادرة على إنهاء حالة الانقسام ووضع حد للأزمة الممتدة منذ عام 2011».

وشهدت المشاورات تبادل وجهات النظر حول تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي على «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد وبناء الثقة وتهيئة الظروف بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

عبد العاطي أكد على العلاقات الراسخة وأطر الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع بين مصر وروسيا (الخارجية المصرية)

وعلى صعيد الأزمة الأوكرانية، أكد عبد العاطي «موقف مصر الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار»، معرباً عن استعداد القاهرة للمساهمة في أي جهد لتسوية هذه الأزمة.

بدوره قال لافروف إن «بلاده مستعدة للتوصل لحل عادل للأزمة الأوكرانية»، وأشار إلى «أهمية نتائج المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية في هذا الشأن».

وتناولت المحادثات العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث أكد الوزيران على «الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو»، وشددا على أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية في الضبعة، والمنطقة الصناعية الروسية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إضافة إلى زيادة حجم التبادل التجاري والتعاون في مجالات السياحة والنقل. وأعرب عبد العاطي عن تطلعه لـ«تسريع وتيرة العمل في المنطقة الصناعية الروسية». وعدّ محطة الضبعة النووية «لحظة تاريخيّة تؤكد عمق العلاقات بين مصر وروسيا، التي اتخذت منحنى تصاعدياً ملموساً على جميع المستويات». كما أوضح لافروف أن حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا وصل العام الماضي إلى 9.3 مليار دولار بزيادة 31 في المائة بالمقارنة بعام 2023. وقال إن «السد العالي كان رمزاً للشراكة بين البلدين والآن محطة الضبعة تعد رمزاً جديداً لتقوية العلاقات».

وعقد عبد العاطي، الجمعة، لقاءات ثنائية مع نظرائه الأفارقة على هامش أعمال «الاجتماع الوزاري الروسي - الأفريقي» الذي تستضيفه القاهرة على مدار يومين.