لبنان يشدّد الخناق المالي على «حزب الله»

إجراءات جديدة تطول جمعية «وتعاونوا»

رجل يقود دراجته النارية أمام موقع غارة جوية ليلية استهدفت فرعاً لمجموعة «القرض الحسن» للتمويل بالضاحية الجنوبية لبيروت خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة (أ.ف.ب)
رجل يقود دراجته النارية أمام موقع غارة جوية ليلية استهدفت فرعاً لمجموعة «القرض الحسن» للتمويل بالضاحية الجنوبية لبيروت خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة (أ.ف.ب)
TT

لبنان يشدّد الخناق المالي على «حزب الله»

رجل يقود دراجته النارية أمام موقع غارة جوية ليلية استهدفت فرعاً لمجموعة «القرض الحسن» للتمويل بالضاحية الجنوبية لبيروت خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة (أ.ف.ب)
رجل يقود دراجته النارية أمام موقع غارة جوية ليلية استهدفت فرعاً لمجموعة «القرض الحسن» للتمويل بالضاحية الجنوبية لبيروت خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة (أ.ف.ب)

يمارس لبنان تصعيداً متدرّجاً في إجراءات الرقابة المالية التي تطول شركات تحويل الأموال والجمعيات المحلية، في سياق سياسة رسمية يُنظر إليها كجزء من مسار متكامل لتجفيف مصادر التمويل الموازي، وضمان امتثال البلاد لمعايير مجموعة العمل المالي (FATF) الدولية في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

إقفال جمعية «وتعاونوا»

أحدث فصول هذا التشديد تمثّل في إقدام شركة «ويش موني» (Whish Money) على إقفال حساب جمعية «وتعاونوا»، التي نشطت منذ نهاية الحرب في جمع التبرعات لإعادة إعمار المنازل المدمّرة، وتأمين مراكز تعليم مؤقتة في القرى الحدودية.

مع العلم أن الجمعية التي تُعدّ من أبرز الهيئات المحسوبة على بيئة الحزب، تلقت تهديداً إسرائيلياً عبر اتصال هاتفي بقصف مكاتبها على طريق المطار في 27 سبتمبر (أيلول) 2024، يوم اغتيال إسرائيل الأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله.

موقف الجمعية

وفي بيانٍ للجمعية، قالت: «فوجئنا أخيراً بقيام شركة (Whish Money) بإغلاق حسابنا المخصص لجمع التبرعات، رغم تقديمنا كل المستندات المطلوبة لإعادة تفعيله، ما عرّض خططنا ومشاريعنا، خصوصاً في القرى الحدودية، لخطر التوقف».

وأضافت: «نأسف لأن يأتي هذا القرار ضمن سلسلة ممارسات تهدف إلى تعطيل جهود الإعمار ودعم الأهالي، من استهداف منشآت ومؤسسات، إلى إقفال حسابات الناشطين العاملين في الإغاثة».

تعاميم «المركزي» وتشدّد عدلي

وإلى جانب الإجراءات المالية، برز خلال الأسبوع الماضي تعميم لوزير العدل اللبناني عادل نصّار موجّه إلى الكتّاب العدل، يطلب منهم «التقيد الصارم بإجراءات التحقق من هوية الأطراف في جميع المعاملات ذات الطابع المالي، لا سيّما العقود التي تتضمّن تحويلات نقدية أو تبرعات أو تنازلات مالية»، مع التشديد على «وجوب التبليغ الفوري إلى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان عند أي شبهة حول مصدر الأموال أو الغاية من العملية».

وحسب مصادر قضائية تحدّثت إلى «الشرق الأوسط»، فإنّ «الهدف من هذا التعميم هو سدّ الثغرات القانونية التي استُخدمت في السنوات الأخيرة لتمرير أموال أو نقل ملكيات بطرق ملتوية، في ظلّ تصاعد الضغوط الدولية على لبنان للالتزام الكامل بمعايير الشفافية ومكافحة تمويل الإرهاب».

وتشير المصادر إلى أنّ تعميم نصّار يأتي «مكمّلاً لخطوات مصرف لبنان الذي شدّد الرقابة على مؤسسات الصيرفة والتحويل، ليشكّلا معاً شبكة رقابة مزدوجة بين القطاع المالي والجهات العدلية، تهدف إلى تتبّع حركة الأموال من لحظة تحويلها حتى توثيقها في العقود المدنية».

الرقابة الدولية

وفي هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان لـ«الشرق الأوسط» إنّ «شركات تحويل الأموال في لبنان «تخضع مباشرة لرقابة مصرف لبنان وهيئاته التنظيمية، وتعمل وفق معايير الامتثال المالي التي تفرض عليها التدقيق في كل العمليات الواردة والصادرة لضمان عدم استخدامها في تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب».

مقر المصرف المركزي في بيروت (الوكالة الوطنية للإعلام)

وأوضح أبو سليمان أنّ «المصرف المركزي، من خلال الهيئة الخاصة للتحقيق المولجة بتطبيق القانون الرقم 44 الصادر عام 2015، يشرف على هذا القطاع بشكل دقيق لضمان التزام لبنان بالمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب». وذكّر بأنّ «لبنان كان قد أُدرج سابقاً على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF)، وفي حال لم ينجز الإصلاحات المطلوبة قد يجد نفسه على اللائحة السوداء، وهو ما يشكّل خطراً بالغاً على القطاع المالي والاقتصاد ككل».

وأضاف أنّ «المرحلة الحالية تشهد تشدداً متزايداً من جانب المجتمع الدولي في تتبّع مصادر التمويل المرتبطة بـ«حزب الله»، خصوصاً بعد مراقبة نشاط مؤسسة (القرض الحسن) التي سبق أن أعلن مصرف لبنان بشكل واضح أنها خارج المنظومة المصرفية الشرعية».

تشديد الخناق

ولفت إلى أنّ «التضييق اليوم بات موجهاً نحو شركات تحويل الأموال التي تُستعمل كقنوات بديلة، وهو ما يعكس رغبة لبنانية في إثبات جدّيتها في التعاون مع المجتمع الدولي لضبط حركة الأموال ومكافحة التمويل غير المشروع».

وأشار أبو سليمان إلى أنّ «هذا التشديد من شأنه أن ينعكس خناقاً مالياً على الحزب، خصوصاً فيما يتصل بعمليات إعادة الإعمار في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، حيث ما زالت أضرار الحرب الأخيرة واضحة».

«القرض الحسن»

وفيما يتعلق بمصير مؤسسة «القرض الحسن»، شدّد أبو سليمان على أنّ «هذه الجمعية، رغم امتلاكها علماً وخبراً قديماً من وزارة الداخلية، تُعتبر قانوناً خارجة عن الإطار الشرعي المالي لأنها تقدّم خدمات مصرفية دون ترخيص من مصرف لبنان، وهو الجهة الوحيدة المخوّلة تنظيم القطاع المالي». وأوضح أنّ «المصرف المركزي لا يملك صلاحية تنفيذية لإقفالها بالقوة، ما يجعل تحرّك وزارة الداخلية والحكومة ضرورياً إذا تقرّر اتخاذ إجراء ميداني بحقّها».

ورأى أنّ «لبنان يوجّه اليوم رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أنّه يلتزم بخطوات حقيقية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلا أنّ هذه الإجراءات رغم أهميتها تبقى غير كافية ما لم تُستكمل بإصلاحات مالية وهيكلية أوسع تعيد الثقة بالنظام المصرفي اللبناني وتُخرج البلاد من دائرة الشبهات».

وتجمع الأوساط الاقتصادية والمالية على أنّ هذه الخطوات من تعميم مصرف لبنان رقم 170، إلى تعميم وزير العدل عادل نصّار، مروراً بتشدّد شركات التحويل، تندرج في إطار خطة وطنية لإثبات التزام لبنان قبل الموعد النهائي لتقييم مجموعة العمل المالي مطلع العام المقبل.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي الجدار الذي تقوم إسرائيل ببنائه عند الحدود مع لبنان (أ.ف.ب)

تل أبيب تضغط على بيروت بـ«الجدار» وتعتدي على «اليونيفيل»

تتوسّع إسرائيل في انتهاكاتها اليومية جنوب لبنان حيث تواصل منذ أيام «أعمال بناء إضافية لجدار» بالمنطقة.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي رئيس حزب «القوات» سمير جعجع يتوسط الوزراء يوسف رجي وجو صدي وجو عيسى الخوري وكمال شحادة المحسوبين عليه في الحكومة (أرشيفية - إعلام القوات)

«القوات اللبنانية» يرفع حدة مواقفه من الحكومة والعهد

ارتفعت في الأيام القليلة الماضية حدّة مواقف حزب «القوات اللبنانية» من الحكومة التي هو شريك أساسي فيها، من خلال 4 وزراء، كما من رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي دورية لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) قرب قرية كفركلا الحدودية جنوب البلاد (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

«يونيفيل»: دبابة إسرائيلية أطلقت النار على قواتنا في جنوب لبنان

قالت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، الأحد، إن دبابة إسرائيلية أطلقت النار على قوات حفظ السلام قرب موقع أقامته إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عون مترئساً جلسة الحكومة (رئاسة الجمهورية)

لبنان يشكو إسرائيل أمام مجلس الأمن بسبب «قضم الأراضي»

قرر لبنان تقديم شكوى عاجلة لمجلس الأمن بعد تقارير أصدرتها قوة حفظ السلام الدولية العاملة في جنوب البلاد، وتحدثت فيها عن بناء إسرائيل جداراً حدودياً يخترق…

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل تضغط على لبنان بـ«الجدار»

عمال إسرائيليون أثناء عملهم على السياج الإسرائيلي عند الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)
عمال إسرائيليون أثناء عملهم على السياج الإسرائيلي عند الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تضغط على لبنان بـ«الجدار»

عمال إسرائيليون أثناء عملهم على السياج الإسرائيلي عند الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)
عمال إسرائيليون أثناء عملهم على السياج الإسرائيلي عند الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)

واصلت إسرائيل ضغطها على لبنان باستمرار «أعمال بناء إضافية لجدار» في جنوب لبنان، فيما أعلنت قوات «يونيفيل»، تعرضّها أمس إلى إطلاق نار مباشر من القوات الإسرائيلية.

وقالت «يونيفيل» في بيان إن دبابة ميركافا إسرائيلية أطلقت النار على قواتها قرب موقع أقامته إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية، وعَدّت الحادث «انتهاكاً خطيراً لقرار مجلس الأمن رقم (1701)».

ورغم تقديم لبنان شكوى إلى مجلس الأمن فيما يتعلق بالجدار، واصلت إسرائيل «أعمال بناء إضافية للجدار» الذي تجاوز جزء منه جنوب شرقي بلدة يارون؛ أي «الخط الأزرق»، وفق «يونيفيل».

ويقول اللواء الركن المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي، الذي ترأس الوفد اللبناني في المفاوضات البحرية بين لبنان وإسرائيل: «بعدما كنا نخاف أن تقوم تل أبيب بضم قرى الحافة الأمامية التي قامت بتدميرها، يؤشر بناؤها هذا الحائط إلى أنها لن تقوم بعملية الضم، ولكن ستكون المنطقة خاضعة لإجراءات أمنية خاصة، بحيث يكون لإسرائيل يد فيها على المنطقة».


لجنة تحقيق السويداء تتعهد محاسبة المتورطين وتطلب التمديد

تصاعد الدخان جرّاء اشتباكات بين مقاتلين من العشائر وفصائل درزية محلية في السويداء يوليو الماضي (د.ب.أ)
تصاعد الدخان جرّاء اشتباكات بين مقاتلين من العشائر وفصائل درزية محلية في السويداء يوليو الماضي (د.ب.أ)
TT

لجنة تحقيق السويداء تتعهد محاسبة المتورطين وتطلب التمديد

تصاعد الدخان جرّاء اشتباكات بين مقاتلين من العشائر وفصائل درزية محلية في السويداء يوليو الماضي (د.ب.أ)
تصاعد الدخان جرّاء اشتباكات بين مقاتلين من العشائر وفصائل درزية محلية في السويداء يوليو الماضي (د.ب.أ)

أعلن رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في أحداث السويداء، حاتم النعسان، أن اللجنة لم تتمكّن من دخول مدينة السويداء بعد مرور أكثر من 4 أشهر على أعمال العنف الدامية في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، مشيراً إلى طلب تمديد عملها شهرين إضافيين.

وأوضح النعسان في مؤتمر صحافي عقد في دمشق، أمس، أن منهجية عمل اللجنة تتماشى مع معايير لجان التحقيق الأممية، مشدداً على أن «كل من يثبت تورطه في الأحداث ستتم محاسبته وفق القانون». وفي الأثناء، طالبت مجموعة اليمين العقائدي في إسرائيل، حكومة بنيامين نتنياهو، بتحديد سياسة واضحة إزاء سوريا تتجاوز التصريحات وتقرر المصالح الاستراتيجية. وحذرت من أن «البقاء في الضبابية يترك فراغاً يمكن ملؤه بسهولة في خطة أميركية لا تأخذ مصالحنا في الاعتبار».


«قوة غزة» أمام اختبار مجلس الأمن اليوم

خيام يستخدمها النازحون الفلسطينيون في وسط قطاع غزة الذي يواجه أجواء ممطرة (رويترز)
خيام يستخدمها النازحون الفلسطينيون في وسط قطاع غزة الذي يواجه أجواء ممطرة (رويترز)
TT

«قوة غزة» أمام اختبار مجلس الأمن اليوم

خيام يستخدمها النازحون الفلسطينيون في وسط قطاع غزة الذي يواجه أجواء ممطرة (رويترز)
خيام يستخدمها النازحون الفلسطينيون في وسط قطاع غزة الذي يواجه أجواء ممطرة (رويترز)

يصوت مجلس الأمن، اليوم، على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة بدعم دولي وإسلامي وعربي، لتبني خريطة الطريق التي طرحها الرئيس دونالد ترمب حول غزة، والتي من أبرز بنودها قوة الاستقرار الدولية.

وظهر شبح استخدام روسيا حق النقض «الفيتو»، بعدما قامت بعثتها بتوزيع مشروع قرار مضاد يدعو الأمم المتحدة إلى تقديم اقتراحات حول إنشاء «قوة غزة»، ويحذف الإشارة إلى «مجلس السلام» بقيادة ترمب.

وتحسباً لـ«الفيتو» الروسي المحتمل، نشطت الدبلوماسية الأميركية في اتجاهات عدة لدعم مشروع قرارها الذي يجري العمل عليه منذ أسابيع، كما أصدرت البعثة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة بياناً قالت فيه إن «محاولات زرع الفتنة الآن، لها عواقب وخيمة وملموسة، ويمكن تجنبها تماماً على الفلسطينيين في غزة».

ويشير المشروع الأميركي إلى أنه «بعد تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بإخلاص (...) قد تتهيأ الظروف في النهاية لمسار موثوق نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية». لكن ذلك البند أثار الحكومة الإسرائيلية التي قال رئيسها، بنيامين نتنياهو إنه «لم يُغيّر رأيه في رفض حل الدولتين». كما دفع بعض المقربين منه للتصريح بأنه سيعمل حتى اللحظة الأخيرة على إحداث تغيير في نص المشروع، وشطب عبارة «الدولة الفلسطينية».