استنفار أمني في المناطق الهشة أمنياً في سوريا

اجتماع في حلب لتهيئة بيئة آمنة داعمة لجهود التعافي

من الاجتماع الأمني في محافظة حلب وإدلب (محافظة حلب)
من الاجتماع الأمني في محافظة حلب وإدلب (محافظة حلب)
TT

استنفار أمني في المناطق الهشة أمنياً في سوريا

من الاجتماع الأمني في محافظة حلب وإدلب (محافظة حلب)
من الاجتماع الأمني في محافظة حلب وإدلب (محافظة حلب)

شهدت الساعات الأخيرة حالة استنفار أمني في مناطق واسعة من البلاد لا تزال تعاني من هشاشة أمنية خطيرة، تمتد من الشرق إلى الشمال وحتى الغرب، ترافقت مع توسيع الحملة الأمنية في دير الزور، وإعلان اعتقال عدد من الضباط البارزين في النظام السابق في الساحل، وانعقاد اجتماع أمني موسع لمحافظتي حلب وإدلب، وذلك بعد تزايد حوادث القتل والخطف والانفلات الأمني، في ظل انتشار السلاح خارج إطار القانون الذي لا يزال يهدد الاستقرار ويعيق جهود التعافي.

مصادر في دمشق قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الأجهزة الأمنية والعسكرية الجديدة لا تزال رخوة ولم يشتد عودها وتفتقر إلى الخبرة؛ فالدورات التي تجرى غير كافية لتخريج عناصر منضبطين، أشداء»، منتقدة «تركيز الدورات على الاهتمام بالعلوم الشرعية والدين، بدل التركيز على القوانين والتعامل مع المدنيين، والهندام والانضباط، بوصفه ذلك جزءاً من فرض هيبة الدولة والقانون».

الاجتماع الأمني الموسع الذي عقد، الأحد، في محافظة حلب، ناقش ظاهرة انتشار السلاح غير الشرعي والحد منها لتهيئة بيئة آمنة.

وقالت محافظة حلب إن «الاجتماع ضم نائب وزير الدفاع اللواء محمد شعيب، ومعاون وزير الداخلية للشؤون الأمنية اللواء عبد القادر طحان، وقائد الأمن الداخلي في حلب العقيد محمد عبد الغني، مع محافظ حلب عزام الغريب، ومحافظ إدلب محمد عبد الرحمن، إضافة إلى قادة الفرق العسكرية في حلب وإدلب». كما ناقش الاجتماع «سبل الحد من انتشار السلاح غير الشرعي، وتعزيز التنسيق الأمني والعسكري لضبط الأمن وتطبيق إجراءات صارمة».

وبحسب بيان المحافظة، أكد المجتمعون «أهمية التعاون بين الأجهزة الأمنية والتنفيذية بما يضمن حماية المدنيين وتهيئة بيئة آمنة داعمة لجهود التعافي في الشمال».

توسع الحملة في دير الزور

وفي دير الزور أعلن قائد قوى الأمن الداخلي في المحافظة، العقيد ضرار الشملان، عن توسيع الحملة الأمنية في المحافظة، في المرحلة الثانية من الحملة الأمنية المشتركة مع وزارة الدفاع، لملاحقة عناصر سابقين ومنتسبين لـ«الفوج 47» الذي كان تابعاً لـ«الحرس الثوري الإيراني» في منطقة البوكمال شرق محافظة دير الزور.

العقيد ضرار الشملان ومدير منطقة البوكمال عبد الله الحسين يتفقدان سير العملية الأمنية في منطقة البوكمال (الداخلية السورية)

وقال العقيد الشملان في بيان له، الأحد، إنه تم اعتقال عدد من المطلوبين والمتورطين في جرائم تمس الأمن والاستقرار. وأوضح البيان أن التحرك جاء بعد ثبوت تورط عناصر الفوج 47 في عمليات اعتداء على المواطنين، وممانعة دوريات الأمن، ومخالفة إجراءات التسوية، من خلال عدم تسليم السلاح وعدم مراجعة مراكز التسوية، والضلوع في أعمال تهدد الاستقرار. وتوعد الشملان بعدم التهاون مع أي جهة تسعى لفرض نفسها على الناس خارج إطار القانون، داعياً السوريين إلى التعاون مع القوى الأمنية؛ لأن «المعركة هي معركة استقرار وعدالة، دون استثناء المتورطين والمتسترين على دعم الفلول الإجرامية»، حسب ما جاء البيان.

الأسلحة المصادرة في الميادين (محافظة دير الزور)

مصادر في دير الزور تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن صعوبات كبيرة تواجه القوى الأمنية في ضبط الأوضاع وسحب السلاح من العناصر السابقين في ميليشيات النظام السابق وإيران، وقالت إن معظمهم من أبناء العشائر في المنطقة، ولديهم نفوذ وارتباطات خارج الحدود؛ إذ إن جزءاً منهم شبكات تهريب سلاح ومخدرات، تجيد الانتقال والتخفي في البادية على جانبي الحدود مع العراق. وبحسب المصادر؛ فإن عملية ضبطهم تتطلب تعاوناً واسعاً مع الأهالي والعشائر، في ظل تشابك وتعدد القوى شرق وشمال شرقي البلاد.

وفي هذا السياق، تتصاعد شكاوى السوريين العرب في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» من ملاحقة الموالين للحكومة السورية، حيث داهمت عناصر من «قسد» عدة منازل في قرية السحلبية غرب الرقة ليل السبت، كما جرى اعتقال عدد من الموالين للحكومة في حي المشلب في مدينة الرقة.

 

تواصل التوتر في الساحل

 

في اللاذقية، وبينما كانت النيران تنشب في الريف الشمالي ملتهمة مساحات واسعة من الغابات، في أخطر موجة حرائق بعد حرائق عام 2020، تجدد الجدل حول خطف نساء الساحل مع عودة إحدى المخطوفات في ريف اللاذقية. وبحسب معلومات الناشط عزازيل ديب، فإنها اختطفت من قبل شاب من البدو وعادت إلى ذويها بمساعدة الأمن العام، وكانت في محافظة إدلب، دون ذكر تفاصيل أخرى.

كما أشار إلى عودة مخطوفة أخرى من طرطوس بعد تمكنها من الهرب من خاطفيها لدى توقفهم قبل نقطة أمنية، وقال عزازيل، في بث عبر حسابه في «فيسبوك»، إن أغلب حالات الخطف هدفها إما ديني بهدف «هداية» المخطوفات أو الابتزاز المالي.

وتشهد مناطق الساحل استنفاراً أمنياً مع تزايد جرائم القتل والخطف، آخرها وقع يوم الجمعة، عندما قام عنصر يتبع وزارة الدفاع بإطلاق النار على شابين في قرية البرجان بريف جبلة أثناء عملهما في أرضهما، ما أدى إلى مقتل واحد وإصابة الثاني، لتكون الحادثة الثانية من نوعها في أقل من أسبوع، حيث سبق وقتل مجهولون شابين يعملان بجمع أوراق الغار في ريف اللاذقية بإطلاق النار عليهما، كما تعرضت عائلة تعمل في رعي الأغنام من أهالي قرية الريجة بريف اللاذقية، لإطلاق نار على طريق القرداحة، أدى إلى إصابة الأم ومفارقة الأب والطفلة الحياة على الفور. وفي السياق ذاته، قتل يوم الجمعة ثلاثة عناصر من مرتبات الفرقة 86 في الجيش السوري، في هجوم مسلح من قبل مجهولين على طريق أثريا - خناصر في البادية السورية.

وأعلن قائد الشرطة العسكرية العميد علي الحسن، القبض على القتلة في جريمة قرية البرجان، وقال: «تبين أن أحد أطراف الحادثة من العاملين في إحدى فرق وزارة الدفاع»، وإن القاتل اعترف بقتل شاب وإصابة آخر «بعد مشاحنة ونقاش دار بينهم»، مشيراً إلى أنه جرى تحويله إلى القضاء العسكري.

أنور عادل الريحان متورط في سلسلة جرائم وانتهاكات في مجزرة البيضا في بانياس عام 2013 (الداخلية السورية)

وفي تطور لافت، كشف العميد عبد العزيز هلال الأحمد، قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية، تنفيذ سلسلة عمليات أمنية دقيقة أسفرت عن توقيف عدد من ضباط بارزين في النظام السابق ومجرمين، منهم العميد دعاس حسن علي، والعميد رامي منير إسماعيل، والعميد موفق نظير حيدر، إضافة إلى فراس مفيد سعيد، وفراس علي صبيح، وآصف رفعت سالم، والعقيد عمار محمد عمار.

وقال العميد الأحمد إنهم «تورطوا في عمليات تصفية وتعذيب وسوء استخدام السلطة، ضمن سياسات القمع التي انتهجها النظام البائد». كما كشف عن تمكن القوى الأمنية من تفكيك خلايا إرهابية متورطة في أحداث 6 مارس (آذار) الماضي، وتوقيف عمار شقيرة وأمير إسماعيل ناصيف، اللذين شاركا في عمليات إجرامية استهدفت أفراداً من المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنيين.

وبحسب العميد الأحمد، جرى أيضاً اعتقال عادل أحمد عبد المنعم الريحان وأنور عادل الريحان، المتورطين في سلسلة جرائم وانتهاكات في مناطق الساحل السوري وجسر الشغور، وعلى رأسها مشاركتهما في مجزرة البيضا في بانياس عام 2013.

 

 

 


مقالات ذات صلة

قوة إسرائيلية تتوغل في بلدة بيت جن بريف دمشق وترهب المدنيين

المشرق العربي رجل يقف قرب علم سوري في نقطة مراقبة مرتفعة تطل على دمشق (د.ب.أ)

قوة إسرائيلية تتوغل في بلدة بيت جن بريف دمشق وترهب المدنيين

توغلت قوة إسرائيلية اليوم (السبت) في بلدة بيت جن بريف دمشق بدبابتين و7 عربات في محيط بلدة بيت جن بريف دمشق، حسبما نقل تلفزيون سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق )
الاقتصاد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (فيسبوك)

حاكم «المركزي» السوري: قرار كندا رفع العقوبات يفتح صفحة جديدة من التعاون

رحب حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، بقرار كندا رفع العقوبات عن سوريا، بما يفتح صفحة جديدة من الفرص والتعاون البنّاء بين البلدين.

المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي (رويترز)

كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب

قالت الحكومة الكندية، اليوم (الجمعة)، إنها رفعت اسم سوريا من قائمة الدول الأجنبية الراعية للإرهاب وحذفت «هيئة تحرير الشام» من قائمة الكيانات الإرهابية.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

فرنسا تنظر بإيجابية إلى التحولات الجارية في سوريا

بعد عام على سقوط بشار الأسد، تنظر فرنسا بإيجابية للتطورات الحاصلة في دمشق، وتعتبر أن سوريا مستقرة ضرورة للتوازن الإقليمي والدولي.

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب».

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

قالت قناة «الأقصى» الفلسطينية إن خمسة أشخاص لقوا حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

ولم تذكر القناة أي تفاصيل أخرى على الفور.

وفي وقت سابق اليوم، أفادت إذاعة «صوت فلسطين» بمقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال غربي قطاع غزة.

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق دبابة متمركزة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

على الصعيد الآخر، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن قواته أطلقت النار على عدد من الأشخاص قال إنهم «اجتازوا الخط الأصفر وشكلوا تهديداً فورياً عليها»، مشيراً إلى أن القوات قتلت ثلاثة «لإزالة التهديد».

ومنذ بدء وقف إطلاق النار الهش، أفرجت «حماس» عن جميع الرهائن الأحياء وعددهم 20، وسلمت 27 جثة مقابل الإفراج عن نحو ألفي معتقل وسجين فلسطيني لدى إسرائيل.

ورغم تراجع وتيرة العنف، تواصل إسرائيل قصف غزة وتدمير ما تقول إنه بنية تحتية تابعة لـ«حماس». وتتبادل الحركة وإسرائيل الاتهامات بانتهاك الاتفاق.


التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
TT

التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)

يشكّل إعلان إسرائيل عن استعدادها لفتح قنوات تعاون اقتصادي مع لبنان، بالتزامن مع تكليف الرئيس اللبناني جوزيف عون للسفير السابق في واشنطن سيمون كرم ترؤس الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم»، محطة جديدة في مسار المواجهة المعقّدة بين بيروت وتلّ أبيب.

وبينما تبدو خطوة إسرائيل مجرد انفتاح اقتصادي، إلا أنها «تحمل في جوهرها رسائل سياسية ملغومة بتوقيت حسّاس جداً»، حسبما تقول مصادر لبنانية، و«تندرج ضمن مسعى إسرائيلي لإعادة رسم مشهد إقليمي يتيح لها الظهور بمظهر الساعي إلى الاستقرار، مقابل تحميل لبنان ولا سيما (حزب الله) مسؤولية استمرار التوتر».

ولا يعكس الموقف الإسرائيلي بالنسبة للبنان تغيّراً فعلياً في السلوك، أو المقاربة، بقدر ما يشكّل محاولة لتسويق صورة سياسية يريدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مرحلة دقيقة داخلياً، وإقليمياً. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل، التي تواصل عملياتها العسكرية في لبنان براً وبحراً وجواً، لا تبدو مستعدة لاتخاذ خطوات عملية، بل تكتفي بإشارات مرونة محسوبة، تؤسّس بمفهومها لمرحلة تفاوض محتملة حين تنضج الظروف، وتتقاطع الحسابات الإقليمية».

الغاز والنفط

ويشكّل موقع لبنان الجيوسياسي نقطة جذب إقليمية لإسرائيل، وكل دول المنطقة، رغم قدراته الاقتصادية المحدودة. ويقول مصدر رسمي لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن تل أبيب «لا تسقط من حساباتها إمكانية التعاون في مجال الطاقة والغاز، لا سيما بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقعته مع لبنان في العام 2022، حيث تسعى لإعطاء انطباع بأن شرق المتوسط يمكن أن يتحوّل إلى منطقة تبادل اقتصادي».

رئيس الحكومة نواف سلام خلال استقباله وفد مجلس الأمن الدولي في بيروت يوم الجمعة الماضي (إ.ب.أ)

ويلفت المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل «تولي أهمية قصوى للتعاون في البنى التحتية الحدودية، مثل إدارة الموارد المائية، خصوصاً أن طمعها بمياه لبنان تاريخي، كما تتطلع إلى ربط أسواق المنطقة ببعضها، خصوصاً إذا فُعّل مشروع ممرات النقل الإقليمي».

ويشدد المصدر الرسمي على أن «أي تعاون اقتصادي بين دولتين في حالة نزاع مستمر يتطلب أولاً وقفاً دائماً لإطلاق النار، يتبع بترتيبات أمنية واضحة، ثم فتح قنوات اتصال رسمية، مقرونة بضمانات دولية، لذلك تبقى المبادرة الإسرائيلية مجرّد خطوة يحاول نتنياهو استثمارها في الداخل، ليظهر للمجتمع الإسرائيلي أنه انتزع مكاسب مهمّة في بداية مرحلة التفاوض مع لبنان».

رسالة سياسية

وينظر الخبراء إلى المبادرة الإسرائيلية على أنها رسالة سياسية موجّهة إلى الخارج أكثر مما هي طرح اقتصادي قابل للتطبيق. ويرى الباحث في الشؤون الجيوسياسيّة الدكتور زياد الصائغ أن إسرائيل «تسعى إلى الاستثمار في الموقف الأميركي السّاعي إلى تطبيق عملاني لمقرّرات مؤتمر شرم الشيخ، ولقاءات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، بما يعني الذهاب أبعد من وقف القتال».

ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل «تعتبر أن السلام من البوّابة الاقتصادية هو الأنجع لتجاوز الصراعات، لكنّ هذا أقرب إلى الفولكلور، لا سيّما مع استمرار احتلال إسرائيل لأراضٍ لبنانيّة»، ويشدد الصائغ على أن «الاستعجال، ورفع منسوب ما جرى في لجنة الميكانيزم قد يأخذ طابع جسّ النبض أيضاً لمدى استعداد لبنان للذهاب بعيداً في المفاوضات، وهذا أيضاً يشكّل محاولة غير ناضجة الظروف».

سفينة عسكرية إسرائيلية تبحر بجوار منصة إنتاج حقل ليفياثان للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط (أرشيفية - رويترز)

لكن الاستعجال الإسرائيلي للتعاون الاقتصادي مغاير تماماً للمشهد اللبناني، باعتبار أن الذهاب نحو هذا الخيار أشبه بالمغامرة، ويؤكد الصائغ أنّ «ملف لبنان التفاوضيّ يبدو ضبابيّاً حتى السّاعة، ولو أنّ سقفه اتفاقيّة الهدنة الموقعة ما بين لبنان وإسرائيل في العام 1949 برعاية الأمم المتحدة، لكن من الواضح أنّ السفير سيمون كرم، وبخبرته الواسعة ووضوحه السّيادي، سيفتح الطريق أمام بناء عناصر هذا الملف من المسار السياسي، إلى الدبلوماسيّ، إلى القانونيّ، إلى ذاك المرتبط بالقرار 1701».

ويذكّر بأن لبنان «جزء من الإجماع العربي، وملتزم بسقف المبادرة العربية للسلام، وكل ما يُساق خارج ذلك يبقى من قبيل التمنّيات، أو التوقّعات، لكن من الواضح أنه لا عودة عن قرار تجفيف الصراعات والحروب في الشرق الأوسط».

طاقة وسياحة

إضافة إلى ذلك، يطرح تركيز الحكومة الإسرائيلية على المجال الاقتصادي علامات استفهام في ظلّ محدودية الدور الاقتصادي للبنان في المنطقة، ولا يستبعد الصائغ أن «تسعى إسرائيل إلى تعاون اقتصادي مع لبنان على المستوى النفطي، أو السياحي، أو الصناعي، خصوصاً في ظلّ الحديث عن فكرة إنشاء منطقة اقتصاديّة على حدود لبنان الجنوبيّة، انطلاقاً من المبادرة الأميركية». لكنّه شدد على أن ذلك «لا يستقيم قبل حوار دبلوماسيّ بطابع سياسي، ويبدو مستحيل المنال في هذه المرحلة، خصوصاً مع استمرار احتلال إسرائيل للنقاط الخمس، وعدم إنجاز تسوية تحريرية لمزارع شبعا، وبدء إعمار الجنوب، توازياً مع تحقيق بسط الدولة اللبنانية سيادتها حصراً على كامل أراضيها بقواها الذاتيّة». وختم الصائغ بالقول إن «ذلك كلّه يبقى مضبوطاً تحت سقف اتفاقية الهدنة 1949».


إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

تسعى إسرائيل قبيل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع مساعي الوسطاء، خصوصاً الولايات المتحدة، للانتقال إليها في أقرب فرصة ممكنة، إلى تدمير ما تبقّى في المناطق الخاضعة لسيطرتها داخل قطاع غزة، والتي تُقدر بنحو 53 في المائة من المساحة العامة للقطاع.

وينص وقف إطلاق النار في مرحلته الثانية، حال نُفّذ وفق الاتصالات المتسارعة في الأيام الأخيرة، على انسحاب آخر للقوات الإسرائيلية من داخل قطاع غزة، مع الحفاظ على بقائها في مناطق أخرى قد تصل إلى نحو ما مساحته 20 في المائة من مساحة القطاع.

وخلال ساعات ليل ونهار السبت، لم تنفك القوات الإسرائيلية باستخدام الطائرات الحربية تارةً، ومن خلال العربات المفخخة تارةً أخرى، بقصف وتدمير ما تبقى من منازل وبنى تحتية، سواء داخل الخط الأصفر المشار إليه ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بوصفه خط انسحاب أولياً، أو على جانبه من داخل المناطق الخاضعة لسيطرة حركة «حماس».

أطفال يستعدون للدخول إلى صفوفهم في مدرسة للأونروا تعيش فيها عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

ولوحِظ خلال الأيام الثلاثة الماضية تكثيف الغارات الجوية وعمليات النسف، حتى داخل مدينة رفح التي تُسيطر عليها القوات الإسرائيلية منذ أكثر من عام ونصف العام، وكذلك شرق مدينتَي خان يونس وغزة. كما امتدت هذه العملية، من مساء الجمعة حتى ظهر السبت، إلى مناطق واقعة شرق وشمال جباليا وبيت لاهيا شمالَ قطاع غزة. وتسببت إحدى عمليات النسف في منطقة زايد ببيت لاهيا، ليلاً، في وقوع انفجار ضخم سُمِع دويه في جميع أنحاء قطاع غزة، ووصل صداه حتى جنوب تل أبيب.

وتعمد إسرائيل إلى تدمير ما تبقى من مبانٍ ومنازل في تلك المناطق، بهدف حرمان سكانها من العودة إليها بعد الانسحاب منها، في عملية تدمير ممنهجة، انتهجتها بشكل كبير خلال الحرب التي استمرت عامين على قطاع غزة.

ووفقاً لمصادر ميدانية تحدّثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تكتفِ بعمليات القصف والنسف للمنازل والمباني داخل مناطق سيطرتها، بل عملت على استخدام العربات المفخخة، وإدخالها إلى مناطق غرب الخط الأصفر -مناطق سيطرة «حماس»- وذلك تحت نار القصف المدفعي، وإطلاق النار من المسيرات، لتصل إلى مناطق سكنية بهدف تدميرها بشكل كامل.

وأوضحت أن ذلك تزامن أيضاً مع عمليات توغّل ازدادت حدّتُها في الأيام الأخيرة، ولا سيما شرق مدينة غزة، وتحديداً في حييّ الشجاعية والتفاح. وأشارت إلى أن الآليات الإسرائيلية توغّلت مسافة لا تقل عن 350 متراً خلف الخط الأصفر، واقتربت من شارع صلاح الدين الرئيسي عند الحيَّين، ما يعني أنها باتت تفرض سيطرة شبه كاملة عليهما.

خيم النازحين وسط الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي جواً وبراً في مدينة غزة الجمعة (أ.ب)

وأشارت إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كررت المشهد ذاته صباح السبت في خان يونس، بعدما تقدّمت إلى أجزاء من حي الشيخ ناصر وأقامت سواتر ترابية، فيما قامت طائرات مسيّرة بإطلاق النار في مختلف الاتجاهات وعلى أي هدف متحرك. وبعد انسحاب القوات تبيّن أن الهدف من إقامة السواتر الترابية كان تمهيد الطريق لآليات هندسية لتنفيذ عمليات حفر في حي الفرا المجاور.

وقالت المصادر إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت تعمل على توسيع سيطرتها في قطاع غزة، من خلال تقديم المكعبات الأسمنتية الصفراء، المشار إليها بالخط الأصفر، من خلال التقدم جزئياً من حين إلى آخر داخل بعض المناطق.

وتزامنت هذه التطورات مع قتل القوات الإسرائيلية 4 فلسطينيين، في حادثتين منفصلتين شمال القطاع، كما أصابت آخرين في مناطق أخرى.

ووفق مصادر طبية، فقد قُتل شابّان في إطلاق نار شرق جباليا البلد، فيما قُتل اثنان آخران وأصيب 3 في إطلاق نار ببلدة العطاطرة شمال غربي بيت لاهيا. كما أُعلن عن وفاة خامس متأثراً بجروحه بعد أن استهدفته طائرة مسيّرة، مساء الجمعة، بإطلاق النار عليه وعلى نجله، وهما يعملان في جهاز الدفاع المدني بغزة.

وأصيب عدد من الفلسطينيين بإطلاق نار في مناطق متفرقة، بينهم غزي بجروح خطيرة إثر قصف مدفعي استهدف محيط شارع صلاح الدين قبالة حي الشجاعية شرق مدينة غزة، في حين أصيب آخر بإطلاق نار من مسيرات شرق خان يونس.

وبذلك يكون قد قُتل ما لا يقل عن 370 فلسطينياً، وأصيب أكثر من 960 منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما قتل 70357 منذ السابع من أكتوبر 2023.