«حماس» تواجه واقعاً معقداً هو الأصعب منذ تأسيسها

تعاني أزمات اقتصادية وأمنية وإدارية وتراجعاً واضحاً في تأييدها الشعبي

ينتظرون أمام تكية للحصول على طعام في النصيرات بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
ينتظرون أمام تكية للحصول على طعام في النصيرات بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

«حماس» تواجه واقعاً معقداً هو الأصعب منذ تأسيسها

ينتظرون أمام تكية للحصول على طعام في النصيرات بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
ينتظرون أمام تكية للحصول على طعام في النصيرات بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

تواجه حركة «حماس»، ظروفاً قد تكون الأصعب على الإطلاق منذ تأسيسها عام 1987، بفعل تداعيات هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على المواقع الإسرائيلية في غلاف غزة، والتي لم تكن الحركة، على الأرجح، تتوقع أن تكون بهذا الشكل الكبير.

وقتلت إسرائيل، رداً على هذا الهجوم، أكثر من 50 ألف فلسطيني في قطاع غزة، بينهم عدد كبير من قادة «حماس»، ويقوم الجيش الإسرائيلي حالياً بتقطيع أوصال القطاع بعدما دمّره إلى حد كبير.

ولا تقتصر أزمة «حماس» على قطاع غزة، بل تمتد إلى الضفة الغربية والخارج، وتحديداً لبنان، حيث تواجه الحركة، على هذه الجبهات الثلاث، أزمات كبيرة خاصةً فيما يتعلق بواقعها الاقتصادي والأمني، فيما تشهد غزة على وجه الخصوص أزمات إدارية وتراجعاً واضحاً في التأييد الشعبي لـ«حماس».

وتؤكد مصادر من «حماس» وأخرى من خارجها لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الأوضاع لم تمر على الحركة من قبل، سواء خلال هذه الحرب الحالية أو في فترات سابقة، وحتى في ظل ملاحقة إسرائيل والسلطة الفلسطينية لها واعتقال نشطائها في التسعينات، رغم أن «حماس» لم تكن بنفس القوة حينها من حيث الشعبية والحضور الاقتصادي والسياسي والعسكري.

فعلى المستوى الاقتصادي، تقول المصادر إن الحركة تعاني ظروفاً قاسية فيما يتعلق بتوفير الرواتب لموظفيها الحكوميين بغزة، وكذلك لنشطائها المنضوين في «كتائب القسام»، الجناح العسكري للحركة، أو حتى ممن يعملون في أجهزة أخرى داخل الحركة من مختلف المستويات.

فلسطينيون عند مركز لتوزيع المياه في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة اليوم السبت (أ.ف.ب)

وتوضح المصادر أنه منذ 4 أشهر لم يصرف للموظفين الحكوميين بغزة التابعين لحكومة «حماس» سوى 900 شيقل فقط (نحو 250 دولاراً)، الأمر الذي يثير استياء بين الموظفين، ويزيد من متاعب الحياة بالنسبة إلى كثيرين منهم ولعوائلهم التي باتت لا تجد مالاً يساعدها في تأمين لقمة العيش.

وتشير المصادر ذاتها إلى أن موازنات العمل الاجتماعي والخدماتي المخصص لبعض الوزارات والجهات الحكومية، مثل لجان الطوارئ، توقفت بشكل شبه كامل منذ أكثر من 4 أشهر، الأمر الذي بات يعيق تحركات الجهات الخدماتية التابعة لحكومة «حماس» بشكل كبير. وباتت الوزارات التي تقدم الخدمات بشكل أكبر للمواطنين، مثل وزارتي الصحة والتنمية الاجتماعية، تعتمد على ما يرد من المؤسسات الدولية لتوفير الوقود والاحتياجات الدوائية للمواطنين.

وتلفت المصادر إلى أن «كتائب القسام» لم تصرف رواتب لعناصرها منذ نحو 3 أشهر، كما أنها تواجه معاناة شديدة في توفير أموال لشراء بعض الاحتياجات الخاصة بالأعمال العسكرية.

وتكشف المصادر عن أن عوائل القتلى من نشطاء «حماس» وجناحها العسكري، وكذلك الأسرى والجرحى، لم يتلقوا رواتبهم بانتظام، بعكس ما كان يجري طوال أشهر الحرب، أسوةً ببقية المستويات في الحركة، مشيرةً إلى أن هناك عوائل تعتمد على ما كان يُصرف لها، ومع توقف ذلك منذ ما يزيد على شهرين ونصف شهر، فإن الأمور باتت أكثر تعقيداً.

وعلى المستوى الإداري، تؤكد المصادر أن هناك فراغاً إدارياً واضحاً في الكثير من المهام والأعمال الحكومية بغزة، وتجد الحركة صعوبات بالغة في سد هذا الفراغ بفعل تعمّد إسرائيل قصف أي شخصية تظهر لمحاولة توفير احتياجات العمل الحكومي أو حتى أن تعيد ترتيب الأوضاع.

وتشير المصادر إلى أن هذا ينطبق حتى على المستوى التنظيمي في بعض المناطق وليس جميعها داخل قطاع غزة، لكن على مستوى الجناح العسكري لا تزال الهيكلية الإدارية مستمرة بالعمل. غير أن الملاحقة العسكرية المستمرة من قبل إسرائيل والاغتيالات لقيادات ونشطاء بارزين تصعّب بعض المهام خاصةً في شمال القطاع وجنوبه.

أمام مركز لتوزيع الطعام في خان يونس بجنوب قطاع غزة الجمعة (أ.ب)

ويلاحظ أنه بعد مرور عام على الحرب، تراجعت شعبية «حماس» داخل قطاع غزة بشكل لافت، وبات سكان يلومونها علناً، وحتى يهاجمونها جهاراً وليس فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي. بل هناك من يتجرأ على مهاجمة عناصرها وإطلاق النار تجاههم أو قربهم، في صورة لم يسبق أن حصلت طوال سنوات حكمها للقطاع منذ عام 2006.

وفي الضفة الغربية، تقول المصادر إن الحركة تواجه أيضاً مصيراً معقداً، في ظل الاعتقالات والملاحقات التي تقوم بها إسرائيل والأجهزة الأمنية الفلسطينية، كما أنها فقدت الكثير من خلاياها وأموالها، مشيرةً إلى أن تلك الخلايا كان من المفترض أن تقوم بهجمات داخل إسرائيل أو في مناطق بالضفة الغربية ضد المستوطنين أو القوات العسكرية، إلا أن تلك الهجمات كانت محدودة من بعض الخلايا التي قُتل أو اعتقل أفرادها لاحقاً، فيما لم تقم خلايا أخرى بمهامها لأسباب أمنية مختلفة أو خشيةً من تأثيرات ذلك عليها في ظل الوضع الصعب بالضفة.

ويبدو أن مشاهد الوضع المأسوي في قطاع غزة أدت إلى تراجع أيضاً في شعبية «حماس» بالضفة الغربية، في ظل التهديدات الإسرائيلية بتحويل الضفة إلى غزة ثانية، خاصةً في مخيمات شمال الضفة التي تشهد عمليات عسكرية واسعة.

وفي الخارج، لا تعاني «حماس» مالياً أو إدارياً، لكنها في لبنان، بعد وقف الحرب (في نوفمبر «تشرين الثاني» الماضي)، باتت تواجه مشهداً معقداً يتعلق بوضعها السياسي والميداني وحتى المالي، خاصةً في ظل تشبث الحكم السياسي الجديد في لبنان بجمع السلاح الفلسطيني، وتوجيه رسائل واضحة للحركة ولفصائل فلسطينية أخرى بأنه لن يتم السماح بالقيام بأي أعمال تمس الأمن القومي اللبناني.

ولا يعرف كيف ستتصرف الحركة في لبنان بقضايا سلاحها وواقعها السياسي والمالي في الفترة المقبلة، في ظل التضييق الذي بدأت تتعرض له بشكل كبير في البلاد.

وعلى مدار عقود من الملاحقة الإسرائيلية والخلافات مع السلطة الفلسطينية، وحتى مع بعض الأنظمة السياسية في البلدان التي توجد بها الحركة، لم تواجه «حماس» مثل هذا المشهد المعقد، كما تؤكد المصادر.

وكانت الحركة تعرضت لعدة ضربات في الماضي، خاصة من خلال الاغتيالات الإسرائيلية، لكنها لم تصل لمثل هذا الواقع الصعب في ظل حرب مستمرة منذ نحو 20 شهراً.

وتقول مصادر من «حماس» إن هذا الوضع صعب جداً، بل هو كارثي، لكن الحركة قادرة على النهوض منه بعد توقف الحرب، وإن كان ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً. وتضيف أن الحركة لا يزال لديها بعض القدرات المالية وغيرها من الإمكانات، لكن الواقع الأمني يفرض واقعاً آخر عليها التعامل معه.


مقالات ذات صلة

استياء رسمي لبناني من «حماس» لرفضها تسليم سلاحها

المشرق العربي أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

استياء رسمي لبناني من «حماس» لرفضها تسليم سلاحها

في وقت يستكمل فيه الجيش اللبناني عملية تسلُّم السلاح من المخيمات الفلسطينية في مختلف المناطق اللبنانية، تُطرح الأسئلة حول مصير سلاح حركة «حماس» في لبنان

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي المتحدث الجديد باسم «كتائب القسّام» الذي اعتمد اسم سلفه الراحل أبو عبيدة (أ.ف.ب)

«كتائب القسّام» تؤكد عدم التخلي عن السلاح قبيل لقاء ترمب ونتنياهو

جدّدت «كتائب عز الدين القسام»، الجناح المسلّح لحركة «المقاومة الإسلامية» (حماس)، الاثنين، تأكيدها عدم التخلي عن سلاحها، وهي قضية رئيسية.

«الشرق الأوسط» (غزة (الأراضي الفلسطينية))
خاص المقدم أحمد زمزم اغتيل برصاصات عدة أطلقها مسلحون على سيارته (المركز الفلسطيني للإعلام)

خاص «حماس» تعدم شخصاً أدانته بقتل أحد ضباطها

أعدمت حركة «حماس»، الأحد، فلسطينياً اعتقلته وأدنته بالمشاركة في قتل أحمد زمزم، الضابط في جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الحركة، في هجوم وقع وسط غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية 53 % من الشركات أبلغت عن زيادة في طلبات نقل الموظفين الإسرائيليين (أ.ف.ب)

تقرير إسرائيلي: زيادة عدد الراغبين في العمل بالخارج

أظهر تقرير صدر اليوم (الأحد) أن عدد طلبات انتقال إسرائيليين يعملون في شركات متعددة الجنسيات في إسرائيل إلى الخارج، ارتفع العام الماضي نتيجة الحرب على غزة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
أوروبا رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني (أ.ف.ب)

إيطاليا تعتقل 9 للاشتباه في تمويلهم «حماس» عبر جمعيات خيرية

قال الادعاء العام الإيطالي إن السلطات ألقت القبض على تسعة أشخاص للاشتباه في تمويلهم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (​حماس) عبر جمعيات خيرية مقرها إيطاليا.

«الشرق الأوسط» (روما)

مفوضة أوروبية: خطط إسرائيل لحظر المنظمات الإنسانية الدولية في غزة تعني عرقلة المساعدات

شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية تعبر إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم (د.ب.أ)
شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية تعبر إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم (د.ب.أ)
TT

مفوضة أوروبية: خطط إسرائيل لحظر المنظمات الإنسانية الدولية في غزة تعني عرقلة المساعدات

شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية تعبر إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم (د.ب.أ)
شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية تعبر إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم (د.ب.أ)

قالت المفوضة الأوروبية لإدارة الأزمات حاجة لحبيب، اليوم الأربعاء، إن خطط إسرائيل لحظر المنظمات الإنسانية الدولية في غزة تعني عرقلة وصول المساعدات المُنقذة للحياة إلى القطاع.

وأضافت لحبيب، في حسابها على منصة «إكس»: «كان موقف الاتحاد الأوروبي واضحاً، فلا يمكن تطبيق قانون تسجيل المنظمات غير الحكومية بصيغته الحالية».

وأكدت المفوضة الأوروبية ضرورة إزالة كل العراقيل التي تحول دون وصول المساعدات الإنسانية، قائلة: «القانون الدولي الإنساني لا يترك مجالاً للالتباس، فالمساعدات يجب أن تصل إلى محتاجيها».

كانت وسائل إعلام إسرائيلية قد نقلت عن الحكومة قولها، أمس الثلاثاء، إنها تعتزم سحب تراخيص عشرات المنظمات الإنسانية؛ منها «أطباء بلا حدود»، و«أكشن إيد»، و«أوكسفام»، بدعوى «صلتها بالإرهاب».

ويواجه عدد من منظمات الإغاثة الدولية خطر إلغاء تسجيلها، مما قد يُجبرها على الإغلاق أو يفرض قيوداً على عملها في غزة والضفة الغربية في غضون 60 يوماً إذا لم تمتثل بحلول 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للمعايير الجديدة التي وضعتها السلطات الإسرائيلية.


مقتل طفلتين فلسطينيتين إحداهما بنيران إسرائيلية في قطاع غزة

فلسطينيون يسيرون في شوارع مدينة غزة مروراً بمخيمات النازحين (أ.ب)
فلسطينيون يسيرون في شوارع مدينة غزة مروراً بمخيمات النازحين (أ.ب)
TT

مقتل طفلتين فلسطينيتين إحداهما بنيران إسرائيلية في قطاع غزة

فلسطينيون يسيرون في شوارع مدينة غزة مروراً بمخيمات النازحين (أ.ب)
فلسطينيون يسيرون في شوارع مدينة غزة مروراً بمخيمات النازحين (أ.ب)

قُتلت طفلتان فلسطينيتان؛ إحداهما برصاص الجيش الإسرائيلي الذي يواصل القصف المدفعي وتدمير المنازل، إضافة إلى شن سلسلة غارات جوية على مناطق متفرقة في قطاع غزة.

ونقل المركز الفلسطيني للإعلام عن مصادر طبية قولها إن «طفلة (11 عاماً) استُشهدت على أثر إصابتها برصاص جيش الاحتلال في منطقة الزرقاء شمال شرقي مدينة غزة».

وذكرت مصادر محلية أن «الطفلة الثانية استُشهدت جراء سقوط جدار على خيمة نازحين في منطقة المواصي بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، بالإضافة إلى وقوع إصابات».

ووفق المركز: «أطلق طيران الاحتلال المروحيّ، فجر اليوم الأربعاء، بشكل مكثف، نيرانه باتجاه مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، في إطار التصعيد العسكري المتواصل على مناطق جنوب القطاع».

وشنّت قوات الجيش الإسرائيلي قصفاً مدفعياً تَرافق مع إطلاق نار مكثف من الآليات العسكرية شرق مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة.

كما نفّذ طيران الحربي غارة جوية استهدفت مدينة رفح جنوب القطاع، وأطلقت آليات الجيش نيرانها باتجاه المناطق الجنوبية الشرقية من مخيم البريج والمغازي، وسط قطاع غزة.


مسؤولان يمنيان لـ«الشرق الأوسط»: قرارات العليمي لحماية سيادة الدولة

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)
اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)
TT

مسؤولان يمنيان لـ«الشرق الأوسط»: قرارات العليمي لحماية سيادة الدولة

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)
اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

أكَّد مسؤولانِ يمنيان أنَّ القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، تمثل تحولاً سياسياً مفصلياً يهدف إلى حماية المركز القانوني للدولة ومنع تفكّكها، في لحظة إقليمية وأمنية بالغة الحساسية.

وقالَ بدر باسلمة، مستشار رئيس المجلس، إنَّ اليمن يشهد محاولة جادة لـ«هندسة عكسية» تعيد للدولة زمام المبادرة بدعم إقليمي، وفي مقدمته الموقف السعودي.

من جهته، شدّد متعب بازياد، نائب مدير مكتب رئيس الوزراء اليمني على أنَّ القرارات استندت إلى صلاحيات دستورية لمواجهة أخطار داهمة تهدّد وحدة البلاد، محذراً من تكرار نماذج استخدام السّلاح خارج إطار الدولة.

وأكّد بازياد أنَّ دعم السعودية يأتي في سياق حماية الاستقرار، وخفض التصعيد، وصون الأمن يمنياً وإقليمياً، بما يتَّسق مع مخرجات الحوار الوطني ومسار السلام.