«تعبت يا أمي وأرغب في الموت»... حرب غزة تحطم جيلاً كاملاً من الأطفال

أطفال في مخيم للنازحين بعد غارة إسرائيلية بخان يونس (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين بعد غارة إسرائيلية بخان يونس (رويترز)
TT
20

«تعبت يا أمي وأرغب في الموت»... حرب غزة تحطم جيلاً كاملاً من الأطفال

أطفال في مخيم للنازحين بعد غارة إسرائيلية بخان يونس (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين بعد غارة إسرائيلية بخان يونس (رويترز)

منذ بدء حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، يعيش الأطفال الفلسطينيون حالة من المعاناة والصدمة والرعب، جعلت بعضهم يتمنى الموت في كل لحظة. وقد تجددت هذه الحالة مع عودة الغارات الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، والتي أنهت الهدنة الهشّة بين إسرائيل و«حماس» التي استمرت أسابيع منذ بدء سريان وقف إطلاق النار في يناير (كانون الثاني) الماضي، وأسفرت عن مقتل أكثر من 420 شخصاً.

ومنذ بدء الحرب، أسفر الهجوم العسكري الإسرائيلي، الذي توقّف لما يقرب من شهرين، بموجب اتفاق هش لوقف إطلاق النار، إلى مقتل أكثر من 48 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.

أطفال وسط الدمار الذي أحدثته الضربات الإسرائيلية في جباليا بشمال قطاع غزة قبيل فجر الثلاثاء (أ.ف.ب)
أطفال وسط الدمار الذي أحدثته الضربات الإسرائيلية في جباليا بشمال قطاع غزة قبيل فجر الثلاثاء (أ.ف.ب)

وقدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، في تقرير صدر في يونيو (حزيران) الماضي، أن جميع أطفال غزة، البالغ عددهم 1.2 مليون طفل تقريباً، بحاجة إلى دعم نفسيّ، وخاصة أولئك الذين تعرضوا لصدمات متكررة.

وأعلنت المنظمة، أمس الثلاثاء، أنها «تشعر بقلق بالغ» على أطفال غزة، بعد عودة الغارات الجوية الإسرائيلية على القطاع.

وبعد أسبوع من إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» في يناير، أخبر توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مجلس الأمن الدولي بأن «جيلاً كاملاً في غزة قد تعرَّض لصدمات نفسية».

وقال فليتشر: «لقد قُتل الأطفال وجُوّعوا وتجمَّدوا حتى الموت»، مضيفاً أن «بعضهم مات قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأولى، ماتوا مع أمهاتهم أثناء الولادة».

«أريد أن أموت يا أمي»

وتحدثت شبكة «سي إن إن» الأميركية مع عدد من أطفال غزة، والذين أعرب بعضهم عن رغبته في الموت للتخلص من الرعب والمعاناة.

من بين أولئك الأطفال، طفلة تُدعى سما، تبلغ من العمر 8 سنوات، عانت تساقط الشعر بشكل كامل بسبب الحرب.

وقالت سما: «أشعر بحزن شديد؛ لعدم وجود شعرة واحدة لأمشطها بفرشاتي، أريد أن أمشط شعري، أريد حقاً أن أمشطه مرة أخرى».

وكان شَعر سما طويلاً قبل الحرب، وكانت تلعب في الخارج مع أصدقائها في جباليا شمال غزة. لكن منذ ذلك الحين، أصبحت هي وعائلتها من بين ما يُقدَّر بنحو 1.9 مليون فلسطيني هُجّروا قسراً من منازلهم، حيث فروا أولاً إلى منطقة رفح جنوب القطاع، بموجب أوامر عسكرية إسرائيلية. ومع تصاعد العنف، انتقلت سما إلى مخيم للنازحين في خان يونس. ومع الوقت تساقط شعرها بشكل كثيف ومحيِّر.

وفي العام الماضي، شخَّص الأطباء تساقط شعر سما بأنه نتيجة «صدمة عصبية»، وتحديداً بعد تعرّض منزل جارها في رفح لغارة جوية إسرائيلية، في أغسطس (آب) الماضي. وأضافوا أن التقلبات المؤلمة في حياتها اليومية منذ بدء الحرب أسهمت، على الأرجح، في إصابتها بالثعلبة، وهي حالة تُسبب تساقط الشعر.

وأشارت والدة سما إلى أن ابنتها أصبحت منعزلة طوال الوقت، وأنها تسألها باستمرار عما إذا كانت ستبقى صلعاء إلى الأبد، لافتة إلى أنها قالت لها، أكثر من مرة: «تعبت يا أمي وأريد أن أموت. لماذا لا ينمو شعري؟ أريد أن أموت وأن ينمو شعري في الجنة».

وأشار تقرير، صدر أواخر العام الماضي عن مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات بالشراكة مع مؤسسة تحالف أطفال الشرق الأوسط، واستند إلى مسحٍ شمل أكثر من 500 من مقدمي الرعاية للأطفال المعرَّضين للخطر، إلى أن 96 في المائة من الأطفال في غزة شعروا بأن الموت وشيك، وأن ما يقرب من نصفهم - 49 في المائة - أعربوا عن «رغبتهم في الموت» بسبب العدوان الإسرائيلي.

جميع أطفال غزة البالغ عددهم 1.2 مليون طفل تقريباً بحاجة إلى دعم نفسي (رويترز)
جميع أطفال غزة البالغ عددهم 1.2 مليون طفل تقريباً بحاجة إلى دعم نفسي (رويترز)

«كيف سيدخل صديقي الجنة بلا رأس؟»

قال الدكتور ياسر أبو جامع، مدير برنامج غزة للصحة النفسية المجتمعية (GCMHP)، إن فريقه يعمل على محاولة غرس الأمل في الأطفال ودعمهم نفسياً.

ومن التقنيات التي ذكر أن برنامجه يستخدمها العلاج بالرسم، والذي يسمح للأطفال بالتعبير عن مشاعرهم ،من خلال التواصل غير اللفظي.

واستذكر حالةً مكّن فيها منحُ طفل مساحة للرسم من التحدث إلى اختصاصي نفسي في البرنامج عما يشعر به.

وأوضح أبو جامع أن الطفل قال للاختصاصي النفسي: «أصدقائي في الجنة، لكن أحدهم مات بلا رأس. كيف سيدخل الجنة بلا رأس؟»، قبل أن ينفجر الطفل باكياً.

طفل فلسطيني قرب جثامين أربعة قتلى من عائلة واحدة سقطوا بقصف إسرائيلي على خان يونس (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني قرب جثامين أربعة قتلى من عائلة واحدة سقطوا بقصف إسرائيلي على خان يونس (أ.ف.ب)

«رأيت أبي وأمي يُقتلان»

يعيش أنس أبو عيش، البالغ من العمر سبع سنوات، وشقيقته دعاء، البالغة من العمر ثماني سنوات، مع جدتهما أم العبد في مخيم للنازحين بمنطقة المواصي بخان يونس. وقد فقَدَ الشقيقان والديهما في غارة إسرائيلية.

وقال أنس: «كنت ألعب بالكرة، نزلت الدرج فوجدت أبي وأمي مُلقيين في الشارع، وجاءت طائرة مُسيّرة وفجّرتهما».

وأضافت أم العبد، جدة أنس، أنه يمر بلحظات من العدوانية كلما رأى أطفالاً آخرين تحتضنهم أمهاتهم.

وقالت: «أُذكِّر الناس، باستمرار، بضرورة تفهُّم مشاعره؛ لأنه لم يفقد والديه فحسب، بل فقَدَ أيضاً الأمان والدفء والحنان التي وفّراها له».

ويرى بعض الخبراء النفسيين أن أطفال غزة قد يتعافون، إلى حد كبير، مع استمرار الجهود الساعية إلى ذلك، لكنهم لن يعودوا أبداً كما كانوا قبل الحرب.


مقالات ذات صلة

تقريران: مناخ معادٍ للسامية ومناهض للمسلمين في جامعة هارفارد

الولايات المتحدة​ متظاهرون خارج هارفارد يدعون لوقف الحرب على غزة (أ.ف.ب)

تقريران: مناخ معادٍ للسامية ومناهض للمسلمين في جامعة هارفارد

أكد تقريران منفصلان نشرتهما جامعة هارفارد أمس (الثلاثاء) أن مناخاً معادياً للسامية وللمسلمين يتمدد في حرم هذه المؤسسة التعليمية الأميركية العريقة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي أقارب طفل فلسطيني قُتل في استهدافات إسرائيلية يحملون جثمانه في مستشفى الشفاء بغزة (د.ب.أ)

مسؤول أممي: الوضع في غزة أشبه بأهوال يوم القيامة

حذّر مسؤول أممي من فظاعة الوضع في قطاع غزة مع تفاقم الأوضاع الإنسانية جرّاء الحصار الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
الخليج وليد الخريجي يتحدث خلال اجتماع «بريكس» الوزاري في ريو دي جانيرو الثلاثاء (الخارجية السعودية)

السعودية تُجدِّد التزامها بالحياد تجاه التصعيد الإقليمي والدولي

جدَّدت السعودية التزامها بأن تكون شريكاً موثوقاً ومحايداً ضمن جهودها ومساعيها الرامية إلى خفض التصعيد إقليمياً ودولياً.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي سببته الحرب الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

مسؤول: لا تقدم في محادثات الأسرى منذ وصول الفريق الإسرائيلي إلى القاهرة

أفاد مصدر إسرائيلي لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» بأنه لم يُحرز أي تقدم في محادثات الأسرى منذ وصول فريق التفاوض الإسرائيلي إلى القاهرة الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (القدس)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث مع مائير هيرشكوفيتش والد الجندي الإسرائيلي الذي قُتل نتانيل هيرشكوفيتش (أ.ب)

نتنياهو خلال تكريم الجنود القتلى: أَعِدُ بتحقيق «النصر» في غزة

وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مستهل احتفالات التكريم السنوية للجنود الذين قُتلوا دفاعاً عن إسرائيل، بالعمل حتى تحقيق «النصر» في الحرب بغزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«تسجيل مفبرك» يطلق توترات طائفية في سوريا


انتشار قوات أمن سورية في دمشق أمس عقب اشتباكات طائفية خلّفت عدداً من القتلى (أ.ف.ب)
انتشار قوات أمن سورية في دمشق أمس عقب اشتباكات طائفية خلّفت عدداً من القتلى (أ.ف.ب)
TT
20

«تسجيل مفبرك» يطلق توترات طائفية في سوريا


انتشار قوات أمن سورية في دمشق أمس عقب اشتباكات طائفية خلّفت عدداً من القتلى (أ.ف.ب)
انتشار قوات أمن سورية في دمشق أمس عقب اشتباكات طائفية خلّفت عدداً من القتلى (أ.ف.ب)

تسبّب تسجيل صوتي مفبرك، منسوب لأحد مشايخ الدروز في سوريا، وتضمّن إساءات للإسلام، بمقتل ما لا يقل عن 12 شخصاً في اشتباكات بين مسلحين من جرمانا بريف دمشق الجنوبي وأهالي بلدة مجاورة.

وشهد التحريض الطائفي في سوريا تصاعداً خطيراً خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، أدّى إلى اشتعال اشتباكات بمحيط جرمانا، استُخدمت فيها قذائف «الهاون»، وامتدت إلى مناطق يتركز فيها أبناء الطائفة الدرزية. ورصدت «الشرق الأوسط» الوضع في جرمانا، ولاحظت عودة الهدوء إلى محيطها أمس.

وقال المسؤول الإعلامي في وزارة الداخلية إن من بين القتلى اثنين من عناصر جهاز الأمن العام السوري. وشدّدت وزارة الداخلية، في بيان، على أهمية «الالتزام بالنظام العام، وعدم الانجرار إلى أي تصرفات فردية أو جماعية». وقالت إنها باشرت تحقيقات مكثفة، تتعلق بالتسجيل الصوتي، وتبين من خلال التحريات الأولية أن الشخص الذي وُجه إليه الاتهام لم تثبت نسبة الصوت إليه»، وأن العمل جارٍ لتحديد «هوية صاحب الصوت ليقدَّم إلى العدالة».

وأفاد بيان صادر عن أهالي جرمانا بأن تحريضاً طائفياً «سبق هذه الجريمة»، محذراً من «الانجرار خلف دعوات الفتنة التي لا تخدم إلا أعداء سوريا ووحدتها».