الاشتباكات اللبنانية - السورية تفتح باب ضرورة ترسيم الحدود

الحلول الأمنية لمنعها لا تكفي ما لم تُدعّم سياسياً

آليات للجيش اللبناني عند الحدود اللبنانية - السورية خلال تنفيذ عملية «فجر الجرود» ضد تنظيم «داعش» عام 2017 (قيادة الجيش اللبناني)
آليات للجيش اللبناني عند الحدود اللبنانية - السورية خلال تنفيذ عملية «فجر الجرود» ضد تنظيم «داعش» عام 2017 (قيادة الجيش اللبناني)
TT
20

الاشتباكات اللبنانية - السورية تفتح باب ضرورة ترسيم الحدود

آليات للجيش اللبناني عند الحدود اللبنانية - السورية خلال تنفيذ عملية «فجر الجرود» ضد تنظيم «داعش» عام 2017 (قيادة الجيش اللبناني)
آليات للجيش اللبناني عند الحدود اللبنانية - السورية خلال تنفيذ عملية «فجر الجرود» ضد تنظيم «داعش» عام 2017 (قيادة الجيش اللبناني)

الاشتباكات التي اندلعت على امتداد المنطقة المتداخلة بين لبنان وسوريا في البقاع الشمالي، فتحت الباب مجدداً أمام البحث الجدي في ترسيم الحدود البرية بين البلدين والممتدة من الشمال إلى البقاع، وطولها نحو 375 كيلومتراً.

وهذا ما يدعو الحكومتين إلى تحضير الأجواء لمباشرة ترسميها لضبط المعابر غير النظامية التي تُستخدم للتهريب، وبالأخص جميع أنواع الممنوعات، وعلى رأسها المواد المخدرة المصنّعة في معامل البلدات السورية الحدودية، وكانت تحظى برعاية مباشرة من النظام السوري السابق، وتسببت للبنان في تصدّع علاقاته بالدول العربية وأدت إلى مقاطعته اقتصادياً؛ نظراً إلى أن معابره ومرافقه استُخدمت لتهريبها إلى دول الخليج العربي.

فحكومة الرئيس سعد الحريري كانت من أولى الحكومات التي طرحت مسألة ترسيم الحدود البرية بين البلدين وإيجاد حلول للمناطق المتداخلة عند الحدود الشمالية والبقاعية، وذلك لدى زيارته الثانية إلى دمشق عام 2010، واجتماعه آنذاك بالرئيس السوري بشار الأسد، وقد رافقه فيها 12 وزيراً عقدوا اجتماعات مع نظرائهم السوريين، خُصصت لتصويب الخلل في الاتفاقات المعقودة بين البلدين، وعددها 22 اتفاقية أُبرمت بينهما بموجب «معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق» التي وقّع عليها في حينها الرئيس إلياس الهراوي مع حافظ الأسد.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية واكبت الأجواء التي سادت لقاء الحريري - الأسد، أن الأخير تجاوب في المبدأ مع طلبه بضرورة الانصراف لترسيم الحدود البرية بين البلدين، على أن يُبحث لاحقاً ترسيم الحدود البحرية.

ملف الترسيم

وكشفت المصادر الوزارية عن أن الحكومة في حينها تعاطت إيجاباً مع رغبة الأسد فتح ملف ترسيم الحدود البرية، وتولى الوزير جان أوغسبيان، الذي كان ضمن الوفد الوزاري المرافق للحريري، الإشراف على تشكيل لجنة عسكرية -مدنية تتولى التفاوض مع الجانب السوري، وقالت إنها زُوّدت بخرائط وصور جوية وإحداثيات، وبعضها يعود لمراحل الانتداب الفرنسي على البلدين.

وأكدت أن «اللجنة» استكملت تحضير كل ما هو مطلوب منها، وشُكّلت برئاسة قاضٍ لبناني، لكن الحكومة فوجئت بطلب سوري بأن يبدأ الترسيم من مزارع شبعا المحتلة. ولفتت إلى أن الجانب اللبناني رأى أن هناك صعوبة في بدء الترسيم من هذه المنطقة نظراً إلى أن إسرائيل ترفض الانسحاب منها، ولا تتجاوب مع تطبيق القرار «1701».

وقالت المصادر نفسها إن الجانب السوري أبدى تفهماً لوجهة النظر اللبنانية، وأيد اقتراحها بأن يبدأ الترسيم من الحدود الشمالية، خصوصاً أنه لا يرى من عوائق تحول دون التوصل إلى اتفاق، في حال الانطلاق من النهر الكبير الواقع بين البلدين بوصفه نقطة رئيسة للشروع في ترسيمها.

لكن المفاجأة جاءت هذه المرة على لسان وزير الخارجية السوري آنذاك، وليد المعلم، بطلبه التمهُّل في مباشرة اجتماعات ترسيم الحدود بذريعة أن اللجان السورية المختصة تتفرغ لترسيم الحدود الأردنية - السورية.

حبر على ورق

واستُعيض عن ترحيل ترسيم الحدود البرية إلى وقت لاحق، بالالتفات إلى المناطق الحدودية المتداخلة بين البلدين، وتحديداً في محافظتَي الشمال والبقاع، وتقرر، كما تقول المصادر، أن تُشكَّل لجنة مشتركة تضم محافظي هذه المناطق، وتوكل إليها مهمة إيجاد حل لها، خصوصاً أن معظم المنازل الواقعة فيها، والعائدة للبنانيين، مسجلة، في الوقت نفسه، في الدوائر العقارية للبلدين.

إلا إن تشكيل اللجنة المشتركة بقي حبراً على ورق، ولم تتمكن من إيجاد الحلول للمناطق الحدودية المتداخلة، نظراً إلى عدم تجاوب الجانب السوري، وبقيت المشكلة عالقة إلى اليوم ليس بسبب استقالة حكومة الحريري بغطاء سوري، وإنما لأنه لا مصلحة للنظام السوري، وفق المصادر، في إقفال المعابر الحدودية غير النظامية التي كانت تشرف عليها في حينها «الفرقة الرابعة» بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، التي كانت تقدم الرعاية المباشرة لكل أشكال التهريب لجميع أنواع المخدرات من سوريا إلى لبنان ممراً للعبور إلى دول الخليج، إضافة إلى توفيره الحماية الأمنية لمصانع الـ«كبتاغون». وهذا باعتراف عدد من كبار التجار السوريين الذي لا يزالون موقوفين حالياً لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، وعُثر بحوزة أحدهم على أكثر من مليوني دولار نقداً.

انكفاء «حزب الله»

لذلك؛ فإن الاتصالات اللبنانية - السورية أدت إلى السيطرة على المنطقة الحدودية التي دارت فيها الاشتباكات، وبالتالي الإمساك بزمام المبادرة، وهذا يتطلب من «حزب الله»، كما يقول مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط»، الانكفاء من هذه المنطقة إلى الداخل، التزاماً منه بتطبيق القرار «1701» بكل مندرجاته، ليكون في وسع وحدات الجيش اللبناني، بعد تعزيزها بوحدات إضافية، توسيع انتشارها فيها دون أي شريك، في مقابل سيطرة الجيش السوري على المنطقة الواقعة قبالة البلدات اللبنانية من القصر امتداداً إلى مشارف الهرمل.

لكن الحلول الأمنية لمنع تجدد الاشتباكات تبقى مؤقتة، وهي في أمسّ الحاجة إلى حلول سياسية مستدامة لإنهاء «الجزر الأمنية» بين البلدين التي تعدّ قنابل موقوتة يمكن استخدامها لتفجير الوضع ما لم تدعّم بتوافق الحكومتين اللبنانية والسورية على ضرورة الشروع، بأقرب وقت، في بحث ترسيم الحدود.

وإلى حين أن يعطى الضوء الأخضر لبدء المفاوضات الحدودية، يبقى على «حزب الله» إخلاء المنطقة ووقوفه خلف الجيش لإعادة الهدوء إليها؛ لأن المشهد السياسي البقاعي بخلاف المشهد الجنوبي لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي، لا مصلحة لـ«الحزب» في أن يقدم نفسه نائباً عن الدولة بذريعة دفاعه عن العشائر؛ مما يعرّضه لانتقادات تتجاوز الداخل إلى الخارج، الذي قد يتعامل مع تدخله على أن إسناده لهم ليس في محله، ويشكل مخالفة للقرارات الدولية، وأن الضرورة تقتضي إعطاء فرصة للنظام الجديد في سوريا ليتفرغ لاحقاً للتفاوض مع الحكومة اللبنانية لتوفير الحلول للمشكلات الحدودية.


مقالات ذات صلة

وعود رسمية بـ«حل منصف» لأموال المودعين اللبنانيين

المشرق العربي بري مستقبلاً وفداً من مجلس التنفيذيين اللبنانيين في السعودية (رئاسة البرلمان)

وعود رسمية بـ«حل منصف» لأموال المودعين اللبنانيين

أكد كل من رئيس الحكومة نواف سلام ورئيس البرلمان نبيه بري على استعادة أموال المودعين، وأنه لن يكون هناك شطب للودائع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الجمهورية يترأس اجتماعاً أمنياً في قصر الجمهورية (رئاسة الجمهورية)

وفد أمني لبناني إلى دمشق لبحث التوترات الحدودية... والتعاون المستقبلي

علمت «الشرق الأوسط» أن وزير الدفاع اللبناني اللواء ميشال منسى بدأ اتصالاته لترتيب «زيارة أمنية» إلى سوريا لبحث الوضع الحدودي بين البلدين والتعاون الأمني.

المشرق العربي وزير الاقتصاد السابق أمين سلام (الوكالة الوطنية للإعلام)

القضاء اللبناني يستدعي وزيراً سابقاً لاستجوابه بملف فساد

استدعى القضاء اللبناني وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، لاستجوابه في الإخبار المقدّم ضدّه بجرم «الاختلاس والابتزاز وهدر المال العام وتبييض الأموال».

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جنديان لبنانيان يحرسان نقطة أمنية عند الحدود مع إسرائيل (أرشيفية - رويترز)

لبنان يشترط وقف الخروق الإسرائيلية لإنجاح مهمة «مجموعات العمل»

كشفت مصادر أن الموقف اللبناني واضح برفضه أي مفاوضات دبلوماسية مع إسرائيل لتطبيع العلاقات بين البلدين، ولم يسبق لواشنطن أن طرحت الموضوع مع المسؤولين اللبنانيين.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام (إ.ب.أ)

سلام: لا شطب للودائع والبدء بالإصلاح المالي في إعادة التفاوض مع «صندوق النقد»

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أنه على تواصل شبه يومي مع البنك الدولي في سبيل إقرار تخصيص مبلغ أولي قيمته 250 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مقتل 6 أطفال في غارة إسرائيلية على مبنى بمدينة غزة

0 seconds of 31 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:31
00:31
 
TT
20

مقتل 6 أطفال في غارة إسرائيلية على مبنى بمدينة غزة

مشيعون فلسطينيون يحملون جثة طفل قُتل في غارة جوية إسرائيلية على مدينة غزة (د.ب.أ)
مشيعون فلسطينيون يحملون جثة طفل قُتل في غارة جوية إسرائيلية على مدينة غزة (د.ب.أ)

لقي 6 أطفال حتفهم وأصيب آخرون إثر قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية بمدينة غزة، حسبما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، اليوم الجمعة.

وقصفت طائرات إسرائيلية بالصواريخ الشقة السكنية في شارع الجرو، بحي التفاح شمال شرقي مدينة غزة، ما أسفر عن مقتل الأطفال وجرح عدد من المواطنين.

من ناحية أخرى، لقيت أم وابنتها حتفهما، وأصيب آخرون، إثر قصف مدفعي إسرائيلي استهدف منزلاً يلجأون إليه قرب معصرة بلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس جنوب القطاع، وفق «وفا».

كما أصيب عدد من المواطنين بجروح، بينهم خطيرة، إثر استهداف إسرائيل مجموعةً من المواطنين شمال المغراقة بصاروخ من طائرة استطلاع، نُقلوا على إثرها إلى مستشفى العودة، وسط قطاع غزة، بحسب الوكالة.

وأصيب شاب من ذوي الإعاقة بجروح، إثر إطلاق قناصة الجيش الإسرائيلي الرصاص عليه، في قرية المغراقة جنوب مدينة غزة، وتم نقله لمستشفى العودة.