إسرائيل تستغل قيود «حزب الله» وتطبّق حرباً أمنية وحزاماً عازلاً

بعد النكسات... الاعتبارات الداخلية والتمويلية تجمّد نشاطه العسكري

عناصر من الدفاع المدني يخمدون نيراناً اشتعلت في سيارة استهدفتها مسيرة إسرائيلية في بلدة برج الملوك بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
عناصر من الدفاع المدني يخمدون نيراناً اشتعلت في سيارة استهدفتها مسيرة إسرائيلية في بلدة برج الملوك بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تستغل قيود «حزب الله» وتطبّق حرباً أمنية وحزاماً عازلاً

عناصر من الدفاع المدني يخمدون نيراناً اشتعلت في سيارة استهدفتها مسيرة إسرائيلية في بلدة برج الملوك بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
عناصر من الدفاع المدني يخمدون نيراناً اشتعلت في سيارة استهدفتها مسيرة إسرائيلية في بلدة برج الملوك بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

تمضي إسرائيل في حرب أمنية ضد «حزب الله» في لبنان، حدَّدت فيها حزاماً أمنياً جديداً تفرضه بالنار، وتنفذ الاغتيالات في جنوب الليطاني وشماله، وفي البقاع بشرق لبنان، في وقت جمّد «حزب الله» العمليات العسكرية ضد القوات الإسرائيلية، ويبدو «مكبلاً بالتغيرات الأخيرة»، ويترك مسؤولية معالجة ما تقوم به إسرائيل، للدولة اللبنانية.

ولا يخلو يوم من «انتهاكات» إسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي كان يُفترض أن يبدأ تطبيقه بالكامل في 18 فبراير (شباط) الماضي، ولاحقت طائراتها المسيرة، السبت، سيارة في بلدة برج الملوك التي تبعد نحو 4 كيلومترات عن الشريط الحدودية، واستهدفتها بصواريخ، مما أدى إلى مقتل شخص، حسبما أفادت به وزارة الصحة العامة، وتبين لاحقاً أنه يتحدر من بلدة كفركلا. كما أدى القصف إلى إصابة شخص آخر بإصابة خطيرة، حسبما أفادت به وسائل إعلام لبنانية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر أمني أن الهجوم في جنوب لبنان استهدف عناصر من «حزب الله». وقال الجيش الإسرائيلي: «هاجمنا عنصراً في (حزب الله) كان يشارك في نشاط إرهابي في كفركلا جنوب لبنان».

حرب أمنية

وأظهرت الملاحقات والاغتيالات التي تكثَّفت في الأسبوع الماضي أن إسرائيل «تطبّق الآن حرباً أمنية على (حزب الله)»، بعد الحرب العسكرية التي وضعت أوزارها في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إثر اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا، ورَعَته واشنطن، لوقف إطلاق النار. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل «فرضت منطقة عازلة بالنار في المنطقة الحدودية بجنوب لبنان تخلو إلى حد كبير أيضاً من المدنيين في هذا الوقت، بالنظر إلى حجم الدمار، وتتسع هذه المنطقة شيئاً فشيئاً إلى خطوط القرى الثانية عبر ملاحقات أمنية إسرائيلية لأشخاص يُشتبه في كونهم أعضاء أو عناصر أو حتى مناصرين لـ(حزب الله)، ويتحدرون أصلاً من تلك القرى في الجنوب».

الدخان يتصاعد من بلدة كفركلا جراء قصف إسرائيلي الصيف الماضي (أرشيفية - د.ب.أ)

ويسري اعتقاد لدى المقربين من «حزب الله» وخصومه بأن إسرائيل «تستغل الاندفاعة الدولية التي منحتها غطاء كبيراً في سوريا وغزة وجنوب لبنان»، لتنفيذ اغتيالات في لبنان، وارتكاب خروقات لاتفاقية وقف إطلاق النار والقرار الدولي «1701». كما «تستغل القيود التي تكبّل أيدي (حزب الله) عن الرد»، وهي قيود «سياسية داخلية متصلة بوضعية الحزب الجديدة، وأخرى دولية، وأخرى متصلة ببيئته».

تموضع الحزب

وأنجز «حزب الله» بعد انتهاء الحرب في 26 نوفمبر الماضي، تموضعاً جديداً باتجاه العمل السياسي، وتجميد العمل العسكري، من دون التنازل عنه، وذلك بضغط سياسي لبناني، وبضغط دولي على الدولة اللبنانية، وبضغط الاندفاعة الإسرائيلية لتنفيذ ضربات في أي موقع في لبنان، ومن ضمنها في قلب بيروت.

وأكد أمينه العام، نعيم قاسم، قبل أيام في مقابلة تلفزيونية: «إننا التزمنا كحزب في اتفاق وقف إطلاق النار، ولا نعطي ذرائع لإسرائيل لانتهاك الاتفاق، وقد خرجنا من جنوب نهر الليطاني، وتسلم الجيش اللبناني مواقعنا»، مضيفاً: «إسرائيل ليست بحاجة لذريعة».

وإذ أكد أن «العمل المقاوم من الثوابت ولا يمكن أن ينعدم»، قال إن «الإسرائيليين يعرفون اليوم جيداً أنهم إذا لم يخرجوا من الأرض، فسوف يُواجهون مقاومة، ليس الآن، بل لاحقاً»، مضيفاً: «نحن صابرون، لأنّ الدولة الآن مسؤولة، ولكن هذا لا يعني أنّ الأمور ستظل على هذا النحو دائماً، يجب أن يدركوا ذلك».

عناصر من الصليب الأحمر ينتشلون مصابين جراء استهداف إسرائيلي لبلدة برج الملوك بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

القيود على الحزب

وبينما لا يخفي الحزب أن المعادلات العسكرية السابقة التي كانت قائمة قبل الحرب لم تعد موجودة الآن، يقول خصومه إنه تعرض لنكسات عسكرية وضربات في الحرب، مما قوَّض قدراته العسكرية. وإضافة إلى ذلك: «يبدو الحزب اليوم مقيداً أولاً بالضغوط السياسية اللبنانية في ظل عهد جديد، وحكومة جديدة، إذ يتجنب الحزب مواجهة هذا العهد أو إحراجه»، حسبما تقول مصادر لبنانية معارضة لـ«حزب الله» لـ«الشرق الأوسط»، لذلك «يضع أوراقه لدى الدولة».

وفي حال لم تنجح الدولة في وقف الاعتداءات، فإنه سيقول إن الدولة عجزت بالدبلوماسية، وعليه، فإنه على الدولة أن تمضي في مناقشة استراتيجية دفاعية يكون الحزب في عدادها، علماً بأن مناقشة الاستراتيجية الأمنية أو الخطة الدفاعية، مؤجلة، رغم تعهد الرئاسة اللبنانية بإنجازها.

أما القيود الثانية على الحزب، فهي قيود تمويل إعادة الأعمار التي وضعها أيضاً الحزب بعهدة الدولة. وتقول المصادر: «إذا اخترق الحزب الاتفاق، فسيعطي ذلك ذريعة دولية لاعتبار المنطقة غير آمنة، وأن الحزب لا يلتزم باتفاق إطلاق النار، مما يؤجل تمويل إعادة الإعمار التي تبدو مشروطة بانسحاب الحزب وفق القرار (1701)، وتثبيت الاستقرار الأمني في المنطقة الحدودية».

وتتوسع القيود إلى بيئته؛ إذ بدا خلال الحرب أن إسرائيل وضعت خطة عنيفة في التعامل مع مقدرات الطائفة الشيعية خلال حربها مع «حزب الله»، وطبَّقتها بقصف هائل في الجنوب والضاحية والبقاع وفي قلب بيروت، وهذا يعني أن «أي تجدد للمعركة، سيدفع مليون نازح مرة أخرى إلى أنحاء البلاد، وسيهدد المؤسسات الإنتاجية والحيوية والأبنية السكنية، مما يرفع فاتورة إعادة الإعمار المتأخرة أصلاً الآن»، حيث اهتم «حزب الله» بدفع بدلات إيواء وإصلاح للأضرار، لكنه لم يدفع لإعادة الإعمار، وترك الأمر للدولة.

وبالتالي، فإن «الضغوط الشعبية ستكون كبيرة، وهو ما يدفعه لتجنبها ويترك أمور التفاوض للدولة والدبلوماسية».


مقالات ذات صلة

قمة لبنانية إماراتية في أبوظبي لمرحلة جديدة من العلاقات المثمرة

المشرق العربي لقاء بين الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في قصر الشاطئ بأبوظبي (الرئاسة اللبنانية)

قمة لبنانية إماراتية في أبوظبي لمرحلة جديدة من العلاقات المثمرة

بدأ الرئيس اللبناني جوزيف عون زيارة رسمية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك تلبية لدعوة من رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مقر مصرف لبنان المركزي في بيروت (رويترز)

البرلمان اللبناني يبدأ دراسة مشروع «إعادة هيكلة المصارف»

باشرت لجنة المال والموازنة في مجلس النواب اللبناني، برئاسة النائب إبراهيم كنعان، دراسة «مشروع قانون إعادة تنظيم القطاع المصرفي» الذي أقرته الحكومة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون مجتمعاً مع الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز والجنرال مايكل جيه ليني والسفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون (رئاسة الجمهورية)

المسؤولون اللبنانيون: اعتداءات إسرائيل تعوق انتشار الجيش ومسيرة تعافي الدولة

جدد المسؤولون اللبنانيون مطالبتهم بانسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها، ووقف اعتداءاتها التي تعوق انتشار الجيش اللبناني وتنعكس سلباً على مسيرة تعافي الدولة

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص أفراد من الجيش اللبناني في موقع استهداف إسرائيلي لقيادي في «الجماعة الإسلامية» جنوب بيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

خاص « الدفاع الأعلى» اللبناني يطالب «حماس» بتسليم مطلوبين بإطلاق الصواريخ

قال مصدر لـ«الشرق الأوسط» بأن تسليم المطلوبين من «حماس» المتهمين بإطلاق الصواريخ على إسرائيل سيتصدر أول اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع الذي سيعقد الجمعة.

محمد شقير (بيروت)
الاقتصاد مقر مصرف لبنان المركزي في بيروت (رويترز)

مصرف لبنان المركزي: سنقترح مسوّدة أولى لخطة إعادة هيكلة المصارف

أعلن مصرف لبنان أنه سيقوم باقتراح المسوّدة الأولى لخطة إعادة هيكلة المصارف، والتي ستكون لاحقاً موضوع نقاشات ومراجعات من صندوق النقد الدولي ورئاسة الحكومة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

شُح السيولة النقدية يعتصر أبناء غزة

طفل يأكل من صحن طعام حصل عليه من «تكيَّة خيرية» بمدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)
طفل يأكل من صحن طعام حصل عليه من «تكيَّة خيرية» بمدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)
TT

شُح السيولة النقدية يعتصر أبناء غزة

طفل يأكل من صحن طعام حصل عليه من «تكيَّة خيرية» بمدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)
طفل يأكل من صحن طعام حصل عليه من «تكيَّة خيرية» بمدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)

حتى إن حدث وتوفر الغذاء، فلا يتوفر المال اللازم لشرائه؛ فقطاع غزة يعاني شُحاً حاداً في السيولة النقدية بعدما منعت إسرائيل دخول أي عملات جديدة إليه منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما وضع أهله بين براثن تجار استغلوا ذلك لرفع نسب صرف الحوالات المالية على نحو مبالغ فيه.

ويعتمد الفلسطينيون في الأساس في تعاملاتهم المالية اليومية على الشيقل الإسرائيلي الذي كان يدخل مناطقهم بعد أن يضخه «بنك إسرائيل» إلى البنوك التابعة لسلطة النقد التابعة بدورها للسلطة الفلسطينية.

إلا أن عمل البنوك توقف منذ الحرب على غزة، كما توقف إدخال أي أوراق نقدية إلى القطاع، الأمر الذي فاقم معاناة أهله الذين وقعوا «تحت رحمة» التجار وأهوائهم.

«لعبة التجار»

بدأت «لعبة التجار»، كما يُطلق عليها الكثيرون من أبناء غزة، بعدم قبولهم الأوراق المالية المهترئة، وكذلك بعض القطع المعدنية مثل «العشرة شواقل» (نحو 3 دولارات)، حتى باتت لا تُستخدم في الأسواق؛ ثم انتقلوا إلى رفض تسلُّم أوراق نقدية من نسخ معينة -مثل النسخة القديمة البُنيَّة اللون من ورقة المائة شيقل (ما يعادل نحو 28 دولاراً)- واشتراط تقديم النسخة الحديثة صفراء اللون. وانطبق هذا على الكثير من فئات الأوراق المالية المختلفة.

ويقول هاني جحجوح، وهو من سكان مخيم الشاطئ بغرب مدينة غزة، إن تجار الخضراوات وأصحاب المحال التي تبيع السلع الأساسية -حين توفرها بالأسواق- يرفضون تسلم أي أوراق مالية بالية، أو عملات معدنية معينة، بحجة أنها مزيفة أو يجري تزييفها، مما يزيد من أعباء مواطن تطحنه أصلاً ظروفه الصعبة.

ويضيف جحجوح (59 عاماً) لـ«الشرق الأوسط»: «ما فيه بإيدينا حلول، وما بنعرف من وين نجيب فلوس إلهم»، مشيراً إلى أن التجار يشترطون أموالاً جديدة حتى يبيعوهم سلعاً، بينما السكان عاجزون عن توفيرها.

وهناك عدد «قليل جداً» من التجار يقبلون بيع سلعهم عبر تطبيقات الدفع الإلكتروني، لكنهم يفرضون شروطاً، مثل بيع السلعة بسعر أعلى أو المطالبة بجزء من الثمن نقداً.

فلسطينيون يتهافتون للحصول على طعام من «تكيَّة خيرية» في النصيرات بوسط قطاع غزة اليوم (أ.ب)

صدَّقت النازحة دعاء إسماعيل، وهي من سكان بلدة بيت حانون بشمال القطاع ونازحة في مركز إيواء بحي الشيخ رضوان، على هذا الكلام، وقالت إنها لا تستطيع التسوق -في حال توفرت أي بضائع- لعدم وجود سيولة مالية لديها.

وأضافت متحدثةً إلى «الشرق الأوسط»: «نعاني بشدة من نقص السيولة، وهذا يُزيد معاناتنا في الحصول على سلع أساسية مثل الدقيق والسكر، في حال توفرها».

وواصلت: «لفترة قصيرة خلال وقف إطلاق النار، كان التجار يقبلون بالتحويلات المالية عبر تطبيقات الدفع الإلكتروني، ولكن منذ عودة الحرب زادت الأمور سوءاً ولم يعودوا يقبلون بذلك».

رواتب لا تُصرف

ولا يسلم من الأزمة الموظفون الحكوميون التابعون للسلطة الفلسطينية، ولا العاملون في مؤسسات القطاع الخاص أو المنظمات الدولية؛ فجميعهم يتلقون رواتبهم عبر البنوك والمحافظ الإلكترونية، إلا أنهم لا يستطيعون صرفها نظراً لإغلاق البنوك، مما يضطرهم إلى اللجوء إلى أصحاب محال الصرافة أو التجار الذين يملكون سيولة نقدية.

يقول أمجد حسب الله، وهو موظف في السلطة الفلسطينية، إنه يضطر منذ أكثر من عام ونصف العام لسحب راتبه الشهري من خلال التطبيق البنكي للحصول على المبلغ نقداً مقابل نسبة يدفعها للتاجر المصرفي أو غيره من التجار، مشيراً إلى أن هذه النسبة وصلت في بداية شهر أبريل (نيسان) الجاري، حين تسلم آخر راتب، إلى 30 في المائة.

ويواصل حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إنه في بدايات الحرب، بدأت العمولة بنسبة 5 في المائة، ثم أخذت ترتفع بين الحين والآخر حتى وصلت مع حلول عيد الفطر إلى 35 في المائة، ثم انخفضت لتصل إلى 30 في المائة في الأيام الأخيرة.

وبحسرة قال: «راتبي 2800 شيقل فقط، ولما ادفع عمولة بنسبة 30 في المائة، ما بيضل لي إلا القليل... مش ضايل للتجار غير ياخدوا الراتب كله ويعطونا منه مصروف شخصي».

«المصيدة»

ويقول الفلسطيني جمال المسحال إنه يعيش على مبلغ 1000 شيقل (ما يعادل 280 دولاراً)، يتحصل عليه شهرياً من مؤسسات دولية وأممية مختلفة مساعدة له ولعائلته المكونة من ستة أفراد، فُقد اثنان منهم في غارة إسرائيلية.

لكنَّ المسحال لا يجد طريقة لصرف هذه الدفعة الشهرية إلا من خلال التجار، الذين يدفع لهم نسبة تصل إلى 30 في المائة، فلا يتبقى له ولعائلته إلا القليل.

وهو يرى أن مواطني غزة باتوا «مصيدة» لأصحاب محلات الصرافة وكبار التجار ممن يملكون السيولة النقدية، ويقول إن استغلال حاجة المواطنين لا يتوقف، وإن الأمر بات كأنه «موسم لحصد مزيد من الأرباح وفق أهواء هؤلاء التجار الذين لا يرحمون المواطنين وحاجتهم إلى المال في ظل ظروفهم الصعبة».

والفئات الفقيرة والمهمشة هي الأكثر تضرراً، إذ يعتمد بعض المؤسسات الدولية على المحافظ المصرفية الإلكترونية لتحويل الأموال لإغاثة هذه الفئات.

من دون رادع

حاولت حكومة «حماس»، خلال فترات أن تُلزم التجار والمصرفيين بتحديد نسبة 5 في المائة مقابل عملية صرف الحوالات المالية، إلا أنها لم تُفلح في ذلك لأسباب عدة لعل أهمها ملاحقة إسرائيل عناصرها الذين كانوا يشرفون على محاولات تنظيم الأمر.

ودافع الصرافون عن موقفهم، وقال أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: «رفع نسبة العمولة بمقايضة الكاش مقابل التحويلات التطبيقية يعود لعدم توفر السيولة وإدخالها، وما يتوفر لدى التجار من مال في حال صرفه للمواطنين ليس هناك بديل له؛ أي إن ما يخرج من مال لا يعود مثله».

ويواصل الحديث: «لذلك هناك أسباب تدفعنا للحفاظ على حقوقنا وتحقيق ربح مقابل توفير هذه السيولة النقدية».

ويشير إلى محاولات من جانب وزارتي المالية والاقتصاد، بالتعاون مع مباحث الاقتصاد وجهات أخرى، لـ«فرض بعض الشروط علينا، ولكننا لم نلتزم لأنها تُعد ظالمة بالنسبة لنا».

تدافُع للحصول على وجبات ساخنة توزعها منظمات خيرية في جباليا شمال قطاع غزة اليوم (د.ب.أ)

ووجَّه بعض رؤساء البلديات والوجهاء في الآونة الأخيرة مناشدات إلى سلطة النقد في رام الله لمتابعة ملف التجار الذين يتحكمون بالسيولة النقدية ومراقبة حساباتهم وتجميدها.

وفي العادة، تُحذّر سلطة النقد في رام الله من أي تجاوزات في حق المواطنين، وهددت أكثر من مرة باتخاذ إجراءات؛ إلا أنه فعلياً لا يزال أولئك التجار يصرفون الحوالات المالية مقابل عمولة بنسب كبيرة، من دون رادع.

ودعت سلطة النقد مواطني غزة إلى اللجوء لنظام الدفاع الفوري في التطبيقات المصرفية الإلكترونية، الذي يُعد بديلاً مناسباً للتعامل بالنقد، ويشجع على التحول الرقمي، ويحقق ميزة الدفع اللحظي.

تضييق على تضييق

رغم كل هذه المعاناة، لا تزال إسرائيل تعمل على تعميقها، وتتخذ خطوات تهدف إلى مزيد من التضييق على سكان القطاع؛ فهي تدرس إلغاء الورقة النقدية فئة مائتي شيقل (ما يعادل 55 دولاراً)، بحجة أن حركة «حماس» غالباً ما تستخدمها لصرف رواتب عناصرها وغيرها.

جاء ذلك بطلب من وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، وجَّهه إلى محافظ بنك إسرائيل، يارون أمير، الذي رفض الخطوة. وتبحث إسرائيل خطوات بديلة، مثل إلغاء الأرقام التسلسلية المعروف لدى البنك أنها داخل قطاع غزة، لتصبح قيمة الأوراق النقدية التي تحملها «صِفراً»، ومن ثم توجيه ضربة اقتصادية قاصمة إلى حركة «حماس».

وأورد تقرير لصحيفة «معاريف»، يوم الثلاثاء، أن هناك من يؤيد هذه الخطوة من الوزراء وخبراء الاقتصاد داخل بنك إسرائيل وخارجه.

ووفقاً للصحيفة، فإن هناك ما يقدَّر بنحو عشرة مليارات شيقل داخل قطاع غزة من الفئة النقدية الكبيرة، أي مائة ومائتي شيقل، وهي أوراق دخلت القطاع على مدى سنوات كثيرة بعدما ضخها بنك إسرائيل إلى فروع البنوك في غزة.

ووفقاً لخبراء اقتصاد تحدثوا إلى «معاريف»، فإن سكان القطاع يتلقون ما بين 150 و200 مليون شيقل شهرياً عبر التطبيقات والتحويلات المصرفية من منظمات الإغاثة والسلطة الفلسطينية، وتُحوَّل هذه الأموال من المحافظ الرقمية إلى أوراق نقدية من خلال الأسواق التي تسيطر عليها «حماس» بمساعدة شبكة من الصرافين.

وتقدر مصادر أمنية إسرائيلية أن لدى «حماس» ما يصل إلى أربعة أو خمسة مليارات شيقل، جمعتها خلال الحرب، وأنها دفعت نحو مليار شيقل رواتب لعناصر ومجندين جدد، زاعمةً أن الحركة جمعت ثروة طائلة من خلال بيع المساعدات والوقود بأسعار باهظة خلال الحرب.