مشاركة مصر بمؤتمر باريس لـ«دعم دمشق»... خطوات متتالية «تقلص الجمود»

عبد العاطي ونظيره السوري يحضران الاجتماع

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطى خلال لقائه مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو في باريس (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطى خلال لقائه مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو في باريس (الخارجية المصرية)
TT

مشاركة مصر بمؤتمر باريس لـ«دعم دمشق»... خطوات متتالية «تقلص الجمود»

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطى خلال لقائه مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو في باريس (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطى خلال لقائه مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو في باريس (الخارجية المصرية)

خطوات متتالية بين القاهرة ودمشق تدفع نحو «تقليص الجمود» الذي انتاب العلاقات، عقب سقوط نظام بشار الأسد، كان أحدثها مشاركة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في مؤتمر دولي لدعم سوريا في باريس.

ذلك الوجود المصري بمؤتمر باريس، يحمل أهمية كبيرة ويعبّر عن «بعض الارتياح» من القاهرة تجاه الإدارة الجديدة في سوريا، بحسب رئيس مجلس الشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد العرابي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، لافتاً إلى أنه «قد يتطور إيجابياً ويقلص الجمود بين البلدين، مع توقع حضور أحمد الشرع القمة العربية التي دعت لها القاهرة أواخر فبراير (شباط) الحالي».

في حين رجَّح خبراء سوريون لـ«الشرق الأوسط»، استمرار تطور العلاقات بين مصر وسوريا، وتعزيز فرص التعاون بينهما وتجاوز أي مخاوف.

وأعلنت الخارجية المصرية، مشاركة عبد العاطي، الخميس، في الاجتماع الوزاري لدعم سوريا الذي دعت إليه باريس، ويحضره نظيره السوري أسعد الشيباني متابعةً لاجتماعين مماثلين في العقبة في ديسمبر (كانون الأول) 2024، والرياض في يناير (كانون الثاني) 2025؛ «بهدف تنسيق الجهود الإقليمية والدولية إزاء الأوضاع في سوريا، ودعم عملية سياسية شاملة تضمن الحفاظ على استقرار سوريا ووحدتها وأمنها وسيادتها على كامل أراضيها، وتلبي طموحات الشعب السوري».

وأكد عبد العاطي، خلال لقاء نظيره الفرنسي، جان نويل بارو، الخميس، «ضرورة احترام وحدة الأراضي السورية وسلامتها، وأهمية بدء عملية سياسية دون إقصاء أي من مكونات المجتمع السوري»، وفق بيان صحافي للخارجية المصرية.

ويعتقد العرابي أن «الوجود المصري بالمؤتمر مهم جداً ويعطي انطباعاً ببعض الارتياح من الإجراءات السورية التي تقول إن دمشق في طريقها للاستقرار؛ وهذا ما يهم مصر أن تكون سوريا مستقرة وألا تكون عُرضة للجماعات الإرهابية ولا للتدخلات الخارجية».

ويرى أن هذا «الوجود المصري يسهم في تقليص الجمود ويصب في صالح علاقات البلدين الفترة المقبلة التي يتوقع أن تشهد قريباً تطورات إيجابياً»، مستدركاً: «لكن مصر لديها ملاحظات وشواغل تجب مراعاتها لتطوير كامل العلاقات».

ويرى المستشار السابق في رئاسة الوزراء السورية وأستاذ العلاقات الدولية، الدكتور عبد القادر عزوز، أن «العلاقات السورية - المصرية تاريخية وتُـعدُّ جزءاً رئيسياً من الأمن القومي العربي وكانت عاملاً مهماً لتحقيق الاستقرار بالمنطقة»، متوقعاً أن تتطور العلاقات المصرية - السورية الفترة المقبلة في ضوء مشاركة وزير الخارجية المصري باجتماع باريس.

وتحمل «مشاركة وزير الخارجية المصري أهمية في إعادة النظر في ترتيب أمور القاهرة مع دمشق نحو تقارب يكسر الجليد المتراكم بينهما بعد إسقاط بشار الأسد»، وفق تقدير الخبير السوري في الشؤون الاستراتيجية عبد الله الأسعد.

وسبق أن شارك عبد العاطي في مؤتمر لدعم سوريا بالرياض في يناير دون أن يلتقي الشيباني، مؤكداً في الاجتماع ذاته على شواغل القاهرة، وبينها أهمية ألا تكون دمشق منصة لتصدير الإرهاب، تزامناً وقتها مع ظهور دعوات من سوريا محرّضة ضد النظام المصري.

وعقب يومين من إعلان الإدارة السورية الجديدة في أواخر يناير الماضي تسمية الشرع رئيساً انتقالياً، وتفويضه بتشكيل مجلس تشريعي للمرحلة الانتقالية، وجَّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التهنئة له، في حين ينتظر أن تستضيف القاهرة في 27 فبراير الحالي قمة عربية طارئة بشأن فلسطين، وسط تقارير إعلامية بأن الشرع ستوجه له الدعوة لحضور القمة، وهو ما لم تؤكده مصر بعد، باعتبارها صاحبة الدعوة.

وبرأي العرابي فإنه لا داعي للعجلة في توقعات مستقبل العلاقات بين مصر وسوريا، خصوصاً وهو غير معروف بشكل يقيني، باستثناء اطمئنان حيال الإجراءات السورية المتخذة، متوقعاً ألا تحدث زيارة من وزير الخارجية المصري لدمشق حالياً مع اهتمامات بالشأن الفلسطيني ودعوة القاهرة لعقد قمة عربية طارئة بشأنها.

ويرجّح العرابي، أن يحضر الشرع القمة، لافتا إلى أنه ليس هناك حتى الآن أي اعتراضات على حضوره، ولا يمكن تجاهل سوريا في المشاركة بأمر يخص القضية الفلسطينية.

ويرى الأسعد أن حذر القاهرة تجاه دمشق بسبب الفصائل، قد يتغير مع الواقع عندما يرون دولة عربية قائمة بعيداً عن الآيديولوجيا وإيران، مشدداً على أنه «لا يمكن أن تغرّد مصر خارج السرب الدولي بالكامل لأن الانفتاح الدولي والإقليمي والعربي والعالمي على سوريا مدروس وأعطى الإشارات الخضراء للاندماج الدولي مع دمشق».

ويتوقع عزوز أن تجمع القاهرة ودمشق الفترة المقبلة فرص تعاون تعزز تقاربهما بشكل كبير، لا سيما في إعمار سوريا والمساعدة المصرية في تجاوز أزمة الطاقة السورية.


مقالات ذات صلة

هجوم تركيا على عين العرب يفجر غضباً ويلقي بظلال على «مبادرة أوجلان»

المشرق العربي تركيا تواصل قصفها على محور سد تشرين شرق حلب رغم الاتفاق بين الإدارة السورية و«قسد» (أ.ف.ب)

هجوم تركيا على عين العرب يفجر غضباً ويلقي بظلال على «مبادرة أوجلان»

أثار الهجوم التركي على إحدى قرى عين العرب (كوباني) في شرق حلب رد فعل غاضباً من جانب حزب موالٍ للأكراد ينخرط في جهود لإنجاح مبادرة لحل حزب العمال الكردستاني.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي ممثلون يحضرون مؤتمر بروكسل التاسع «الوقوف مع سوريا: تلبية احتياجات انتقال ناجح» بمبنى «أوروبا» في بروكسل 17 مارس 2025 (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يتعهد تقديم 2.5 مليار يورو لدعم سوريا في مؤتمر دولي

تعهد الاتحاد الأوروبي، الاثنين، تقديم نحو 2.5 مليار يورو (2.7 مليار دولار) من المساعدات إلى سوريا، في سياق جهوده الرامية إلى إعادة إعمار البلد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
المشرق العربي فرق الهندسة في وزارة الدفاع تفكك ألغاماً أرضية على أوتوستراد اللاذقية جبلة كانت مجهزة للتفجير (وكالة ثقة)

إغلاق الطرق المؤدية إلى مدن الساحل لإعادة الاستقرار وتفكيك ألغام أرضية مجهزة للتفجير

لا يزال الوضع الأمني في مناطق الساحل السوري هشاً وقد أغلقت وزارة الدفاع السورية الطرق المؤدية إلى مدن الساحل لإعادة الاستقرار

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع لدى توقيعه الإعلان الدستوري لسوريا في دمشق 13 مارس 2025 (أ.ف.ب)

سوريا: الإدارة الذاتية الكردية تطالب بدستور يكون نواة لدولة حرة وديمقراطية

دعت الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سوريا، السبت، جميع أبناء الشعب السوري والقوى الوطنية إلى التكاتف والوحدة من أجل صياغة دستور سوري «يعبّر عن طموحاتنا».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية فيدان خلال لقائه ووفد تركي الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في دمشق الخميس (الخارجية التركية)

تركيا: مقترحنا للإدارة السورية هو إعطاء الأكراد حقوقهم

دعت تركيا الإدارة السورية إلى منح الأكراد حقوقاً متساويةً، ورفع الظلم التاريخي الذي تعرضوا له مع عدم التسامح مع التنظيمات الإرهابية وإخراجها من المعادلة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

مؤتمر بروكسل يدعم السوريين عبر الوكالات الدولية لا الحكومة الانتقالية

صورة جماعية للحاضرين في مؤتمر بروكسل لدعم سوريا (إ.ب.أ)
صورة جماعية للحاضرين في مؤتمر بروكسل لدعم سوريا (إ.ب.أ)
TT

مؤتمر بروكسل يدعم السوريين عبر الوكالات الدولية لا الحكومة الانتقالية

صورة جماعية للحاضرين في مؤتمر بروكسل لدعم سوريا (إ.ب.أ)
صورة جماعية للحاضرين في مؤتمر بروكسل لدعم سوريا (إ.ب.أ)

على عكس التوقعات التي سبقت مؤتمر المانحين في بروكسل، لم يخفض الاتحاد الأوروبي من تعهداته للسوريين وتعهد تقديم قرابة مليارين ونصف المليار يورو (2.7 مليار دولار) للعامين 2025 و2026 من دول الاتحاد الأوربي والنسبة الأكبر ستقدم على شكل مساعدات عينية عبر الوكالات الدولية ومنظمات إنسانية دون تدخل الحكومة الانتقالية، التي أصرت على إيصال رسالة خلال المؤتمر ترفض فيها «فرض أجندات أجنبية عليها»، حسبما قالت مصادر مراقبة في المؤتمر لـ«الشرق الأوسط».

وأفادت المصادر بوجود خلاف حول تقديم المساعدات عبر الحكومة الانتقالية، مرجحة أن يكون مرد الخلاف الأحداث الأخيرة التي شهدتها مناطق الساحل السوري والتي أرخت بثقلها على أجواء المؤتمر.

وقالت المصادر إنه لم تتم مناقشة رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا كما كان متوقعاً، بل تم تأجيلها في رسالة غير مباشرة للحكومة الانتقالية السورية بأنها لا تزال تحت المراقبة مع منحها فرصة جديدة.

وحسب المصادر، تركزت النقاشات حول «الانتقال السلمي الشامل»، والتوصل «حلّ سياسي شامل لضمان مستقبل مستقر لسوريا» كما تناول القضايا المعيشية الصعبة، وحالة الفقر والجوع والحرمان من التعليم، وتهتك البنى التحتية في مختلف القطاعات، لا سيما الصحي والتعليمي والمصرفي.

وأشارت المصادر إلى انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من مجموعة المانحين، على رغم حضور منظمات وشخصيات أميركية للمؤتمر. وقالت المصادر إنه وبالعموم تعدّ أجواء المؤتمر إيجابية وهادئة بدايةً لدفع عملية الإعمار في سوريا، علماً أن المنحة المقدمة لا تتجاوز نسبتها أقل 1 في المائة من احتياج عملية إعادة الإعمار في سورية التي يقدر احتياجها بمبلغ يتراوح بين 350 و400 مليار دولار.

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الذي مثَّل سوريا رسمياً لأول مرة في مؤتمر المانحين في نسخته الثامنة، أكد انفتاح حكومته على «الحوار والتعاون في كل ما يخدم مصلحة شعبنا ويعيد دور بلدنا على الصعيد الدولي»، ودعا في كلمته أمام المؤتمر إلى رفع العقوبات ودعم إعادة الإعمار؛ لأن العقوبات الأحادية تزيد من معاناة الشعب السوري، وقال إن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا «ضرورة إنسانية وأخلاقية وليس مجرد مطلب سياسي»، وأن عودة النازحين واللاجئين «تتطلب جهداً دولياً ومساهمة في تنشيط الاقتصاد».

دعم أوروبي شامل

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أكدت خلال المؤتمر أن «السوريين في حاجة إلى مزيد من الدعم، سواء كانوا لا يزالون في الخارج أو قرروا العودة إلى ديارهم». وقالت: «لذا؛ نزيد اليوم في الاتحاد الأوروبي تعهداتنا إزاء السوريين في البلد والمنطقة. وذلك، في سياق جهوده الرامية إلى إعادة إعمار البلد بعد إطاحة الرئيس بشار الأسد».

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني محاطاً بالممثلة الأوروبية العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالّاس والمفوضة الأوروبية للشؤون المتوسطية دوبرافكا سويكا في مؤتمر بروكسل للمانحين (إ.ب.أ)

وكانت ألمانيا أعلنت قبيل انعقاد المؤتمر التزامها بتقديم مساعدات إضافية للسوريين بقيمة 300 مليون يورو (326 مليون دولار)، وذلك عبر الأمم المتحدة ومنظمات مختارة. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إن أكثر من نصف هذه المساعدات سيُوجّه مباشرة إلى الشعب السوري دون أي تدخل من الحكومة الانتقالية، مشيرة إلى أن التمويل سيُخصص لتوفير الغذاء والخدمات الصحية وملاجئ الطوارئ، إلى جانب برامج لحماية الفئات الأكثر ضعفاً. كما سيشمل الدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة في الأردن ولبنان والعراق وتركيا. من جانبها، تعهدت بريطانيا تقديم مساعدات لسوريا تصل إلى 160مليون جنيه إسترليني، في حين تجاوزت تعهدات شبكة الأغا خان للتنمية 100مليار يورو.

تشير التقديرات الأوروبية، إلى وجود نحو 16.7 مليون سوري في حاجة إلى مساعدات، منهم 12.9 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية، كما تحتاج البلاد إلى نحو نصف قرن من إعادة الإعمار.

تعويل على الدعم العربي

ويعول المانحون الأوروبيون على الدول العربية لتعويض العجز في المساعدات الذي سببه الانسحاب الأميركي هذا العام على الرغم من تمثيله في المؤتمر؛ إذ لم تغط المبالغ التي تم جمعها سابقاً سوى 35 في المائة من احتياجات السوريين.

ولفتت دراسة لـ«مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية» نشرت الاثنين حول آخر تعديلات الاتحاد الأوروبي على العقوبات المفروضة على سوريا، بما في ذلك تعليق بعضها ومنح إعفاءات دائمة، إلى أنه ستتم مراجعة هذه التعديلات خلال 12 شهراً، وأن إعادة فرض العقوبات المرفوعة تتطلب تصويتاً بالإجماع من جميع الدول الأعضاء الـ27.

وأزال الاتحاد الأوروبي أربعة بنوك عامة من قائمة العقوبات، وسمح بإجراء معاملات مالية محدودة مع المصرف المركزي السوري، وخفف القيود على العلاقات المصرفية بين سوريا والاتحاد الأوروبي. كما رفع الحظر عن استيراد النفط السوري وتصدير المعدات الرئيسية لقطاع الطاقة، إضافة إلى السماح بالاستثمار في قطاع الكهرباء. وتم إضفاء الطابع الدائم على الإعفاءات الخاصة بالمعاملات الإنسانية، بعدما كانت مؤقتة في السابق. إلا أنه وعلى رغم تخفيف العقوبات الأوروبية، «لا تزال العقوبات الثانوية الأميركية تردع الشركات والمصارف عن التعامل مع سوريا»، بحسب الدراسة، التي لفتت إلى أن تأثير ذلك سيظل محدوداً ما لم تتبعه إجراءات أوسع وتطمينات إضافية للقطاع، لا سيما في ظل استمرار عقوبات الولايات المتحدة.