عدت تركيا موقف الإدارة السورية بشأن وحدات حماية الشعب الكردية التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ملبياً لاحتياجاتها الأمنية، في وقت استبعدت فيه مصادر دبلوماسية استمرار الدعم الأميركي لها، وعدم سحب القوات الأميركية من سوريا.
وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن الرئيس الانتقالي السوري، أحمد الشرع، لديه موقف واضح تماماً بشأن «تنظيم حزب العمال الكردستاني - وحدات حماية الشعب الكردية» الإرهابي، وإن هذا الموقف يلبي الاحتياجات الأمنية لتركيا.

وتابع فيدان، في مقابلة مع «وكالة أنباء الأناضول» الرسمية التركية، الأربعاء، أن التطورات في سوريا خلال الشهرين الماضيين تسارعت في «مسار إيجابي»، وأن تعامل دول المنطقة والمجتمع الدولي مع الإدارة السورية الجديدة كان إيجابياً للغاية، وأنها أيضاً تتصرف بمسؤولية.
توقعات من إدارة الشرع
ولفت إلى أن المباحثات بين الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان والشرع في أنقرة، الثلاثاء، كانت فرصة لمعالجة القضايا المجمدة التي لم يتم حلها سابقاً بين البلدين.
وقال: «ناقشنا القضايا الأمنية، وفي المقام الأول أمن الحدود بين بلدينا، وزيادة التجارة، والاتصال مع الدول الإقليمية، وبالطبع، القضايا الأمنية، وفي المقام الأول كيفية حل مشكلة وحدات حماية الشعب، ومكافحة (تنظيم داعش)، والخطوات التي يمكن اتخاذها مع الدول الإقليمية بشأن هذه القضية، كلها تمت مناقشتها مع مجموعة واسعة من القضايا».
وأضاف أن «تركيا بلد قوي قام بإصلاح نظامه الدفاعي الوطني إلى حد كبير وضخ استثمارات كبيرة في صناعة الدفاع، واكتسبنا قدرات هائلة في مجال الاستخبارات والدبلوماسية والعسكرية، وما دام أننا لا نواجه تهديدات خارجية، فإننا لا نحتاج إلى كثير من الدعم من الآخرين في هذه الأمور».

وتابع فيدان: «توقعاتنا الأولى من الشرع أن تتولى الإدارة الجديدة مسؤولية المشكلات في سوريا، واتخاذ خطوات لحلها، وأن تتخذ موقفاً بشأن القضايا التي تشكل تهديداً لتركيا والمنطقة».
وأوضح أن الشرع لديه موقف واضح تماماً بشأن وحدات حماية الشعب الكردية، يلبي الاحتياجات الأمنية لتركيا، وأن الدولة السورية إما أن تعيد جميع أعضائها الذين جاءوا من بلدان مختلفة إلى بلادهم، وإما أن تقضي عليهم لضمان وحدتها الوطنية، مضيفاً: «نتوقع هذا من سوريا والعراق وإيران، وبطبيعة الحال، يتعين عليهم أن يتوقعوا ذلك منا، وكما أننا لا نشكل تهديداً للدول المحيطة بنا، فإن أولويتنا الأولى هي ألا تشكل الدول المحيطة بنا تهديداً لنا لأي سبب».
مشاورات تركية إيرانية

وبالتزامن مع زيارة الشرع لتركيا، الثلاثاء، عقدت في أنقرة جولة جديدة من المشاورات السياسية التركية الإيرانية برئاسة نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز، ونائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي.
وتم خلال جولة المشاورات مناقشة العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية الراهنة، وفي مقدمتها التطورات في سوريا، وقضايا التعاون متعدد الأطراف.
محور إقليمي ضد «داعش»
وبشأن مكافحة «تنظيم داعش» الإرهابي، الذي بسببه تتمسك أميركا بدعم وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، قال فيدان: «سنعمل على مبادرات إقليمية لمكافحة (داعش)، واتخاذ خطوات تهدف إلى إنشاء آلية مشتركة بين تركيا والعراق وسوريا والأردن».
ولفت إلى أهمية هذه المبادرة الإقليمية، وأن الهدف الرئيس هو إنشاء آلية مشتركة للتعاون في حل المشكلات الإقليمية، مضيفاً: «ننظر إلى مشاكل المنطقة بفهم التعاون الإقليمي للوصول إلى حلول إقليمية، ونهدف من خلال هذه الآلية إلى تقديم حلول حقيقية للمشاكل القائمة».

وعن وضع مخيم الهول، الخاضع لسيطرة «الوحدات الكردية - قسد» في شمال شرقي سوريا، الذي تحتجز فيه عناصر «داعش» وأسرهم، قال فيدان إن الإدارة السورية الجديدة أظهرت إرادة واضحة لاستعادة السيطرة على هذا المعسكر بهدف تعزيز سيادة الدولة.
وقال فيدان، إن كل ما تقوم به الوحدات الكردية هو حراسة السجون التي يوجد بها عناصر «داعش»، وليس لها دور آخر.
وترغب تركيا في إنشاء تحالف إقليمي ضد «داعش» والتنظيمات الأخرى (العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية)، لإقناع أميركا بسحب قواتها من سوريا، والتخلي عن دعم الوحدات الكردية، لا سيما أنه ليس هناك ما يشير إلى نشاط للتنظيم الإرهابي في سوريا.
هذا، وتواترت تقارير في الفترة الأخيرة تؤكد أن «داعش» فقد قدرته، إلى حد كبير، في سوريا، وأنه يسعى إلى استعادة قوته لا سيما في أفريقيا، وأن خلاياه النائمة في سوريا والعراق قد تتحرك إذا وجدت البيئة المناسبة لها.
وتسود مخاوف من أن أعضاء «داعش»، الذين يبلغ عددهم نحو 10 آلاف شخص محتجزين في السجون التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، قد يستغلون التوترات في المنطقة للهروب أو الإفراج عنهم، كما ينظر إلى مصير ما يقرب من 40 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، في المخيمات التي تُحتجز فيها عائلات «داعش»، بوصفه سبباً للقلق أيضاً.
انسحاب أميركي
وتؤكد تركيا، التي ترغب في إنهاء وجود الوحدات الكردية في سوريا، وتلقى عملية عسكرية ضدها في شمال شرقي سوريا معارضة شديدة من جانب أميركا وفرنسا، أنه ينبغي استقبال أعضاء «داعش» وعائلاتهم في مراكز الاحتجاز والمخيمات من قبل البلدان التي يحملون جنسياتها.
وقالت مصادر دبلوماسية في أنقرة لـ«الشرق الأوسط»، إن الدول الأوروبية غير راغبة في استرجاع مواطنيها من عناصر «داعش» لأسباب أمنية.
وعلى الرغم من أن تركيا ترى فرصة مع المرحلة الجديدة التي بدأت مع الإطاحة بنظام بشار الأسد للتحرك خطوة في اتجاه إنهاء وجود الوحدات الكردية في شمال وشرق سوريا، رأت المصادر، أنه ليس واضحاً حتى الآن بالنسبة لأنقرة، ما إذا كانت الإدارة السورية الجديدة ستكون «شريكاً موثوقاً» في مثل هذا الصراع، لا سيما أن وضع سوريا الراهن لا يساعدها على الانخراط فيه.
ونبهت المصادر الدبلوماسية، إلى أنه لا يمكن تجاهل أن الاستثمار السياسي والعسكري الأميركي والغربي، في «وحدات حماية الشعب الكردية»، خلال السنوات العشر الماضية، كان فعالاً في الحرب ضد «داعش»، ولن تترك وحدات حماية الشعب التي ينظرون إليها بوصفها ممثلاً للأكراد السوريين، لمواجهة مصيرها.
وتتوقع أنقرة، التي فشلت في التوصل إلى نقطة مشتركة مع إدارة جو بايدن بشأن وقف الدعم المقدم للوحدات الكردية، مقابل لعب تركيا الدور الأكبر في مكافحة «داعش»، أن تبدأ حواراً جديداً حول القضية مع الرئيس الجديد دونالد ترمب، وأن يقبل مقترحاتها.

وتشير التقييمات، التي أجريت في أنقرة، إلى توقع تنفيذ ترمب، بالكامل، خلال ولايته الثانية إرادته في سحب القوات الأميركية من سوريا، التي لم يتمكن من تنفيذها خلال ولايته الأولى.
وتعليقاً على ما نقلته شبكة «إن بي سي نيوز» الأميركية، الثلاثاء، عن مسؤولين بوزارة الدفاع الأميركية، من أنهم يعملون على تطوير خطط لسحب جميع القوات الأميركية من سوريا، قالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن اتخاذ قرار بسحب القوات يبدو مستبعداً حالياً، لافتة إلى رفض القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الفكرة في ظل استمرار الصراع بين إسرائيل و«حماس» في غزة.
ولم يعط ترمب، خلال مؤتمر صحافي، الخميس الماضي، رداً على سؤال بشأن المعلومات التي قدمها للحكومة الإسرائيلية بشأن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، قائلاً: «لا أعرف من قال هذا، لكننا سنتخذ قراراً بشأن ذلك، لن نتدخل في سوريا ولا نرى أنهم يحتاجون لوجودنا هناك».
وأمر ترمب، أواخر عام 2019، وزير الدفاع في ذلك الوقت، جيمس ماتيس، بسحب جميع القوات الأميركية من سوريا، لكن ماتيس عارض الخطة واستقال احتجاجاً عليها، ما دفع ترمب للتراجع.
ولفتت المصادر إلى إعلان البنتاغون، الشهر الماضي، زيادة عدد القوات الأميركية في سوريا من 900 إلى 2000 جندي، والتشديد على استمرار الدعم للشركاء المحليين في الحرب ضد «داعش»، في إشارة إلى الوحدات الكردية.