اعتراف روسي غير مباشر بالتغيير في سوريا

لافروف: الشرع يتعرض لضغوط غربية... ويمكنه الاستفادة من إطار «آستانة»

TT

اعتراف روسي غير مباشر بالتغيير في سوريا

اجتماع لوزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران بـ«صيغة آستانة» في نيويورك في سبتمبر الماضي (الخارجية التركية)
اجتماع لوزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران بـ«صيغة آستانة» في نيويورك في سبتمبر الماضي (الخارجية التركية)

وجَّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رسائل عدة حول مواقف بلاده تجاه التغييرات في سوريا. وحملت لهجته اعترافاً غير مباشر بـ«السلطات الجديدة»، التي قال إنها يمكن أن تقرر أشكال الاستفادة من علاقات روسيا مع تركيا وإيران، في إطار مجموعة آستانة.

وأكد الانفتاح على تعاون واسع مع دمشق في مجالات عدة. كما اتهم أطرافاً، لم يسمّها، بالسعي إلى تقسيم سوريا، مشدداً على موقف موسكو الرافض لهذه المخططات.

وبدا من حديث لافروف مع ممثلي وسائل إعلام روسية وأجنبية، الخميس، أن موسكو بدأت تبلور الملامح الأولى لسياستها تجاه القيادة الجديدة في سوريا.

ولم يتطرق الوزير إلى وجود الرئيس المخلوع بشار الأسد في موسكو، وتجنب الخوض في تفاصيل المواقف الروسية السابقة، لكنه أبدى انفتاحاً واسعاً للحوار مع السلطات السورية الجديدة، وقال إن بلاده تخوض عبر سفارتها في دمشق حوارات تتعلق بالدرجة الأولى بضمان أمن مواطنيها، ومستعدة لحوار يشمل الآفاق المستقبلية للعلاقة، خصوصاً على الصعد الاستثمارية والاقتصادية. وهذه أول إشارة من مسؤول روسي للرؤية المستقبلية للعلاقة مع سوريا بعد إطاحة الأسد.

كايا كالاس تقرع جرس بدء الاجتماع الوزاري الخاص بسوريا 16 ديسمبر (أ.ب)

وبدا لافروف مرتاحاً للإشارات التي صدرت من القيادة السورية الجديدة حول العلاقات مع روسيا. وقال إنه «بالنظر إلى ما قاله رئيس الحكومة السورية الجديدة، أحمد الشرع، عن العلاقات بين روسيا وسوريا ووصفها بأنها طويلة الأمد واستراتيجية، فإن السلطات السورية الجديدة سيكون بمقدورها أن تقرر الشكل المحدد، لآليات المساعدة في العمليات التي بدأت الآن في سوريا».

وزاد أن الشرع «يتعرض لضغط كبير من الغرب لوقف تعامله مع روسيا». وأوضح أنه «يتعرض لضغوط كبيرة من جانب الغرب الذي يريد أن يختطف أكبر قدر ممكن من التأثير والمساحة. ويضغط عليه كي يبتعد عن روسيا، حتى أن المفوضة السامية لشؤون السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، قالت إن عدداً من الوزراء اقترحوا (طرد) الروس، واشترط وزير الخارجية الإستوني، مارغوس تساخكنا، خروج القواعد العسكرية حتى تحصل سوريا على المساعدات»، وهو ما أسماه لافروف «وقاحة لا مثيل لها».

وتابع لافروف: «إن القوى الغربية لا يهمها وحدة سوريا بقدر اهتمامها بالحصول على أكبر حصة ممكنة من التأثير والأراضي والموارد».

طائرة عسكرية روسية تهبط في قاعدة حميميم الجوية في سوريا 12 سبتمبر 2017 (أ.ب)

وفي معرض رده على سؤال حول مستقبل «صيغة آستانة» قال الوزير الروسي إن المجموعة «عقدت أكثر من 20 اجتماعاً، آخرها كان قبيل الأحداث الأخيرة مباشرة في 7 ديسمبر (كانون الأول)».

وأشار لافروف إلى أن أطراف آستانة (روسيا وتركيا وإيران) «يتواصلون ويتبادلون وجهات النظر». وأعرب عن قناعة في أن «صيغة آستانة، إلى جانب الدول العربية، ودول الخليج، يمكن أن تكون فاعلاً مفيداً في بسط الاستقرار».

وأكد الوزير الروسي أن «العلاقات بين روسيا وسوريا راسخة، وتمتد منذ أيام الاتحاد السوفياتي، الذي ساعد السوريين في التخلص من الاستعمار الفرنسي، ودعم المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية في البلاد». وقال: «قامت روسيا وقبلها الاتحاد السوفياتي بإعداد عشرات الآلاف من الكوادر السورية في جامعاتها، في حين يدرس الآن نحو 5 آلاف سوري في الجامعات السورية».

المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا ونائب المندوب الروسي دميتري بوليانسكي يتحدثان مع رئيس هيئة التفاوض السورية بدر الجاموس قبيل اجتماع مجلس الأمن حول سوريا 17 ديسمبر (أ.ف.ب)

وشدد الوزير على أن «اهتمام الشعب السوري اليوم منصبّ على إقامة علاقات متوازنة مع الجميع، وفي هذا الإطار يمكن لصيغة آستانة أن تلعب دوراً مفيداً». وزاد: «لقد أتيحت لنا الفرصة لمناقشة الوضع مع زملائي من تركيا وإيران، بمشاركة الممثل الخاص وقال الأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسن، وما زلنا نتبادل التقييمات والآراء، وموقف تركيا وإيران وروسيا هو أن صيغة آستانة قد تلعب دوراً مفيداً في هذه المرحلة، خصوصاً أن عدداً من الدول العربية شاركت بشكل تقليدي في عمل المجموعة مراقبين».

وكان لافتاً أن لافروف أضاف عبارة: «يمكن للسلطات السورية الجديدة أن تقرر كيف سيكون بمقدور مجموعة آستانة لعب دور إيجابي في العمليات الجارية».

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)

في السياق، قال لافروف، إن روسيا تأمل ألا تكرر سوريا، بعد تغير السلطة في البلاد، مصير ليبيا. وأضاف: «لدينا اتصالات حول هذا الموضوع مع المملكة العربية السعودية، والعراق، والأردن، ومصر، وقطر، والإمارات، والبحرين ولبنان. وجميعهم مهتمون بضمان عدم تكرار سوريا للمسار الذي سلكته الدولة الليبية». وزاد الوزير: «دمر (الناتو) ببساطة هذه الدولة، التي لا يزال يتعين تجميعها معاً، وحتى الآن لم يكن هذا ناجحاً للغاية».

وشدد لافروف على معارضة بلاده مخططات تقسيم سوريا. وقال إن واشنطن أنشأت كيانات انفصالية. وقال إن بلاده «لن تسمح بانهيار سوريا على الرغم من أن البعض يرغب فعلاً في ذلك». وقال إن بلاده «تتفهم مخاوف تركيا المشروعة بخصوص الوضع الأمني على الحدود». كما انتقد التحركات الإسرائيلية في سوريا وشدد على عدم قبول «أن تسعى إسرائيل إلى ضمان أمنها على حساب أمن الآخرين».

وحول الوضع الداخلي السوري، رأى لافروف أنه يتعين على جميع الجماعات السياسية والعرقية والطائفية المشاركة في الانتخابات في سوريا، مضيفاً أن بلاده مستعدة للتقديم عون لدفع العملية السياسية.

ووفقاً له «تؤكد جميع الدول الرائدة على ضرورة القيام بذلك بطريقة تجعل العملية شاملة، بحيث تتمكن جميع المجموعات السياسية والعرقية والطائفية للشعب السوري من المشاركة فيها، في الحملة الانتخابية وفي الانتخابات نفسها (..) هذه ليست عملية سهلة، أكرر مرة أخرى، لكننا مستعدون للمساعدة، بما في ذلك في إطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفي إطار صيغة آستانة».

وأشار إلى أن روسيا الاتحادية، إلى جانب تركيا وإيران، وبمشاركة عدد من الدول العربية، مستعدة للعب دور داعم في تعزيز العمليات كافة في سوريا وتنظيم الانتخابات بطريقة تحظى باعتراف الجميع وقبولها بشكل يجعلها «لا تثير أي أسئلة».

طفل سوري يقف تحت صورة عملاقة للرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد مطلية بالعَلم الجديد في دمشق الخميس (أ.ب)

وفي إطار الرؤية المستقبلية للعلاقات، قال لافروف، إن روسيا تعول على استئناف التعاون الاقتصادي مع السلطات السورية الجديدة. وزاد: «آمل أنه فيما يتعلق بقضايا التعاون الاقتصادي والاستثماري، حيث حققنا إنجازات معينة في السنوات الماضية، سنتمكن من استئناف العمل مع القادة الجدد عندما يتم إنشاء هياكل السلطة الجديدة».


مقالات ذات صلة

«الكعكة السورية» تعزز «العداء» الإسرائيلي - التركي

تحليل إخباري سوري يشاهد شاحنة تنقل دبابة إسرائيلية إلى الأراضي السورية في الجولان (إ.ب.أ)

«الكعكة السورية» تعزز «العداء» الإسرائيلي - التركي

تحرص تل أبيب وأنقرة على إبقاء قنوات حوار مفتوحة بينهما، على الرغم من التنافس الخفي بين إسرائيل وتركيا على «الكعكة السورية».

نظير مجلي (تل أبيب)
الخليج السعودية عدّت ممارسات إسرائيل في «الأقصى» تعدياً صارخاً (د.ب.أ)

السعودية تدين استمرار انتهاكات إسرائيل في فلسطين وسوريا

دانت السعودية اقتحام وزير الأمن القومي لباحة المسجد الأقصى، وتوغل قوات الاحتلال في الجنوب السوري.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي شاحنات وسيارات تنتظر العبور إلى سوريا عبر معبر جابر - نصيب الحدودي 19 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

18 ألف سوري يعودون من الأردن إلى بلدهم بعد سقوط الأسد

عبر نحو 18 ألف سوري الحدود الأردنية إلى بلدهم منذ سقوط حكم بشار الأسد، حسبما أفاد وزير الداخلية الأردني، الخميس.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
المشرق العربي الشرع مستقبلا الوفد العراقي (أ.ف.ب)

أول تواصل عراقي معلن مع الإدارة السورية الجديدة

«خطوة في الاتجاه الصحيح قامت بها حكومة الرئيس محمد شياع السوداني، من خلال فتح حوار مباشر مع القيادة السورية الجديدة».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي  رئيس القضاء العسكري السوري السابق محمّد كنجو الحسن الذي كان مسؤولاً عن الإعدامات الميدانية في سجن صيدنايا (متداولة) play-circle 00:29

اعتقال المسؤول عن الإعدامات بسجن صيدنايا بعد اشتباكات في غرب سوريا

أعلنت السلطة السورية الجديدة، اليوم (الخميس)، توقيف رئيس القضاء العسكري السابق محمّد كنجو الحسن، المسؤول عن الإعدامات الميدانية في سجن صيدنايا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

أعنف ضربات إسرائيلية على الحوثيين... والجماعة تتمسك بالمواجهة

دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)
TT

أعنف ضربات إسرائيلية على الحوثيين... والجماعة تتمسك بالمواجهة

دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

نفذت إسرائيل أعنف ضربات لها ضد الحوثيين، أمس (الخميس)، بالتزامن مع الخطبة الأسبوعية المتلفزة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، مستهدفة مطار صنعاء، ومنشآت طاقة في صنعاء العاصمة اليمنية المختطفة، وفي محافظة الحديدة الساحلية.

وفي حين أكد الجيش الإسرائيلي الإغارة على ما وصفه بـ«أهداف عسكرية للنظام الإرهابي للحوثيين على ساحل اليمن الغربي وفي الداخل»، قال إن ذلك جاء رداً على «الهجمات المتكررة» للمتمردين اليمنيين على «دولة إسرائيل ومواطنيها».

وبحسب الإعلام الحوثي، استهدفت الغارات مطار صنعاء، ومحطة كهرباء «حزيز» في جنوب المدينة، وميناء رأس عيسى النفطي شمال الحديدة، ومحطة كهرباء «رأس كثيب» في الحديدة. وأدت الموجة الرابعة من الضربات الإسرائيلية على الحوثيين إلى مقتل 4 أشخاص وإصابة 16 شخصاً وفقد 3 آخرين.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، إن الحملة ضد جماعة الحوثي لا تزال في بدايتها «نحن مصممون على قطع أذرع إيران الإرهابية».وفي أول تعليق حوثي، قال المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام إن الضربات لن تحول دون توقف هجمات الجماعة إسناداً للفلسطينيين في غزة، وفق زعمه، ورأى أن تدمير مطار صنعاء «إجرام إسرائيلي بحق كل اليمنيين».

وأعلن زعيم الحوثيين تحدي واشنطن وتل أبيب، وتوعد بالاستمرار في الهجمات.