المنطقة العازلة في جنوب لبنان مقدّمة لفرض القرار 1701 بشروط الميدان

الحديث عن لجنة دولية مقرها لبنان ومهمتها تطبيقه

TT

المنطقة العازلة في جنوب لبنان مقدّمة لفرض القرار 1701 بشروط الميدان

جانب من الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جانب من الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

تعددت الأهداف التي تقف وراء الحرب الإسرائيلية على لبنان والنتائج المتوخاة منها، وفي مقدّمها إقامة منطقة عازلة في الجنوب خالية من السكان، وفرض واقع أمني وسياسي جديد.

واختلفت الآراء حول الغاية التي تريدها إسرائيل من هذه المنطقة، خصوصاً أنها لا توفّر الأمن للمستوطنات ولا تمنع إطلاق الصواريخ المتوسّطة وبعيدة المدى.

ومع اشتداد حدّة المواجهة البرّية بين مقاتلي «حزب الله» والقوات الإسرائيلية في القرى والبلدات اللبنانية الواقعة على الشريط الحدودي، والدعاية التي يسوقها الاحتلال عن مكاسب ميدانية، يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي العميد نزار عبد القادر، أن «الأهداف الإسرائيلية من المنطقة العازلة غير واضحة حتى الآن، وقد تكون هدفاً تكتيكياً بالنسبة لإسرائيل، كتوطئة لهدف استراتيجي وهو احتلال كامل جنوب لبنان وجزء من البقاع الغربي، لفرض واقع أمني وسياسي مختلف عمّا عليه الحال الآن».

تهجير سكان 70 قرية ومدينة

وتوقّف عبد القادر عند إصرار إسرائيل على إبعاد قوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل» والجيش اللبناني إلى شمالي مجرى نهر الليطاني، مؤكداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش الإسرائيلي «يصرّ على منطقة عازلة خالية من السكان تماماً، وفق ما صرّح به وزير الدفاع يوآف غالانت وجرف كلّ البلدات اللبنانية الواقعة ضمنها، وتحويلها إلى أرض غير صالحة للحياة».

وأشار عبد القادر إلى أن إسرائيل «لن تكتفي بذلك، لأن هذه المنطقة لن تزيل خطر مقاتلي (حزب الله)، ولا توقف إطلاق الصواريخ المتوسطة والبعيدة، بل ستعمد من خلالها إلى إنهاك مقاتلي الحزب، والبدء بالمرحلة الثانية والاستراتيجية وهي تهجير سكان أكثر من 70 بلدة ومدينة في جنوب لبنان إلى شمالي مجرى نهر الأولي، والبدء بخطة اجتياح واسعة».

بشروط الميدان

ولفت أستاذ القانون والسياسات الدولية في جامعة باريس، الدكتور محيي الدين الشحيمي، إلى أن «المنطقة العازلة التي يتحدّث عنها الجيش الإسرائيلي غير واضحة المعالم، سواء بالمساحة أو العمق الجغرافي، أو في ترتيباتها الأمنية». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الغاية المؤكدة منها هي فرض تطبيق القرارات الدولية، خصوصاً القرار 1701 بكلّ بنوده ومندرجاته، بما فيها القرار 1559، ولكن بشروط الميدان».

وقال الشحيمي: «واضح أن العملية العسكرية وحدها لن تفضي إلى حلّ سياسي، لذلك فإن المعلومات التي ترشّح من الاتصالات الأوروبية والدولية، وخصوصاً الفرنسية، تشدد على تطبيق القرار 1701 كمخرج من الأزمة»، كاشفاً عمّا يدور في الكواليس الدبلوماسية، ومتحدثاً عن «جهود لوضع آلية قانونية دولية ترعى تطبيق القرار 1701 وبإشراف دولي مباشر».

لجنة دولية لتطبيق الـ1701

وأضاف الشحيمي: «عندما أقرّ مجلس الأمن الدولي القرار 1701 في العام 2006، ترك للدولة اللبنانية سلطة تطبيقه، لكنّها عجزت عن ذلك. أما اليوم، فيجري الحديث عن لجنة دولية سيكون مقرها في لبنان، ومهمتها تطبيق هذا القرار 1701 وما يتضّمنه من قرارات أخرى، أي الـ1559 والـ1680، تحت إشراف دولي».

ويستدعي إنشاء المنطقة العازلة تفريغ أكثر من 20 بلدة في جنوبي مجرى نهر الليطاني من سكانها وتحويلها إلى أرض محروقة.

ويرى الخبير العسكري العميد نزار عبد القادر، أن «المخطط الإسرائيلي يهدف إلى الإمساك بأربعة ممرات عبور رئيسية هي: جنوب لبنان، البقاع الغربي وصولاً إلى سدّ القرعون، والجولان السوري والساحل الجنوبي». وقال: «سنرى هجوماً عسكرياً كاسحاً على هذه المحاور بذريعة القضاء على مقاتلي (حزب الله) وقادته، وهذه هي الطريقة التي تفرض بها تلّ أبيب واقعاً أمنياً واستراتيجياً على الحدود الشمالية».

وشدد عبد القادر على أن المنطقة العازلة «ليست إلّا غاية تحقق من خلالها إسرائيل الهدف الاستراتيجي، لأن البقاء عند المنطقة العازلة أو الاكتفاء بالوصول إلى مجرى نهر الليطاني سيُبقي الحزب في الجنوب، ويُبقي نفوذ إيران في هذه المنطقة، وهذا ما لا تقبل به إسرائيل، لأنها تريد من هذه الحرب، وفق رؤيتها، إنهاء الحزب وأي نفوذ إيراني في لبنان، ما يعني أن الحرب طويلة ومفتوحة على كلّ الاحتمالات».

المنطقة العازلة بديل القرارات الدولية

ويجمع الخبراء على أنه من المبكر التكهّن بنتائج هذه الحرب، طالما أنها في بداياتها.

ويرى الدكتور محيي الدين الشحيمي أنه «رغم الظروف الصعبة فإن استقرار لبنان يبقى حاجة دولية لاستقرار المنطقة». وعبّر عن أسفه لأن «المنطقة العازلة، والتي ربما تقام بغطاء دولي وخصوصاً أميركياً، هي الطريقة البديلة لتنفيذ القرارات الدولية بطريقة معاكسة، وهذه القرارات ستطبّق بشروط الميدان»، مشيراً إلى أن «لبنان الرسمي، وأيضاً (حزب الله) باتا يطالبان بتطبيق القرار 1701، لكن للأسف، لا أحد يستجيب لهذا الطلب، لأن التطبيق سيحصل بإرادة ورؤية دولية مختلفة عن الصيغة التي كانت قائمة قبل تحويل لبنان إلى جبهة إسناد».


مقالات ذات صلة

انتخاب رئيس للبنان يتأرجح مناصفة بين التفاؤل والتشاؤم

تحليل إخباري من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

انتخاب رئيس للبنان يتأرجح مناصفة بين التفاؤل والتشاؤم

يصعب على الكتل النيابية التكهُّن، منذ الآن، بأن جلسة انتخاب رئيس للجمهورية المقررة في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل ستنتهي إلى ملء الشغور الرئاسي.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي قائد سلاح الجو الإسرائيلي يزور معرضاً لأسلحة غنمها الجيش من «حزب الله» (الجيش الإسرائيلي)

إسرائيل تواصل تطبيق مفهومها لوقف النار بـ8 غارات على الحدود اللبنانية - السورية

واصلت إسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان، رغم مضي شهر على اتفاق وقف النار، معلنةً عن إحباط محاولات لـ«حزب الله» إدخال أسلحة إلى لبنان عبر الحدود مع سوريا.

بولا أسطيح
الخليج الأمير خالد بن سلمان لدى لقائه العماد جوزيف عون (وزارة الدفاع السعودية)

خالد بن سلمان وعون يبحثان مستجدات لبنان

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع العماد جوزيف عون قائد الجيش اللبناني، مستجدات الأوضاع في لبنان والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي مواطنون يسيرون بالقرب من مسجد مدمر في قرية خيام اللبنانية (رويترز)

غارة جوية إسرائيلية على شرق لبنان

استهدفت غارة جوية إسرائيلية، فجر اليوم (الأربعاء)، منطقة بعلبك شرق لبنان، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد نجيب ميقاتي (وسط الصورة من اليسار) في صورة مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (وسط الصورة من اليمين) والوزراء بعد اجتماع وزاري في مدينة صور (مكتب رئيس الوزراء)

السندات الدولية تنذر بمقاضاة لبنان أمام القضاء الأميركي

بلغت السندات اللبنانية السيادية السقوف المرتقبة للارتفاع بنسبة قاربت 100 في المائة من أدنى مستوياتها في الأسواق المالية الدولية.

علي زين الدين (بيروت)

انقسام مجتمعي وسياسي عراقي حول زيارة الوفد الأمني إلى دمشق

جانب من اجتماع الشرع مع مدير الاستخبارات العراقية (أ.ف.ب)
جانب من اجتماع الشرع مع مدير الاستخبارات العراقية (أ.ف.ب)
TT

انقسام مجتمعي وسياسي عراقي حول زيارة الوفد الأمني إلى دمشق

جانب من اجتماع الشرع مع مدير الاستخبارات العراقية (أ.ف.ب)
جانب من اجتماع الشرع مع مدير الاستخبارات العراقية (أ.ف.ب)

أحدثت الزيارة التي بدت مفاجئة، وإن كانت متوقعة، والتي قام بها وفد عراقي رفيع المستوى إلى دمشق انقساماً حاداً في العراق. فالوفد الذي ترأسه مدير جهاز المخابرات حميد الشطري كان قد تردّد في الأوساط العراقية أن وفدَيْن غير رسميين سبقاه إلى زيارة سوريا ولقاء القيادة الجديدة.

الانقسام العراقي الحاد مجتمعي وسياسي حول أحمد الشرع، المعروف سابقاً بـ«أبو محمد الجولاني»، ونشاطه في العراق حينما كان منخرطاً في تنظيمات أصولية، نفّذت أعمالاً إرهابية على مدار سنوات.

وحيث يتداخل في العراق الانقسام السياسي بالمجتمعي بسبب الانحيازات الآيديولوجية المسبقة، فإن المشهد العام انقسم بين رؤيتين، سنية متساهلة مع الحكم الجديد في سوريا، وشيعية ترى فيه خطراً قادماً؛ نظراً إلى ماضي الشرع «الجهادي».

الجولاني حتى قبل أن يكشف عن اسمه الحقيقي «أحمد الشرع» كان قد خاطب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عبر رسالة هاتفية دعاه فيها إلى فتح صفحة جديدة مع الثوار الجدد، مبيناً أن جبهته «هيئة تحرير الشام» ليست لديها مطامع في العراق.

السوداني الذي تحدث في البرلمان العراقي عن رؤيته لتطورات الأحداث في سوريا قبل سقوط العاصمة الأموية دمشق بيد الجولاني بيومين تقريباً تجاهل رسالة قائد «هيئة تحرير الشام» إليه.

المتحدثون باسم السوداني انقسموا بين رأي عسكري حاد عبَّر عنه الناطق العسكري باسم القائد العام اللواء يحيى رسول الذي قال إن العراق لا يتواصل مع «إرهابي»، وبين رأي سياسي أقل حدة، وهو رأي أحد المستشارين السياسيين للسوداني الذي قال إن العراق «ينتظر دولة لكي يتفاهم معها».

لكن تطورات الأحداث المتسارعة لم تدع مجالاً للترقب والانتظار. فعلى الفور تحرّك العراق بسرعة سياسياً وأمنياً. أمنياً، عمل على تحصين حدوده لكي لا يتكرر سيناريو 2014 عندما دخل تنظيم «داعش» من الأراضي السورية ليحتل ثلث الأراضي العراقية، وسياسياً عبر زيارات سريعة قام بها السوداني إلى كل من السعودية والأردن، فضلاً عن مشاركته في مؤتمر الدوحة لمجموعة الاتصال العربية.

نذهب أم ننتظر؟

وفي وقت بدأت فيه الوفود العربية والأجنبية تتدفق على سوريا الشرع، فإن العراق المجاور والأكثر اهتماماً بالوضع السوري لم يرسل وفداً إلى دمشق مع أن دمشق وطبقاً لكل المؤشرات كانت تنتظر الوفد العراقي ربما أكثر من بقية الوفود. المعلومات شبه المؤكدة تشير إلى حصول لقاءات سرية مع الشرع من قِبل شخصيات عراقية، لكن لم يعرف فيما إذا كانت هذه الشخصيات قد أُرسلت من قِبل السوداني شخصياً أم هي من تبرّعت لجس النبض نتيجة علاقات لبعض هذه الشخصيات مع الطرف القوي الحالي في المعادلة السورية وهم الأتراك. السوداني وفريقه السياسي يراقبون التطورات والتحديات والانقسامات في الرأي العام العراقي السياسي والمجتمعي. ولذلك؛ فإن إرسال وفد في وقت مبكر بدا نوعاً من الاستعجال الذي لم يرد من خلاله السوداني زيادة شرخ الانقسام المجتمعي داخل العراق. وبين الترقب والانتظار من جهة وحسم الموقف من الوضع الجديد في سوريا جاءت زيارة الوفد العراقي رفيع المستوى.

أمني أم سياسي؟

الطريقة التي استقبل بها الشرع رئيس الوفد العراقي مدير جهاز المخابرات حميد الشطري بدت لافتة. فالاستقبال بدا تجاوزاً للبروتوكول سواء لجهة خروج الشرع خارج المكتب واستقباله الشطري عند بوابة القصر، فضلاً عن وضع العَلم العراقي إلى جانب العَلم السوري، بينما الشطري ليس نظيراً للشرع بروتوكولياً، لكن ذلك كله يعكس طريقة اهتمام سوري بالزائر العراقي الغامض؛ كونه مديراً لجهاز المخابرات، وكان سيتحدث بما يتجاوز دوره طبقاً للرسالة التي حملها من رئيسه السوداني إلى الشرع.

الشرع مستقبلاً مدير الاستخبارات العراقية في دمشق الخميس (أ.ف.ب)

ومع أن العراقيين عبّروا عن ارتياحهم لطريقة وأسلوب الاستقبال، لكنهم في النهاية وجدوا ما ينقسمون بشأنه مرة أخرى. ففي حين بدا الشطري رابط الجأش وهو يمدّ يده لمصافحة الشرع في وقت لم يكتفِ فيه الشرع بالمصافحة، بل هو من بادر بتقبيل الشطري، فإن اللقطة التي ظهر فيها الشرع وهو ينحني مقبلاً الشطري وهو يحمل مسدساً بكاتم للصوت على ظهره تحت السترة فتحت باب الجدل من جديد. فهناك من عدّ أن «أبو طبع ما يغير طبعه»؛ نظراً إلى خلفية الشرع في التنظيمات المسلحة، وهنا من رأى أنها في كل الأحوال رسالة سلبية ليست في وقتها ولا محلها. وبين هذا وذاك، فإن الانقسام الآخر بين العراقيين هو قول البعض إن الوفد أمني فقط، في حين هناك من رأى أن الوفد سياسي. وبين ما هو أمني وسياسي سوف يستمر الجدل العراقي لفترة مقبلة حتى يحسم الأمر خطوة أخرى بين دمشق وبغداد.

ضغوط أميركية

وفي وقت التزمت فيه القيادات السنية والكردية الصمت حيال زيارة الوفد العراقي إلى دمشق؛ مما يفسّر أنه رضا فإن الشيعة انقسموا بين مؤيد صامت للزيارة ورافض معلن لها حتى ضمن قوى «الإطار التنسيقي الشيعي». فطبقاً لتصريحات أدلى بها، الجمعة، قياديون من منظمة «بدر» بزعامة هادي العامري و«ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، تمت الزيارة بناءً على ضغوط أميركية.

جندي عراقي على الحدود الغربية مع سوريا (أ.ف.ب)

مسؤول القاطع الشمالي في منظمة «بدر» محمد مهدي البياتي، قال في تصريح، أمس، إن «لقاء وفد العراقي مع الشرع يأتي في سياق الضغوط الأميركية الرامية إلى تبييض صفحته وتبرئته من الجرائم التي ارتكبها في العراق والمنطقة؛ بهدف فرض أمر واقع جديد»، واصفاً الشرع بأنه «إرهابي».

وأضاف البياتي، أن «سياسة فرض المجرمين وأصحاب السوابق على الشعوب ليست بالأمر الجديد في الاستراتيجية الأميركية، بل تمثل نهجاً قديماً ومستمراً يعكس سعيها الدائم إلى دعم شخصيات تتماشى مع تاريخها الحافل بالجرائم». وانتقد البياتي، اللقاء الذي وصفه بأنه «يشكّل وصمة عار جديدة تُضاف إلى سجل الولايات المتحدة المظلم ومن يسايرها من الحكومات».

أما القيادي في ائتلاف دولة القانون عصام الكريطي، فقد أكد من جانبه أن إرسال الحكومة العراقية وفداً رسمياً يمثّلها إلى دمشق واجتماعه مع الإدارة السورية الجديدة، جاء بضغوطات أميركية.