السندات الدولية تنذر بمقاضاة لبنان أمام القضاء الأميركي

موجات طلب أجنبية ضاعفت أسعارها بعد اتفاق وقف الحرب

نجيب ميقاتي (وسط الصورة من اليسار) في صورة مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (وسط الصورة من اليمين) والوزراء بعد اجتماع وزاري في مدينة صور (مكتب رئيس الوزراء)
نجيب ميقاتي (وسط الصورة من اليسار) في صورة مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (وسط الصورة من اليمين) والوزراء بعد اجتماع وزاري في مدينة صور (مكتب رئيس الوزراء)
TT

السندات الدولية تنذر بمقاضاة لبنان أمام القضاء الأميركي

نجيب ميقاتي (وسط الصورة من اليسار) في صورة مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (وسط الصورة من اليمين) والوزراء بعد اجتماع وزاري في مدينة صور (مكتب رئيس الوزراء)
نجيب ميقاتي (وسط الصورة من اليسار) في صورة مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (وسط الصورة من اليمين) والوزراء بعد اجتماع وزاري في مدينة صور (مكتب رئيس الوزراء)

ارتفعت السندات السيادية اللبنانية السقوف بنسبة قاربت 100 في المائة من أدنى مستوياتها التي وصلت إليها في الأسواق المالية الدولية منذ الانهيار الاقتصادي عام 2019، وتوقف الدولة عن سداد ديونها عاماً. وتعدّت أسعار التداولات السوقية عتبة الـ13 سنتاً لكل دولار، مقابل نحو 6.5 سنت عشية اندلاع المواجهات العسكرية على الحدود الجنوبية.

واكتسبت هذه الشريحة من الديون اللبنانية «المعلّقة» السداد للأصول والفوائد، قوة دفع استثنائية ومحفّزة للطلب القوي من قبل مؤسسات استثمارية خارجية، استناداً إلى التغييرات الداخلية المحسوسة التي تلت وقف الحرب المدمرة وتفاعلاتها المتوالية على المشهد السياسي، ولا سيما ملف انتخاب رئيس جديد للبلاد لإعادة انتظام السلطات بمستوياتها المختلفة.

ويبدو، حسب مسؤول مصرفي كبير، أن المستثمرين يميلون إلى التمهل في زيادة حجم محفظتهم من السندات اللبنانية ريثما تنضج المعطيات الموثوقة للمقاربات الحكومية اللاحقة بشأن خطة التعافي، والخروج من نفق الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعانيها البلاد، وبما يشمل خصوصاً إعادة هيكلة هذه الكتلة الأساسية من الدين العام، بعدما تكفل انهيار سعر العملة الوطنية بذوبان نحو 98 في المائة من الديون المحررة بالليرة.

وتفترض مؤسسات مالية واستثمارية دولية، بينها وكالة «موديز» وبنك الاستثمار العالمي «غولدمان ساكس» ووكالة «بلومبرغ»، احتمالات متباينة للقيمة المستقبلية لهذه السندات تتراوح بين 25 و35 سنتاً لكل دولار، تبعاً لاتفاق منشود بين الحكومة والدائنين المحليين والأجانب، يؤمل بأن يحل الإشكاليات القانونية والإجرائية المترتبة على قرار الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب قبل نحو 5 سنوات بتعليق دفع مستحقات «اليوروبوندز» المبرمجة حتى عام 2037، وبقيمة إجمالية تناهز 31 مليار دولار، وتسبب بتراكم فوائد غير مدفوعة بقيمة تزيد على 11 مليار دولار.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن بالولايات المتحدة (رويترز)

ويشير المسؤول المصرفي في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إلى أن التناقض الكبير بين توقعات المستثمرين المترجمة بالإقبال الأجنبي على حيازة السندات اللبنانية، مقابل التباطؤ الصريح من قبل الحكومة القائمة في فتح أبواب التفاوض مع حامليها الدوليين والمحليين، يعكس حقيقة جديدة من حال عدم اليقين التي تتحكم بالقطاع المالي والمصرفي، في ظل «التغييب» المستمر لخطط الإنقاذ والتعافي وإعادة هيكلة الدين العام، وبما يحول حكماً دون الشروع بمعالجة المشكلات المالية المستعصية، وفي مقدمها سبل إيفاء حقوق المودعين في البنوك.

وتبعاً لهذه المعادلة، تواجه الحكومة حالياً خطر إقدام المؤسسات الأجنبية الحاملة للسندات على إقامة دعاوى قضائية لدى المحاكم الأميركية (نيويورك)، وفقاً للمندرجات القانونية الواردة في مواصفات الإصدارات، وتحديد مرجعية التقاضي، وسنداً إلى حفظ الحقوق بالفوائد التراكمية التي تسقط تلقائياً بعد مرور 5 سنوات على تعليق الدفع، ومن دون اعتراض قانوني من قبل أصحاب الحقوق.

ومن الواضح أن البنوك اللبنانية ليست بوارد «التضحية» بهذه الحقوق المتوجبة قانونياً على الدولة، بدليل ما أورده أمين عام جمعية المصارف الدكتور فادي خلف، ولو بصفة غير رسمية، بأن التحديات التي تواجه المصارف والدولة على حد سواء تتطلب تعاوناً وثيقاً وحلولاً مبتكرة. ولا يمكن للمصارف أن تتحمل مسؤولية التقاعس عن المطالبة بحقوقها، ولا يمكن للدولة أن تدير ظهرها لهذه المشكلة المعقدة.

وفي تحذير صريح، أضاف خلف، أن المطلوب اليوم هو قرارات جريئة، وإجراءات عملية، خلال النصف الأول من شهر يناير (كانون الثاني) على أبعد تقدير، وذلك قبل أن يصل الجميع إلى نقطة تضطر فيها المصارف إلى القول للدولة: «مرغماً أخاك لا بطل». ورغم أن رفع الدعاوى القضائية ضرورة ملحّة للحفاظ على الحقوق، فإن المصارف تريثت حتى الآن؛ إذ إن إجراءً كهذا قد يحمل في طياته تبعات جسيمة على الاقتصاد الوطني.

وفي الحيثيات، وفق أمين عام الجمعية، فإنه وفقاً للقوانين النافذة، فإن حق المصارف في المطالبة بالفوائد على سندات «اليوروبوندز» سيسقط في حال عدم تحريك الدعاوى القضائية ضد الدولة قبل انتهاء مدة مرور الزمن البالغة خمس سنوات. وهذا الواقع القانوني يضع المصارف أمام معضلة كبرى، حيث إن تقاعسها عن اتخاذ خطوات قانونية الآن سيؤدي إلى فقدان حقها وحق المودعين الذين أودعت سنداتهم لديها في استرداد الفوائد المستحقة.

والأخطر أيضاً، أنه في حال مرور ست سنوات دون رفع دعاوى قضائية على الدولة، ستسقط أيضاً حقوق المصارف في المطالبة بأصل هذا الدين. هذا الوضع يشكل تهديداً مباشراً على حقوق المودعين الذين أودعوا أموالهم في المصارف، وعلى حقوق المساهمين، مما يضع المصارف في موقف لا يمكن التهاون به.

وبالفعل، قامت جمعية المصارف بسلسلة من الاتصالات المكثفة، وعلى أعلى المستويات مع الجهات الرسمية، بهدف التوصل إلى حلول قانونية تُجَنِّب المصارف الاضطرار إلى اللجوء إلى القضاء. وقد حصلت، حسب خلف، على تطمينات مبدئية من الجهات الحكومية بشأن إيجاد حلول قانونية لتمديد المهل الزمنية تفسح المجال أمام معالجة الوضع بطريقة متوازنة. إلا أنه لم تتّخذ أي إجراءات تنفيذية من قبل الدولة حتى الآن.

وتبرز الحاجة الملحّة في ظل هذا الوضع الحرج، لتحرّك الدولة بجدية وعلى وجه السرعة، حيث ينبغي على السلطة التشريعية أن تتحرك فوراً لإقرار القوانين التي تعالج هذه الإشكالية، بما يضمن عدم ضياع حقوق المصارف والمودعين. كما تمت المصارحة بأن أي تأخير أو مماطلة من قبل الدولة سيدفع المصارف إلى التسريع في اتخاذ هذه الخطوة للحفاظ على حقوقها، مما يعقد المشهد ويضع الجميع في مواجهة لا تُحمد عقباها.

كذلك يقتضي التنبيه، وفق ملاحظات أمين عام الجمعية، أنه في حال قررت المصارف رفع دعاوى قضائية ضد الدولة، فإن ذلك سيضع مزيداً من الضغوط على ما تبقى من أصول الدولة. وقد يؤدي ذلك إلى نتائج تعجز الدولة عن تحملها، علماً بأن رفع الدعاوى من قبل المصارف المحلية قد يؤدي إلى تحريك المياه الراكدة، وتحفيز حملة السندات الدوليين على اتخاذ إجراءات مشابهة، مما يفاقم الأزمة بدلاً من حلها.


مقالات ذات صلة

تململ داخل بيئة «حزب الله» نتيجة البطء في دفع التعويضات والمحسوبية

المشرق العربي عناصر في الجيش اللبناني أمام مبنى مدمر في بلدة الخيام في جنوب لبنان (رويترز) play-circle 02:51

تململ داخل بيئة «حزب الله» نتيجة البطء في دفع التعويضات والمحسوبية

رغم التطمينات التي يحاول «حزب الله» بثّها في أوساط جمهوره فإن التململ من التباطؤ في دفع التعويضات والمحسوبيات بدأ يتوسّع تدريجياً في بيئته.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يلتقي بوزير العدل هنري خوري (مكتب رئاسة الوزراء)

وزير العدل اللبناني يأمل بكشف مصير المفقودين من مواطنيه

سلّم وزير العدل اللبناني هنري خوري رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أسماء المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، كما تسلّم منه قائمة بأسماء السجناء السوريين في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي إردوغان مستقبلاً جنبلاط في أنقرة الثلاثاء (الرئاسة التركية - إكس)

إردوغان التقى جنبلاط بأنقرة عشية لقاء الشرع في دمشق

جاءت زيارة جنبلاط المفاجئة لتركيا، وسط تسريبات تحدثت عن احتمال قيامه بدور وساطة بين تركيا والإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي آليات تابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية في بلدة الخيام جنوب لبنان (أ.ف.ب)

بسبب خروقات وقف إطلاق النار... لبنان يقدم شكوى لمجلس الأمن ضد إسرائيل

قدّمت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، تتضمن احتجاجاً شديداً على الخروقات التي ترتكبها إسرائيل لإعلان وقف الأعمال العدائية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في بكركي بلبنان في 30 أكتوبر 2021 (رويترز)

البطريرك الراعي: لا خلاص للبنان إلا بالعودة إلى الحياد الإيجابي

أكد البطريرك الماروني اللبناني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أنه «لا خلاص للبنان إلا بالعودة إلى ثقافة الحياد الإيجابي».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

 «صندوق النقد» يتوصل لاتفاق مع مصر بشأن المراجعة الرابعة

أرشيفية لمواطن داخل أحد محلات الصرافة في القاهرة يستبدل الجنيه بالدولار (رويترز)
أرشيفية لمواطن داخل أحد محلات الصرافة في القاهرة يستبدل الجنيه بالدولار (رويترز)
TT

 «صندوق النقد» يتوصل لاتفاق مع مصر بشأن المراجعة الرابعة

أرشيفية لمواطن داخل أحد محلات الصرافة في القاهرة يستبدل الجنيه بالدولار (رويترز)
أرشيفية لمواطن داخل أحد محلات الصرافة في القاهرة يستبدل الجنيه بالدولار (رويترز)

قال صندوق النقد الدولي، اليوم (الأربعاء)، إنه توصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الرابعة بموجب اتفاق تسهيل الصندوق الممدد مع مصر، وهو ما قد يتيح صرف 1.2 مليار دولار بموجب البرنامج.

وفي مارس (آذار)، وافقت مصر التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم ونقص العملات الأجنبية على تسهيل بقيمة ثمانية مليارات دولار على مدى 46 شهراً. وتسبب الانخفاض الحاد في إيرادات قناة السويس نتيجة التوترات الإقليمية على مدى العام الماضي في تفاقم أزمتها الاقتصادية.

وذكر صندوق النقد أن الحكومة المصرية وافقت على زيادة نسبة الضرائب إلى الإيرادات اثنين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العامين المقبلين، مع التركيز على إلغاء الإعفاءات بدلاً من زيادة الضرائب.

وأضاف الصندوق الدولي في بيان، أن هذا من شأنه إتاحة المجال لزيادة الإنفاق الاجتماعي لمساعدة الفئات الضعيفة.

وتابع: «في حين أن خطط السلطات لتنظيم وتبسيط النظام الضريبي جديرة بالثناء، فإن هناك حاجة إلى المزيد من الإصلاحات لتعزيز جهود تعبئة الإيرادات المحلية».

وأوضح أن مصر وافقت على بذل المزيد من الجهود الحاسمة لضمان أن يصبح القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو والحفاظ على التزامها بسعر الصرف المرن.

ولا يزال الاتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الرابعة بحاجة إلى موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد.