هل بدأ حضور «حزب الله» يبهت في سوريا؟

تغييرات على خريطة انتشاره... وتخفيف لتواجد عناصره في مواقع سيطرته

آثار الدمار من جرّاء قصف إسرائيلي على المزة في دمشق (أ.ف.ب)
آثار الدمار من جرّاء قصف إسرائيلي على المزة في دمشق (أ.ف.ب)
TT

هل بدأ حضور «حزب الله» يبهت في سوريا؟

آثار الدمار من جرّاء قصف إسرائيلي على المزة في دمشق (أ.ف.ب)
آثار الدمار من جرّاء قصف إسرائيلي على المزة في دمشق (أ.ف.ب)

سحب «حزب الله» عدداً من عناصره في سوريا بالتزامن مع تصعيد إسرائيل في لبنان، ما اعتبره باحثون مؤشراً جديداً على تراجع الحزب الذي لعب دوراً محورياً في الحرب السورية.

ويؤكد مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، أن «حزب الله» سحب فعلاً عدداً من عناصره في سوريا، بالتزامن مع تصعيد إسرائيل في لبنان الذي بدأ مع تفجير أجهزة اتصالات البيجر، وإصابة مئات من عناصر الحزب.

ويشرح عبد الرحمن بتفصيل أكثر أوضاع «حزب الله» الأخيرة في سوريا بقوله: «إنه باستثناء مناطق ريف حمص المحاذية للبنان، وجبهة الجولان (مع إسرائيل)، فقد خفّف الحزب من أعداد عناصره بشكل ملحوظ، وما عادت هناك نقاط ملحوظة له، بحيث إن الموقع الذي يوجد فيه 50 عنصراً مثلاً، بقي فيه نحو 4 عناصر، كما اختفت النقاط الواضحة للحزب، وذابت في مواقع الميليشيات الأخرى».

ويقول الباحث في مركز «جسور» للدراسات، وائل علوان، لـ«الشرق الأوسط» إن نفوذ «حزب الله» في سوريا «تهدَّد بشكل فعلي مؤخراً، بعد سيناريوهات الحرب الإسرائيلية في لبنان والمنطقة». ولفت إلى أن المواقع التي يتوزّع فيها «حزب الله» في سوريا لصيقة بمواقع الميليشيات الإيرانية. ويوضح أن هذا يعني اعتماد النفوذ الإيراني بشكل كبير على «حزب الله»، خصوصاً في محيط حلب وإدلب (شمال)، وفي مناطق الساحل السوري والمنطقة الوسطى، وبالتأكيد في كامل المناطق الممتدة على طول الحدود مع لبنان.

خريطة توزُّع المواقع الإيرانية في سوريا حتى منتصف 2024 وتظهر معها مواقع لـ«حزب الله» أيضاً (مركز جسور)

وتُعدّ منطقة القصير في ريف حمص من المناطق الرئيسية التي توجد فيها المقرّات القيادية للحزب، والمستودعات المهمة، ومنها يدير الحزب عمليات التسليح والاتصال مع مناطق نفوذه في حلب وإدلب والساحل، وأحياناً مع مجموعاته في جنوب سوريا.

كذلك يربط القصير بالنسبة للحزب خط الإمداد الإيراني، القادم من الحدود العراقية - السورية عبر البادية الشامية شرق حمص، ولذلك كان هناك انتشار لمجموعات من الحزب في البادية ومحافظة دير الزور، علماً بأنه سحب جزءاً منها مع تصاعد العمليات العسكرية، واحتمال الهجمات البرّية من إسرائيل على لبنان.

ويرى علوان أن القاعدة الثانية المهمة لـ«حزب الله» في سوريا هي شرق حلب، وتحديداً في نبل والزهراء (الشيعيتَين)، حيث يقوم الحزب بعمليات تجنيد واسعة هناك، وتشكيل ما يسمى «حزب الله السوري». ويلفت إلى أن الحزب يدير عملياتياً من ذلك الموقع، جميعَ القوى الرديفة العاملة على الجبهات، ضد فصائل المعارضة السورية في حلب وإدلب.

أما في جنوب سوريا، والكلام لعلوان، فيشكّل انتشار الحزب أمراً بالغ الأهمية، وتشكّل مواقع الحزب في القلمون امتداداً لمناطق عمليات الحزب من القصير في ريف حمص باتجاه ريف دمشق.

كما أن مناطق القلمون بطبيعتها الجبلية وفّرت للحزب مساحة واسعة لإقامة مستودعات الأسلحة، والبنية التحتية العسكرية المحصّنة، إضافةً لمعامل المخدرات ومستودعاتها.

لكن على المستوى الأمني، فإن مناطق انتشار الحزب الأكثر أهميةً هي في ريف دمشق، وهي المواقع والمستودعات التي أقامها في مضايا والزبداني، إضافةً إلى الأنفاق العسكرية الممتدة هناك باتجاه الأراضي اللبنانية.

مناصرون لـ«حزب الله» يشيّعون في جنوب لبنان مقاتلاً قُتل بضربة إسرائيلية على حلب في أبريل الماضي (غيتي)

وبالشراكة مع قوات «الحرس الثوري» الإيراني، وقوات الحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة من تشكيلات النظام، ينتشر الحزب بمجموعاته اللبنانية، أو الأخرى السورية التي جنّدها خلال الأعوام الماضية في محافظات الجنوب، في السويداء، وأهم نقاطه هناك مطار الثعلة، وفي التلال الحاكمة في درعا، وبوجود أمني في القنيطرة.

ويختتم علوان كلامه بالإشارة إلى اهتمام الحزب في الجنوب بعمليات تجنيد واسعة لعناصر محليين من أبناء المنطقة، يقومون لصالحه بأعمال أمنية وعسكرية، وكذلك بعمليات نقل المخدرات وتهريبها من السويداء ودرعا إلى الأردن، ومنها إلى الخليج، الأمر الذي يوفر للحزب مصدراً مهماً للتمويل، إلى جانب عمليات الاختراق الأمني التي يقوم بها عبر المخدرات.

وكان المرصد السوري قد أفاد، مساء الاثنين، نقلاً عن نشطائه في حمص، بمغادرة نحو 50 من عائلات عناصر «حزب الله»، في الأيام القليلة الماضية، المنازلَ التي كانت تقطنها في مدينة القصير جنوب غربي حمص، خشية الغارات والصواريخ الإسرائيلية التي تستهدف مناطق وجود الحزب ضمن الأراضي السورية.

وأكّد نشطاء المرصد عبور مجموعة من السيارات المدنية والحافلات التي تُقِلّ عائلات عناصر الحزب من القصير، مروراً بجسر شنشار، وصولاً إلى قرية المختارية والنجمة والأشرفية والكم «ذات الغالبية الشيعية»، شمال مركز مدينة حمص بنحو 7 كيلومترات.

عنصران من «حزب الله» بالقرب من القصير (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

وأكّدت مصادر محلية من قرية المختارية للمرصد، أن مختار القرية مع عدد من وجهائها قاموا بتأمين عدد من المنازل داخل القرى المذكورة وعلى أطرافها، بهدف إيواء النازحين من عائلات عناصر الحزب. ولفتت المصادر إلى أن عملية الإيواء مؤقتة، ريثما يجري تجهيز حافلات مخصّصة لنقل الراغبين منهم نحو ريف حلب الشمالي، باتجاه مدينتي نبّل والزهراء.

في سياق متصل، قال المرصد إن «الأهالي يرفضون بشكل قاطع تأجير الشقق السكنية ضمن الأحياء المأهولة، للعائلات القادمة، سواءً من لبنان أو من مدينة القصير، لا سيما أولئك التابعين لـ(حزب الله) اللبناني، مطالبين بتحييد المناطق السكنية عن حسابات الحرب التي يخوضها الحزب مع إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية».

وأكّد المصدر أن عشرات الطلبات ترِد إلى أصحاب المكاتب العقارية بأحياء الغوطة والحمراء والإنشاءات، بحثاً عن منازل وشقق سكنية وسط إغراءات مادية كبيرة، إلا أن أبناء تلك الأحياء أجمعوا على رفض تأجير أي عائلة لديها ارتباطات مع الحزب، تجنّباً لخطر الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مناطق وجودهم، لا سيما أن القادمين الجدد منهم لا تُعرف هويتهم الأصلية، أو مدى تغلغلهم في الحزب.


مقالات ذات صلة

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

العالم العربي صورة متداولة لمحمد حيدر

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

ثائر عباس (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد نتيجة غارة جوية إسرائيلية على قرية الخيام في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

«حزب الله»: قتلى وجرحى من الجيش إسرائيلي في اشتباكات بجنوب لبنان

أعلن «حزب الله»، السبت، أن عناصره اشتبكت مع قوة إسرائيلية كانت تتقدم باتجاه بلدة البياضة بالجنوب اللبناني، وأسفرت الاشتباكات عن قتلى وجرحى.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حمية

بعد أنباء استهدافه في بيروت... مَن هو طلال حمية الملقب بـ«الشبح»؟

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هدف الغارات العنيفة على منطقة البسطة في قلب بيروت فجر اليوم (السبت)، كان القيادي الكبير في «حزب الله» طلال حميّة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نقل جثمان أحد ضحايا القصف الإسرائيلي اليلي على منطقة البسطة في بيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:39

ضربة إسرائيلية في قلب بيروت تخلّف 11 قتيلاً وعشرات الجرحى

استهدفت سلسلة غارات إسرائيلية عنيفة مدينة بيروت، وتركّزت على مبنى مؤلف من 8 طوابق في منطقة فتح الله بحي البسطة الفوقا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

قال مسؤول دفاعي أميركي إن قائداً كبيراً بـ«حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية خلال حرب العراق، قُتل بسوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)
دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)
TT

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)
دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف مجرى نهر الليطاني، في محاولة لفصل النبطية عن قضاء مرجعيون.

وفيما انتقل هوكستين إلى واشنطن من دون الإدلاء بتصريحات حول زيارته إسرائيل، أكدت مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أنَّ الموفد الأميركي «بقيَ على تواصل مع المفاوضين اللبنانيين»، مشيرة إلى أنَّ المحادثات لوقف النار «تتقدم ببطء، لكن بثبات في اتجاه إيجابي».

ميدانياً، وصلت القوات الإسرائيلية إلى بلدة ديرميماس، انطلاقاً من بلدة كفركلا، ما يعني أنَّها سارت على طريق لنحو 5 كيلومترات في العمق اللبناني، لتصل إلى مشارف الليطاني، بعد تمهيد ناري بالمدفعية وغارات جوية نفذتها طائرات حربية ومسيّرات. وقال «حزب الله»، في المقابل، إنَّه استهدف تلك القوات في النقاط التي وصلت إليها.

بالموازاة، كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على ضاحية بيروت الجنوبية، واستهدفت الأحياء المسيحية المقابلة للضاحية في عين الرمانة والحدت، وهي خطوط التماس السابقة في الحرب اللبنانية، وذلك عقب إنذارات وجهها الجيش للسكان بإخلاء الأبنية.