خيارات «حزب الله» السياسية «ضيقة»

غموض موقفه من فصل جبهة جنوب لبنان عن غزة يثير تساؤلات

عناصر من «حزب الله» يسيرون حاملين أعلام الحزب خلال تجمُّع جماهيري بمناسبة يوم القدس في بيروت (رويترز)
عناصر من «حزب الله» يسيرون حاملين أعلام الحزب خلال تجمُّع جماهيري بمناسبة يوم القدس في بيروت (رويترز)
TT

خيارات «حزب الله» السياسية «ضيقة»

عناصر من «حزب الله» يسيرون حاملين أعلام الحزب خلال تجمُّع جماهيري بمناسبة يوم القدس في بيروت (رويترز)
عناصر من «حزب الله» يسيرون حاملين أعلام الحزب خلال تجمُّع جماهيري بمناسبة يوم القدس في بيروت (رويترز)

لا أولوية لدى «حزب الله» راهناً غير صد الهجمات الإسرائيلية البرية عند الحدود الجنوبية؛ لأن أداءه هناك هو الذي سيرسم ملامح المرحلة المقبلة؛ إذ سيعطيه دفعاً حين يحين موعد التفاوض، أو يمهِّد لتقليص دوره، وفق ما يرى مراقبون لبنانيون.

رغم أن الحزب كلّف رئيس المجلس النيابي نبيه بري بمهمة التفاوض باسمه في موضوع وقف النار، وأعلن تأجيل النقاشات في أي ملفات سياسية أخرى عدَّها «تفصيلية»، فإن المواقف التي تَصْدُر عن بعض نوابه ومسؤوليه تُظهر تخبطاً في إدارة هذه المرحلة السياسية، بعدما كان أمينه العام السابق حسن نصر الله، الذي اغتالته إسرائيل الشهر الماضي، هو الذي يرسم كل الأطر والسياسات.

ولعل أبرز ما يوحي بالتخبط هو عدم اتضاح ما إذا كان «حزب الله» قد قرر فعلياً فك ربط جبهة لبنان بجبهة غزة، أو أنه لا يزال يطمح لوقف نار يشمل الجبهتين.

وترجِّح مصادرُ سياسية مواكبة للملف أن يكون هناك «توزيع أدوار بين الحزب ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كلفه بالتفاوض على أساس فك الارتباط، بينما يتجنب مسؤولو الحزب ونوابه عبر الإعلام التطرق للملف، وإن أُحْرِجوا فإنهم يتحدثون عن استمرار الربط حتى لا يُحسبَ عليهم أي تراجع أو انكسار».

انتهاء سيطرة الحزب

يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية ببيروت الدكتور هلال خشان أن «(حزب الله) مستمر اليوم من دون قيادة سياسية أو عسكرية، وبات واضحاً أن ما كان معروضاً عليه قبل شهرين لوقف النار لم يعد معروضاً عليه اليوم»، لافتاً إلى أن «ما كان يعارضه بشدة في المرحلة الماضية، وبالتحديد لجهة رفض فصل مسار غزة عن مسار الحرب في لبنان، وافق عليه اليوم، ولكن بعد فوات الأوان».

الدخان يتصاعد عقب غارة إسرائيلية على مارون الراس في جنوب لبنان الجمعة (إ.ب.أ)

ويرى خشان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه لا خيار أمام «حزب الله» بعد الذي تَعَرَّض له «إلا التحول إلى حزب سياسي، وهذا سيحدُث عاجلاً أم آجلاً»، مشيراً إلى أننا في المرحلة المقبلة سنرى تمدُّد الدولة وازدياد نفوذها بعدما كان «حزب الله» هو المسيطر عليها، وقد بدأ ذلك يحدث عملياً بتسليم الجيش اللبناني مطار بيروت».

ويضيف خشان: «الخشية بعد انتهاء الحرب أن يقوم الحزب المكسور بردات فعل داخل لبنان، لكننا نعتقد أننا سنشهد إشكالات سيكون الجيش والقوى الأمنية قادرين على ضبطها».

ويرجح خشان أن «تبقى الحصة الشيعية في الدولة اللبنانية على حالها، لكنها ستذهب في معظمها مستقبلاً إلى (حركة أمل)، خصوصاً أن حاكم لبنان الفعلي راهناً هو الرئيس بري»، في إشارة إلى أن حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري من المحسوبين على بري.

أفول زمن الاستقواء

من جهته، يرى الناشط السياسي المحامي أنطوان نصر الله أنه «من المبكر الحديث عن المفاوضات السياسية وعن احتمال تحوُّل (حزب الله) إلى حزب سياسي»، لافتاً إلى أن «العين اليوم على الميدان على أساس أن مدى صمود المقاومة وتحقيق أهدافها بصد الهجمات سيحدد دور الحزب ونفوذه مستقبلاً».

ويرى نصر الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «حزب الله» لم يعُد متماسكاً بطروحاته السياسية، موضحاً أن موافقته على تطبيق القرار 1701 ستعني ضمنياً الموافقة على القرار 1559، على أساس أن الأول يلحظ تطبيق كل القرارات الدولية.

ويضيف: «المرحلة لا تزال ضبابية جداً. ومهما كانت وضعية الحزب بعد الحرب فإنه يُفترض أن يعيد كل حساباته».

وينبه نصر الله إلى أنه من المفترض التعامل بالكثير من التروي مع المرحلة المقبلة، خصوصاً بغياب السيد حسن نصر الله الذي كان «ضمانة للسلم الأهلي»، مؤكداً أنه يُفترض احتضان مناصري الحزب للخروج من هذا المأزق بأقل الأضرار الممكنة، خصوصاً أننا بعد وقف النار سنكون مع نازحين لبنانيين وفلسطينيين وسوريين موجودين في مناطق ومجتمعات معيَّنة؛ ما يهدد التركيبة اللبنانية القائمة، ويوجب الانفتاح على سوريا والعرب وأوروبا، وانتهاج سياسات خارجية وداخلية واضحة ومتحركة.

مرحلة جديدة

يشير نصر الله أيضاً إلى أن «لبنان يتجه لمرحلة جديدة سيكون على (حزب الله) التأقلم معها، أبرز معالمها أن الأولوية ستكون للدولة ومؤسساتها، وانتهاء زمن سياسة الاستقواء والتكبر على المجموعات الأخرى، بعدما تبيَّن للحزب أنه بحاجة إليها في زمن الحرب، اجتماعياً وسياسياً وإعلامياً. كما على الحزب أن يُسلّم بأن لبنان لم يعد يحتمل خوض حروب عن فلسطين وسوريا واليمن وسواها من الدول».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تناور في القرى الحدودية اللبنانية... و«حزب الله»: المعركة في بدايتها

المشرق العربي جنود في الجيش اللبناني في بلدة كفركلا عند الحدود الجنوبية (أ.ب)

إسرائيل تناور في القرى الحدودية اللبنانية... و«حزب الله»: المعركة في بدايتها

قُتل عسكريان اثنان في الجيش اللبناني في قصف إسرائيلي على مركز له في وقت أعلن فيه الجيش الإسرائيلي «الاستمرار بالعمل ضد العدو حتى ضمان عودة سكان الشمال».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جانب من المشاركين في أحد اللقاءات السابقة للمعارضة في معراب (موقع القوات اللبنانية)

«لقاء معراب» يواجه «خلل» الحضور المنقوص للمعارضة اللبنانية

الأنظار مشدودة إلى اللقاء الذي يستضيفه حزب «القوات اللبنانية»، بدعوة من سمير جعجع، تحت عنوان «لقاء وطني جامع لإنقاذ لبنان» في ظل مشاركة منقوصة للمعارضة.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي حشد من الناس أمام بناية استهدفتها غارة جوية إسرائيلية ليل أمس في محلة البسطا الفوقا قرب وسط بيروت (أ.ب)

أهالي النويري: «عشنا رعباً مطلقاً ولم نتوقع هذه المجزرة»

يروي شهود عيان تفاصيل الرعب الذي عاشوه عندما استهدفت طائرات إسرائيلية مباني سكنية في منطقة النويري بقلب بيروت ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

«ورقة تفاهمات» أميركية توقف الحرب وتعيد الاعتبار للدولة اللبنانية

علمت «الشرق الأوسط» أن بلينكن، وغيره من المسؤولين المعنيين بملف لبنان في إدارة بايدن، شرعوا في إعداد «ورقة تفاهمات» جديدة لوقف الحرب بين إسرائيل و«حزب الله».

علي بردى
المشرق العربي صورة متداوَلة للقاء سابق بين جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل ومسؤول الارتباط في الحزب وفيق صفا

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: وفيق صفا في حالة حرجة

أكد مصدر أمني لبناني رفيع لـ«الشرق الأوسط» أن مسؤول التنسيق والارتباط في «حزب الله»، وفيق صفا، في حالة حرجة، بعد إصابته إصابة بالغة جرّاء غارة جوية إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«لقاء معراب» يواجه «خلل» الحضور المنقوص للمعارضة اللبنانية

جانب من المشاركين في أحد اللقاءات السابقة للمعارضة في معراب (موقع القوات اللبنانية)
جانب من المشاركين في أحد اللقاءات السابقة للمعارضة في معراب (موقع القوات اللبنانية)
TT

«لقاء معراب» يواجه «خلل» الحضور المنقوص للمعارضة اللبنانية

جانب من المشاركين في أحد اللقاءات السابقة للمعارضة في معراب (موقع القوات اللبنانية)
جانب من المشاركين في أحد اللقاءات السابقة للمعارضة في معراب (موقع القوات اللبنانية)

تبقى الأنظار السياسية في لبنان مشدودة إلى اللقاء الذي يستضيفه حزب «القوات اللبنانية»، السبت، في معراب، بدعوة من رئيسه سمير جعجع، تحت عنوان «لقاء وطني جامع لإنقاذ لبنان». ويُفترض أن يخرج اللقاء ببيان سياسي شامل، يكون بمثابة خريطة طريق للانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة غير تلك القائمة حالياً. ويتوقع أن تترتب على البيان ردود فعل، في ظل الانقسام السياسي الحاد بين المعارضة ومحور الممانعة، وبغياب بعض أطراف المعارضة عن المشاركة في اللقاء، بذريعة عدم التشاور مع بعضها وعدم دعوة البعض الآخر.

والأمر نفسه ينسحب على «اللقاء الديمقراطي» الذي ارتأى التخلف عن الحضور، إضافة إلى الكتل النيابية التي تتموضع في الوسط وتواصل تحركها بحثاً عن قواسم مشتركة للتلاقي مع الفريقين المتخاصمين في منتصف الطريق للتوافق على تسمية مرشح لرئاسة الجمهورية لا يشكل تحدياً لأحد.

مشاركة منقوصة

ومع أن الدعوة للقاء، وهو الثاني بعد اللقاء الذي عُقد في أبريل (نيسان) الماضي، فإن مشاركة أطياف المعارضة تبقى منقوصة بغياب نواب تحالف «قوى التغيير» (ميشال الدويهي، ومارك ضو، ووضاح الصادق)، والنائب المستقل بلال الحشيمي، ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، المنقطع عن التواصل مع جعجع، والنواب السابقين: أحمد فتفت وفارس سعيد ومصطفى علوش، وحزب «الكتلة الوطنية»، فيما كلف رئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوض، الموجود في لبنان، النائب السابق جواد بولس بتمثيله.

واللافت أيضاً أن حضور النواب المسلمين، وعددهم 64 نائباً، يقتصر على النائب أشرف ريفي بالإنابة عن كتلة «التجدد»، ما يعني وجود خلل أخذ يتنامى داخل المعارضة لم تتمكن حتى الساعة من معالجته، رغم استمرار التواصل بين الذين قرروا التخلُّف عن الحضور، باستثناء السنيورة الذي اعتذر عن عدم حضور اللقاء الأول لتلقيه الدعوة هاتفياً، وسعيّد الذي لم تشمله الدعوة، وإن كان الجميع، بمن فيهم الذين تغيبوا عن الحضور لا يمانعون بتلازم التطبيق بين الـ1701 والـ1559، لكنهم يأخذون على جعجع عدم التشاور معهم في غالب الأحيان، والتفرد بمواقف يجد البعض نفسه محرجاً أمامها، ما يضطره إلى التمايز عنه.

جعجع مطالب بالانفتاح

فالمسؤولية في معالجة الخلل وتصويب العلاقة بين قوى المعارضة تقع، بحسب هؤلاء، على عاتق جعجع الذي لا منافس له، كونه يتزعم أكبر كتلة نيابية في البرلمان، ولديه حضور مميز في الشارع المسيحي، بخلاف حضوره إسلامياً الذي يتطلب منه الانفتاح على الشركاء الآخرين في البلد، الذين لا ينكرون عليه دوره وحجمه في المعادلة السياسية، ويأخذون عليه جنوحه نحو التصعيد السياسي.

سمير جعجع (رويترز)

ويأمل هؤلاء من جعجع أن يبادر، ولو متأخراً، إلى استيعاب المعارضة والتشاور مع حلفائه، ومد اليد إلى خصومه، خصوصاً أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري بادر أخيراً إلى صرف النظر عن دعوته للحوار أو التشاور كشرط لانعقاد البرلمان في جلسة مفتوحة بدورات متتالية لانتخاب الرئيس، مقرونة هذه المرة بالتوافق عليه، ما يعني أن هناك ضرورة للتعاطي بانفتاح مع تحوله وعدم التفريط بالفرصة المواتية لانتخابه، وإن كان يتطلع من موقفه المستجد إلى تحصين الساحة الداخلية في مواجهة تمادي إسرائيل في عدوانها.

ضرورة التريث

وكان هؤلاء يتمنون على جعجع، كما تقول مصادرهم، التريث في دعوته للقاء إلى حين تسمح الظروف باختيار التوقيت المناسب، بعيداً عن المراهنات، ليأتي اللقاء جامعاً على الأقل لقوى المعارضة، ليكون في مقدورها التفاهم على مقاربة موحّدة بكل ما يتعلق بالمرحلة المقبلة فور التوصل إلى وقف النار، بما يتيح لها أن تتقاطع مع الفريق الآخر أو بعضه؛ للتوصل إلى رؤية موحدة تؤمّن الانتقال السلمي بلبنان إلى مرحلة الاستقرار على قاعدة التوافق يكون على قياس متطلبات المرحلة، بدلاً من تجدد الاشتباك السياسي على خلفية التمسك بالـ1701 لقطع الطريق على إسرائيل لتعديله كشرط لإعادة الهدوء إلى الجنوب، بعد أن توغلت في القرى الأمامية الواقعة قبالة الشمال الإسرائيلي.

برّي متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

ومع أنه لا مشكلة أمام المعارضة للتوصل إلى مقاربة موحدة تتعلق بالمرحلة الجديدة، فإن لا شيء يمنع من انفتاحها على ما خلص إليه «لقاء عين التينة» الذي ضم رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي والرئيس السابق لـلحزب «التقدمي الاشتراكي»؛ لأن هناك ضرورة لتجاوز الاعتراض على الشكل بذريعة عدم دعوتهم لقيادات مسيحية بالانضمام إليهم، والتوقف أمام المضمون الذي يحاكي فيه هؤلاء شريكهم المسيحي، بتأييدهم لوقف النار ونشر الجيش وتطبيق القرار 1701، مقروناً بالتفاهم على رئيس توافقي، خصوصاً أن الثلاثية التي رسمها لقاء عين التينة هي بمثابة خطوة نوعية يجب توظيفها لتجاوز الاصطفاف السياسي، وصولاً لترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث.

حرق المراحل

فهل استعجل جعجع بالدعوة للقاء معراب؟ وما الذي أملى عليه حرق المراحل بدلاً من أن يأخذ وقته بالتشاور مع أطياف المعارضة استعداداً لمواجهة المرحلة المقبلة بموقف يقطع الطريق على من يتهمه بالرهان على المستجدات الآتية من الجنوب، فيما الجهود الدولية تتعثر لإلزام إسرائيل بتطبيق 1701، من دون أن يربطه بالقرار 1559، وبالتالي يكون قد فوّت الفرصة على الصدام مع الثنائي الشيعي؟

فمجرد التلازم بين هذين القرارين سيؤدي حكماً إلى جنوح البلد نحو صدام سياسي عاصف؛ لأن الثنائي الشيعي سيتعامل معه على أنه يستهدف سلاح «حزب الله» وتحميله مسؤولية ما أصاب البلد من كوارث بتفرّده بقرار إسناد «حماس» من دون العودة إلى الدولة، بدلاً من إلقاء المسؤولية بالكامل على إسرائيل، وتحميلها مسؤولية سقوط هذا العدد الكبير غير المسبوق من الضحايا وجرح الألوف وتهجير مئات الألوف من المدنيين، وتحويل القرى أرضاً محروقة.

وبكلام آخر، فإن استحضار جعجع للقرار 1559، يعني من وجهة نظر الثنائي تناغمه حكماً وواشنطن التي تطالب بتطبيقه بموازاة تنفيذ القرار 1701، وهذا ما يرفضه محور الممانعة، ويُدخل «القوات» في مواجهة مباشرة مع بري الذي تنقل عنه مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط» قوله إن القرار 1559 أصبح وراءنا، وإنه لا مكان له في الترتيبات الأمنية لإعادة الهدوء إلى الجنوب بتطبيق الـ1701.