غزة بعد عام من الحرب... إعادة الإعمار قد تستغرق عقوداً من الزمن

جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)
جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)
TT

غزة بعد عام من الحرب... إعادة الإعمار قد تستغرق عقوداً من الزمن

جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)
جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)

تحول قطاع غزة إلى خراب مع مرور الذكرى السنوية الأولى لهجوم حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، الذي أشعل شرارة الحرب في القطاع. وتحولت شوارع المدينة إلى أودية ترابية، وفي كثير من الأماكن امتلأ الهواء برائحة الجثث غير المنتشلة. وقد أسفر الهجوم الإسرائيلي الذي استمر لمدة عام ضد «حماس»، والذي كان من أكثر الهجمات دموية وتدميراً في التاريخ الحديث، عن مقتل أكثر من 41 ألف شخص، نصفهم تقريباً من النساء والأطفال، وفقاً لمسؤولي الصحة المحليين. وفي ظل غياب أي أفق سياسي قد يسهم في إنهاء الحرب، وعدم وجود خطة لليوم التالي، فمن المستحيل التنبؤ بمستقبل القطاع، وما إذا كانت ممكنة إعادة بناء أي شيء.

ووفق تقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس»، حتى بعد توقف القتال، قد يظل مئات الآلاف من الناس نازحين في مخيمات لسنوات. ويقول الخبراء إن إعادة الإعمار قد تستغرق عقوداً من الزمن.

وقالت شفاء حجو، وهي ربة منزل تبلغ من العمر ستين عاماً وتعيش في خيمة أقيمت على أرض كان منزلها قائماً عليها ذات يوم: «هذه الحرب دمار وبؤس. إنها كفيلة بجعل الحجارة تصرخ. أي شخص يرى غزة الآن يبكي على حالها».

تلوم إسرائيل «حماس» على الدمار. فقد أشعل هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، الذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة، الحرب. وتقول إسرائيل إن «حماس» أقامت قدراً كبيراً من بنيتها التحتية العسكرية، بما في ذلك مئات الكيلومترات من الأنفاق، في مناطق مكتظة بالسكان، حيث دارت بعض أعنف المعارك.

ووفقاً لتقييم أجرته الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) استناداً إلى لقطات من الأقمار الاصطناعية، فقد أسفر القتال عن تدمير أو إلحاق أضرار جسيمة بنحو ربع المباني في غزة. وقالت إن نحو 66 في المائة من المباني، بما في ذلك أكثر من 227 ألف وحدة سكنية، لحق به بعض الأضرار على الأقل.

دمار شبيه بالخطوط الأمامية بحرب أوكرانيا

الدمار في غزة شبيه بالمدن الواقعة على الخطوط الأمامية في أوكرانيا وفقاً لكوري شير وجامون فان دين هوك الباحثين المقيمين في الولايات المتحدة اللذين يستخدمان رادار الأقمار الاصطناعية لتوثيق الدمار الذي خلفته الحرب. فقد دُمر أو تضرر عدد من المباني في غزة تقريباً كما حدث في أوكرانيا بأكملها بعد أول عامين من الحرب مع روسيا، علماً بأن غزة أقل من نصف مساحة العاصمة الأوكرانية كييف.

وقال شير إن حجم الدمار في وسط وجنوب غزة يعادل تقريباً ما فقدته بلدة باخموت الواقعة على الخطوط الأمامية، والتي كانت مسرحاً لواحدة من أعنف المعارك في حرب أوكرانيا، حيث دمرت القوات الروسية كل مبنى تقريباً. وقال إن الدمار في شمال غزة أسوأ بعد انهيار نظام المياه والصرف الصحي.

في نهاية يناير (كانون الثاني) قدر البنك الدولي الأضرار بنحو 18.5 مليار دولار، ما يقرب من الناتج الاقتصادي المشترك للضفة الغربية وغزة في عام 2022، وكان ذلك قبل بعض العمليات البرية الإسرائيلية المدمرة، بما في ذلك في مدينة رفح الحدودية الجنوبية.

نزوح 90% من السكان

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 90 في المائة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة نزحوا بسبب الحرب. وتكدس مئات الآلاف في مخيمات بالقرب من الساحل دون كهرباء أو مياه جارية أو مراحيض. كما انتشر الجوع على نطاق واسع. كانت حجو تعيش في خيمة في ساحة مستشفى. وقبل ذلك كانت تعيش في المواصي، المخيم الرئيسي في جنوب غزة. وقالت: «كانت الرائحة كريهة. وكانت الأمراض تنتشر». تقول وكالات الأمم المتحدة إن البطالة ارتفعت إلى نحو 80 في المائة - ارتفاعاً من نحو 50 في المائة قبل الحرب - وإن السكان بالكامل تقريباً يعيشون في فقر. حتى أولئك الذين لديهم الوسائل سيجدون أنه من المستحيل تقريباً استيراد مواد البناء بسبب القيود الإسرائيلية، والقتال المستمر، وانهيار القانون والنظام. هناك جبال من الأنقاض، وقليل من الماء ولا كهرباء.

العقبة الأولى أمام أي إعادة بناء كبيرة هي الأنقاض، وتوجد جبال منها في غزة، حيث كانت هناك منازل ومتاجر ومكاتب، وهي الآن عبارة عن أكوام ضخمة من الأنقاض الملطخة ببقايا بشرية ومواد خطرة وذخائر غير منفجرة.

40 مليون طن من الحطام والأنقاض

وتقدر الأمم المتحدة أن الحرب خلفت نحو 40 مليون طن من الحطام والأنقاض في غزة. وقالت إن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى 15 عاماً، ونحو 650 مليون دولار لإزالة الأنقاض.

لم يتم تدمير المنازل فقط، بل أيضاً البنية التحتية الحيوية. تقدر الأمم المتحدة أن ما يقرب من 70 في المائة من محطات المياه والصرف الصحي في غزة قد دمرت أو تضررت. ويشمل ذلك جميع مرافق معالجة مياه الصرف الصحي الخمسة في المنطقة، بالإضافة إلى محطات تحلية المياه ومحطات ضخ مياه الصرف الصحي والآبار والخزانات.

لقد تم تشريد الموظفين الذين كانوا يديرون أنظمة المياه والصرف الصحي البلدية، وقتل بعضهم. كما أدى نقص الوقود إلى صعوبة الحفاظ على تشغيل المرافق التي لا تزال سليمة.

وقالت منظمة «أوكسفام» الخيرية الدولية إنها تقدمت بطلب في ديسمبر (كانون الأول) للحصول على تصريح لإدخال وحدات تحلية المياه، وأنابيب لإصلاح البنية التحتية للمياه. ولفتت المنظمة إلى أن الأمر استغرق ثلاثة أشهر حتى وافقت إسرائيل على الشحنة، لكنها لم تدخل غزة بعد. وأدى تدمير شبكات الصرف الصحي إلى غمر الشوارع بالمياه الفاسدة، مما أدى إلى انتشار الأمراض.

ولم تكن هناك طاقة مركزية في غزة منذ الأيام الأولى للحرب، عندما اضطرت محطة الطاقة الوحيدة إلى الإغلاق بسبب نقص الوقود، ودُمر أكثر من نصف شبكة الكهرباء في المنطقة، وفقاً للبنك الدولي.


مقالات ذات صلة

عام على حرب غزة... آمال بتحريك «الهدنة المجمدة»

تحليل إخباري فتاة فلسطينية نازحة وهي في طريقها للفرار من المناطق في الجزء الشرقي من خان يونس بعد أمر إخلاء إسرائيلي (رويترز)

عام على حرب غزة... آمال بتحريك «الهدنة المجمدة»

تأكيدات أميركية على الالتزام بالعمل لوقف إطلاق النار في غزة بالتوازي مع محادثات مصرية تتواصل ضمن حراك يتصاعد لأهمية إنهاء الحرب ومنع اتساعها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي صورة تعود لعام 2012 تجمع بين قياديَّي «حماس» إسماعيل هنية وخالد مشعل في غزة (غيتي)

هل تلجأ «حماس» إلى خيار «القيادة الجماعية»؟

دفع اغتيال إسرائيل الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، الحزب إلى خيار «القيادة الجماعية» لتلافي الاغتيالات الإسرائيلية؛ فهل هذا وراد لدى «حماس»؟

كفاح زبون (رام الله)
تحليل إخباري صورة جماعية للمشاركين بـ«قمة السلام» في أكتوبر العام الماضي (رويترز)

تحليل إخباري عام على حرب غزة... تفاعل مصري «نشط ومتوازن»

تفاعلت مصر بـ«نشاط وتوازن» مع تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولعبت دوراً بارزاً في «تحصين الجبهة الفلسطينية»، و«مواجهة مخططات التهجير وتصفية القضية».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال مؤتمر صحافي في بيروت (مكتب رئيس الوزراء اللبناني - أ.ف.ب)

جنبلاط يدعو لفصل جبهة لبنان عن غزة... وبري متمسك بترشيح فرنجية

دعا الرئيس السابق لـ«الحزب التقدمي الاشتراكي»، وليد جنبلاط، إلى فصل مسار الحرب في لبنان عن قطاع غزة، لإعادة تفعيل المبادرات الدبلوماسية، وسط حراك عربي ودولي.

المشرق العربي عام على الحرب في غزة (رويترز)

كيف ينظر العالم للسابع من أكتوبر في الذكرى الأولى للهجوم على إسرائيل والحرب على غزة؟

يشارك أفراد من مختلف أنحاء العالم في مسيرات ومراسم لإحياء الذكرى الأولى للهجوم الذي شنه مسلحو حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على جنوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القدس)

معبر «نصيب» للمغادرين من سوريا ومطار عمّان بديلاً لـ«دمشق» و«بيروت»

معبر نصيب (أرشيفية)
معبر نصيب (أرشيفية)
TT

معبر «نصيب» للمغادرين من سوريا ومطار عمّان بديلاً لـ«دمشق» و«بيروت»

معبر نصيب (أرشيفية)
معبر نصيب (أرشيفية)

تزداد يوماً بعد يوم أعداد اللبنانيين والسوريين المغادرين الأراضي السورية عبر معبر نصيب الحدودي مع الأردن، بسبب تصاعُد المخاوف من تدحرج الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» من لبنان إلى سوريا، إذ بات مطار الملكة علياء الدولي في الأردن بديلاً عن مطاري بيروت ودمشق الدوليين.

ويعزز تلك المخاوف تكثيف طائرات إسرائيلية غارات على مناطق مختلفة في سوريا بما فيها أحياء بالعاصمة دمشق، لا سيما التي تتمركز فيها الميليشيات الإيرانية و«حزب الله»، في مشهد يوحي بأن الأراضي السورية باتت جزءاً من الحرب التي تُشَنُّ على لبنان.

وأكد مصدر محلي من أهالي مدينة درعا في جنوب سوريا ويعمل في معبر نصيب السوري المقابل لمعبر جابر في الأراضي الأردنية، أن حركة عبور المسافرين من معبر نصيب إلى الأراضي الأردنية تزداد يومياً. وأضاف المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «الأعداد قبل 3 أسابيع كانت بالعشرات، ولكن في هذه الأيام يعبر المئات يومياً».

وأوضح المصدر، أن «أغلبية المسافرين هم من المغتربين السوريين من أبناء محافظة درعا، ومن اللبنانيين الذين وفدوا إلى سوريا ولديهم إقامات في دول الخليج، كذلك هناك سوريون ولبنانيون لديهم أقارب في الأردن يذهبون إليهم للإقامة هناك بعد حصولهم على موافقات من السلطات الأردنية».

أرشيفية لمطار الملكة علياء الدولي في الأردن

ولفت المصدر إلى أن من بين السوريين واللبنانيين المغادرين من يقصد مطار عمّان الدولي، للسفر إلى دول أخرى، بعد إلغاء كثير من شركات الطيران رحلاتها من مطار بيروت الدولي، بسبب المخاطر في العاصمة اللبنانية، ومحدودية الرحلات من مطار دمشق الدولي.

وأرجع المصدر السبب في ازدياد حركة عبور المسافرين السوريين واللبنانيين من معبر نصيب إلى تصاعد المخاوف من وصول الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان بشكل فعلي إلى الأراضي السورية.

أرشيفية لازدحام حركة المسافرين بين سوريا والأردن عبر معبري نصيب وجابر

وقال: «إسرائيل كانت تستهدف مواقع ميليشيات إيران و(حزب الله) وقيادتهم في مناطق بسوريا مرة كل أسبوعين أو ثلاثة، وبعد اشتعال الحرب في لبنان (منذ 23 سبتمبر / أيلول الماضي) صارت الغارات شبه يومية، ثم يومية، وحالياً تشن إسرائيل غارات عدة في اليوم الواحد». وأضاف: «لقد صارت الأراضي السورية جزءاً من جبهة الحرب، والناس خائفون جداً، ويريدون الأمان والاستقرار؛ ولذلك هم يسافرون».

وكانت «الشرق الأوسط» قد رصدت في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ازدياد أعداد المسافرين في مجمع الاتحاد العربي للنقل البري، الكائن في منطقة القدم جنوب دمشق، والذي يضم شركات نقل بري عدة. وكشفت في حينها موظفة في إحدى الشركات عن أن أعداد المغادرين السوريين والعرب، خصوصاً اللبنانيين، آخذة في الارتفاع مع تصاعد حدة الحرب الإسرائيلية على لبنان.

صورة نشرتها «الخطوط الجوية السورية» في «فيسبوك» لمسافرين بمطار دمشق مؤخراً

ولفت المصدر المحلي العامل في معبر نصيب إلى أنه منذ استهداف الطائرات الإسرائيلية الطريق الدولي بيروت – دمشق قرب معبر المصنع اللبناني، فجر يوم الجمعة الماضي، وخروج الطريق عن الخدمة؛ توقفت حركة عبور برادات الخضار والفاكهة وشاحنات البضائع القادمة من لبنان، التي كانت تتجه بعضها إلى الأردن وبعضها إلى دول الخليج.

وأضاف: «كانت البرادات والشاحنات تأتي من لبنان يومياً، ومنذ توقُّف معبر المصنع لم يعد شيء يصل».

بدوره، ذكر رئيس اتحاد شركات شحن البضائع الدولي في سوريا، صالح كيشور، وفق صحيفة «الوطن» المقربة من الحكومة أنه بسبب التوترات الأخيرة التي شهدتها المنطقة كلها، ومن بينها استهداف معبر المصنع، توقفت حركة التصدير بعد أن كان عدد الشاحنات السورية التي تصل إلى لبنان يومياً يقدر بنحو 30 - 40 سيارة، علماً أن سوريا تصدِّر إلى لبنان كل المواد الغذائية باستثناء الخضار والفواكه، إضافة إلى الملابس والقطنيات والمصنوعات البلاستيكية.

عائلات لبنانية وسورية تعبر الحدود إلى سوريا على أقدامها بعدما استهدفت غارة إسرائيلية معبر المصنع (أ.ب)

ولم تحدّ الغارات الإسرائيلية على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان منذ بدء الضربات الإسرائيلية لـ«حزب الله» في لبنان، من التدفُّق اليومي للوافدين من لبنان إلى سوريا، ليتجاوز العدد الإجمالي للوافدين اللبنانيين منذ 24 سبتمبر حتى الأحد، أكثر من 86 ألف وافد، وأكثر من 233 ألف عائد سوري، وفق أرقام إدارة الهجرة والجوازات السورية.

ومع انتقال ضغط حركة العبور باتجاه الأراضي السورية إلى معبر العريضة بمحافظة طرطوس على الساحل السوري والحدودي مع لبنان، بعد خروج طريق بيروت - دمشق عن الخدمة؛ نقلت وسائل إعلام محلية عن عضو المكتب التنفيذي لمحافظة ريف دمشق آلاء الشيخ أنّ عدد الوافدين من معبر جديدة يابوس الحدودي بلغ 194759 شخصاً بينهم 153974 سورياً و40786 لبنانياً، وذلك منذ 23 سبتمبر الفائت، وحتى الساعة 12 ظهراً من يوم السبت الماضي.

مسافرون يخرجون من مطار بيروت الدولي بعد تبادل ضربات بين «حزب الله» وإسرائيل (إ.ب.أ)

وفي اطار خطة الاستجابة السريعة التي وضعتها الحكومة السورية للتعامل مع أي احتياجات محتملة للوافدين من لبنان، كشف مصدر في مديرية الجمارك العامة، وفق «الوطن»، عن جملة من الإجراءات اتُّخِذت لتسهيل دخول الوافدين من لبنان، ومن أهمها منحهم بطاقة دخول مؤقتة (طوارئ) تسمح لهم بالإقامة في سوريا لمدة شهر على أن تُجَدَّد كل 15 يوماً، وذلك بعد أن أصدرت رئاسة مجلس الوزراء قراراً بتمديد إيقاف قرار تصريف مبلغ 100 دولار أميركي، أو ما يعادله من العملات الأجنبية للمواطنين السوريين ومن في حكمهم عند دخولهم الأراضي السورية عبر المعابر الحدودية مع لبنان حصراً، وذلك لمدة 10 أيام.