لماذا تستهدف إسرائيل الضفة الغربية الآن؟

كاتس: يجب أن نعمل على إجلاء مؤقت للسكان

TT

لماذا تستهدف إسرائيل الضفة الغربية الآن؟

قوة إسرائيلية تتحقق من أوراق ركاب سيارة إسعاف فلسطينية في جنين الأربعاء (إ.ب.أ)
قوة إسرائيلية تتحقق من أوراق ركاب سيارة إسعاف فلسطينية في جنين الأربعاء (إ.ب.أ)

إذا كان صحيحاً ما قاله وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، صباح الأربعاء، بأن إيران تقف وراء التصعيد والعمليات في الضفة الغربية، وإن «العملية العسكرية فيها جاءت لإفشال مخطط طهران إنشاء جبهة شرقية ضد إسرائيل في الضفة على غرار نموذج غزة ولبنان، من خلال تمويل وتسليح الشبان وتهريب الأسلحة المتطورة من الأردن»؛ فإن إسرائيل تكون قد انجرّت بالكامل إلى الملعب الإيراني. وبدلاً من الإفلات من المكائد، عمّقت ووسّعت حرب الاستنزاف التي علقت بها في وحل غزة ولبنان إلى جبهة أخرى إضافية.

لكن كاتس، الذي لا يوصف بأنه من القادة الأذكياء في تل أبيب، كشف عن نوايا أخرى إضافية عندما قال: «يجب أن نعمل على إجلاء مؤقت للسكان من الضفة الغربية، علينا أن نتعامل مع التهديد في الضفة تماماً كما نتعامل مع البنية التحتية في غزة، هذه حرب ضد كل الصعاب». وعلى طريقة رئيسه، بنيامين نتنياهو، قال: «علينا أن ننتصر فيها».

آليتان إسرائيليتان تسدان مدخل مخيم طولكرم للاجئين (أرشيفية - أ.ف.ب)

والحقيقة أن إسرائيل تدير حربها على الضفة الغربية قبل ما تقول إنه «المخطط الإيراني» بكثير. ففي أواخر مارس (آذار) 2022، في زمن حكومة يائير لبيد، قصيرة العمر، بدأت تنفيذ حملة اعتقالات ضخمة أطلقت عليها اسم «كاسر الأمواج»، بدعوى «منع تنفيذ عمليات تفجير داخل إسرائيل». والمنطق وراء الحملة هو أن الحكومة كانت ذات تركيبة غريبة، من أقصى اليمين وحتى الحركة الإسلامية. وقد بثت نوعاً من الضعف؛ لأنها قررت عن سبق تعمد وإصرار الامتناع عن الدخول في مفاوضات لتحريك المسار السياسي. وهذا الموقف، الذي أغضب كل الفلسطينيين، فُسّر لدى التنظيمات الفلسطينية المسلحة على أنه فرصة لاستئناف العمليات المسلحة داخل المدن الإسرائيلية الكبرى. وفي هذه الأثناء سقطت حكومة لبيد وجرت انتخابات فاز فيها اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، التي ضمت أحزاباً تخطط لتصفية القضية الفلسطينية. والخطة التي تسمى «خطة الحسم» ووقّع عليها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تضع أربع مراحل: إحداث فوضى في الضفة الغربية، ثم إسقاط السلطة الفلسطينية، ثم تصفية الحركة القومية الفلسطينية، ثم المرحلة الرابعة: ترحيل الفلسطينيين.

جنود إسرائيليون يداهمون مخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مدينة طولكرم في الضفة الغربية المحتلة (أرشيفية - أ.ف.ب)

حملة الاعتقالات تمت طيلة سنتين ونصف السنة، وما زالت مستمرة بلا توقف حتى اليوم. ففي كل ليلة تنتشر قوات الجيش والمخابرات في بلدات عدة في آن، كل مرة لاعتقال «مجموعة مطلوبين». وترافقت الحملة بعمليات بطش وقمع شرسة. وقال الجيش، في بيان رسمي عنها، يومها: «حملة ضد أوكار إرهابية فلسطينية في مناطق يهودا والسامرة، في أعقاب سلسلة من الاعتداءات والعمليات التخريبية، نفذها مخرّبون فلسطينيون في كل من أورشليم العاصمة ومدن إسرائيلية أخرى: بني براك، خضيرا، بئر السبع، تل أبيب، أريئيل وإلعاد، مسفرةً عن مقتل وإصابة مدنيين إسرائيليين. خلال الحملة تقوم قوات الجيش والأجهزة الأمنية بعمليات تفتيش واعتقالات ضد مطلوبين أمنيين في مناطق يهودا والسامرة والذين ينتمون إلى منظمات إرهابية متطرفة».

في البداية، جرى التركيز على نشطاء «حماس» و«الجهاد». وعندما تبين أن الشباب الفلسطيني، وعلى عكس قياداته التي تجنح للانقسام، يقيم وحدة صف مدهشة في الميدان من جميع الفصائل، أصبحت العمليات تجابه بمقاومة شديدة وظهرت تنظيمات فلسطينية تُعرَف باسم «عرين السود» و«كتائب طولكرم» و«كتائب جبع» وغيرها من الكتائب الوحدوية، التي شملت أيضاً عدداً من الفتحاويين وحتى بعض الضباط العاملين في أجهزة الأمن الفلسطينية.

آلية عسكرية إسرائيلية خلال اقتحام مخيم نور شمس في الضفة الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

وفي 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اتخذت هذه الحملة طابعاً تصعيدياً كبيراً. فقد قررت القيادة العسكرية منع الفلسطينيين من فتح جبهة حرب في الضفة. واستغلت الحرب على غزة لتباشر استخدام وسائل لم تستخدمها في السابق، مثل غارات الطائرات المقاتلة من طراز «إف - 16» التي قصفت بلدات ومخيمات لاجئين عدة، من أريحا جنوباً وحتى جنين شمالاً، وخلالها دخلت الدبابات والجرافات الضخمة (D9)، إلى مخيمات اللاجئين، بشكل خاص جنين، وبلاطة، ونور شمس والعوجا، ولم يعد الاعتقال هو الهدف، بل الاغتيال. وهدمت مئات البيوت ومعظم البنى التحتية.

بحسب إحصائيات الجيش، خلال الحرب نُفذت 11 عملية مسلحة في إسرائيل والمستوطنات وتم إجهاض 111 عملية أخرى قبل وقوعها. وبعد اغتيال إسماعيل هنية والعملية الأخيرة في تل أبيب، أعلنت «حماس» استئناف العمليات الاستشهادية في المدن الإسرائيلية. فقررت إسرائيل أن تأخذ بجدية هذه التهديدات وتبادر إلى هجمة إضافية هذه الأيام. وفي حين يعدّ الفلسطينيون هذه الهجمة، عملية تصعيد تستهدف زرع الفوضى في الضفة الغربية تنفيذاً لخطة سموتريتش، يقول الجيش إن هذه الهجمة تقصد منع التدهور حتى لا تنفذ عمليات يستغلها اليمين المتطرف لإحداث الفوضى.

مدرّعة عسكرية إسرائيلية تغلق طريقاً أثناء مداهمة في مخيم الفارعة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مدينة طوباس في الضفة الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

ولكن، في الحالتين، عمليات الجيش تخدم سموتريتش وخطته؛ لأن الشعب الفلسطيني يتعرض لموجة تنكيل إضافية تفاقم الوضع وتدهوره أكثر مما هو متدهور، وهذه العمليات هي التي تنشئ جيشاً من المناوئين لإسرائيل، يتمتع بقدرات عالية أكثر من الأجيال السابقة من تنظيمات المقاومة. فسياسة القيادة العسكرية، المبنية على القوة، وإذا لم تنفع فمزيد من القوة، فشلت ليس فقط في إسرائيل، بل في كل مكان آخر في العالم.

وإذا كانت القيادة العسكرية الإسرائيلية تريد استعراض عضلاتها أمام حكومة اليمين، التي تهاجم هذه القيادة وتتهمها بالفشل والإخفاق والجبن والتخلي عن عقيدة القتال والإقدام والصدام، فإن ما تفعله في الضفة سيزيد من الاستخفاف بها في الحكومة. فالمتطرفون في إسرائيل لا يشبعون، وكلما يضرب الجيش أكثر سيطالبونه بالمزيد. وفي الحساب النهائي تبقى النتيجة في غير صالحها: فهي، التي تقود جيشاً جباراً من ثلاثة أرباع مليون جندي وتمتلك أحدث الأسلحة الفتاكة، تحارب 11 شهراً ضد تنظيم صغير مثل «حماس» ولا تسمح لها الحكومة بإنهاء هذه الحرب. والآن تدخل وحلاً جديداً، مهما كانت نتيجته، لن تكون مشرّفة، ولن يكون فيه شيء من حماقة البحث عن انتصار.


مقالات ذات صلة

عشرات القتلى في تصعيد إسرائيلي شمال غزة

شؤون إقليمية فلسطينية تنتحب أمام جثث ضحايا غارة إسرائيلية يوم الأحد في دير البلح وسط غزة (أ.ف.ب) play-circle 00:33

عشرات القتلى في تصعيد إسرائيلي شمال غزة

كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية في شمال قطاع غزة في مسعى لإفراغه من سكانه، ورفعت من وتيرة القصف، الأحد؛ ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى.

كفاح زبون (رام الله)
أوروبا أفراد من الشرطة الهولندية في أمستردام (أ.ف.ب)

هولندا: التحقيق مع 45 مشتبهاً بهم في أعمال عنف شهدتها أمستردام

أعلنت الشرطة الهولندية الأحد أنها تحقّق مع 45 شخصاً تشتبه في ارتكابهم جرائم عنف لها صلة باضطرابات شهدتها أمستردام على خلفية مباراة كرة قدم الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية عند الحدود مع قطاع غزة (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط وجندي في اشتباكات بشمال قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الأحد، مقتل ضابط وجندي، وإصابة ثالث بجروح خطيرة في اشتباكات بشمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي لقاء وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده والرئيس السوري بشار الأسد (سانا)

وزير الدفاع الإيراني في دمشق لبحث «قضايا الأمن والدفاع»

بدأ وزير الدفاع عزيز نصير زاده زيارة إلى دمشق للقاء عدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين؛ تلبية لدعوة وزير الدفاع السوري علي محمود عباس.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)
قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)
قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق، الأحد.

كما أسفر الهجوم الذي وقع قرب بلدة طوز خورماتو، التي تبعد نحو 175 كيلومتراً إلى الشمال من العاصمة بغداد، عن إصابة اثنين بجروح خطيرة، وفقاً لوكالة «رويترز». وأعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن الهجوم. وقالت «وكالة أعماق» التابعة للتنظيم إن ضابطين كبيرين وجندياً قُتلوا وأصيب 3 آخرون.

وهُزم تنظيم «داعش» في عام 2017 بعد استيلائه على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، لكن عناصر تابعة له تواصل شنّ هجمات كرّ وفرّ على القوات الحكومية.