تحذيرات من تصفية لبنان سياسياً بتمدد الشغور في إدارات الدولة

مع تزايد المخاوف من تعطيل انتخاب الرئيس

لا تزال الكتل النيابية في البرلمان اللبناني عاجزة بتوازناتها الحالية عن انتخاب رئيس للجمهورية (أرشيفية - رويترز)
لا تزال الكتل النيابية في البرلمان اللبناني عاجزة بتوازناتها الحالية عن انتخاب رئيس للجمهورية (أرشيفية - رويترز)
TT

تحذيرات من تصفية لبنان سياسياً بتمدد الشغور في إدارات الدولة

لا تزال الكتل النيابية في البرلمان اللبناني عاجزة بتوازناتها الحالية عن انتخاب رئيس للجمهورية (أرشيفية - رويترز)
لا تزال الكتل النيابية في البرلمان اللبناني عاجزة بتوازناتها الحالية عن انتخاب رئيس للجمهورية (أرشيفية - رويترز)

يطرح انسداد الأفق السياسي أمام انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، مع سقوط المبادرات الواحدة تلو الأخرى لإنهاء الشغور الرئاسي، أكثر من سؤال في ظل تعذر التوصل إلى وقف للنار في غزة الذي يفترض أن يتمدد حكماً إلى الجنوب.

فكيف في هذه الحال يمكن التعايش مع الاضطراب السياسي والأمني؟ وهل لدى حكومة تصريف الأعمال من خطة لخفض منسوب الأضرار التي يمكن أن تلحق بلبنان ككل؟ ليس لقطع الطريق على المحاولات الرامية لتصفيته سياسياً بتجديد الدعوات للفيدرالية أو لإيجاد صيغة جديدة للنظام اللبناني غير تلك القائمة حالياً، كما يقول الوزير السابق رشيد درباس لـ«الشرق الأوسط»، وإنما أيضاً لارتفاع منسوب المخاوف من انحلال الدولة بتمدد الشغور، الذي أصبح على الأبواب، ليشمل أعلى المناصب من إدارية وأمنية وقضائية ولن يكون في وسع حكومة مستقيلة إصدار تعيينات لملء الفراغ المترتب على هذا الشغور الذي يؤدي إلى شلل في المفاصل الأساسية في الدولة.

تدحرج لبنان

فالسؤال ما العمل لوقف تدحرج لبنان نحو المجهول يشمل بشكل أساسي «حزب الله» لامتلاكه فائض القوة التي سمحت له بالتفرد بقراره بمساندة «حماس» في تصديها للاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة من دون التشاور مع القوى السياسية أو العودة إلى الدولة وحدها صاحبة القرار في السلم والحرب، وهذا ما يشكل إحراجاً لها أمام المجتمع الدولي الذي يسجّل على الحكومة تنازلها عن صلاحياتها، وإن كان يضغط على إسرائيل لمنعها من توسعة الحرب لتشمل جنوب لبنان.

حتى أن قرار «حزب الله» عدم ربط انتخاب رئيس للجمهورية بوقف النار في غزة وانسحابه على جنوب لبنان لا يزال عالقاً على خشبة تبادل الشروط بين محور الممانعة وقوى المعارضة، ما أدى إلى تعطيل انتخابه الذي لا يعود إلى الخلاف حول التشاور بمقدار ما أن مصدره يتعلق بعدم جهوزية الأطراف الرئيسية في البرلمان للإفراج عن الاستحقاق الرئاسي ما لم يتوضح مصير الجهود الدولية للتوصل لوقف النار على الجبهة الغزاوية ليكون في وسعها بأن تبني على الشيء مقتضاه في ظل تقديرها بأن المنطقة مقبلة على ترتيبات سياسية يمكن أن تشمل لبنان.

وفي هذا السياق، يقول مصدر سياسي بارز بأنه آن الأوان لتبادر القوى الناخبة الرئيسية في البرلمان بأن تعترف بلا مواربة بعجزها عن إنضاج الظروف السياسية المحلية لإخراج الاستحقاق الرئاسي من الدوران في حلقة مفرغة، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنه من غير الجائز رمي مسؤولية التعطيل على سفراء اللجنة «الخماسية» الذين لن يسمحوا لأنفسهم بانتخاب الرئيس بالإنابة عنهم، وكانوا أعلنوا مع بدء تحركهم أنهم يشكلون قوة دعم وإسناد للكتل النيابية لتسهيل انتخاب الرئيس، وهذا ما التزم به أيضاً الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بعد أن بادرت باريس إلى سحب مبادرتها من التداول.

تواصل الضغوط

ويلفت المصدر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تواصل الضغوط الدولية والعربية لوقف النار في غزة وانسحابه على جنوب لبنان لا يعني أن الطريق سالكة سياسياً أمام انتخاب الرئيس ما لم تبادر الأطراف المعنية إلى تقديم التسهيلات المطلوبة لتأمين انتخابه، انطلاقاً من ترجيح الخيار الرئاسي الثالث على سواه من الخيارات، وهذا ما توصلت إليه اللجنة «الخماسية» ومعها لودريان، وإن كان سفراء الدول الأعضاء فيها بادروا إلى تأييد المبادرات لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم لعلها تفتح الباب لتسهيل انتخابه.

ويرى أن تعطيل انتخاب الرئيس لا يتعلق بالخلاف الدائر حول دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري للتشاور، ويقول بأن الخلاف في هذا الشأن يبقى في الشكل بخلاف المضمون في ظل إصرار كل فريق لإيصال مرشحه إلى سدة الرئاسة الأولى، مع أن «اللقاء الديمقراطي» بتحركه طرح صيغة وسطية تقضي بضرورة التوصل إلى تسوية رئاسية يُفترض، في حال تبنيها، أن تعفي الفريقين المتخاصمين من الإحراج.

الموفد الأميركي آموس هوكستين في لقاء سابق مع رئيس البرلمان نبيه بري في بيروت (أرشيفية - رئاسة البرلمان اللبناني)

ويؤكد المصدر نفسه أن كل فريق يتمسك حالياً بمرشحه، سواء بالنسبة لمحور الممانعة بدعمه رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية أو المعارضة التي تقاطعت مع «اللقاء الديمقراطي» و«التيار الوطني» على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، من دون أن تقفل الأبواب أمام البحث عن رئيس توافقي، بخلاف «حزب الله» الذي يتمسك بترشيح فرنجية بذريعة أنه الأقدر على توفير الضمانات له، فيما يبدي حليفه بري مرونة باقتراحه، إما بالتوافق على اسم الرئيس، أو الذهاب إلى جلسة الانتخاب بثلاثة مرشحين أو أكثر ويُترك القرار للنواب.

تفكيك الدولة

فاستمرار الخلاف حول الرئيس سيقحم لبنان، بخلاف إرادة اللبنانيين، في مرحلة من التصفية السياسية، كما يقول الوزير درباس، محذراً من تفكيك الدولة ليشمل الشغور من هم على رأس المراكز الأساسية التي تدير شؤون البلد، داعياً لتدارك انهيارها قبل فوات الأوان الذي يمكن أن يوقفه عدم وجود «المايسترو» الذي يتولى الإشراف على تصفيتها في ظل وجود حكومة مستقيلة تتولى تصريف الأعمال.

لذلك تقع المسؤولية على «حزب الله» في إطالته أمد الشغور الرئاسي، وهذا يتطلب منه تقديم التسهيلات لانتخابه بالتوصل إلى تسوية رئاسية، لأنه وحده يملك ما يعطيه للرئيس العتيد، بخلاف خصومه الذين لا يملكون ما يقدمونه سوى ملاقاته في منتصف الطريق لإنجاز الاستحقاق خوفاً من الدخول في مرحلة تقتصر على إدارة شؤون الدولة بالوكالة، خصوصاً أن تفرده بقرار مساندته لـ«حماس» قوبل بمعارضة لبنانية أفقدته الدعم المطلوب محلياً ودولياً وإقليمياً، بخلاف حملات التضامن مع غزة.

فهل يعيد «حزب الله» النظر في موقفه بالالتفات للداخل، باعتماده التوقيت اللبناني لا الإيراني، بالمفهوم السياسي للكلمة، في مقاربته لانتخاب الرئيس كونه المعبر الإلزامي لإعادة تكوين السلطة لئلا يربط مقاربته الرئاسية من زاوية إقليمية، وتحديداً بما يتيح لحليفته إيران تعزيز دورها في الشرق الأوسط، بغية تحسين شروطها في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأميركية التي لم تنقطع بتأكيد وزير خارجيتها بالإنابة علي باقري كني، بأنها ما زالت مفتوحة.


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يعلن شن هجوم بمسيّرات على قاعدة أسدود البحرية للمرة الأولى

المشرق العربي ضابط شرطة يسير في مكان سقوط المقذوف بعد أن أبلغ الجيش الإسرائيلي عن وابل من المقذوفات التي تعبر إلى إسرائيل من لبنان في معالوت ترشيحا بشمال إسرائيل (رويترز)

«حزب الله» يعلن شن هجوم بمسيّرات على قاعدة أسدود البحرية للمرة الأولى

أعلن «حزب الله» اللبناني، في بيان، الأحد، أنه شن هجوماً بطائرات مسيَّرة على قاعدة أسدود البحرية في جنوب إسرائيل للمرة الأولى.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عمال إنقاذ ينقلون جثة أحد الضحايا من موقع غارة إسرائيلية استهدفت وسط بيروت (ا.ب)

ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان إلى 3670 قتيلاً

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، أن حصيلة الضحايا جراء الغارات الإسرائيلية المستمرة على مناطق مختلفة في البلاد ارتفعت إلى 3670 قتيلاً، و15413 مصاباً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال اجتماع سابق مع مسؤولين إسرائيليين (أ.ب)

وزير الدفاع الأميركي يشدد على التزام بلاده «حلاً دبلوماسياً في لبنان»

كرر وزير الدفاع الأميركي، السبت، التزام بلاده التوصل إلى حل دبلوماسي في لبنان، وذلك خلال اتصال مع نظيره الإسرائيلي الذي أكد تواصل التحرك «بحزم» ضد «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي عناصر الدفاع المدني يبحثون عن ضحايا بعد قصف إسرائيلي على مدينة بعلبك في 14 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 24 وإصابة 45 في غارات إسرائيلية على بعلبك الهرمل

أفادت وزارة الصحة اللبنانية اليوم (السبت)، بأن الغارات الإسرائيلية على بعلبك الهرمل اليوم، قتلت 24 وأصابت 45 آخرين في حصيلة غير نهائية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)

شبح هجوم إسرائيلي يخيّم على بغداد

أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
TT

شبح هجوم إسرائيلي يخيّم على بغداد

أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

يخيّم شبح هجوم إسرائيلي واسع على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شن ضربات جوية على البلاد.

وقال مصدر مقرب من «الإطار التنسيقي»، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات».

وأكَّد المصدر، أنَّ «فصائل عراقية مسلحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد استبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

إلى ذلك، نقلت مصادر صحافية ما وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» عن إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي».

بدورها، شددت الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

وقال الخبير غازي فيصل، إن رسالة الخارجية، بمثابة «دبلوماسية وقائية»، تريد من خلالها تجنيب البلاد ضربة إسرائيلية محتملة.