أكراد القامشلي: التقارب التركي السوري غرضه «منع قيام كيان كردي»

يرون أن الخاسر الأكبر هو «الإدارة الذاتية» و«قسد»

حمل كثير من المحال والمتاجر في مدينة القامشلي أسماء كردية منذ سيطرة الإدارة الذاتية (الشرق الأوسط)
حمل كثير من المحال والمتاجر في مدينة القامشلي أسماء كردية منذ سيطرة الإدارة الذاتية (الشرق الأوسط)
TT

أكراد القامشلي: التقارب التركي السوري غرضه «منع قيام كيان كردي»

حمل كثير من المحال والمتاجر في مدينة القامشلي أسماء كردية منذ سيطرة الإدارة الذاتية (الشرق الأوسط)
حمل كثير من المحال والمتاجر في مدينة القامشلي أسماء كردية منذ سيطرة الإدارة الذاتية (الشرق الأوسط)

بات موضوع التطبيع بين تركيا وسوريا الأكثر تفاعلاً سياسياً وشعبياً على الساحة الكردية في سوريا حالياً. وعلى الرغم من تباين مواقف سكان هذه المناطق الحدودية لمساري التقارب، يتفق كثيرون أن الخاسر الأكبر من هذه العملية هو «الإدارة الذاتية»، وجناحها العسكرية «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد).

بعد عقود من الحرمان والتهميش، تصاعد نفوذ الأكراد في السنوات الأخيرة، في مناطق يشكلون فيها أغلبية سكانية شمال شرقي البلاد، خصوصاً بعد انسحاب قوات النظام السوري منها نهاية عام 2012، ليتمكن حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، من بناء إدارات ذاتية وتأسيس قوات عسكرية وأجهزة أمنية، إلى جانب إنشاء مؤسسات خدمية عامة وإعادة إحياء اللغة الأم وتدريس المنهج الكردي بمدارسهم.

لكن مع استمرار التهديدات التركية والتقارب بين أنقرة ودمشق، يشعر سكان هذه المناطق بالقلق على مستقبل هذه الإدارة ومناطق سيطرتها.

أوراق أنقرة ودمشق

عدنان أوسي (54 سنة) المتحدر من مدينة القامشلي، التابعة لمحافظة الحسكة، يرى أن أي تقارب بين تركيا مع سوريا سيكون له تأثير سلبي على أكراد سوريا، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن تركيا لا تريد قيام كيان كردي بسوريا، وكذلك الحكومة السورية، رغم خلافاتها مع تركيا، لكنها تتفق معها في هذه النقطة. أنقرة لديها استعداد للتنازل عن ورقة المعارضة (السورية)، مقابل أن تتنازل دمشق عن الإدارة الذاتية».

حمل كثير من المحال والمتاجر في مدينة القامشلي أسماء كردية منذ سيطرة الإدارة الذاتية (الشرق الأوسط)

ويخشى عدنان وكثير من أكراد سوريا من عودة قبضة النظام إلى سابق عهدها، قبل عام 2011، وهذا الخوف نابع من عدم وجود اعتراف رسمي بوجود قومية كردية أو حقوقها. ويتابع: «إذا عادت دوائر السلطة لشمال شرقي البلاد، ستكون كسابقاتها لا تعترف بالأكراد، وستنعكس هذه العملية بشكل سلبي كبير علينا»، بحسب أوسي.

متسوقون في سوق القامشلي بالحسكة شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

وتحولت عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق إلى حديث الساعة عند سكان هذه المناطق الحدودية مع تركيا، حيث يترقب الجميع بحذر ما يعدّونه مقدمة محتملة لهجمات عسكرية واسعة النطاق ضد مناطق شمال شرقي سوريا، على غرار العمليات العسكرية التركية التي نفّذتها أنقرة في سوريا خلال السنوات السابقة في مدينة عفرين بريف حلب (مارس 2018)، ومدينتي تل أبيض بالرقة ورأس العين (سري كانيه) بالحسكة (أكتوبر 2019).

الصيدلانية ميديا محمود (الشرق الأوسط)

وترى الصيدلانية، ميديا محمود، أن تركيا هي الساعي الأول نحو هذا الاتفاق لتصدير أزماتها الداخلية، «حتى تتخلص من أزمتها الاقتصادية الداخلية المتدهورة، والتعاطي مع التذمر الشعبي من وجود اللاجئين السوريين وانخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي».

ولا تستبعد محمود توصل أنقرة ودمشق إلى اتفاقات قد تحدد مصير أكراد سوريا في هذا البلد المنقسم بين قوى عسكرية متعددة، «إذا تم هذا الاتفاق ستترك الأمور في المناطق الكردية للحكومة السورية، وتبقى الأمور رهناً للاتفاق بين (الإدارة الذاتية) والنظام السوري»، منوهة بأن العملية برمّتها يلفّها الغموض.

وتضيف: «إذا كان هذا التقارب بإرادة فردية من قبل الدولتين، ودفع من العراب الروسي، فلا أظن أنه سيكتب له النجاح، لكن إذا كانت هناك إرادة دولية تدعمه، فستكون الخطوة الأولى لحلّ سوري شامل».

الوجود الأميركي... عامل حاسم

على الرغم من الجهود التركية المتواصلة لإنجاح عملية التطبيع مع سوريا بدعم روسي ووساطة عراقية، لا تزال هناك تحديات كبيرة تعترض طريق التقارب بين البلدين، أهمّها الوجود الأميركي بشمال شرقي سوريا، كما يقول ميران، وهو ناشط سياسي في «حزب الاتحاد الديمقراطي» السوري، أحد أبرز الجهات السياسية الفاعلة داخل الإدارة الذاتية.

غيّرت «الإدارة الذاتية» كثيراً من أسماء الساحات والميادين العامة بمدينة القامشلي إلى أسماء مقاتلين سقطوا في حروب ضد «داعش» (الشرق الأوسط)

ويرى الناشط الكردي أنه «رغم كل تعقيدات حسابات التقارب التركي - السوري، فإن نجاح العملية برمتها مرتبط بالوجود العسكري الأميركي في المنطقة، الذي يعدّ العامل الحاسم في تحديد مستقبل سوريا».

في سياق متصل، يرى متابعون للشأن السوري أن دعوات التطبيع ستذهب إلى عقد جولات من اللقاء بين البلدين (تركيا وسوريا) خلال الأيام المقبلة.

الصحافي الكردي السوري هوشنك حسن (الشرق الأوسط)

ويقول الصحافي الكردي، هوشنك حسن، إن هذه اللقاءات ستكون لها تداعيات على الوضع بشمال وشرق سوريا: «هناك قلق مبرر لدى سلطات (الإدارة) وتشكيلاتها السياسية، وكذلك بالنسبة للشارع، نظراً لأن تركيا شنّت سلسلة هجمات على مناطق الإدارة، وتهدد بشن المزيد».

ويشدّد حسن على أن أي تنسيق بين دمشق وأنقرة، ضد «الإدارة الذاتية» وقوات «قسد»، «ستكون له بلا شك تبعات كارثية على المنطقة». مستبعداً قيام تركيا بشنّ عملية عسكرية برية ضد مناطق الإدارة، «تركيا لم تحصل بعد على الضوء الأخضر من أميركا، شريكة (قسد) في محاربة (داعش). ولا أرى أي مصلحة لدمشق بالعداء مع الإدارة وقواتها العسكرية بسوريا»، على حد تعبيره.

جدارية وسط مدينة القامشلي ذات الأغلبية الكردية (الشرق الأوسط)

وكانت تركيا قد طالبت مراراً الولايات المتحدة بمنع إجراء الانتخابات المحلية في مناطق نفوذ «الإدارة الذاتية» بعد إعلان الأخيرة تأجيلها إلى شهر أغسطس (آب) المقبل، بينما جدّد مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش، دعوته لعدم تنظيم هذه الانتخابات.

ونشرت السفارة الأميركية بدمشق، على حسابها بمنصة «إكس»، الاثنين الماضي: «الذي يقلقنا الآن هو الحديث عن إجراء انتخابات في شمال شرقي سوريا، ولا نعتقد أن الظروف مهيأة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة».

ويخشى أكراد سوريا من تبعات التقارب التركي السوري بعد سنوات من العداء والقطيعة، ما قد يهدد مكاسبهم، وكذلك الحكم الذاتي التي تتمتع بها مناطقهم.

خالد أمين تاجر أقمشة وسط الحي التجاري بمدينة القامشلي (الشرق الأوسط)

ويرى خالد آمين، وهو تاجر أقمشة يمتلك معرضاً وسط الحي التجاري بمدينة القامشلي، أن تركيا لا تصنع السياسات، بل تتعامل مع المعطيات بحسب مصالحها الإقليمية. لافتاً إلى «ترديد إردوغان أن التطبيع هو لمصلحة الشعب التركي، فأين كانت مصلحة تركيا بالدخول في الحرب بسوريا؟ وأين كانت مصلحة الشعب التركي عند إراقة الدماء السورية؟». وختم كلامه قائلاً: «أنقرة لا تصنع السياسات، بل تتعامل مع ردات الفعل، روسيا تبحث عن شريك أقوى هو تركيا، ودمشق تريد علاقة حسن الجوار معها».


مقالات ذات صلة

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي دخان الغارات في تدمر (متداولة)

ارتفاع حصيلة الغارات الإسرائيلية على تدمر إلى 79 قتيلاً موالياً لإيران

طائرات إسرائيلية استهدفت ثلاثة مواقع في تدمر، من بينها موقع اجتماع لفصائل إيرانية مع قياديين من حركة «النجباء» العراقية وقيادي من «حزب الله» اللبناني.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مؤتمر صحافي في ختام مشاركته بقمة الـ20 بالبرازيل ليل الثلاثاء - الأربعاء (الرئاسة التركية)

تركيا تؤكد استعدادها لمرحلة «ما بعد أميركا في سوريا»

أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن تركيا مستعدة للوضع الجديد الذي سيخلقه الانسحاب الأميركي من سوريا، وعازمة على جعل قضية الإرهاب هناك شيئاً من الماضي.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية صورة جوية للقصف التركي على مواقع «قسد» في شمال سوريا (وزارة الدفاع التركية)

تركيا تصعد هجماتها على «قسد» شمال وشرق سوريا

واصلت القوات التركية تصعيد ضرباتها لمواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال وشرق سوريا، وسط حديث متصاعد في أنقرة عن احتمالات القيام بعملية عسكرية جديدة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».