التحرك الذي تقوده قوى المعارضة في البرلمان اللبناني لتسويق خريطة الطريق التي رسمتها لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم بانتخاب رئيس للجمهورية، لن يحقق الأهداف المرجوة منه بإعادة خلط الأوراق، وصولاً إلى تبني الأكثرية النيابية لاقتراحيها لإحداث خرق يسهل انتخابه، بمقدار ما أنه سيلتحق بما سبقه من المبادرات التي حظيت بمباركة سفراء اللجنة «الخماسية»، لعلها تسهم في تسهيل الانتخاب، وهذا ما أبلغته اللجنة أثناء استقبالها وفد المعارضة.
ولعل السبب يكمن في أن الظروف المحلية والخارجية ليست ناضجة للآن لوضع انتخاب الرئيس على نار حامية، وتبقى عالقة على الجهود الدولية والعربية للتوصل إلى وقف النار على الجبهة الغزاوية وانسحابه على جنوب لبنان، رغم أن الكتل النيابية تُجمع على تأييدها للحوار، وإن كان لكل منها طريقته في الترويج له.
«الخماسية» تنتظر خرقاً
وتبقى الاستراحة القسرية التي أعطتها لجنة سفراء «الخماسية» لنفسها بمثابة الدليل القاطع، على الأقل في المدى المنظور، على أن هناك صعوبة في إخراج انتخاب الرئيس من ثلاجة الانتظار، وهي تترقب حالياً إمكانية إحداث خرق لتعاود تشغيل محركاتها، وربما مع حلول الشهر المقبل، الذي تنظر إليه مصادر دبلوماسية غربية على أنه يشكل محطة لتزخيم الاتصالات لفك أسر انتخاب الرئيس من الحصار الذي يمنع انتخابه، وتتعاطى معه، كما تقول لـ«الشرق الأوسط»، على أنه يمنح فرصة للنواب، قد تكون الأخيرة، لتهيئة الظروف لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وإلا سيطول أمد الفراغ في سدة الرئاسة الأولى إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
فوفد المعارضة المكلف لقاء الكتل النيابية والنواب المستقلين، يحرص على الوقوف على رأيهم من خريطة الطريق التي أعدتها لإزالة العقبات التي تؤخر انتخاب الرئيس، ويتولى تدوين ما لديهم من ملاحظات من دون أن يجيب عليها، ربما إلى ما بعد الانتهاء من لقاءاته التي يُفترض أن تشمل كتلة نواب «التنمية والتحرير» برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في حال أبدى بري رغبة في التواصل مع الوفد، بصرف النظر عن ارتفاع وتيرة تبادل الحملات السياسية بينه وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وهذا ما أكده مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً أن تصاعد الخلاف بينهما حول منْ يدعو للتشاور أو الحوار لن يمنع التواصل المباشر، حتى لو اقتصر اللقاء على تبادل الرأي من موقع الاختلاف.
لا أسماء لمرشحين
وبدا واضحاً أن وفد المعارضة يتجنّب الدخول في أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية، وهذا ما لمسته الكتل النيابية التي التقته حتى الساعة، وتردد أن السبب يكمن في أن المعارضة ما زالت على تقاطعها مع «التيار الوطني الحر» بدعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، ما دام محور الممانعة باقياً على ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية؛ وهذا ما يقطع الطريق للتوافق على تسوية أساسها التفاهم على مرشح يقف على مسافة واحدة من الجميع.
لكن النتائج الأولية للقاءات المعارضة، وإن كانت تتوخى من مبادرتها تبرئة ذمتها من التعطيل وإلصاقها بمحور الممانعة، فإنها تكمن في اتساع رقعة تباينها مع «اللقاء الديمقراطي» الذي لم يلمس أي جديد في مبادرتها، كما قال عضو «اللقاء» النائب وائل أبو فاعور، داعياً الأطراف إلى مزيد من المرونة للوصول إلى حل.
نصيحة «اللقاء الديمقراطي»
وعلمت «الشرق الأوسط» أن وفد «اللقاء الديمقراطي» شدّد على وقف تقاذف المسؤوليات وتبادل التهم المؤدية إلأى تعميق الهوة بين الأطراف، ناصحاً بالتواصل مع بري لإنتاج تسوية تقود لانتخاب الرئيس، وهذا ما نصحت به أيضاً كتل «التيار الوطني الحر» و«الاعتدال» و«لبنان الجديد»، على رغم تعاطيها بإيجابية مع المبادرة.
وينطلق وفد «اللقاء الديمقراطي» بدعوته المعارضة إلى التواصل مع بري من أن التسوية الرئاسية تبقى مستحيلة من دونه، في ظل انقطاع المعارضة عن التواصل مع «حزب الله» الذي كان فوّض حليفه باتخاذ ما يراه مناسباً في الملف الرئاسي، والموقف نفسه يسري على «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»؛ إذ من دون أحدهما لا يتأمن النصاب السياسي لانتخاب الرئيس.
ويرى «اللقاء الديمقراطي» أن لا ضرورة للصدام مع بري، وأن القفز فوق دوره يعطل انتخاب الرئيس، ويؤكد أن الهدف الأسمى هو الوصول إلى تسوية رئاسية، ومن غير الجائز التذرُّع بفرض أعراف جديدة، سيما وأن قائد الجيش في حينه، العماد ميشال سليمان، انتُخب رئيساً بإجماع نيابي، من دون تعديل النص الوارد في الدستور الذي يشترط عليه الاستقالة قبل فترة زمنية من ترشحه، كما قال عضو «اللقاء» هادي أبو الحسن في مداخلته أمام وفد المعارضة، مضيفاً أن الضرورة استدعت انتخابه، مثلما تستدعي اليوم الترفُّع عن السجالات لمصلحة إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
تجاوز شكليات الحوار
لذلك؛ كان بري «الغائب الحاضر» في لقاءات المعارضة، وهذا ما حرص عليه نواب تكتل «لبنان القوي» على الامتناع عن التعليق عليه، وتركوا الموقف للمجلس السياسي لـ«التيار الوطني الحر» الذي أبدى تجاوبه مع اقتراحي المعارضة، داعياً في الوقت نفسه إلى تجاوز الشكليات وعدم اعتبار أي صيغة تشاورية عرفاً دستورياً جديداً في حال كانت نتيجتها مضمونة بإجراء الانتخاب.
فرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل يوازن بين تجاوبه مع مقترحي المعارضة وبين حرصه على تفعيل علاقته ببري، التي تمر حالياً في «شهر عسل» بخلاف الحقبة الزمنية السابقة التي طغى عليها كباش سياسي غير مسبوق.
وعليه، فإن النواب المنتمين إلى المحور الوسطي، ومعهم نواب كتلتي «اللقاء الديمقراطي» و«التيار الوطني الحر،» وإن كانوا يبدون إيجابية في تعاطيهم مع مبادرة المعارضة، فإنهم يصرّون على ألّا تكون على حساب علاقتهم ببري، في حين أن عدداً من النواب المنتمين إلى «قوى التغيير» من خارج المعارضة، وعلى رأسهم ملحم خلف وإبراهيم منيمنة وبولا يعقوبيان وفراس حمدان، يميلون إلى تبني مبادرتها.
فكيف ستتصرف المعارضة في ختام لقاءاتها النيابية؟ وهل ستتمكن من إعادة خلط الأوراق، في ظل أن مَنْ تقاطعت معهم على ترشيح أزعور ليسوا في وارد الانخراط فيها؛ كونهم في غنى عن الدخول في مواجهة مجانية مع بري، ويحرصون على التواصل معه؟