تتسارع وتيرة التطورات السياسية والدبلوماسية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على نحو قد يأخذ هذا الصراع إلى وجهة غير مسبوقة، بعد إعلان دول أوروبية نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية.
سبق ذلك القرار بقليل تقدمُ المحكمة الجنائية الدولية بطلب لإصدار أوامر توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، وقيادات في حركة «حماس»، على خلفية الحرب الدائرة في قطاع غزة الفلسطيني، منذ أكثر من 7 أشهر.
وفي وقت سابق، اليوم (الأربعاء)، أعلنت النرويج وآيرلندا وإسبانيا قرارات بالاعتراف بالدولة الفلسطينية رسمياً تدخل حيز التنفيذ في 28 مايو (أيار) الحالي، وهو الأمر الذي لقي ترحيباً فلسطينياً وعربياً، لكنه أغضب إسرائيل على نحو يُنذر بحرب سياسية ودبلوماسية لا يُعرف كيف ستكون خاتمتها.
وقال رئيس الوزراء النرويجي يوناس غار ستوره في بيان إنه «في خضم الحرب التي أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف، يجب علينا أن نُبقي على البديل الوحيد الذي يقدم حلاً سياسياً للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، ألا وهو دولتان تعيشان جنباً إلى جنب، في سلام وأمن».
وشدد بيان الحكومة النرويجية على أن ترسيم الحدود بين فلسطين وإسرائيل يجب أن يستند إلى حدود ما قبل عام 1967، على أن تكون القدس عاصمة لكلَيْهما. وعدّ وزير خارجية النرويج إسبن بارث ايدي أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يأتي دعماً للعمل نحو وضع خطة شاملة للسلام الإقليمي في هذا «المنعطف الحرج».
أما وزير الخارجية الآيرلندي مايكل مارتن، فقال، عبر منصة «إكس»: «اليوم نُعلن بوضوح دعمنا الواضح للحق المتساوي في الأمن والكرامة وتقرير المصير للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي... نحن على قناعة بأن حل الدولتين يظل الخيار الوحيد الممكن لضمان سلام عادل ودائم يكفل هذه الحقوق للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء».
كما أعلن رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز أمام البرلمان اعتراف بلاده رسمياً بدولة فلسطين، اعتباراً من الثلاثاء المقبل، قبل أن تضج القاعة بالتصفيق لهذا الإعلان، الذي حظي أيضاً، وعلى الفور، بترحيب من جانب الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة «حماس» وجامعة الدول العربية والمملكة العربية السعودية.
غضب إسرائيلي
في المقابل، رفضت إسرائيل القرارات، وقررت استدعاء سفرائها من كل من النرويج وآيرلندا وإسبانيا للتشاور، فضلاً عن استدعاء سفراء الدول الثلاث لديها للتوبيخ.
كما أفادت «إذاعة الجيش الإسرائيلي» بأن غالانت أعلن إلغاء قانون فك الارتباط بالكامل في شمال الضفة الغربية، وهو ما يعني إعادة المستوطنات التي جرى تفكيكها، في عام 2005 شمال الضفة.
وقال غالانت: «بعد إقرار قانون إلغاء الانفصال في (الكنيست)، تمكنا من استكمال الخطوة التاريخية... السيطرة اليهودية على يهودا والسامرة (الضفة الغربية) تضمن الأمن. وتطبيق قانون فك الارتباط سيؤدي إلى تطوير المستوطنات وتوفير الأمن لسكان المنطقة».
أيضاً، أفاد بيان لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش اليوم بأنه تقدم بطلب إلى نتنياهو لوقف تحويل أموال المقاصة الفلسطينية للنرويج، وطالب بسلسلة خطوات فورية بعد إعلان الدول الأوروبية الثلاث عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
كما دعا سموتريتش إلى عقد اجتماع فوري لمجلس التخطيط الاستيطاني في الضفة للمصادقة على 10 آلاف وحدة سكنية في المنطقة المصنفة E1. وطالب بإقامة 3 مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، قائلاً: «أبلغكم أنني وجهتُ مديرية الاستيطان بإعداد نص قرار بشأن 3 مستوطنات استراتيجية، وأطالب بالموافقة عليه في أقرب وقت».
وقال سموتريتش: «هناك قرار آخر سيُعرض على مجلس الوزراء غداً بشأن إلغاء المخطط النرويجي الذي أقره مجلس الوزراء قبل بضعة أشهر. كانت النرويج أول مَن اعترف اليوم بالدولة الفلسطينية من جانب واحد، ولا يمكنها أن تكون شريكاً في أي شيء يتعلق بالضفة الغربية. أنوي التوقف عن تحويل الأموال إليها والمطالبة بإعادة جميع الأموال المحولة».
في الوقت ذاته، قرر سموتريتش وقف تحويل أي أموال للسلطة الفلسطينية حتى إشعار آخر، ودعا إلى إلغاء جميع تصاريح الدخول إلى إسرائيل لكبار الشخصيات لمسؤولي السلطة الفلسطينية بشكل دائم، وفرض عقوبات مالية إضافية على مسؤولي السلطة الفلسطينية وعائلاتهم.
وقال شهود عيان لوكالة «أنباء العالم العربي»، إن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير اقتحم المسجد الأقصى مع عدد من مرافقيه بُعيد إعلان النرويج وآيرلندا وإسبانيا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في حين فرضت الشرطة الإسرائيلية طوقاً أمنياً في المكان.
وخلال اقتحامه الأقصى، قال بن غفير إن الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية «تُعطي مكافأة» للقتلة، وفقاً لمقطع فيديو نُشر عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإسرائيلية.
كما دعا إلى «إبادة» حركة «حماس» بشكل كامل.
وأشار موقع «واي نت» الإسرائيلي إلى أن هذه المرة الأولى التي يزور فيها بن غفير الحرم القدسي منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
ماذا بعد؟
وبينما ينظر الفلسطينيون بإيجابية إلى هذه التطورات، علها تكون خطوات فعالة باتجاه إقامة دولة فلسطينية حقيقية، يرى الإسرائيليون أنها لا يُمكن أن تُساند إقامة دولة فلسطينية، بل ستؤدي إلى تعنُّت وإصرار على تعزيز الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية التي يطالب الفلسطينيون بأن تكون عاصمة لدولتهم.
ووصف أمين سر اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، حسين الشيخ، في بيان إعلانات الدول الأوروبية الثلاث المتزامنة بأنها «لحظات تاريخية ينتصر فيها العالم الحر للحق والعدل بعد عقود طويلة من الكفاح الوطني الفلسطيني والمعاناة والألم والاحتلال والعنصرية والقتل والبطش والتنكيل والتدمير الذي تعرض له شعب فلسطين».
ودعا عضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني بقية الدول الأوروبية إلى السير على نهج النرويج وآيرلندا وإسبانيا.
وقال في تصريح لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن الخطوة الثلاثية تُعزز فرص تحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية التي تعمل إسرائيل على تدميرها، معبراً عن أمله في أن تمهد الخطوة الجديدة الطريق أمام حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
لكن وزارة الخارجية الإسرائيلية شنت هجوماً على الدول الأوروبية الثلاث. وقالت في بيان قبيل إعلان إسبانيا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين إن آيرلندا والنرويج «تعتزمان إرسال رسالة اليوم إلى الفلسطينيين والعالم أجمع بأن الإرهاب يؤتي ثماره».
ووصفت الخارجية الإسرائيلية ما حدث بأنه «خطوة ملتوية اتخذتها هذه الدول، وتُعدّ ظلماً لذكرى ضحايا السابع من أكتوبر؛ كما أنها تشكل ضرراً للجهود الرامية إلى المختطفين الإسرائيليين (في قطاع غزة)، فهو بمثابة رياح عكسية للمتطرفين من (حماس) وإيران، مما يُبعد فرصة السلام ويقوض حق إسرائيل في الدفاع عن النفس».
أضافت: «الخطوة المتسرعة التي اتخذتها الدولتان ستكون لها عواقب وخيمة أخرى. وإذا أصرَّت إسبانيا على نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فستكون خطوة مماثلة، فالحماقة الآيرلندية النرويجية لن تردعنا».
ويرى مدير مركز «يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية»، سليمان بشارات، أن التطورات السياسية والدبلوماسية التي تشهدها القضية الفلسطينية، بدءاً من القضايا المنظورة أمام محكمتَي العدل والجنائية الدوليتين، ووصولاً إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية من 3 دول أوروبية ذات وزن سياسي «يضع إسرائيل بمأزق في ظل حكومة يمينية متخبطة».
وقال بشارات في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن «إسرائيل عملت على مدار عقود على حصر القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة كراعٍ وحيد لعملية السلام... هذه الخطوة كسرت التفرد الأميركي. وبالتالي، فإن إسرائيل حالياً في ورطة، وربما لا تعرف بعد تبعات التطورات السياسية على الساحة الدولية فيما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية».
ووصف بشارات ردود الفعل الإسرائيلية بأنها «تصرفات غير مسؤولة لا تدرك (إسرائيل) تبعاتها بعد».