مفوضية اللاجئين لـ«الشرق الأوسط»: لا مؤامرة دولية لإبقاء اللاجئين في لبنان

ممثلها أكد أن الحل بتهيئة ظروف العودة داخل سوريا

ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إيفو فرايسن (مفوضية شؤون اللاجئين)
ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إيفو فرايسن (مفوضية شؤون اللاجئين)
TT

مفوضية اللاجئين لـ«الشرق الأوسط»: لا مؤامرة دولية لإبقاء اللاجئين في لبنان

ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إيفو فرايسن (مفوضية شؤون اللاجئين)
ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إيفو فرايسن (مفوضية شؤون اللاجئين)

تتعاظم التحديات التي تواجهها مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان، مع تصاعد الدعوات الرسمية لإعادة أكثر من مليوني سوري موزعين على معظم المناطق اللبنانية إلى بلدهم، وكذلك مع ازدياد الشرخ بين المجتمعين السوري اللاجئ واللبناني المضيف، نظراً للأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي يعاني منها لبنان، والتنافس على فرص العمل.

ولم يلاقِ قسم كبير من اللبنانيين إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، عن دعم أوروبي بقيمة مليار دولار، بكثير من الحماسة، بل أعربوا عن الخشية من أن يكون هذا المبلغ بمثابة «رشوة» لإبقاء اللاجئين السوريين في لبنان.

وتعول السلطات اللبنانية على أن يسفر مؤتمر بروكسل الثامن لـ«دعم مستقبل سوريا والمنطقة» الذي يعقده الاتحاد الأوروبي في 27 مايو (أيار) الحالي عن اتخاذ إجراءات تسرّع عودة اللاجئين إلى ديارهم.

لا مؤامرة دولية لإبقاء اللاجئين في لبنان

وفي مقابلة مع «الشرق الأوسط»، تحدث ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، إيفو فرايسن، عما ستحمله المفوضية إلى مؤتمر بروكسل، كما رد على اتهامات عدة تطول المنظمة الدولية، فأكد أنه «لا توجد مؤامرة دولية لإبقاء اللاجئين السوريين في لبنان، كما أنه لا توجد أجندة خفية في هذا الشأن»، لافتاً إلى أن «المفوضية كانت دائماً شفافة جداً بشأن موقفها القائل إن الأمم المتحدة، بما في ذلك مفوضية اللاجئين، لا تعوق عودة اللاجئين إلى سوريا، وتدعم العودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين».

ويشير فرايسن إلى أن المفوضية ستدعو خلال مؤتمر بروكسل إلى «زيادة الدعم داخل سوريا، وكذلك في البلدان المجاورة لسوريا»، موضحاً أنها ستحث المجتمع الدولي على «استكشاف ما هو ممكن فيما يتعلق بالتعامل بشأن سوريا، فنحن نعترف بأن هذا أمر صعب وحساس، وربما يستغرق بعض الوقت، ولكن إذا أردنا عودة اللاجئين، فعلينا أن ننظر إلى ظروف العودة في سوريا».

وأضاف: «إحدى الرسائل الرئيسية للمفوضية في بروكسل هي أنه إذا أرادت سوريا والمجتمع الدولي عودة مزيد من اللاجئين، فتجب تهيئة ظروف العودة بشكل أكبر، وهذه مسؤولية تقع على عاتق السلطات السورية، ونحن نحاول أن نبذل قصارى جهدنا للمشاركة بشكل بنَّاء، لكن الأمر يتطلب أكثر بكثير من جهود المفوضية حصراً، ومن الواضح أن هذا أمر يتجاوز نطاق وكالة تابعة للأمم المتحدة، ونتوقع أن تلتف الدول الأعضاء حول هذه القضية، وأن تجد طريقة لإجراء حوار بنَّاء حول هذا الموضوع... وفي غضون ذلك، سندعو إلى دعم مستدام وكبير للبلدان الرئيسية المضيفة للاجئين المحيطة بسوريا».

الحل داخل سوريا

ويجزم فرايسن بأن «المفوضية لا تعوق عودة اللاجئين إلى سوريا، لكنها تسعى لأن تكون الحلول الدائمة والعودة الآمنة ممكنة لأعداد أكبر من اللاجئين»، موضحاً أن «هناك عدداً من الأسباب التي تجعل الناس لا يزالون غير قادرين على العودة، ومجرد وقف المساعدة في لبنان لن يساعد». ويؤكد فرايسن أن «غالبية اللاجئين السوريين يريدون العودة إلى سوريا، والسؤال ليس إذا كان ذلك ممكناً، بل متى، إذ إن معظمهم يقولون للمفوضية إنهم ما زالوا يشعرون بالقلق بشأن السلامة والأمن والمأوى والوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، فالسلامة والأمن يتجاوزان القضايا المتعلقة بالنزاعات المسلحة، كما أن الخوف من الاعتقال والاحتجاز، وعدم القدرة على التنبؤ بما سيكون عليه الواقع بما يتعلق بالخدمة العسكرية، يشكلان أيضاً مصدراً للقلق».

ويشدد فرايسن على أن «تهيئة ظروف أكثر ملاءمة داخل سوريا أمر بالغ الأهمية، ونحن نسعى للمساهمة في تسهيل مثل هذه الظروف. ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان أن ندرك أن هناك تحديات كبيرة تمتد إلى ما هو أبعد من نطاق العمل الإنساني»، مضيفاً: «تعمل المفوضية مع جميع المعنيين، بما في ذلك الحكومة السورية والحكومة اللبنانية، وغيرها من البلدان المضيفة المجاورة، وكذلك المجتمع الدولي، لمعالجة المخاوف التي يعدها اللاجئون عقبات أمام عودتهم بأعداد كبيرة، فضلاً عن زيادة الدعم داخل سوريا».

ويؤكد فرايسن أن «المفوضية وشركاءها يقدمون الدعم داخل سوريا للمجتمعات التي تستقبل العائدين. وتلحظ المساعدات المأوى، والمساعدة القانونية، والحصول على الوثائق المدنية، وتوزيع مواد الإغاثة، والوصول إلى سبل العيش، وإعادة تأهيل المدارس والمرافق الصحية وغيرها من البنى التحتية المدنية». ويقول: «الحل هو داخل سوريا، ونحن نتحدث بانتظام مع اللاجئين، ونجري استطلاعات، وهم يشيرون باستمرار إلى أن الأسباب التي تؤثر في قرارهم بالعودة مرتبطة بالوضع داخل سوريا. لقد قمنا على مستوى المفوضية بإثارة هذه القضايا مع السلطات السورية، ولكننا نلاحظ أيضاً أن هذه مسألة معقدة تتطلب مشاركة مجموعة من الجهات الفاعلة خارج المجال الإنساني».

دعوة لضبط النفس

ويتناول فرايسن الوضع داخل لبنان، مؤكداً أن «المفوضية تعي وتقدر ما يفعله لبنان والدول المجاورة الأخرى في المنطقة، وأماكن أخرى حول العالم، في ما يتعلق باستضافة اللاجئين، خصوصاً عندما تصبح استضافة اللاجئين طويلة الأمد وأكثر صعوبة، ومع ذلك، فإن البحث عن حلول هو عملية معقدة، ونحن ندعو جميع الأطراف الفاعلة إلى ضمان عدم تفاقم الوضع الصعب بسبب التوترات الكبيرة وزيادة جوانب الضعف؛ لذلك، عندما تتصاعد التوترات، تكرر المفوضية دعوة الحكومة والسلطات اللبنانية للحفاظ على الهدوء وضبط النفس».

وأضاف أن «أعمال العنف والتهديدات العشوائية ضد السوريين خلقت حالة من الذعر بين العائلات السورية في لبنان، وأن المفوضية تراقب هذه التطورات من كثب، وتتابع الحالات الفردية للاجئين الذين أبلغوا عن تعرضهم للإساءة أو العنف أو الإخلاء، وتدعو المفوضية المجتمعات اللبنانية إلى الامتناع عن إلقاء اللوم بشكل جماعي وظالم على الأفراد السوريين، وحمايتهم من استهدافهم بجرائم لم يرتكبوها»، ملاحظاً أنه «للأسف، فإن التمييز والكراهية ضد اللاجئين في ارتفاع على مستوى العالم، بما في ذلك في لبنان».

ويعبر فرايسن عن قلقه الشديد بشأن «كمية السلبية والمعلومات المضللة والتحريض التي يجري توجيهها إلى اللاجئين السوريين»، ويضيف: «أتفهم الإحباط، خصوصاً وسط الأزمة المتعددة الأوجه التي يمر بها لبنان، لكن هذا الخطاب المتنامي ضد اللاجئين يضر بالجميع، وينبغي أن تسود روح التضامن والاحترام المتبادل التي كانت السمة المميزة للمجتمعات في لبنان».

«داتا» اللاجئين

ويتناول فرايسن ملف «داتا» اللاجئين التي باتت بحوزة الأمن العام اللبناني، الذي طالب بـ«داتا» أكثر تفصيلاً، قائلاً: «تأخذ المفوضية طلب الأمن العام اللبناني في ما يتعلق ببيانات اللاجئين السوريين على محمل الجد، ونحن، بالتعاون مع مقرنا الرئيسي، بصدد مراجعة الطلب بدقة، إذ ندرك الاهتمام المشروع للحكومة اللبنانية بمعرفة الأشخاص الموجودين على أراضيها، لذلك توصلنا إلى اتفاق لتبادل البيانات في 8 أغسطس (آب) من العام الماضي، وتلتزم هذه الاتفاقية التي تعتمد على تعاوننا الطويل الأمد مع الحكومة اللبنانية، بالحماية الدولية والمعايير العالمية لحماية البيانات. وتماشياً مع الاتفاقية، قامت المفوضية بنقل البيانات الحيوية الأساسية للاجئين السوريين في لبنان لمرة واحدة في ديسمبر (كانون الأول) 2023. ومن خلال استكمال عملية نقل البيانات الشخصية هذه، تكون المفوضية قد أوفت بالتزامها بموجب هذه الاتفاقية. بالمقابل، التزمت الحكومة اللبنانية بعدم استخدام أي بيانات مشتركة لأغراض تتعارض مع القانون الدولي، وأكدت التزامها بمبدأ عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي».

تصاعد معدلات الهجرة غير الشرعية

وعن ملف الهجرة غير الشرعية من لبنان إلى أوروبا، يشير فرايسن إلى أن «اللاجئين في لبنان يردون ذلك إلى عدم قدرتهم على البقاء على قيد الحياة بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي في لبنان، وعدم حصولهم على الخدمات الأساسية، كما أشاروا إلى تصاعد التوترات الاجتماعية والتدابير التقييدية، فضلاً عن خوفهم من الترحيل. ويقترن ذلك مع انخفاض ملحوظ في الدعم التمويلي الدولي للبنان، الذي يستضيف منذ فترة طويلة عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين».

وكشف فرايسن أنه «في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى 17 أبريل (نيسان) 2024، تحققت المفوضية في لبنان من 59 حركة فعلية أو محاولة دخول، شملت ما مجموعه 3191 راكباً، معظمهم من السوريين. وبالمقارنة، لم تكن هناك سوى 3 تحركات للقوارب خلال نفس الفترة من عام 2023، شملت 54 راكباً. وطوال عام 2023، تحققت المفوضية من إجمالي 65 حركة فعلية أو محاولة للقوارب، تضم 3927 راكباً في المجمل».

التمييز والكراهية ضد اللاجئين في ارتفاع على مستوى العالم بما في ذلك في لبنان

إيفو فرايسن


مقالات ذات صلة

«كباش» بين جعجع وباسيل على المرجعية المسيحية رئاسياً

المشرق العربي البطريرك الماروني بشارة الراعي (الوكالة الوطنية)

«كباش» بين جعجع وباسيل على المرجعية المسيحية رئاسياً

لا تزال الحركة الناشطة على صعيد الملف الرئاسي «من دون بركة»، كما يؤكد مصدر معني بالمشاورات الحاصلة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

الشرع: سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان

تعهد القائد العام للإدارة الجديدة بسوريا أحمد الشرع الأحد بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان وستحترم سيادة هذا البلد المجاور

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير
المشرق العربي برّي مُصرّ على عدم تأجيل موعد الانتخابات (الوكالة الوطنية للإعلام)

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أن المساعي مستمرة لإنجاح الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

ثائر عباس (بيروت)
خاص ناشطون يحملون أعلاماً لبنانية وسورية وصور الصحافي سمير قصير الذي اغتاله النظام السوري السابق لمعارضته له في تحرك ببيروت تحت شعار «مِن بيروت الحرية» احتفالاً بسقوط نظام بشار الأسد (إ.ب.أ)

خاص مصادر لـ«الشرق الأوسط»: ميقاتي أعطى تعليمات للمؤسسات اللبنانية للتعاون مع «هيئة تحرير الشام»

فُتِحَت قنوات التواصل بين لبنان والحكومة السورية المؤقتة، ونَقَل دبلوماسيون رسالة من قائد «هيئة تحرير الشام» إلى لبنان بأنه لا مشكلة مع الدولة اللبنانية

يوسف دياب

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
TT

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)

نالت المستشفيات في جنوب لبنان، حصتها من الحرب الإسرائيلية، باستهدافات مباشرة وغير مباشرة. ومع دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين لبنان وإسرائيل، ها هي تحاول النهوض مجدداً رغم كل الصعوبات، بينما لا تزال مجموعة منها، لا سيّما الواقعة في القرى الحدودية، متوقفة عن العمل أو تعمل بأقسام محددة، وتحت الخطر.

مستشفى بنت جبيل

في بلدة بنت جبيل، عاد مستشفى صلاح غندور للعمل. ويقول مدير المستشفى الدكتور محمد سليمان: «فتحنا الأبواب في اليوم التالي لإعلان وقف إطلاق النار، بداية مع قسم الطوارئ، الذي استقبلنا فيه حالات عدّة، وقد جرى العمل على تجهيز الأقسام الأخرى، منها قسم العمليات، الذي بات جاهزاً، إضافة إلى قسمي المختبر والأشعة».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ستتمّ إعادة فتح القسم الداخلي خلال أيام، أما العيادات الخارجية فتحتاج إلى مزيد من الوقت كي تستقبل المرضى، وكذلك الصيدلية».

ويتحدَّث عن أضرار كبيرة أصابت المستشفى، قائلاً: «لكننا نعمل من أجل إصلاحها. قبل أن نُخلي المستشفى كان لدينا مخزون كافٍ من المستلزمات الطبية، وهو ما سهّل عملنا».

ومع استمرار الخروقات الإسرائيلية والمسيَّرات والطائرات الحربية التي لا تفارق الأجواء، يؤكد سليمان أن «المستشفى يعمل بشكل طبيعي، والأهم أن الطاقمين الطبي والإداري موجودان».

وكان المستشفى قد استُهدف بشكل مباشر من قبل الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي تسبّب بإصابة 3 أطباء و7 ممرضين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تمّ حينها الإخلاء، علماً بأن محيط المستشفى قُصف لمرات عدة قبل ذلك.

لكن مستشفى بنت جبيل الحكومي لم يفتح أبوابه، في حين استأنف مستشفى مرجعيون الحكومي استقبال المرضى اعتباراً من يوم الخميس، 5 ديسمبر (كانون الأول).

مستشفى ميس الجبل

«لم يُسمح لنا بالتوجه إلى ميس الجبل، لذا بقي المستشفى مقفلاً ولم نعاود فتح أبوابه»، يقول مدير الخدمات الطبّيّة في مستشفى ميس الجبل الحكومي، الدكتور حليم سعد، لـ«الشرق الأوسط».

ويضيف: «يقع المستشفى على الحدود مباشرة، أُجبرنا على إقفال أبوابه بعد نحو أسبوع من بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقد تمّ قصفه مرات عدة، ونحن حتّى يومنا هذا لم نتمكّن من العودة إليه»، وذلك نتيجة التهديدات الإسرائيلية المستمرة في هذه المنطقة ومنع الجيش الإسرائيلي الأهالي من العودة إلى عدد من القرى، ومنها ميس الجبل.

أما مستشفى تبنين الحكومي، فإنه صامد حتّى اليوم، بعدما كان يعمل وحيداً خلال الحرب، ليغطي المنطقة الحدودية هناك كلها، علماً بأنه استُهدف مرات عدة بغارات سقطت في محيط المستشفى، كما أصابت إحدى الغارات الإسرائيلية قسمَي العلاج الكيميائي والأطفال، وأخرجتهما عن الخدمة.

النبطية

من جهتها، عانت مستشفيات النبطية طوال فترة الحرب من القصف الكثيف والعنيف في المنطقة، والدليل على ذلك حجم الدمار الهائل في المدينة وجوارها؛ ما تسبب في ضغط كبير على المستشفيات هناك.

تقول مديرة مستشفى «النجدة الشعبية» في النبطية، الدكتورة منى أبو زيد، لـ«الشرق الأوسط»: «كأي حرب لها نتائج سلبية، أثرت بنا وعلينا، خصوصاً أننا في القطاع الصحي، نعيش أساساً تداعيات أزمات كثيرة، منذ قرابة 5 سنوات، منها جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية والمالية؛ ما منعنا عن تطوير إمكاناتنا وتحسين الخدمات الطبية لمرضانا».

قوات إسرائيلية تتنقل بين المنازل المدمرة في بلدة ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

أثر نفسي

وتتحدَّث الدكتورة منى أبو زيد لـ«الشرق الأوسط» عن أمور أساسية مرتبطة بتداعيات الحرب. وتقول: «نقطتان أساسيتان، لا بد من التطرق إليهما عند الحديث عمّا أنتجته الحرب الإسرائيلية، الأولى: الوضع النفسي لجميع العاملين في المستشفى، الذين مكثوا داخله طوال فترة الحرب التي استمرّت 66 يوماً على لبنان. وفور انتهاء الحرب، وجد بعضهم منزله مدمراً وأصبحت عائلته دون سقف أو مأوى، وفقد آخرون أحباباً وأقارب لهم».

وعلى خلفية هذا الواقع، لا يزال كثير من الأطباء خارج المستشفى، لإعادة تنظيم حياتهم؛ ما تسبب بنقص في الكادر البشري داخل المستشفى، وفق ما تؤكد الدكتورة منى، التي اضطرت لدمج أقسام وتسكير أخرى.

وعن يوم إعلان وقف إطلاق النار، تروي الدكتورة منى كيف كان وقع عودة الأهالي إلى بلداتهم وقراهم: «استقبلنا 57 مريضاً في اليوم الأول، الغالبية منهم أُصيبت بوعكة صحية جراء رؤيتهم الدمار الذي حلّ بمنازلهم وممتلكاتهم».

معاناة متفاقمة

أما النقطة الثانية التي تطرّقت إليها، فإنها تتعلق بتبعات مالية للحرب أثرت سلباً على المستشفى، إذ «في الفترة الماضية تحوّلنا إلى مستشفى حرب، ولم يكن لدينا أيّ مدخول لتغطية تكلفة تشغيل المستشفى، ومنها رواتب الموظفين» حسبما تقول.

وتضيف: «لدي 200 موظف، وقد واجهنا عجزاً مالياً لن أتمكّن من تغطيته. نمرُّ بحالة استثنائية، استقبلنا جرحى الحرب وهذه التكلفة على عاتق وزارة الصحة التي ستقوم بتسديد الأموال في وقت لاحق وغير محدد، وإلى ذلك الحين، وقعنا في خسارة ولن يكون بمقدورنا تأمين كامل احتياجات الموظفين».

وعمّا آلت إليه أوضاع المستشفى راهناً، بعد الحرب، تقول: «فتحت الأقسام كلها أبوابها أمام المرضى؛ في الطوارئ وغرفة العناية وقسم الأطفال وغيرها».

وتؤكد: «رغم الضربات الإسرائيلية الكثيفة التي أصابتنا بشكل غير مباشر، ونوعية الأسلحة المستخدَمة التي جلبت علينا الغبار من مسافات بعيدة، فإننا صمدنا في المستشفى حتّى انتهت الحرب التي لا تزال آثارها مستمرة».

صور

ولا تختلف حال المستشفيات في صور، عن باقي مستشفيات المنطقة، حيث طال القصف، وبشكل متكرر، محيط المستشفيات الخاصة الموجودة هناك، وهي 3 مستشفيات: حيرام، وجبل عامل، واللبناني الإيطالي، لكنها استمرّت في تقديم الخدمة الطبية، وكذلك المستشفى الحكومي، لكنه يعاني أيضاً كما مستشفيات لبنان بشكل عام ومستشفيات الجنوب بشكل خاص؛ نتيجة أزمات متلاحقة منذ أكثر من 5 أعوام.