تفاقم الخلاف السياسي حول تعديل قانون الانتخابات النيابية في لبنان، مع انتقال السجال من إطار «تقني - إجرائي» إلى مواجهة مفتوحة تمسّ جوهر العمل البرلماني، وذلك في مرحلة حسّاسة تسبق الاستحقاق الانتخابي المقرر عام 2026، إذ صعّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لهجته تجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، متهماً إياه بتعطيل متعمّد للمسار التشريعي وضرب المهل الدستورية المرتبطة بالانتخابات.
وأكّد جعجع، السبت، أنّ تعامل بري مع مشروع القانون المعجّل الوارد من الحكومة حول تعديل قانون الانتخابات النيابية، «يُشكّل خرقاً واضحاً وفاضحاً وضرباً بعرض الحائط بالمهل الدستوريّة، وهذا ما يُعد أساساً خرقاً للمادة (5) من النظام الداخلي للمجلس التي تلزمه أن يرعى أحكام الدستور والقانون والنظام الداخلي في مجلس النواب».
جعجع: تعامل بري مع تعديل قانون الانتخابات يشكّل ضرباً عرض الحائط بالمهل الدستورية@DrSamirGeagea https://t.co/4GQQqiBsod
— Lebanese Forces News (@LebForcesNews) December 13, 2025
ويتمحور جوهر الاشتباك حول اقتراح قانون معجّل مكرّر تقدّمت به «القوات اللبنانية» وحلفاؤها، يهدف إلى إلغاء المادة «112» من قانون الانتخاب، بما يتيح للمغتربين الاقتراع لـ128 نائباً بدلاً من حصرهم في 6 مقاعد اغترابية. وترى هذه القوى أنّ امتناع رئيس المجلس عن إدراج الاقتراح على جدول أعمال الهيئة العامة يشكّل خرقاً للنظام الداخلي الذي يفرض عرض أي اقتراح معجّل مكرّر على التصويت لتحديد مصيره، سواء بإقراره أو إحالته إلى اللجان.
وجاء كلام جعجع خلال احتفال تسليم البطاقات إلى دفعة جديدة من المنتسبين إلى حزب القوات اللبنانية، نظمته الأمانة العامة في المقر العام بمعراب، إذ شدّد على أنّ «الحكومة أحالت مشروع القانون بصفة عاجلة إلى مجلس النواب لسبب، وهو أن البت فيه مرتبط بمهل دستوريّة لا يمكن خرقها مثل انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي، هذا بالإضافة إلى المهل التي ينص عليها قانون الانتخاب من تشكيل اللوائح والترشح، تنظيماً للعمليّة الانتخابيّة».
وأشار إلى أنّ «ما يقوم به بري لا يقتصر على عرقلة مشروع القانون المعجّل بحد ذاته فحسب، وإنما يمتد بجوهره إلى ضرب المهل الدستوريّة والمهل المتعلّقة بإجراء العمليّة الانتخابيّة، بعدما أصبح الوقت داهماً والحكومة قد أبدت رأياً صريحاً في أنها غير قادرة على إجراء الانتخابات من دون تعديل القانون النافذ».

وكانت كتل معارضة، بينها «القوات»، قد لجأت إلى مقاطعة جلسات تشريعية، رداً على موقف بري، ما أدّى إلى عدم اكتمال النصاب ورفع الجلسات، في خطوة نقلت الصراع من قانون الانتخاب إلى إدارة البرلمان نفسه، وأعادت فتح النقاش حول حدود صلاحيات رئاسة المجلس.
المهل والنظام الداخلي
وفي تفصيل إجرائي، شدّد جعجع على أنّ «دور اللجان النيابية فيما يتعلّق بمشروعات القوانين المعجّلة هو دور مقيَّد بمهلة زمنية لا تتجاوز خمسة عشر يوماً، وفي النهاية أياً كان مسار مشروع القانون المعجّل، فإن صلاحية القرار تعود إلى الهيئة العامة، وبالتالي بعد انقضاء مهلة الـ15 يوماً على تاريخ ورود مشروع القانون إلى اللجان، أصبح واجباً إحالته فوراً على الهيئة العامة وإدراجه على جدول الأعمال من قِبل الرئيس بري».
ويقول نواب مقربون من بري، إن إحالة أي مشروع أو اقتراح قانون إلى البرلمان، هو من صلاحيات رئاسة المجلس فقط، وأن قانوناً بهذه الحساسية، مثل قانون الانتخابات، لا يمكن أن يُقدم بشكل «عاجل»، لأنه يحتاج إلى دراسة في اللجان، ويحدد المسار السياسي والتوازنات السياسية في البرلمان لأربع سنوات.
وعدّ جعجع «كلّ أمر غير ذلك يشكّل ضرباً واضحاً للمهل الدستوريّة، ومخالفة صريحة للنظام الداخلي للمجلس، وتجاوزاً لدوره بوصفه مكاناً لحسم الاختلافات في الرأي عبر الاحتكام للديمقراطيّة، وليس كما هو حاصل اليوم، إذ إن المجلس أضحى مكاناً يسوده التسلّط والتشبث بالرأي والتفرّد بالقرار».
وذهب جعجع أبعد من ذلك، قائلاً إنّ «ما يقوم به برّي لم يعد يندرج في إطار الخلاف السياسي أو الاختلاف في تفسير النصوص، بل تحوّل أيضاً إلى تعطيل وضرب منظّم للعمل البرلماني في لبنان، وبالتالي ضرب الأسس الديمقراطيّة التي يقوم عليها دستور البلاد»، مشيراً إلى أنّ «القاصي والداني أصبحا يدركان تماماً أن المقصود من كل ما يقوم به الرئيس بري هو إفراغ العملية الديمقراطية في لبنان من مضمونها وجوهرها وتحويلها إلى ديمقراطيّة صوريّة، الأمر الذي لم يشهده لبنان في أظلم الحقبات التي مرّت عليه في السنوات الخمسين الماضية».
موقف بري: القانون النافذ أولاً
في المقابل، يتمسّك رئيس مجلس النواب نبيه بري بموقفه الرافض لأي تعديل خارج إطار القانون الانتخابي النافذ. وكان بري قد أكّد، الخميس، أنّ «القانون الانتخابي الحالي نافذ، وأن الانتخابات النيابية لن تُجرى إلا وفقاً للقانون النافذ»، مشدداً على أنّه «لا إلغاء ولا تأجيل، وكل الناس تريد الانتخابات». كما أبدى بري انفتاحاً مشروطاً على النقاش، قائلاً: «ما زلنا منفتحين على أي صيغة تفضي إلى توافق حول المسائل العالقة التي هي موضع خلاف بين القوى السياسية، خصوصاً في موضوع المغتربين، فلا أحد يريد إقصاء المغتربين».
ويبرز البعد السياسي وراء السجال الدستوري، فقد أظهرت انتخابات عام 2022 أن أصوات المغتربين مالت إلى مصلحة قوى المعارضة، وأسهمت في إحداث خروقات داخل المجلس النيابي، ما جعل اقتراع المنتشرين نقطة اشتباك مركزية بين فريق يسعى إلى تثبيت هذا الدور وتوسيعه، وآخر يعمل على احتوائه وضبط تأثيره.





