الأزمة الاقتصادية و«غياب التسوية» يعيقان استكمال انتشار الجيش اللبناني في الجنوب

المساعدة المالية لعناصره مهددة بالتوقف بعد شهرين

عسكري في الجيش اللبناني يقف إلى جانب السيارة المستهدفة في صور (إ.ب.أ)
عسكري في الجيش اللبناني يقف إلى جانب السيارة المستهدفة في صور (إ.ب.أ)
TT

الأزمة الاقتصادية و«غياب التسوية» يعيقان استكمال انتشار الجيش اللبناني في الجنوب

عسكري في الجيش اللبناني يقف إلى جانب السيارة المستهدفة في صور (إ.ب.أ)
عسكري في الجيش اللبناني يقف إلى جانب السيارة المستهدفة في صور (إ.ب.أ)

مثّلت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، وغياب «تسوية عامة» لأزمة حرب الجنوب، عقبتين أساسيتين تحولان دون نشر 10 آلاف عسكري إضافي من الجيش في منطقة جنوب الليطاني، جنوب البلاد، وينجز الجيش في حال نشرهم المطلوب منه في ملف تطبيق القرار 1701 الذي تصاعدت الدعوات المحلية والدولية أخيراً لتطبيقه في ضوء الحرب القائمة بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي في الجنوب.

ونشطت خلال الأشهر الثلاثة الماضية دعواتٌ لنشر 10 آلاف جندي إضافي من الجيش اللبناني في الحدود وانسحاب مقاتلي «حزب الله»، وذلك تطبيقاً للقرار 1701، لكن طرحها «جاء ضمن الحلول التي تُطرح في حال التوصل إلى تسوية تنهي الحرب القائمة في الجنوب»، حسبما قالت مصادر لبنانية مواكبة للحراك الدولي، موضحة أن «التسوية لم تُنجز حتى الآن، ولم تصدر أي قرارات دولية لتسهيل تجنيد العسكريين الإضافيين، ولم تصدر الحكومة اللبنانية أصلاً قراراً بفتح باب التطويع، ما يضع كل المعلومات الرائجة في إطار المقترحات».

واستبعدت المصادر اللبنانية المواكبة لمفاوضات التهدئة على الحدود الجنوبية، صدور أي قرار دولي قبل إنجاز التسوية العامة، وشددت على أن «التهدئة على الحدود هي قرار سياسي يجب اتخاذه لضمانة تثبيت الاستقرار، ويستتبعها تنفيذ التفاصيل الأخرى الملحقة بالقرار الأساسي الواجب اتخاذه على المستوى السياسي».

جنود من «يونيفيل» بآلياتهم عند الحدود اللبنانية - الإسرائيلية في نهاية نوفمبر الماضي (رويترز)

«1701» وانتشار إضافي

وفشلت المساعي الدولية حتى الآن في إنهاء القصف المتبادل بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، بما فيها الدعوات لتطبيق القرار 1701 بالكامل، من ضمنه استكمال نشر الجيش اللبناني على الحدود تنفيذاً لقرار اتخذته الحكومة اللبنانية بالإجماع في 7 أغسطس (آب) 2006، وقضى بنشر قوة مسلحة لبنانية من 15 ألف جندي في جنوب لبنان بالتزامن مع انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق. ورحب قرار مجلس الأمن 1701 بالقرار اللبناني وبطلب مساعدة قوات إضافية لقوة الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) حسب الحاجة، لتسهيل دخول القوات المسلحة اللبنانية إلى المنطقة.

وفيما يبذل قائد الجيش العماد جوزيف عون مساعي حثيثة لتأمين حاجيات العسكريين، بما يضمن استمرارية المؤسسة ومواصلة تنفيذ المهام، لم يتلقَ لبنان أي إشارات دولية حول دعم جديد للجيش، يتيح له استكمال الانتشار وتطبيق القرار المتخذ في عام 2006، قالت مصادر عسكرية لبنانية لـ«الشرق الأوسط» إن قيادة الجيش لم تتبلغ بأي قرار دولي حول استعداد أي دولة لرعاية البنية العسكرية الشاملة للجيش في الجنوب.

المساعدة المالية مهددة بالتوقف

واصطدم استكمال نشر الجيش في السنوات الأخيرة بالعجز عن تطويع عسكريين إضافيين، ويقول لبنان إنه عاجز عن تأمين انتشار أكثر من 5 آلاف عسكري، هم منتشرون الآن فعلاً في الجنوب، لكنه يؤكد استعداده لتطويع 10 آلاف عسكري جديد إذا تأمّنت مساعدة مالية.

كما اصطدمت بعجز البلاد عن تأمين مستلزمات هؤلاء العسكريين ورواتبهم، علماً بأن الولايات المتحدة تتكفل في هذا الوقت بـ90 في المائة من تسليح الجيش، وتوفير مساعدات مالية شهرية، إلى جانب شركاء آخرين، للعسكريين اللبنانيين.

وقالت مصادر لبنانية مطلعة على ملفات الجيش لـ«الشرق الأوسط» إن المساعدة المالية القائمة على دفع 100 دولار لكل عسكري شهرياً، ستتوقف خلال شهرين إذا لم يتم تأمين مساعدة جديدة، علماً بأن 70 ألف عنصر من الجيش يتلقون مساعدة مالية منذ 11 شهراً بقيمة 100 دولار، إلى جانب رواتبهم، وتم توفيرها من مساعدة أميركية لمدة 6 أشهر، وتم تمديدها شهراً إضافياً، (حملت عنوان برنامج دعم سبل العيش)، وصُرفت بالكامل، كما من مساعدة قطرية لمدة 6 أشهر، دُفع منها أربعة أشهر حتى الآن، ولم يبقَ منها إلا ما يكفي لمدة شهرين. وفي حال عدم تأمين ظروف لاستمرارها، سيخسر العسكريون تلك المساعدة على الراتب البالغة 100 دولار شهرياً بعد شهرين.

مساعدات أميركية

ويتلقى الجيش مساعدات من مروحة كبيرة من الدول الصديقة للبنان، وتنقسم إلى نوعين من المساعدات، يشمل الأول المساعدات الأميركية، التي تقدّم من خلال برامج سنوية. أما النوع الثاني، فيشمل مساعدات ظرفيّة من الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول التي تجمعها علاقات صداقة مع الجيش اللبناني.

جانب من مساعدات عسكرية أميركية للجيش اللبناني (قيادة الجيش)

وتتصدر الولايات المتحدة الأميركية قائمة الدول التي تقدم مساعدات كبيرة للجيش اللبناني، فاقت الـ3 مليارات دولار منذ عام 2005. وباتت تلك المساعدة «موجودة في الموازنة العامة الأميركية ضمن موازنة وزارة الدفاع وتنفذ تلقائياً عبر الوزارة أو الرئاسة من دون تعقيدات»، حسبما يقول السفير اللبناني السابق في واشنطن د. رياض طبارة، الذي يؤكد أن الولايات المتحدة تهتم بدعم الجيش اللبناني، وتعده مؤسسة محمية سياسياً منها.

وحول ما إذا كانت هناك عقبات قانونية تحول دون مساعدة الجيش على تنفيذ انتشار أوسع خارج الموازنة المرصودة، يشير طبارة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أي قرار متصل بإنفاق وزارة الدفاع «يستطيع الرئيس الأميركي أن يتخذ قراراً إطارياً به دون الرجوع إلى الكونغرس»، وذلك بناءً على الصلاحيات التي منحت للرئيس الأميركي في هذا المجال.


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يربط الحديث عن سلاحه بـ«4 أولويات»

المشرق العربي لبنانيون يتحدرون من بلدة ميس الجبل يحملون أعلام «حزب الله» بعدما منعهم الجيش الإسرائيلي من العودة لبلدتهم بجنوب لبنان في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

«حزب الله» يربط الحديث عن سلاحه بـ«4 أولويات»

أضاف «حزب الله» شرطاً رابعاً للانطلاق في محادثات داخلية لمعالجة ملف تسليم سلاحه، يتمثل في إعادة الإعمار، وذلك في تصعيد جديد رداً على الطروحات لتسليم سلاحه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة من مطار بيروت (أرشيفية - رويترز)

لبنان ينتظر ولادة الهيئات الناظمة للقطاعات الرسمية قريباً

يُفترض أن تبصر الهيئات الناظمة للقطاعات الأساسية في لبنان النور خلال الأشهر القليلة المقبلة، بعدما وضع الوزراء المعنيون سريعاً أسس تشكيل هذه الهيئات.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون في مقر البطريركية المارونية صبيحة عيد الفصح (الرئاسة اللبنانية)

الرئيس اللبناني: قرار حصر السلاح اتُّخذ وننتظر الظروف المناسبة

حسم الرئيس اللبناني جوزيف عون الجدل حول سلاح «حزب الله» بتأكيده أن «حصر السلاح سننفذه، وقد اتُّخذ القرار بشأنه».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من «حزب الله» يشاركون في مناورة عسكرية في بلدة عرمتا اللبنانية بتاريخ 21 مايو 2023 (رويترز)

فكرة دمج مقاتلي «حزب الله» بالجيش اللبناني تصطدم بالواقع

تحوّل الطرح الذي قدّمه الرئيس اللبناني جوزيف عون، لدمج مقاتلي «حزب الله» في الجيش اللبناني، إلى مادة نقاش في الأوساط السياسية ولدى الخبراء.

يوسف دياب (بيروت)
تحليل إخباري الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام خلال جلسة مجلس الوزراء (الرئاسة اللبنانية)

تحليل إخباري استراتيجية الأمن الوطني: سياسة لبنان الدفاعية تنطلق من حصر السلاح بيد الدولة

ينكب رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون، على وضع الخطوط العريضة لاستراتيجية الأمن الوطني، التي تنبثق منها استراتيجية الدفاع الوطني.

بولا أسطيح (بيروت)

«حزب الله» يربط الحديث عن سلاحه بـ«4 أولويات»

لبنانيون يتحدرون من بلدة ميس الجبل يحملون أعلام «حزب الله» بعدما منعهم الجيش الإسرائيلي من العودة لبلدتهم بجنوب لبنان في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
لبنانيون يتحدرون من بلدة ميس الجبل يحملون أعلام «حزب الله» بعدما منعهم الجيش الإسرائيلي من العودة لبلدتهم بجنوب لبنان في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» يربط الحديث عن سلاحه بـ«4 أولويات»

لبنانيون يتحدرون من بلدة ميس الجبل يحملون أعلام «حزب الله» بعدما منعهم الجيش الإسرائيلي من العودة لبلدتهم بجنوب لبنان في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
لبنانيون يتحدرون من بلدة ميس الجبل يحملون أعلام «حزب الله» بعدما منعهم الجيش الإسرائيلي من العودة لبلدتهم بجنوب لبنان في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

وضع «حزب الله» أمام السلطة اللبنانية «4 أولويات» قبل الانخراط في محادثات داخلية لمعالجة ملف تسليم سلاحه، في وقت تمارس فيه إسرائيل ضغوطاً ميدانية بملاحقة عناصر الحزب، وهو ما عدَّه رئيس البرلمان نبيه بري، «محاولة مكشوفة للتشويش على الالتزام الجدي للبنان» باتفاق وقف إطلاق النار.

وشهد جنوب لبنان، الأحد، أكثر الأيام دموية منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، إذ قُتل 6 أشخاص، ووقع عدد من الإصابات، جراء استهدافين إسرائيليين لعنصرين في «حزب الله»، وبانفجار سيارة للجيش اللبناني تحمل ذخيرة تم جمعها من آثار الحرب الإسرائيلية الأخيرة في جنوب لبنان. وقالت رئاسة البرلمان في بيان، إن بري تابع تطورات الأوضاع الميدانية في الجنوب «على ضوء مواصلة (إسرائيل) اعتداءاتها، وخرقها بنود وقف إطلاق النار والقرار الأممي 1701، وقد بلغت ذروتها، الأحد، بغارات واعتداءات مكثفة طالت مناطق لبنانية واسعة في الجنوب، لا سيما في كوثرية السياد وحولا وأرنون وقرى إقليم التفاح ومرتفعات جبل الريحان، متسببة في سقوط عدد من الشهداء والجرحى».

عناصر من الجيش اللبناني في موقع انفجار آلية للجيش محملة بالذخائر في بلدة بريقع بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

ولهذه الغاية، «أجرى بري اتصالاً هاتفياً بقائد الجيش العماد رودولف هيكل، حيث اطلع منه على وقائع الاعتداءات الإسرائيلية»، كما قدم التعازي لثلاثة عسكريين، بينهم ضابط، من الجيش قُتلوا في انفجار شاحنة محملة بالذخيرة، الأحد.

وأكد رئيس المجلس النيابي اللبناني أن «ما قامت به إسرائيل، الأحد، وطيلة الأسابيع الماضية، هو محاولة مكشوفة للتشويش على الالتزام الجدي للبنان الذي نفّذ ما هو مطلوب منه لجهة تطبيق بنود وقف إطلاق النار، في وقت تُمعن فيه إسرائيل باستباحة سيادة لبنان واللبنانيين وقرارات الشرعية الدولية».

رفع سقف الشروط

تترافق تلك التطورات مع نقاشات داخلية حول معالجة سلاح «حزب الله»، وكان آخرها تأكيد الرئيس اللبناني جوزيف عون أن قرار «حصرية السلاح» بيد الدولة اتُّخذ، وننتظر الظروف المناسبة لتنفيذه.

لكن الحزب، في المقابل، رفع سقف شروطه بإضافة شرط رابع إلى 3 شروط كان قد أعلنها مراراً وهي: الانسحاب الإسرائيلي من نقاط لا يزال يحتلها، وتسليم الأسرى، ووقف الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار. وقال عضو كتلة «حزب الله» البرلمانية (الوفاء للمقاومة) النائب حسن فضل الله، الاثنين: «هناك أولويات يجب أن تعالجها ‏الحكومة أولًا؛ ثم تأتي الطروحات الأخرى المرتبطة بكيفية حماية السيادة الوطنية في‏ استراتيجية وطنية».

وأضاف: «هذه الأولويات حددناها بأربع وهي: ‏أولاً أن تتوقف الاعتداءات الصهيونية على بلدنا، والتي شهدنا كثيراً منها في الأيام الأخيرة، وثانياً، طرد الاحتلال من كل حبة تراب من أرضنا الجنوبية، وثالثاً، أن يُحرَّر جميع أسرانا الذين خطفهم العدو أو أُسروا في أرض المعركة، ورابعاً، إعادة إعمار قرانا والبيوت التي هدّمها العدو الإسرائيلي». وقال: «عندما تنجَز هذه الأمور، يمكن أن نتحدث عن استراتيجية دفاعية من أجل حماية سيادة بلدنا».‏

وقال فضل الله: «في الوقت الذي يقوم فيه العدو الإسرائيلي بالقتل والإغارة واستهداف بلدنا، يأتي، اليوم، من ‏يقول للمقاومة تعالوا نبحث في إمكاناتكم وقوتكم وسلاحكم، من دون أن يستنكر ما يرتكبه العدو». ‏وأضاف: «إذا كُنّا لا نطلب من أحد أن يطلق الصواريخ ضد العدو أو مواجهته، لكن ألا يخجلوا من أنفسهم أولئك الذين ‏يستكثرون على دماء شعبنا أن يدينوا القتلة والمجرمين الصهاينة عندما يطالبون اليوم بسلاح المقاومة؟».‏

مناصرون لـ«حزب الله» يشيّعون القيادي حسن بدير ونجله اللذين قُتلا في غارة إسرائيلية استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية الشهر الماضي (إ.ب.أ)

ويرفض «حزب الله» الوعود الإسرائيلية التي تلقاها لبنان عبر الموفدين الدوليين بشأن الانسحاب في حال تسليم السلاح. وقال عضو كتلته البرلمانية النائب علي المقداد: «نحن لا يمكن أن يغرّنا هذا، فكل الكلمات التي أُعطيت لنا وقيلت لنا، وكل ما قيل لنا بأنه إذا أنتم أردتم السلام وأردتم أن تعيشوا بوئام وسلام في هذا البلد، سلّمونا هذا السلاح، فهذا الخطاب سذاجة وسخافة».

وتابع: «لا تتوقعوا أن أحداً منا سيترك هذا الطريق، لأن المؤامرة والخطة اللتين أُعدّتا لنا لتفرقتنا وتدميرنا وقتلنا ومحونا لا تزالان موجودتين».