رمضان غزة: صوم وتجويع... وفوانيس تتحدى ظلمة الحرب

الوفيات جراء سوء التغذية تحصد 25 قتيلاً

طفل فلسطيني نازح خارج المخيمات عشية شهر رمضان (إ.ب.أ)
طفل فلسطيني نازح خارج المخيمات عشية شهر رمضان (إ.ب.أ)
TT

رمضان غزة: صوم وتجويع... وفوانيس تتحدى ظلمة الحرب

طفل فلسطيني نازح خارج المخيمات عشية شهر رمضان (إ.ب.أ)
طفل فلسطيني نازح خارج المخيمات عشية شهر رمضان (إ.ب.أ)

استقبل أهالي قطاع غزة أول أيام شهر رمضان بصوم سابق على حلول أيامه، فرضته الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 5 أشهر، ولم يستقبلوا الشهر بالفرحة المعتادة.

وبدلاً من الاستيقاظ فجراً على طبول المُسَحِّرين كما كانوا يفعلون سابقاً، أفزعت أصوات الطائرات والمدفعية التي لا تتوقف أهالي غزة، لكن ذلك لم يحل دون بعض مظاهر التحدي، ومحاولة إظهار احتفالات رمزية بحلول الشهر، ظهرت بعض ملامحها في رفح (أقصى جنوب القطاع)، حيث يتكدس النازحون.

ولم تعرف خديجة حمادة (47 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، التي يعيش سكانها مجاعة حقيقية، كيف تعبر عن نفسها في استقبال رمضان، قائلة «إحنا أصلاً صايمين... من زمان صايمين، إحنا والأولاد صايمين». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «ما في أجواء، ما في أكل. حقيقة ما في أكل. كيف راح نتسحر؟ كيف راح نفطر؟ مش عارفة... اشترينا كيلوغرام واحداً من التمر بـ60 شيقلاً، (ما يعادل نحو 16 دولاراً)، عشان نتسحر. لازم نتسحر الأولاد ما يقدروا يصوموا لأنهم أصلاً تعبانين من الجوع، لكن بتأمل إنه التمر يساعدنا... والفطور ما بعرف نجيبه (نأمنه)».

وتابعت: «لا يوجد أرز ولا عدس ولا مكرونة، ما في شيء. في بس جوع، ومش عارفة كيف سنمضي شهر رمضان».

نازحون فلسطينيون خارج مخيماتهم في دير البلح جنوب غزة (إ.ب.أ)

وتختصر معاناة حمادة، واقع مئات آلاف من الغزيين ما زالوا في مناطق شمال قطاع غزة بما في ذلك مدينة غزة، وهي المناطق التي تعاني مجاعة حقيقية، لم تمكنهم من استقبال رمضان كما يليق به، وبدت أسواق المدينة على غير عادتها البهيجة في هذا الشهر، مدمرة وفارغة من البضائع.

ورصد مراسل «الشرق الأوسط» الذي تجول في أسواق شمال غزة، انعدام أي من أنواع الطعام، بينما اجتهد شبان صغار في إعداد حلويات «القطايف» الشهيرة في رمضان لدى الفلسطينيين.

وقال مجد العواودة من سكان بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة: «كل شيء مفقود أو سعره غير طبيعي». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ما في أكل، ما في مي للشرب. هذا أصعب رمضان يمكن أن يعيشه أي إنسان على وجه الأرض».

وحاول العواودة (51 عاماً) وهو أب لـ6 من الأبناء بينهم قاصران، شراء بعض الطعام من الأسواق، لكنه لم يجد أي أنواع من اللحوم أو الخضروات.

وقال: «تعبت وأنا أفكر كيف بدي أطعم أولادي. قبل رمضان كنا نأكل الزعتر دون خبز، أو الفول والحمص، واليوم شو راح نعمل». وأمام هذا الوضع خاطر شبان بحياتهم من أجل الوصول إلى مناطق مزروعة، وجلب بعض الخضراوات.

وشوهدت كميات من البطاطا في أسواق غزة، لكن بأسعار مرتفعة وصلت إلى 60 شيقلاً (16 دولاراً)، وهو ثمن غير مستوعب بالنسبة للكثيرين، في ظل أن الكيلوغرام في الضفة الغربية يباع بنحو دولار واحد.

سوء التغذية

ووفق إحصاءات من منظمات إغاثية وأممية، يعيش في مناطق شمال القطاع التي تتعرض لمجاعة حقيقية، نحو 800 ألف نسمة. وحذرت منظمات أممية ومحلية من تدهور الأوضاع الحياتية للسكان في تلك المناطق، ومختلف مناطق القطاع، مع استمرار الوضع الحالي.

ووفقاً لوزارة الصحة بغزة، فإن 25 فلسطينياً غالبيتهم من الأطفال والرضع، وبينهم شابة ومسنان، «استشهدوا إثر سوء التغذية والجفاف في مناطق شمال القطاع».

وقال رائد طافش (31 عاماً) من سكان حي الزيتون جنوب مدينة غزة، لـ«الشرق الأوسط»: «باختصار لا توجد حياة هنا. إنها معدومة، وهذا أقل ما يمكن أن نصفها به».

فلسطينيون يتجمعون ليلاً حول كومة نار على أطراف مخيم للنازحين في رفح (أ.ف.ب)

ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية عن رئيس الوزراء محمد أشتية القول إن التجويع في قطاع غزة «لا يعالج فقط بإسقاط الوجبات»، وإنما «بوقف الجريمة أولاً»، وإيصال المساعدات بإشراف «الأونروا».

وأضاف أشتية في مستهل اجتماع لحكومة تسيير الأعمال: «الحل الأسهل والأكرم للجوعى هو وقف الجريمة أولاً، وإيصال المساعدات عبر المعابر والموانئ بإشراف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، فإذا كان الهدف تقديم المساعدات، فإن هناك 5 معابر توصل إلى غزة، يمكن إيصال المساعدات عبرها خلال ساعات، بدل الانتظار 3 أيام في البحر».

وجدد مطالبته الحكومة الإسرائيلية بالإفراج عن الأموال المحتجزة التي بلغت أكثر من مليار دولار، وهي الخصومات التي تدفع للأسرى والشهداء. وطالب «الصليب الأحمر الدولي»، بزيارة المعتقلين والمعتقلات في السجون الإسرائيلية، مشدداً على وجوب التدخل العاجل لوقف «ما يجري في تلك السجون من وحشية».

فوانيس وصلوات

وبشكل غير مخطط، أرسل رواد منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات، من غزة بعنوان: «لن يسرقوا منا رمضان»، شوهد فيها الأطفال وهم يتلقون فوانيس في مخيمات النزوح التي تزينت بزينة رمضان، ويغنون لرمضان الكريم، ويدقون على الدفوف، ويتحلقون حول موائد سحور بسيطة.

أطفال فلسطينيون يحملون فوانيس في رفح مساء الأحد (أ.ف.ب)

وحاول غزيون صنع القطايف في المخيمات والمنازل، وصَلَّوْا فوق المساجد المدمرة، وأشعلوا القناديل، وخطوا على الجدران غير المدمرة.

كما تمكّن نحو 500 مصلٍّ من أداء صلاة التراويح، مساء الأحد، في مسجد العودة، وهو الأكبر في رفح. وصلّى نحو 100 آخرين قرب مسجد الهدى المدمر في الشابورة. لكن لم يجرِ توزيع الماء والتمور عليهم كما جرت العادة. ولم تجرِ إضاءة فانوس رمضان لانقطاع الكهرباء. واعتمد المصلون على هواتفهم وسط الظلام.

وإلى جانب ركام مسجد الفاروق في مخيم رفح الذي استهدفته غارة إسرائيلية قبل أسبوعين، مدّ متطوعون، الاثنين، حصائر تمهيداً لصلاة التراويح.

لكن وزارة الأوقاف في غزة قالت إن مئات آلاف المصلين لن يتمكنوا من أداء هذه الصلاة في مساجد القطاع «الجريحة»، بعد أن صارت المئات منها «ركاماً وأكوام دمار، أو لحقت بها أضرار جراء القصف الإسرائيلي».

وقال مكتب الإعلام الحكومي التابع لـ«حماس» إن الجيش الإسرائيلي استهدف «أكثر من 500 مسجدٍ، بينها 220 مسجداً هدمها بشكل كلي، و290 مسجداً بشكل جزئي، وصارت غير صالحة للصلاة».


مقالات ذات صلة

بعد عام من الحرب... سكان غزة يبحثون عن حل لأطنان الركام

المشرق العربي فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)

بعد عام من الحرب... سكان غزة يبحثون عن حل لأطنان الركام

فوق أنقاض منزله الذي كان يوما مكونا من طابقين، يجمع محمد البالغ من العمر (11 عاما) قطعا من السقف المتساقط في دلو مكسور ويسحقها لتتحول إلى حصى.

«الشرق الأوسط» (خانيونس )
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال اجتماع لمجلس الأمن الأربعاء (أ.ب)

غوتيريش يدعو للإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن الإسرائيليين

دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش السبت، إلى إنهاء «أعمال العنف المروعة» و«سفك الدماء» في غزة ولبنان، بعد عام من الحرب الإسرائيلية على غزة.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق الإرث مرايا الشعوب (أ.ف.ب)

معرض في سويسرا يحتضن آثار غزة: تدميرها المُتعمَّد «جريمة حرب»

أُحضرت هذه الآثار التي توضح جوانب من الحياة اليومية المدنية والدينية من العصر البرونزي إلى العصر العثماني، إلى جنيف ضمن معرض «غزة على مفترق طرق الحضارات».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي الفلسطيني عبد العزيز صالحة (يسار) يلوح لمتظاهرين بيدين مخضبتين بالدماء بعد قتل إسرائيليين في رام الله عام 2000 ويظهر (يمين) بعد اعتقاله (أ.ف.ب)

إسرائيل تغتال صاحب «أشهر صورة» في الانتفاضة الثانية

قتلت غارة إسرائيلية في قطاع غزة، الأسير المحرر، عبد العزيز صالحة، صاحب أشهر صورة في الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 عندما شارك في قتل جنديين إسرائيليين.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي فلسطينيان أصيبا في غارة إسرائيلية قتلت أقاربهم ينتحبان الأربعاء في خان يونس (رويترز)

إسرائيل تقتل 60 فلسطينياً في غزة الليلة الماضية

قتلت ضربات إسرائيلية في أنحاء غزة 60 فلسطينياً على الأقل الليلة الماضية، بما في ذلك بمدرسة تؤوي عائلات للنازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

نعيم قاسم: إمكانات «حزب الله» بخير وسنهجر أضعاف مستوطني الشمال

TT

نعيم قاسم: إمكانات «حزب الله» بخير وسنهجر أضعاف مستوطني الشمال

صورة مثبتة من مقطع فيديو لنائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم
صورة مثبتة من مقطع فيديو لنائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم

أكد نائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، أن إمكانات الحزب «بخير»، وما تقوله إسرائيل عن ضرب قدرات «حزب الله»، «وهم»، ورد على كلام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي لطالما أكد أنه سيعيد مستوطني الشمال إلى منازلهم، بالقول: «نقول له إننا سنهجر أضعافهم».

وفي كلمة متلفزة، قال قاسم: «إسرائيل والدول الغربية تحاول الضغط علينا، لنخاف؛ لكننا لا نهابهم».

وأضاف: «هذه الحرب لم تمسّ بإرادتنا ولن تمسّ بها، ومصمّمون على المقاومة والمواجهة».

وتابع: «نحن نضربهم ونؤلمهم، وسنطال المكان في الزمان الذي نقرره وفق خطّتنا العسكرية الميدانية، وإمكاناتنا بخير وكل ما يدّعيه العدوّ وَهمٌ».

غزة

إلى ذلك، عدّ قاسم «أميركا شريكة أساسية في كل الجرائم التي تحدث بغزة».

كما أشار إلى أنه «لولا الدعمان الأميركي والغربي لتوقّفت الحرب خلال شهر في غزّة، وإسرائيل لا تواجه الآن، بل هي تقتل».

حراك بري

وأكد قاسم تأييد الحراك الذي يقوم به رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، لوقف إطلاق النار، وأضاف: «لا تستعجلوا على بعض التفاصيل، وقبل وقف إطلاق النار أي نقاش آخر لا محل له بالنسبة إلينا، ومستعدون لمناقشة كل التفاصيل بعد وقف النار».

دعم إيران

ورداً على ما وصفهم بـ«المشككين بعطاء إيران ودعمها»، قال قاسم: «إيران مصممة على أن تكون إلى جانب المقاومة بالطريقة التي تقررها هي».

اغتيالات إسرائيل لقادة «حزب الله»

أما فيما يتعلق باغتيالات إسرائيل لقادة «حزب الله»، أعلن قاسم أنه «تمّ تأمين بدائل في كل المواقع بـ(حزب الله) من دون استثناء، وليس لدينا موقع شاغر»، وقال: «نعمل بكامل الجهوزية والانتظام».

وعن انتخاب خلف للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بعد اغتياله، لفت إلى أن الحزب «سينجز انتخاب الأمين العام وفق الآليات التنظيمية، وسيعلن عن ذلك»، لكنه قال: «لا تنسوا أن الظروف صعبة ومعقدة بسبب الحرب».

وشدد على أن «الحل الوحيد بالنسبة لـ(حزب الله) هو المقاومة والصمود والتفاف أهلنا حولنا، هذا هو خيارنا للنصر».

أوضاع النازحين

تطرق قاسم أيضاً إلى أوضاع النازحين اللبنانيين، وقال: «بعض النازحين يعيشون حياة صعبة، وهذا جزء من التضحية والمعركة، ونحن نحاول مع الدولة أن نساعد ما أمكن، والنزوح بحدّ ذاته مشكلة وعبء وتضحية».

وتوجه إلى النازحين بالقول: «كما أثبتم في عدوان يوليو (تموز) سنة 2006 أنكم أهل الصمود، وكما أثبتم خلال سنة أنكم أهل الصمود والصبر، أيها الناس نحن نثق بالنصر بثبات المقاومة وصبر أهلنا».

الجيش الإسرائيلي يرد

وبعد دقائق من كلمة قاسم، علّق المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على منصة «إكس»، عادّاً أن قاسم «يكابر ولا يعترف بالواقع، لكن صورته أفضل من ألف كلمة. يقول إنه منتصر وصورته تثبت العكس».

وقال: «يبدو أنها محاولة يائسة للتغطية على واقع (حزب الله) المتدهور، ومحاولة فاشلة لرفع معنويات عناصره وبيئته من خلال مصطلحاته الفارغة مثل: سننتصر وسنكبد العدو خسائر».